لقد تناولنا في الحلقتين (الأولى والثانية) من الجزء الأول من المقال موضوع النقد منهج الدكتور أحمد الحسب عمر الحسب في اعتراضه على مطالبة أبناء جبال النُّوبة بالحكم الذاتي. ثم فنَّدنا ما قدّمه من معلومات وإفادات غير دقيقة ولا صحيحة استخدمها كحجج لموقفه الرافض للمطالب التي اقترحها أبناء النُّوبة. أما في هذه الحلقة، والتي تتعلَّق بالجزء الثاني، فسنقوم بالتعليق على الأسئلة والتصريحات التي أثارها خاصة المرتبطة بتناوله العقبات المحتملة، والترتيبات الدستوريَّة التي ستعقب إنشاء ولايتين جديدتين بجنوب كردفان. ولذلك سنلقي الأضواء على تلك الآراء وعلى الحديث عن اتفاقية نيفاشا ودورها في تقسيم ولايات السُّودان إلى 26 ولاية ومستويات الحكم. وكما سنتطرَّق إلى ما ذهب إليه بأنَّ النظام الرئاسي يركز السلطات في يد الرئيس، وكذلك مهددات الأمن القومي. وأخيراً سنتطرَّق لرأيه عن تاريخ ولاية غرب كردفان، وأزمة ومآلات الحكم الذاتي.
"عقبات و تعقيدات محتملة"
تناول الكاتب العقبات التي ستواجه دعاة الحكم الذاتي فذكر منها الترتيبات السياسيَّة، والإدارية والدستورية إلخ... فلقد سلَّطنا الأضواء على مشكلات الترتيبات السياسيَّة والإداريَّة والدستوريَّة التي تواجه السُّودان كدولة ناهيك عن إقليم جنوب كردفان. ولا يسعنا هنا إلا تأكيد تردي الأوضاع السياسيَّة والإداريَّة والدستوريَّة. فإذا فسدت السياسة وتعطَّل الدستور وساءت الإدارة فإنَّ الأوضاع الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والدينيَّة - وبالضرورة الأخلاقيَّة – آلية إلى الانهيار بسبب الأزمة، ومن السذاجة أن يعتقد أي شخص عاقل غير ذلك. فإذا كانت الأمور تتداعى في الجسد فلا شك في أنَّ الأركان (الولايات) تتساقط مما ينبئ بالسقوط الحر للدولة، طال الزمن أم قصر. فقد أدى سوء الأحوال الاقتصاديَّة في كل السُّودان والغلاء الطاحن الذي يسحق المواطن إلى أن يطالب أحد أعمدة النظام من الحكومة ضرورة الالتفات لأهل السُّودان والحد من الفقر بسبب الضائقة الاقتصاديَّة الخانقة، والجهل في جميع أصقاع السُّودان، وأبدى تخوُّفه من مصير السُّودان بعد تمدد الحرب في كل مكان.(33) لم تقف انتقادات الأوضاع الاقتصاديَّة عند هذا الحد، بل ذهب نواب الهيئة التشريعيَّة القوميَّة بمطالبة الحكومة بأن تتقي الله في المواطن وحذروا من دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب، مشيرين مثلاً إلى تردي خدمات المياه والكهرباء.(34) فالتصريح بأنَّ خلق نظام بديل أو جديد في الولاية ستواجهه عقبات، ما هو إلا الاعتراف صراحة بما يجري في البلد، ولا تعدو من كونها أدوات التخويف لمقاومة أي تغيير في الحال المتأزِّمة.
الترتيبات الدستوريَّة
وأما الحديث عن الترتيبات الدستوريَّة فلا مجال للجدل فيها وحولها إذ ليس هناك دستور فاعل في السُّودان الآن! وإليكم الحجة أنَّ الترتيبات الدستوريَّة دون وجود دستور متفق عليه، كلام لا معنى له. قد يكون السُّودان هو الدولة الوحيدة في العالم التي يبلغ عمرها أكثر من 60 سنة بعد استقلالها ولا تملك دستوراً دائماً، غير مسودة الدستور الانتقالي لعام 2011م. وحتى ذلك الدستور فقد قام رئيس المجلس الوطني السابق وحده بحذف منه كل المواد المتعلِّقة بجنوب السُّودان والحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان دون منقاشة تلك البنود سواءٌ على المستوى الشعبي أو حتى داخل المجلس الوطني نفسه، كما ذكرنا.(35) فالدستور الذي يحذف رئيس المجلس الوطني بنوده دون استشارة أعضاء المجلس غير صالح للاستخدام. على كلٍ، ماذا يرجى من هيئة تشريعيَّة يجلس المشرعون فيها على المقاعد الوثيرة (وبعضهم نيام أو يغشاهم النعاس) – يجادلون كل الوقت ليلاً ونهاراً حول ما هو الدستور الذي ينبغي أن يحكم به البلاد. لقد فشلت هذه الهيئة في التصويت على قانون المفوضية القوميَّة للشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لهذا الإجراء. بالتأكيد مثل هذا المجلس يسمح لرئيسه باتخاذ إجراء تتعارض مع وتضرب بالدستور عرض الحائض! وإلى الآن هناك تساؤلات عدة عن دستور السُّودان الذي فيه يختلفون، وما هو موقع أهل الهامش فيه (جنوب كردفان والنيل الأزرق، إلخ...)، وما هي مطلوبات هذا الدستور المقترح؟ ينبغي أن تتضمَّن في الدستور القادم الحقوق المدنيَّة التي تعزِّز التوافق الاجتماعي والتسامح الديني وبناء الثقة بين أبناء السُّودان. ومن أهم معطيات هذه الحقوق ممارسة الهوية (اللغة والثقافة وغيرهما) بحرية وإعطائها فرص التطوير، بدلاً من طمسها نسبة لخصوصية هذه المناطق.(36) لا غرو في أنَّ رئيس الجمهورية قد عطَّل التعديلات الدستوريَّة والقانونيَّة التي هدفت وتهدف إلى إلغاء الحصانات الدستوريَّة عن كبار المسؤولين بالدولة الذين يواجهون قضايا مودعة أمام مفوضية مكافحة الفساد في البلاد.(37) نعم، أعاد السيد رئيس الجمهورية قانون مفوضية مكافحة الفساد للبرلمان معترضاً علي إلغاء الحصانة الممنوحة لبعض القيادات بحسب نص المادة 25 من القانون.(38)
من خوَّل النُّوبة بالحكم الذاتي؟
لقد عرج الكاتب ليتساءل من خوَّل ومنح حق المطالبة بالحكم الذاتي لأبناء النُّوبة. الحكم الذاتي أو تقرير المصير لأية جماعة حقٌ كفله وخوَّله القانون الدولي المنبثق من ميثاق الأمم المتحدة. وبما أنَّ الموقف الثابت لأبناء جبال النُّوبة هو وحدة السُّودان، ولكن لا يتناقض هذا أبداً مع حق المطالبة بالحكم الذاتي رغم أنَّه ليس بالخيار المطروح أساساً إلا بعدما وضحت جليَّاً الاتجاهات المناهضة لحقوق النُّوبة. والاعتقاد العام هو أنَّ ترتيبات الحكم الذاتي أقرب للوحدة إن تم وهو بذلك أخف وطأة من الانفصال. في نفس السياق استطرد الكاتب يتساءل عن شرعيَّة المطالبة مع إقراره به في جزءٍ من المقال، كما تعرَّضنا له. فالشرعيَّة التي يستند عليها أبناء النُّوبة كانت المشورة الشعبيَّة المنتهية الصلاحية كما ذكرنا سابقاً بسبب الحرب الطائشة التي تحرق الأخضر واليابس وتحصد الأرواح البريئة! أما الحديث عن شرعية قوة رئاسة الجمهورية أو المجلس الوطني التي أشار إليها الكاتب لا تعني أبناء النُّوبة بقدر "شرعية التفويض الشعبي" التي تعتبر حق وواجب والمزواجة بينها وبين شرعية القوة في معركة البقاء الحالية في السُّودان! لذلك نجد مسارين أو ثلاث لإثبات الحقوق: القوة المسلحة (شرعية القوة الثوريَّة)، المسار التفاوضي/الدبلوماسي والثالث ثورة المجتمع المدني من خلال الانتفاضة الشعبيَّة، لتحقيق الأهداف المعلنة (العدالة، والمساواة والحرية) لأبناء النُّوبة، وأبناء دارفور، والنيل الأزرق والشرق والشمال النيلي والوسط وكردفان، وكل أبناء السُّودان في وطنهم حتى يصير وطناً يسع الجميع. فالقاسم المشترك الأعظم بين هذه الحركات والقوى السياسيَّة والثوريَّة في البلاد هو: التحرير من "شنو" وليس من "منو" مثلما يسيء البعض مقاصد مصطلح التحرير. وأما القاسم المشترك الأصغر هو العدالة، وبلد خالي من الفساد وسرقة المال العام كما دعا بعض السياسيين الشعب السُّوداني صراحة "بالضغط على الحكومة من أجل (الحرية) والعدالة، وبلد ما فيه فساد ولا حرامية".( 39)
اتفاقيَّة نيفاشا أو تأطير النظام الفيدرالي
في مساحة أخرى من المقال أشار الكاتب إلى أنَّ الاتفاقية أطَّرت خيار النظام الفيدرالي في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، وأنَّه تم إنشاء أربعة مستويات من الحكم الفيدرالي وقُسم السُّودان بموجبه إلى 26 ولاية! سنجيب على هذه التصريحات واحداً بعد الآخر. إنَّ الحديث عن تأطير اتفاق نيفاشا لنظام الفيدرالية وقيامها بتقسيم ولايات السُّودان إلى 26 ولاية، كلام غير صحيح البتة، وقد تأخذ الدهشة المتتبع للأحداث عندما يطلع على هذا الكلام! يعرف الجميع تماماً، أنَّ نيفاشا جاءت وكان بالسُّودان 26 ولاية (16 في الشمال و10 في الجنوب) بناءً على المرسوم الدستوري العاشر العام 1994م والخاص بإعادة تقسيم ولايات السُّودان. أما بعد اتفاقية نيفاشا فقد تقلَصت ولايات الشمال إلى 15 ولاية حينما تمت إعادة دمج ولاية غرب كردفان في شمال وجنوب كردفان (وفق اتفاقية السلام) وبقيت ولايات الجنوب كما هي. بقي الحال هكذا إلى ما بعد انفصال الجنوب، ثم تمت إعادة تقسيم الولايات الشماليَّة لتصبح 18 ولاية وذلك بإعادة ولاية غرب كردفان في يناير 2013م؛ وتقسيم ولاية دارفور إلى خمس ولايات بإضافة ولايتين هما شرق ووسط دارفور (يناير 2012م ). إذن، من أين أتى الكاتب بهذه المعلومات غير الصحيحة وبأنَّ نيفاشا قسَّمت السُّودان إلى 26 ولاية؟ أما مستويات الحكم بعد الاتفاقية فهي ثلاثة فقط لا أربعة (الفصل الرابع: نظام الحكم اللامركزي، مستويات الحكم، البند 24 (أ)، و(ب)، و(ج) من دستور السُّودان الانتقالي لسنة 2005م. من أين جاء الكاتب بالمستوى الرابع ويقول أنَّه في الدستور وما هو منه ولا فيه؟ ما هو الغرض الحقيقي من الإدلاء بمثل هذه المعلومات الخاطئة؟!
العلاقات التفويضيَّة المتساوية مع المركز
في محطة من محطات المقال، تحدَّث الكاتب عن علاقات تفويضيَّة متساوية بين المركز والولايات بحيث لا تتميَّز فيها الولايات عن بعضها البعض إلا بأمور ثلاثة: السكان، والموارد، والمساحة! وينبه الكاتب إلى أنَّه في حالة تمييز جنوب كردفان بالحكم الذاتي سيدفع ذلك الولايات الأخرى بالمطالبة بنفس الحق! أولاً ما هي "العلاقة التفويضية المتساوية مع المركز؟" والله نفسي أعرفها. وفي مسألة التمييز، نرى أنَّه من العدالة أن يكون هناك "تمييز إيجابي" بين ولايات السُّودان، لما تعانيه بعض هذه الولايات من انعدام التنمية، مما خلق الفوارق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بين المواطنين. ولا ريب في أنَّ منها الغنية بالموارد الطبيعيَّة ولكن سوء إدارة تلك الموارد جعلها متخلفة تنمويَّاً وإنسانها تحت مستوى الفقر. ولِمَ لا يضاف مستوى جديداً للحكم في جنوب كردفان إذا كان في ذلك حلاً للمشكل؟ الاستمرار في الاقتتال الحالي من أجل الحقوق بتنمية الموارد واستغلالها محليَّاً ليس بأفضل من إضافة مستوىً جديداً للحكم. صحيح إذا مُنحت ولاية جنوب كردفان حق الحكم الذاتي فربما لن يكون ذلك حصريَّاً فقد يشمل ذلك ولاية جنوب النيل الأزرق التي تماثل جنوب كردفان، وربما الولايات التي تعاني من شح الموارد. والحال ينطبق على أقصى شمال كردفان وبعض ولايات دارفور الكبرى. ولماذا لا يحق للولايات الأخرى المطالبة بالحكم الذاتي إذا رأت أنَّها مظلومة حقاً أو أنَّها تشعر بالظلم. كل هذه التقسيمات والمطالبات تعتمد على أفعال وسياسات الحكومات المركزيَّة تجاه تلك الأطراف التي تشعر بالظلم. وحتى إذا لم يتم فإنَّ المطالبة التي قام بها أبناء النُّوبة عبارة عن صفَّارة إنذار بأنَّ هناك خلاً ما في الجسم الكبير للسُّودان ولا بد من تقويمه بالحكم الرشيد. لا تثريب على الذين كادت حلاقيمهم تنشطر من شدة المناداة بفصل الشمال عن الجنوب لأنَّها كانت تؤمن أنَّ موارد الشمال تذهب إلى الجنوب وكانت تصرف هدراً وظلماً عليه، لأنَّ التضليل المستمر حجب عنهم النظر إلى ما ستؤول إليه الأمور بعد الانفصال. الانفصال الذي له تبعات وانعكسات كثيرة لا يفصح المجال لمناقشتها. ونتيجة لتلك التداعيات راحت أصوات تنادي بإعادة الوحدة ولو وحدة اقتصاديَّة تكامليَّة ووجدانيَّة لأنَّ انفصال الجنوب كان "تراجيديَّة"، ولكن هيهات. سوف لن يتم هذا على الأقل في المدى القريب. فتبسيط بعض السُّودانيين للقضايا الكبيرة والجادة التي تهمهم حتى يفوتهم القطار ثم يجلسون على الرصيف يلعنون حظهم العاثر هو المشكلة!
مستويات الحكم الفيدرالي
عاب الكاتب إضافة مستوى حكم لولاية جنوب كردفان لأنَّ تلك الإضافة ستكون خصماً على نُظُم الفيدراليات في العالم وأعطى أمثلة، فلا بأس على مجهوداته هذه! على أية حال إنَّ ما يريده أبناء النُّوبة – وربما أبناء السُّودان - هو الحكم الفيدرالي الرشيد في السُّودان الموحَّد الذي من شأنه إزالة الغبن "ولاسيما" الذي في الدول التي تم ذكرها في المقال، خاصة الولايات المتحدة الأمريكيَّة. حقاً نظامها الفيدرالي الديمقراطي لا يضاهيه أي نظام في العالم إذ يتكوَّن من ثلاثة فروع فقط: التشريعي (الكونغرس وهو المؤسسة الدستوريَّة الأولى ويتكوَّن من مجلس الشيوخ ومجلس النواب ومهمة هذا الجهاز هو وضع القوانين والتشريعات)، والجهاز التنفيذي (الرئيس وطاقمه المختار)، والجهاز القضائي المستقل تماماً. فكل ولاية مستقلة تماماً في قوانينها الولائيَّة مع بعض التقاطعات مع قوانين الولايات الأخرى وبعض القوانين الفيدرالية. فمن الصياغة والسياق العام الذي أورده الكاتب (في بعض مواضع قليلة من مقاله) يتضح فائدة الحكم الذاتي في الولاية إذا طُبِّق بالطريقة الصحيحة. وإذا كان الأمر كذلك، لماذا إذن المعارضة الشديدة بألا "يُمنح" هذا الحق لإقليم جبال النُّوبة؟ أما السؤال عن ما هي الفائدة التي يجنيها الإقليم لا يعدو أنَّه استفسار انصرافي بحت لأنَّ القراءة المتأنية لبنود اتفاقية نيفاشا وفهمها فهماً صحيحاً سترفع الستار عن التفاصيل الدقيقة ولن يقدم أي عاقل لرفضها. صحيح الاتفاقية غير "مبرأة" من بعض العيوب، ولكنها من أحسن الاتفاقيات التي يمكن أن يلتف حولها السُّودانيون لحين تقييم وتقويم وتطوير ما يعتقد الطرفان الموقعان وأنصارهما قصوراً. فلو طُبقت بنود الاتفاقية نصاً وروحاً لاستفادت الولاية كثيراً كونها من المناطق التي تأثرت كثيراً بالحرب. وهناك نصاً صريحاً بمعالجة قضايا المناطق الأكثر تضرراً بالحرب بما يشبه "التمييز الإيجابي". فمثلاً هناك البند الخاص بتقاسم الثروة في جنوب كردفان بمنح 2% من عائدات البترول للولاية، 2% لولاية غرب كردفان، 2% للمسيريَّة و2% لدينكا نقوك. نعتقد أنَّ هذا أفضل بكثير من لا شيء، فضلاً عن الاقتتال المدمر لكل شيء! ولكن من المؤسف والمؤلم أنَّ مصارف تلك الأنصبة لم تشهد أي نوع من التنمية، ناهيك عن إقليم جبال النُّوبة. فلا يمكن أن نعيب الاتفاقية بل العيب في الأشخاص المنوط بهم تنفيذها عبر مؤسساتهم المختلفة ككل، فمالكم كيف تحكمون؟
النظام الرئاسي وتركيز السلطات
في منحى آخر يذكِّر الكاتب بأّهمية التنبيه إلى "نظام رئاسي يركِّز كل السلطات العادية منها والاستثنائية في يد رئيس الجمهورية ونظام الحزب الواحد مثل النظام السائد في السُّودان اليوم لانعدام الضمانات بعدم التوغُّل في مرتكزات الحكم الذاتي متى ما شعر الرئيس بمهددات الأمن القومي للدولة"! رغم التحفُّظ من القصد الحقيقي في التنبيه الذي أشار إليه الكاتب، ولكن به بعض الحقيقة من تدخُّل الرئاسة السافر على "مرتكزات الحكم"، سواء أكانت هناك ضمانات أم لا في ظل غياب أدوات المراجعة الدقيقة والموازنة بتطبيق الضوابط الكفيلة لنظام الحكم الرشيد. بالطبع لا تكفي المعالجة الناجعة للحد من مثل هذا التدخُّل فقط، بل التعامل الصارم مع المخالفات والخروقات، والموظفين الذين يقومون بهذه التجاوزات. ولا يتم ذلك إلا من خلال القضاء على الأسباب الرئيسة لمثل هذه الانتهاكات بتبني نظام ديمراطي حقيقي ليس للرئيس فيه اليد الطويلة والأصابع الطويلة للتدخُّل مثلما فعله السيد رئيس الجمهورية في المادة 25 من مقترح قانون الفساد الذي أشرنا إليه سابقاً. ولذلك تسعى القوى السياسيَّة السُّودانيَّة سعياً حثيثاً لقيام الحكم الديمقراطي الرشيد. فأبناء النُّوبة رافدٌ فعَّال من روافد القوى السياسيَّة السُّودانيَّة، فهم لا ينظرون إلى النُّوبة في الإقليم فقط وأنَّما إلى جميع سكان جبال النُّوبة والسُّودان.
مهدِّدات الأمن القومي وتوغُّل الرئيس
لقد برر الكاتب بأنَّ الرئيس قد يتدخَّل لوقف ما يهدِّد الأمن القومي. هذ ا التبرير فيه درجة عالية من عدم المتابعة لما يحدث ويحدث للأمن القومي. مهدِّدات الأمن القومي السُّوداني هي الأنظمة التي حكمت بسياساتها غير السليمة. ولا يمكن أن يُعقل أَّنَّ من يطالب بحقه الشرعي داخل وطنه يكون مهدِّداً للأمن القومي. فمهدِّدات الأمن القومي تمثِّل تلك الأفعال (حقيقيَّة أم خياليَّة/مشبوهة) وردود الأفعال العنيفة. منها التدخُّل الخارجي بتوجيه ضربات موجعة في عمق أراضي البلد المعيَّن. ومثال لذلك ضرب مصنع الشفاء بالخرطوم بحري في 20 أغسطس 1998م للاشتباه بإنتاجه لمواد سامة، وفي يناير 2009م قامت طائرات عسكريَّة إسرائيليَّة بالإغارة على قافلة في شمال السُّودان قيل إنَّها كانت تقوم بتهريب الأسلحة إلى حماس عبر أنفاق في شبه جزيرة سيناء، وقتل ركابها الذين بلغ تعدادهم 39 شخصاً، وضرب سيارة برادو ببورتسودان في أبريل 2012م بصاروخ مجهول المصدر كما جاء على لسان والي ولاية البحر الأحمر، وضرب مصنع اليرموك للأسلحة بالخرطوم في 24 أكتوبر 2012م.(40) وعلى النطاق الإقليمي فقد فرضت مصر سيطرتها الإداريَّة والعسكريَّة الكاملة على حلايب وشلاتين العام 1995م بعد اتهامها للسُّودان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.(41) وفي منتصف العام 2011م تم فصل جنوب السُّودان في مخالفة صريحة للبيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني الذي جاء فيه ضمن أشياء كثيرة منها صون الوحدة الوطنيَّة، وتأمين الوطن وإنقاذه، ومن أجل استمراره وطناً موحَّداً كريما! من هذه الأمثلة يتكشَّف للعيان أنَّ الأمن القومي لم يُهدد، بل تم اختراقه وضرب الوطن، لأنَّ سياسات الدولة لا تراعي قوانين اللعبة السياسيَّة. بيد أنَّه لم نسمع أنَّ أية دولة من دول الجوار تم اختراق أمنها القومي بمثل هذا المستوى من الضربات والاغتصاب العلني للأراضي السُّودانيَّة! الملخَّص هو أنَّ السُّودان ومدنه يُغار عليها بالليل والنهار ويتم تدمير مؤسساته الحيويَّة تدميراً كاملاً والحال كما هو والقول هو نفسه: سنرد في الوقت والمكان المناسبين وبالكيفية التي نراها مناسبة! فأما المواطنون السوُّدانيون فيُوصفون بالعمالة الخارجية والخيانة والمرجفون في الأرض وما إلى ذلك.
المقارنة بين نظامين: نميري والبشير
لقد قارن الكاتب بين نظام رئيس السُّودان الأسبق جعفر محمد نميري والرئيس السُّوداني الحالي عمر أحمد حسن البشير وخلص إلى أنَّهما وجهين لعملة واحدة وضرب مثلاً بحل الرئيس البشير الحكومات الولائيَّة المنتخبة بموجب التعديلات الدستوريَّة المخوَّلة له دون مشورة المجلس الوطني، وأنَّ النميري نفض يديه من اتفاقية أديس أبابا العام 1983م لأنَّها ليست بقرآن منزل! مرة أخرى، ماذا يريد الكاتب أن يقوله بالضبط؟ أهو مع نظام البشير أم ضده؟ أم لماذا يبذل كل هذا المجهود ويخرج للناس بكلام لا معنى له: تناقض وتذبذب لا مع هؤلاء ولا مع أولئك، ولا مع هذا أو ذاك متذبذب بين الاثنين. نعم، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، لا يمكن أن يحدث التوغُّل أبداً بهذه الصورة السافرة والأحادية. فأبناء النُّوبة على يقين أنَّ الطريق وعر في ظل أي نظام ديكتاتوري شمولي! في الحقيقة في النظم العادلة لا تكون هناك حاجة للمطالبة بالحكم الذاتي.
تاريخ غرب كردفان والوحوش الكواسر
لم يقف الكاتب عند المقارنة بين نميري والبشير، بل ذهب يصف تاريخ غرب كردفان السياسيَّة ب"أزمة تتقاسمها الأهواء السياسيَّة كمضغة تتناوشها وحوشٌ كواسر"! إنَّ العبارات مثل وحوش كواسر تنهش في ولاية غرب كردفان غير لائقة ولا موضوعية في مثل هذا النقاش الهام، وكما أنَّ مفرداتها لا معنى لها أبداً. وقبل الاسترسال يجب توضيح بعض المفردات الجارحة. إنَّ كلمة "وحوش" تعني "أراذل الناس" كما جاءت في معجم المعاني الوسيط، وأما "كواسر" فتعني "الصقور التي تنقض على فريستها أو الحيوان المفترس الجريح". إذن، ليس من اللباقة السياسيَّة أن تُستخدم هذه العبارات تجنباً خدش العلاقة البشرية مع أصحاب العشق السياسي. ومهما تكن درجة الخلاف واختلاف الرأي والرؤى، فإنَّ ما تمَّ في ولاية غرب كردفان ليس بأهواء سياسيَّة وإنَّما إستراتيجيَّة من نظام شمولي يخاف على زوال نظامه. لذا لجأت لسياسة فرِّق تسد بإضعاف خصومها ثم الانقضاض عليها بالترغيب أو الترهيب. فالملاحظة التي لا بد من الانتباه إليها هي أنَّ الولاية تكوَّنت أولاً في العام 1994م على أسسس قبليَّة كان الغرض منها استقطاب عنصر معين (العرب) للوقوف مع النظام لمحاربة الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان التي غالبيتها من الأعراق والإثنيات الأفريقيَّة الزنجيَّة. فقبل الاستقطاب العرقي والعنصري الحاد كان العرب وغيرهم من أنصار الحركة الشعبيَّة يعيشون في أمن وسلام إلا من مناوشات حول المزارع، والمراعي، ونقاط المياه. وهذه حقيقة لا ينكرها أي كائن. على أية حال، أثناء المفاوضات بين الحكومة من جهة والحركة الشعبيَّة من جهة أخرى، ونتيجة للضغوط الشديدة التي كان يمارسها الوسطاء عليهما، تمَّ الاتفاق على إعادة الحدود المحليَّة بين إقليمي شمال وجنوب كردفان إلى ما كانت عليه قبل 1994م. كانت الانتخابات في جنوب كردفان نقطة فارقة في الولاية إذ وعدت الحكومة عرب المسيريَّة والحَمَر بإعادة ولاية غرب كردفان إذا هم صوَّتوا لمرشحها أحمد هارون. أين إذن، الجانب السياسي هنا حتى يتم الحديث عن الأهواء السياسيَّة؟! من المفترض تناول موضوع إعادة خلق هذه الولاية من جديد باهتمام بالغ من أجل حلحلة المشكل وليس تعقيده.
تعقيدات مآلات الحكم الذاتي
لقد عاد الكاتب إلى الحديث عن عدم الوضوح في مطالبة أبناء النُّوبة بالحكم الذاتي وتعقُّد مآلاته، ولا ندري ما هو وجه الغموض في الأمر. مثلما ذكرنا في صفحات سابقة لم يكن هناك غموض في موقف أبناء النُّوبة وأنما اختلاف الرؤى: فهناك مجموعة ترى الوحدة المؤسسة على قدم المساواة والعدالة، وثانية تفضِّل الحكم الذاتي، وثالثة ترى المضي إلى الاستقلال أو الانفصال. ومع هذه المطالبة لم تشر أية من هذه الرؤى أو أصحابها إلى أنَّ جبال النُّوبة للنُّوبة فقط رغم المحاولة من العديد من مواطني الإقليم الذين لا يتفقون مع هؤلاء إثبات هذه الفرية. وإذا ما أخذنا في الاعتبار موقف النُّوبة بأنَّ الإقليم يسع جميع سكانه، فلن تتعقد مآلات الحكم الذاتي على الأرض إذا تفهَّم سكان الولاية واقع الأمر بشيء من العقلانيَّة. المطلوب فقط أن تتفهَّم كل الإثنيات في الولاية وخارجها موقف أخوانهم الذين يشاركونهم الإقليم، لا الخطب المشحونة لتشجيع الكراهية والبغضاء، وهذا ما ينبغي الانتباه له. أما الأطروحة التي تتساءل ما إذا كان الوصول إلى حكم الولاية بصنادق الإقتراع أم سيكون هناك استثناء للإقليم ليس فيه منطق أبداً، بل محيراً تماماً لأنَّ الاقتراع قد حدث بالفعل، وما سبقه من خطاب "صناديق الذخيرة والكركور" المشهور الذي ألقاه السيد رئيس الجمهورية في المجلد شر شاهد على ذلك. لذا لا نرى سبباً في أن يطل مثل هذا السؤال مرة أخرى بعد مضي أكثر من ست سنوات إلا أنَّ بعض الناس يعيش في الماضي أو على كوكب آخر! فالدستور المشار إليه ليس فيه ما يشير أبداً إلى أن يُستثنى إقليم جنوب كردفان من انتخاب الوالي كما يلمِّح المقال. في الحقيقة خاض غمار التنافس لرئاسة الإقليم السيد أحمد محمد هارون عن المؤتمر الوطني، والقائد عبد العزيز آدم الحلو عن الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – قطاع الشمال. هنا ينبغي التذكير أيضاً أنَّه تم انتخاب كل الولاة في السُّودان إلا أنَّ السيد الرئيس ذهب ضد إرادة الشعب في مطلع الأسبوع الأول من يونيو 2015م لعيِّن الولاة وليعيد توزيعهم في الولايات المختلفة بحجة أنَّه لا جدوى من أن يكون الوالي من الولاية ذاتها.(42) أما الاستثناء في هذا القرار شمل أحمد محمد هارون الذي كان منتخباً في ولاية جنوب كردفان في عملية اقتراع وفوز مشبوه، حيث نُقل إلى ولاية شمال كردفان (مسقط رأسه) وأبقاه فيها عند إعادة التوزيع!
الحكم الذاتي: رابع المستحيلات!
انتقل الكاتب إلى تناول موضوع الحكم الذاتي مرة أخرى وعبَّر بثقة مفرطة عن استحالة تضمينه في الدستور. لغة الاستحالة هذه كانت سائدة في الزمن الغابر. فمثلاً كان العرب إذا أرادوا تأكيد عدم حدوث شيء واستحالة وقوعه أو وجوده يقولون: "إنَّ هذا الأمر من رابع المستحيلات". ودلالة القول أنَّ هناك ثلاثة مستحيلات تسبق الشيء الذي يتمسكون به وكأنَّه يمين مغلظة. والمستحيلات الثلاثة التي صنعها خيالهم ذاك هي الغول والعنقاء والخل الوفي، لذا قال أحد شعراء العرب القدامى: لمّا رأيتُ بني الزَّمانِ وما بهِم خِلٌّ وفيٌّ، للشدائدِ اصطفي أيقنتُ أنّ المستحيلَ ثلاثة: الغُولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوَفي
مهما يكن في قولهم هذا، فإنَّ عبارة الفيكتوريين المفرطة بالثقة لقوية أيضاً إذ تذهب: "ليس هناك شيئاً مستحيلاً في القرن التاسع عشر". ولسوف نسرد تجارب السُّودان مع جنوبه فهي ليست ببعيدة عن الأذهان أبداً. فإلى عهد قريب كان من "المستحيلات" تحقيق أو تضمين الفيدرالية التي طالب بها الرعيل الأول من السياسيين الجنوبيين في دستور السُّودان، ولكن لم يمض وقت طويل حتى نال الجنوب الحكم الذاتي الكامل بمقتضى اتفاقية 1972م للسلام في أديس أبابا. لكن لم تدم تلك الاتفاقية طويلاً نسبة لمتلازمة نقض العهود التي اعتادت عليها النخبة السياسيَّة السُّودانيَّة الشماليَّة إذ أُلغيت الاتفاقية في العام 1983م، فعادت العدائيات مرة أخرى بين الشمال والجنوب. في تلك الحرب استغلت فيها الحكومة الدين، والعرق إلخ... ضد الجنوب؛ ثم اضطرت للموافقة على مطلب الجنوب لتقرير المصير في صفقة ثنائية بين الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – جناح الناصر في فرانكفورت، ألمانيا، العام 1992م.(43) تبع هذا الاتفاق تأييد واعتراف من قوى سياسيَّة شتى العام 1994م في شقدوم، وكذلك معظم أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي الموقعَّة على إعلان أسمرا للقضايا المصيريَّة العام 1995م. أما اعتراف القائد وليم نون بهذا الحق في أبو جا، نيجيريا، فقد أدى إلى خلاف حاد بينه وبين الدكتور جون قرنق الذي كان يصر على وحدة السُّودان. مهما يكن، حاولت الحكومة التنصُّل من حق تقرير المصير لجنوب السُّودان إلا أنَّها رضخت أخيراً للضغوط العالميَّة والإقليميَّة ووافقت على أن يمارس الجنوب الاستفتاء وفي 9/7/2011م أعلن استقلاله من السُّودان بدون عراقيل بموجب اتفاقية نيفاشا، كما ضمَّنته في دستور السُّودان الانتقالي لعام 2005م. والأدهى في الأمر أنَّ حكومة السُّودان كانت أول دولة في العالم تعترف بالجنوب كدولة مستقلة! فقبل كل هذه التحولات كان مجرد التفكير في ممارسة حق تقرير المصير لجنوب السُّودان أو انفصاله من "المستحيلات" والخطوط الحمراء بالنسبة لحكومات السُّودان المتعاقبة، كما ذكرنا. إذن، كيف يجزم أي كائن من كان أنَّ مبدأ الحكم الذاتي أو تقرير المصير أو الاستقلال لا يمكن أن يتحقَّق مرة ثانية في أية بقعة من السُّودان، علماً أنَّ هذه الحقوق مكفولة لأية جماعة والتي أمَّنت عليها المواثيق الدوليَّة والأمميَّة. لقد أبنا في الصفحات الفائتة أنَّ كل عوامل الانشطار متوفرة في السُّودان إذا لم تؤخذ المعالجات بجدية.
أزمة الحكم الذاتي في مساحة الإقليم
أخذنا صاحب المقال بالدهشة فيما ذهب إليه مقترحاً أنَّ مأزق وأزمة مقترح الحكم الذاتي أو تقرير المصير، الذي قد يفضي إلى الوحدة، تكمن في مساحة الإقليم الذي يطالب به أبناء النُّوبة! على أية حال، إنَّ العبرة ليست في المساحة التي تحتلها أية دولة، ولكن العبرة والمعيار الحقيقي لبقاء الدولة هو المقدرة على إدارة تلك الدولة بنجاح. فإذا أخذنا المساحة في الاعتبار مثلاً نجد أنَّ الفاتيكان هي أصغر دولة في العالم بمساحة أقل من واحد كيلومتر مربع (0.44 كلم2) وعدد سكانها 800 فرداً تقريباً (تعداد 2015م)، وتليها دولة (مملكة) موناكو بمساحة تقدَّر ب 1.95 كيلومتراً مربعاً، و37.831 نسمة (تعداد 2013م). كذلك تعتبر الدولتان من أكثر الدول استقراراً وتتمتعان باقتصاد قوي. هذا من ناحية المساحة، أما الجانب الذي تناوله المقال هو موضوع التوزيع السكاني لأبناء النُّوبة بين ولايتين. يقول الكاتب في جملة مفداها إنَّ نظام الحكم المرغوب "سيجعل أبناء النُّوبة مبعثرين بين ولايتين هما غرب وجنوب كردفان". الاستطراد بأنَّ هذا سيقسِّم أبناء النُّوبة بين ولايتين غير صحيح. النُّوبة لهم وجود في كل بقاع السُّودان ولا يمكن حصرهم حصراً بين ولايتين. فلنفرض جدلاً أنَّ هذا صحيح، فإنَّ الحدود الدوليَّة والإقليميَّة متداخلة لدرجة لا يفصل بين بعض الدول غير أزقة أو شوارع ضيقة! فلنأخذ السُّودان ذاته كمثال، سنجد أنَّ أية دولة من دول الجوار الثمانية التي تحيط به متداخلة قبليَّاً وعشائريَّاً وحتى أسريَّاً، وكذلك إذا ما ترسيم الحدود بين دولتي السُّودان وجنوب السُّودان. فكون أن يكون أبناء النُّوبة موزعين بين إقليمهم وولايتين سودانيتين شيئاً طبيعيَّاً وإيجابيَّاً لأنَّه سيكون هناك تواصل وجداني بين سكان هذه الأقاليم أو الولايات التي تقع داخل الدولة الواحدة حتى لو تم بناء فواصل خرصانيَّة على الحدود كما حدث بين ألمانيا الشرقيَّة والغربيَّة. ومثل هذا الجدار سيؤول للانهيار كما حدث بين دولتي ألمانيا الشرقيَّة والغربيَّة.
الخلاصة تحدَّث عن العقبات الترتيبات الدستوريَّة التي ستعقب الحكم الذاتي على الرغم من أنَّه لا يوجد دستور دائم يحكم السُّودان إذ ما زال الجدال والنقاش حول الدستور الذي ينبغي أن يحكم به البلاد. يجب أن يخاطب الدستور الجديد نظام الحكم، قضايا الحريات الحقيقيَّة والدالة والمساواة. سيعتمد أبناء ولاية جنوب كردفان على "التفويض الشعبي" لممارسة حقوقهم السياسيَّة بخلاف الأسئلة المطروحة عن جهة تخويل النُّوبة لمشروع الحكم الذاتي. لم تقسم اتفاقية نيفاشا ولايات السُّودان إلى 26 ولاية تأطيراً للحكم الفيدرالي كما ذكر الدكتور أحمد، ولكن تم التقسيم بموجب المرسوم الدستوري العاشر عام 1994م والخاص بإعادة تقسيم ولايات السُّودان. تعبر السياسات غير السلمية، خارجية كانت أو داخلية لأية دولة مهدداً أمنها القومي وليس المواطنين الذين يطالبون بحقوقهم الأساسيَّة: الحرية، العدالة والحياة الكريمة. يرجع تأسيس ولاية غرب كردفان إلى مرسوم 1994م وعام 2012م على أساس قبلي بحت وليس "الأهواء السياسيَّة" كما جاء على لسان الدكتور أحمد الحسب. لا يمكن أن تكون أزمة الحكم الذاتي في ولاية جنوب كردفان المستقبليَّة في صغر مساحة الإقليم لأن معيار النجاح ليس في المساحة وإنَّما في إدارة الموارد المتوفِّرة. سيتغلب أبناء الولايات المتجاورة على كل القضايا التي ستواجه ولاياتهم.
المراجع (33) جريدة الجريدة، الخرطوم، 16/6/2016م. (34) جريدة الجريدة، الخرطوم السُّودان، 16/6/2016م. (35) الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، ثمانیةٌ وخمسون عاماً من الفشل في التوافقِ على دستورٍ دائمٍ للسُّودان، جريدة الراكوبة الإليكترونيَّة، 31/12/2013م. انظر إلى الرابط: http://www.salmanmasalman.orghttp://www.salmanmasalman.org (36) الدكتور عمر مصطفى شركيان، في النزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطابع (إم.بي.جي)، لندن، 2015م. (37) الجزيرة نت: 16/6/2016م. (38) الدكتور علي السيد، البرلمان وعودة الحصانة، جريدة الراكوبة الإلكترونيَّة، 29/6/2016م. http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-239010.htmhttp://www.alrakoba.net/news-action-show-id-239010.htm (39) جريدة الجريدة، الخرطوم السُّودان، 16/6/2016م. (40) أكد صلاح سر الختم كنه، والي ولاية البحر الأحمر السُّودانية، أنَّ الصاروخ الذي استهدف سيارة صغيرة قرب مطار بورتسودان، صاروخ مجهول المصدر لم يحدد مركزه بعد. (41) أوردت وكلات الأنباء المختلفة منها الجزيرة نت نبأ استيلاء مصر على حلايب وشلاتين على خلفية محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك بواسطة الاستخبارات السُّودانيَّة. وكما أجلت مصر الجيش السُّوداني من حلايب. لذلك عرض السُّودان على الحكومة المصريَّة في عهد حسني مبارك ثلاثة خيارات لحل مشكلة حلايب هي: التحكيم الدولي، أو إقامة منطقة تكامل بين البلدين في المنطقة، أو التوصل إلى تسوية سياسيَّة تؤدي إلى اقتسام الأرض، لكن مصر رفضت واحتلتها بالقوة وأصرت على بقائها تحت الاحتلال. (42) شبكة متابعات، قائمة أسماء ولاة الولايات في السُّودان بعد التعديل الوزاري الأخير، 7 يونيو 2015م. http://news.motabat.com/arabic/sudan-news/20333.htmlhttp://news.motabat.com/arabic/sudan-news/20333.html (43) الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، انفصال جنوب السودان: دور ومسئولية القوى السياسيَّة الشمالية، مطاب.ع (إم.بي.جي) لندن، 2016م.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة