وسط أكوام الأنقاض العراقية، وفي خضم ضجيج المدافع وأزيز الصواريخ وأكوام الجثث المتراكمة، ومن عمق شعارات وصرخات الثأر الإنتقامية المستندة لآيديولوجيات طائفية رثة أضحى لها سوق ورواد في الوضع العراقي المتهالك، تدور معركة الفلوجة الساخنة بما تحمله من رؤى وقناعات وتطورات ومرتكزات أسست لتراكمات دموية مروعة، فإنتزاع الفلوجة من قبضة تنظيم الدولة هو الهدف المركزي والمقدس ليس للحكومة العراقية فقط التي تحاول الهروب من أزماتها الداخلية المستفحلة بإتجاه طريق ترميم الخراب الذي أحدثه رئيس الحكومة السابق الفاشل، زعيم حزب «الدعوة» الحاكم نوري المالكي بعد أن سلم ثلث الأراضي العراقية للجماعات المسلحة وأضاع الموصل وجزء كبير من غرب وشمال العراق.
وما جرى بعد ذلك من مجازر وإنهيارات يتحمل هو وحزبه وإدارته مسؤوليتها الأولى والأخيرة، ولو كان في العراق وضع سياسي محترم لتمت محاكمة وعقاب نوري المالكي بصرامة وحسم في تهم كبرى ترقى لمستوى الخيانة الوطنية والإهمال الجسيم، لكن في ظل أوضاع المحاصصة الطائفية البغيضة والفاشلة ضاعت الحقوق، وتسيد الجهلة، وهطلت الحصانة على المجرمين، وأفلتت قيادات عاجزة ومتواطئة كثيرة من المساءلة والعقاب، وأختلطت كل الأوراق في كرنفال فشل دموي مريع ليس هناك من نظير له في الشرق القديم!
اليوم تدور رحى معركة دموية كبرى في الفلوجة وحولها وهي التي بشر بها قادة الميليشيات الطائفية منذ العام الماضي حين أعلن الإرهابي أبو مهدي المهندس أنه ينوي صلاة عيد الأضحى الماضي في الفلوجة! ثم أعقبه الإرهابي هادي العامري زعيم «عصابة بدر» بإطلاق التهديدات الداعية لإبادة الفلوجة!، واليوم إرتفعت أصداء التهديدات الخطيرة التي وصلت لأبعاد إبتزازية وإرهابية غير مسبوقة بعد أن صرح أحد قادة الحشد وهو زعيم «عصابة أبي الفضل» أوس الخفاجي في خطبة طائفية بتراء دعا فيها لإستئصال وإبادة الفلوجة وأهلها! وهي الخطبة التحريضية الإرهابية التي أثارت ثائرة المراقبين، وكانت عنوانا واضحا ومؤشرا قويا وشفافا على مدى وزخم الروح الإنتقامية التي يحملها العديد من قادة الحشد الطائفي المرتبطين أساسا بقيادة الحرس الثوري.
ورغم تصريحات العبادي القائد العام المؤكدة على عائدية إرتباط قيادة الحشد بالجهد العسكري العراقي إلا أنه أعلن بوضوح وغرابة عن وجود أكثر من 100 ميليشيا مسلحة خارج سيطرة الدولة، وخارج مسؤولية قيادته! وهو ما يعني عدم سيطرته وحكومته على الأمور التي قد تخرج عن السيطرة وكما حصل فعلا في منطقة الكرمة التي إنسحب منها تنظيم الدولة لتدخلها الميليشيات و تفجر جامعها الرئيسي وأربع جوامع صغيرة أخرى، ثم تبدأ بعمليات السلب والنهب و «الفرهود» المعروفة في العراق، وهو سيناريو إرهابي فوضوي معروف عن الحشد!
سيكون كارثة حقيقية لو طبق في الفلوجة بعد القضاء على تنظيم الدولة هناك وهو ما دعا أطراف الحشد العشائري وكذلك الحليف الأميركي لمنع قوات الحشد من المشاركة في القتال ودخول الفلوجة والإكتفاء بالقوات الحكومية، لكن قيادات الحشد لها حسابات تريد أن تصفيها مع الفلوجة وأهلها، وكان أن دخل على الخط الجنرال الإيراني وقائد «فيلق القدس» الإرهابي قاسم سليماني الذي أظهرت صور عديدة وجوده في جبهات القتال وتقديم مقاتلي الحشد الطائفي الولاء له بإعتباره شخصيا القائد العام لجميع الميليشيات العراقية! وكان ملفتا للنظر أن يصرح سليماني وهو الممنوع من مغادرة إيران بينما يتجول بحرية في ميادين العراق والشام وحتى لبنان من دون مساءلة من أي طرف.
لقد صرح سليماني انه ينتظر أوامر السيستاني للقتال، رغم أن ولاءه الشرعي والقيادي لمرجعية علي خامنئي وليس السيستاني! فماذا كان يقصد من ذلك التصريح سوى القول أن العراق في جيبه؟ أما الحكومة الإيرانية فقد أعلنت أن حكومة العراق هي التي طلبت خدمات سليماني العسكرية، فهل أن جنرالات العراق في حالة عجز عن فهم و تحليل أرضهم ومناطقهم ليأتي جنرال حرسي لكي يقودهم!؟، ما يحدث من تدخل إيراني في المعارك إنما هي عملية بلطجة حقيقية وبأهداف طائفية وقحة وإخلال فظيع بالسيادة العراقية التي لم يعد لها وجودعلى الإطلاق؟، لقد خسر الإيرانيون في المعارك عددا من ضباطهم ومنهم المدعو قربان نجفي، فأي مستشارين مزعومين يقدمون كل هذه الخسائر البشرية المروعة دون ثمن؟
قاسم سليماني تعتبره الميليشيات الطائفية العراقية زعيمها الأوحد ومؤسس نواة «الحرس الثوري العراقي»، ونتائج معركة الفلوجة ستكون حاسمة في تعزيز المشروع الإيراني في العراق في ظل الفشل القيادي العراقي… سليماني أضحى الرقم الصعب في وضع عراقي هو الأسوأ من السوء ذاته!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة