في تلك الليلة تم اقتياد الشيخ إبراهيم السنوسي إلى المعتقل.. كانت التهمة تقويض النظام الدستوري عبر الإعداد لانقلاب عسكري.. في الصباح كان المحقِّق يخاطب الشيخ في مودة.. لم يكن المطلوب من عم إبراهيم إلا إدانة الشيخ الترابي عبر نفي مشاركة مؤسسات الشعبي في اتخاذ قرار الانقلاب على الإنقاذ.. قال للسجان إن السجن أحب إلى قلبي.. وإن كان الشيخ قد اتخذ القرار فنحن معه في ما قرر.. بذات ابتسامة الرضا مضى السنوسي إلى سجن كوبر ليرافق الترابي بضعة أشهر.. كانت تلك المحاولة التي عوقب على بعض قادتها بالمؤبد. أول البارحة اجتاز الشيخ السنوسي اختباراً صعباً في احتمال الرأي الآخر.. عددٌ من ناشطي الشعبي رفعوا مذكرة تحذِّر القيادة من الإنجراف في تيار المشاركة في السلطة دون تحقيق غايات الحوار الوطني المتمثلة في بناء وطن ينعم بالحريات ويسعد بالتداول السلمي للسلطة.. أول الغيث أن الأمين السياسي للشعبي لم ينكر أن هنالك مذكرة.. الناحية الثانية والأكثر أهمية أن الشيخ السنوسي لم يسأل المحتجين عن المنصة التي ينطقلون منها أو الشرعية التي تجوِّز لهم مخاطبته. نادى الشيخ إخوته وأبناءه إلى باحة منزله وأدار معهم حواراً شفّافاً.. لم ينكر الشيخ العثرات التي تواجه الحوار الوطني ولا العقبات التي تعترض مسيرة التسوية السياسية الشاملة.. أوضح للغاضبين أنهم رفعوا مذكرة للرئيس البشير توضِّح رؤية الحزب وأنهم ينتظرون الرد.. بعد أن خرج الهواء الساخن من الصدور التقط الجميع صورة تؤرخ لحكمة الخليفة السنوسي.. بعدها كتب ذات الغاضبين بياناً يثنون بين ثناياه على المؤسسية التي لم تضِق ذرعاً بالرأي المخالف. في ناحية بعيدة كانت مذكرة الشعبي المعنونة لرئيس الجمهورية تجد الاهتمام اللازم.. المذكرة تطالب بإطلاق المعتقلين حتى تتوافر أجواء الثقة.. بعد ثمانية وأربعين ساعة يصدر قرار يقول اذهبوا أنتم الطلقاء.. الحزب الحاكم يدرك أن الرصاصة التي تعصف بالحوار في جلباب شيخ المؤتمر الشعبي.. إذا فض الشعبي يده انهار الحوار وعادت أجواء عدم الاستقرار.. بإمكان الشعبي أن يحقق تطلعات الشعب السوداني إن زهد في مغانم السلطة وغنائم السلطان. في تقديري أن الحكمة والتعامل الراقي مع معارضة البيت يستحق عليها الشعبي الثناء.. من قبل طرد الحزب الحاكم مجموعة غازي صلاح الدين ورماهم خارج الأسوار لأنهم نادوا بالإصلاح من غير منصة مرخَّص بها.. الحزب الاتحادي وصف زعيمه الحسن الميرغني خصومه بالدواعش وأغلق دونهم الباب وحرمهم من النظر إلى وجه والده الكريم رغم أنهم قطعوا أكباد الإبل.. حتى الشيخ الترابي حينما سمع بالإعداد سراً لمذكرة العشرة قال لخصومه (امرقوا السهلة). بصراحة.. الطريقة التي عالج بها الشعبي مذكرة الاحتجاج تؤكد أن المؤسسية يمكن أن تكون أفضل بديل للزعيم القوي والقابض.. وأن الشيخ السنوسي أدار شورى واسعة قبل أن يبذل الوسع للمختلفين معه في الرأي والرؤية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة