@. وقف "الباص" في إحدى محطاته المعتادة، طلبت السائقة من الجالسين بالمقاعد الأمامية إخلاءها وكنت ضمنهم، فإذا براكبة على عجلة، بل فلنقل مستشفى متحرك به كل أجهزة التنفس والأوكسجين، وربما إنقاذ الحياة، السائقة لم تقدم لها أي مساعدة، غير أنها طلبت من الجالسين على تلك المقاعد الرجوع للخلف وبضغط زر تهيئ للمعاقة مكاناً آمناً .. أدهشني أن كيسا به خضراوات وبعض المشتريات كان معلقا خلف العجلة " المستشفى " وأيضا باقة زهور، دليل أنها كانت في جولة تسويقية.
@. لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي لاحظته من خلال مُشاهدتي بمدينة نيويورك التي تستحق بجدارة تسميتها "مدينة الأرجل والعجلات"، فذوو الاحتياجات الخاصة موجودون ضمن خارطة الحياة ومفاصلها الكاملة في الشوارع والقطارات يمارسون حياتهم الطبيعة والابتسامة العريضة مرتسمة على وجوههم، ونفوسهم ممتلئة بالتفاؤل وإلاقبال على الحياة.
في إحدى محطات القطارات رجل خمسيني يبدو أنه يعاني من الشلل الرعاش جلس القرفصاء يحرك جسده طربا للعازف الذي يعزف على آلة الكمنجة وكأنه واحد من فرقته.
@. المعاقون جسدياً أو ذوو الاحتياجات الخاصة في كثير من دولنا هم خلف الكواليس انتزعت منهم أسرهم ومجتمعاتهم حقوقهم في ممارسة الحياة الطبيعية بسبب الخجل الاجتماعي، مما أدرجهم ضمن القوة البشرية المهملة أو المعزولة أو فلنقل المحرومة من متعة العمل والعطاء واستنشاق الهواء الطبيعي والاختلاط بالآخرين والإفادة والاستفادة، إنهم قوة لا يستهان بها، لكن أغلبها معطلة قهرا وعاطلة إلا ما ندر.
@. من حق هذه الفئات ممارسة تفاصيل الحياة اليومية بجهدها ورهقها وألوانها وشجونها ومتعتها فليست الإعاقة الجسدية أي كانت هي شهادة للعزل خلف الستائر المصطنعة من الأسرة أو المجتمع، المعاق من حقه العمل ومن حقه أن يتدرب ليخدم نفسه بنفسه، من حقه مسارات تساعده ليأخذ موقعه الأمن إن كان في "الباصات" أو القطارات أو بـ"المولات" بالمدارس والنوادي ، فكثير من المجمعات التجارية والمساجد والشوارع والمشافي تفتقد لمسارات مسطحة لكراسي ذوي الإعاقة، بل إن الأسواق تكاد تفتقد للعجلات الكهربائية المصنعة بحسب حالات المعاقين؛ لتكون وسيلتهم الآمنة لقضاء حوائجهم بأنفسهم ليستمتعوا بحقوقهم ويفتقوا عن إمكاناتهم الذاتية ليكونوا إضافة حقيقية للقوة البشرية وليتغلبوا على الخجل الاجتماعي ويقهروا الصعاب.
@ لا يكفي معاهد ومدارس للمعاقين ودور يقضون بين جدرانها جل أوقاتهم الثمينة، والتي هي على ضروراتها تعيق حراكهم وتحجب قدراتهم الذاتية وإبداعاتهم الإنسانية، ارفعوا عنهم الحواجز وهيئوا لهم مسارات الحياة في الأندية والحدائق والأسواق والمساجد..... دام فضلكم.
عواطف عبداللطيف
اعلامية مقيمة بقطر [email protected] همسة : افتحوا النوافذ والأبواب لذوي الاحتياجات الخاصة ليعيشوا الحياة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة