المشكلة ليس بعدم وضع الآليات لتنفيذ قرارات « المركزي» وإنما في غياب الإرادة السياسية للقيام بذلك توقف كثيرون عند بيان اللجنة التنفيذية لـم.ت.ف. الصادر مؤخراً. وعلى الرغم من أنهم ثمنوا تأكيد اللجنة إصرارها على تنفيذ قرارات المجلس المركزي بخصوص وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، إلا أنهم أشاروا بوضوح إلى أن التنفيذ على الأرض هو المحك العملي للفصل ما بين المناورة وصدقية ما جاء في البيان. وباتت دائرة الشك أكثر اتساعاً مع التصريح الذي قاله رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية د. رامي الحمدالله، وأشار فيه إلى أن كل شيء على ما كان عليه، وأضاف بأن تنفيذ قرار «التنفيذية» بهذا الشأن مرهون برسم آليات التنفيذ.. وهي لم ترسم بعد.. ولا أحد يعرف متى يحصل ذلك! على كل، هذا ليس القرار الأول ولا يبدو أنه سيكون الأخير الذي يبقى حبراً على ورق؛ هي رزمة من القرارات اتخذها المستوى «الرسمي» الفلسطيني، وبقيت مجرد يافطة تؤكد مراراً أن اتخاذ القرار هدف مستقل .. عن التنفيذ. 14 شهراً انقضت على صدور قرارات المجلس الفلسطيني المركزي في دورته السابعة والعشرين ولم ينفذ أحدها، وخاصة تلك التي تتعلق بتصويب الأداء السياسي للقيادة الرسمية الفلسطينية؛ وكان وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أحد أهم تلك القرارات. ومنذ صدورها، تم التأكيد على أهميتها واعتبرت بوابة لإحداث نقلة نوعية في مسار العمل الوطني الفلسطيني. ورأينا مع كثيرين بأن الشروع الفوري بتنفيذها سينعكس إيجاباً على الحالة الفلسطينية ويخرجها من حالة التردد والسلبية التي تعيشها منذ سنوات طويلة. لكننا أكدنا أن العبرة في التنفيذ. ولم يأت هذا التأكيد من موقع التشكيك المسبق بالقائمين على إدارة الشأن الفلسطيني العام، وإنما كان هاجس تكرار ما حصل في محطات سابقة بقيت فيها القرارات المتقدمة خارج ميدان التنفيذ، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. وما جاء على لسان رئيس الوزراء الدكتور الحمدالله، وقبل ذلك في بيان «التنفيذية» حول آليات التنفيذ يدفع إلى السؤال: لماذا لم توضع هذه الآليات خلال الفترة المديدة التي أعقبت صدور قرارات «المركزي»؟ وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى مربع العطالة في الأداء السياسي للقيادة الرسمية. في بيان التنفيذية (4/5) تم ربط قرار تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بالاحتلال بـ«تنكر الحكومة الإسرائيلية للاتفاقيات الموقعة..». هذا يعني أن سقف اتفاق أوسلو لا يزال يضغط على الخيارات المتاحة؛ في الوقت الذي تقرأ فيه قرارات المجلس المركزي على أنها عتبة هامة للانعتاق من قيود الاتفاق المذكور. وإلا كيف يفهم تحديد العلاقات الاقتصادية مثلاً دون التخلص من بروتوكول باريس الذي يلحق النشاط الاقتصادي الفلسطيني بعجلة المصالح الإسرائيلية؟ الأهم من كل هذا، عندما نتحدث عن تصويب الأداء السياسي للقيادة الرسمية، نقصد في الوقت نفسه الانحياز للخيارات الأوسع في مواجهة الاحتلال، بعيداً عن نفق المفاوضات الثنائية المحصورة بالإشراف الأميركي والمحكومة بالشروط التوسعية والأمنية الإسرائيلية. ولهذا قلنا إن استمرار التنسيق الأمني سيلحق الضرر البالغ بمآلات المواجهة، وخاصة مع اندلاع انتفاضة الشباب الفلسطينية بداية تشرين أول /أوكتوبر الماضي. وما جرى في هذا الخصوص، جاء يعكس قرارات «المركزي» ولوحظ زيادة في التنسيق الأمني الذي رآه بعض المراقبين أنه وصل حد التعاون، وأشر على ذلك تصريحات المسؤولين في السلطة وأجهزة الأمن الفلسطينية الذين تباهوا بأنهم «دخلوا» على خط الانتفاضة ولكن من زاوية كبحها من خلال توجيه نشاط هذه الأجهزة لرصد تحركات شبان الانتفاضة وتفتيش حقائب التلاميذ، بدلاً من القيام بمهمتهم الأساسية في حماية أمن المواطن الفلسطيني. والأمر ذاته حصل ويحصل على المستوى السياسي والديبلوماسي، عندما يتلكأ المستوى الرسمي الفلسطيني بتقديم شكاوى واضحة ضد الاحتلال بخصوص حملات الإعدام الميداني التي يتعرض لها شبان الانتفاضة، وفي الإحجام عن مقارعة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية بخصوص ما يرتكب بحق حياة الفلسطينيين وأرضهم وأملاكهم على يد الاحتلال من خلال القتل والاعتقال وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان. ومع التجربة، يتضح أن المشكلة ليس بعدم وضع الآليات لتنفيذ قرارات المجلس المركزي، وإنما في غياب الإرادة السياسية للقيام بذلك، ولا يزال الرهان على المفاوضات العبثية هو ما يحكم أداء القيادة الرسمية الفلسطينية . وفي آخر السيناريوهات، ما زال الوهم يتصاعد حول الأفكار الفرنسية والحديث عن مؤتمر دولي نهاية الشهر الجاري، ثم تم الإعلان عن تأجيله. والسبب ليس كما قالت باريس حول انشغال وزير خارجية واشنطن وعدم تمكنه من الحضور في الموعد المقرر؛ وإنما هي فكرة المؤتمر الدولي الذي ترفضه تل أبيب بشكل مطلق، فيما ترى واشنطن أنها ليست ضد أي لقاء دولي، لكن شرط تحويله إلى مهرجان سياسي يجدد تفويض واشنطن بالإشراف الحصري على أية تسوية يتم البحث فيها عن حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كما حصل في «أنابوليس» خريف العام 2007. حصل هذا في وقت كان الموضوع الفلسطيني مدرجاً في قائمة الاهتمامات الإقليمية والدولية، فكيف الأمر في هذه المرحلة وقد تصدرت هذه الاهتمامات قضايا ناشئة، ربطاً بالتطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة؟ لهذا السبب؛ فإن الأولويات الفلسطينية ينبغي أن تبدأ بترتيب الوضع الداخلي باتجاه تعزيزه بدءاً من تصويب السياسات الاقتصادية ــ الاجتماعيةـ هنا، لابد من الإشارة إلى ما شهدته الأراضي الفلسطينية من تحركات مجتمعية واسعة تصدرتها الاحتجاجات المطلبية لفئات وشرائح هامة من بينها المعلمون، كما شهدت احتجاجات نوعية على صدور قانون «الضمان الاجتماعي» المتسرع، وقد أجبرت هذه الاحتجاجات مصدريه على وقف العمل به وفتح الباب لإجراء حوار مجتمعي حوله من أجل تعديله. وعانت الحركة النقابية الفلسطينية من تدخلات السلطة، ومن هامشية الهيئات النقابية القائمة التي انحازت لغير مصالح من تقول بتمثيلهم. في ظل حالة المراوحة والتردد، تتراكم الأزمات الفلسطينية وتزداد تعقيداً؛ وفي مثل هذا الوضع، سيجد الاحتلال المناخ النموذجي للتغول في سياساته العدوانية والتوسعية، محتفظاً بهامش المناورة كلما تجدد الحديث عن أجواء للتسوية تلوح بالأفق، ليجدد شروطه في حصر موضوعة التسوية بمفاوضات بلا مقدمات.. ولا نتائج، مستفيداً من تعلق المفاوض الفلسطيني بهذا الخيار «الحصري». وكما تتراكم الأزمة، تتصاعد الأسئلة برسم الحالة الفلسطينية بكافة مكوناتها حول الوقت الذي تستطيع فيه الوقوف أمام هذه الأزمات والبدء في إيجاد حلول ناجزة لها ربطا بقرارات الإجماع الوطني.. وهي كثيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة