رسالة من الأستاذ عثمان يوسف خليل في رثاء الأستاذ سيد أحمد الحسين: (في فترة نشاطي السياسي الذي امتد لفترة ليست طويلة في الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي مازلت أكن لأهله كل الود والمحبة، في تلك الحقبة التقيت بقيادات اتحادية كثيرة، والاتحاديون يهتمون بالأسماء الكبيرة ويقدسونها..لم يمن علي الزمان أن التقي بالأستاذ سيد أحمد الحسين، ولكني التقيت بزهده ومثابرته ووطنيته التي أعطتنا دفعة نحن شباب الحزب في ذاك الزمان..ولأستاذ شخصية وقورة تحظى باحترام الأعداء قبل الأصدقاء. الأستاذ سيد أحمد الحسين أحد أهم تلك الشخصيات العصامية البازرة، والتي وضعت مداميك في تاريخ السودان، وعصامية سيد أحمد لم تكن بالهينة نسبة لأنه أُبتلي بإعاقة في يده ولكنها لم توقفه. لم يتلق الأستاذ دراسة نظامية إلا بعد أن حضر إلى أمدرمان، ويتبناه أهله الركابية ثمن يشجع ليلتحق بالمعهد العلمي بأمدرمان، وهذا المعهد نفسه لم تكن الدراسة فيه نظامية، فقد أنشيء بمسجد أم درمان العتيق أولاً وروعي فيه أن يكون شبيهاً للأزهر الشريف..درس سيد أحمد بالمعهد ومن بعده ذهب إلى الأزهر بتوجيه من قريبه لأمه المرحوم عفان أحمد عمر، يعني سيدنا أحمد قلب الهرم التعليمي بالله في عظمة أكتر من كده..ومن بعدها لم يتوقف عن العلم والمثابرة، فقد كانت نفسه تواقة للمعرفة، فقد قرر أن يتحدى غول الإعاقة ليعود من الأزهر بالشهادة العالمية، ولكن يبدو أن ذلك لم يشبع غروره، إذ قرر أن يستزيد من العلوم الانسانية خاصة وقد تشبع في القاهرة بالثقافة السياسية، وكان عبد الناصر في أوج مجده فيعزم سيد أحمد أمره ويلتحق بجامعة القاهره الفرع، والتي تخرج فيها من كلية القانون ليصبح محامياً يشار إليه بالبنان. ذكر الدكتور الباقر أحمد عبد الله في أحد مقالاته في صحيفته الغراء (الخرطوم) أن الأستاذ سيد أحمد الحسين خرج من بيت خاله المرحوم شريف أحمد عمر بامدرمان وهو نفس ذاك البيت الذي خرج منه الباقر نفسه، وشريف عليه رحمة الله كان أحد أوائل المحاسبين السودانيين، وأقدم الخبراء الذين استعانت بهم السعودية في بناء نهضتها، وكان بيته يمثل جامعة مصغرة، حيث إنه حضن العديد من قادة المجتمع والفكر سكناً وضيافة وزيارات. أشعر بشيء من التعاسة الشديدة حينما أعود لماضيّ السياسي والذي عشته بحلوه ومره، وأديت فيه كل الفرائض الاتحادية، إلا أنني قد أشركت بالقداسة ورفضت الولاء الطائفي، لذلك خلعت جلبابي القديم وعلقته في قاطوع بيتنا في عديد البشاقرة مع بقية مما تركت لغير رجعة، وحسبي أنه مع مخلفات قديمة قد عفا عليها الزمان، ولكن غياب الأستاذ سيد أحمد فرض علي أن أكتب. بموت الشريف حسين (والشريف نفسه أشار في مرة من المرات إلى أن مصيبة الاتحاديين هي موت زعاماتهم) انقفل باب السنط الوطني الكبير بالكالون، وخبأت معه الحركة اللبرالية المعتدلة، لذاك الحزب الوطني العريق الذي جمع أفكاره وعددا، وكان يحسب أن مبادئه اخلدا. الكل يعرف (على الأقل أنا) أن عِتْرَة الاتحاديين في تقديري الشخصي حدثت يوم أن عبر عباقرة أبروف وبيت المال الضفة الأخرى لنهر النيل، ويجمعوا أمرهم بتلك الفئة التي ختمت على حزبهم بنهايته، وهم يدرون أن فرقتهم وشتاتهم سيصيب الكل، ويصبح كل الوطن مهلهلاً مزعزعاً ومضعضعاً حتى وصل به الأمر أن ياتيه يأجوج ومأجوج ليققضوا على الأخضر واليابس، حتى لكأننا نكاد نحس به ينهار كلياً. يحسب للأستاذ سيد أحمد الحسين أنه لم يعرف المهادنة ولا اللين، ولم ينفزر أمام جلاديه حتى وهو معلق بيده الوحيدة على مروحة السقف أيام بيوت الشياطين التي بناها كبيرهم الذي علمهم الجبن، لتنهد عليه هو الآخر، وقد قال قولته الشهيرة والتي وصلت إلى صحيفة الأندبندنت اللندنية وذلك عندما سئل ألا تخاف الموت (أنا لا أخاف الموت لأن مثلي إن لم يمت فإن هولاء الطغاة لن يذهبوا) لله درك ياشيخ المجاهدين والسلام عليك ورحمة الله تغشاك في عليين. الوحش يقتل ثائراً والأرض تنبت ألف ثائر ياكبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر عثمان يوسف خليل المملكة المتحدة [email protected] akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة