لماذا تشابه رد الفعل الحكومة مع كثير من المواطنين فيما يخص ما يواجهه إخواننا في مصر هذه الأيام ؟ يقول منظر علم الاجتماع بن خلدون ان الشعوب المغلوبة غالبا ما تتنمط بافكار ووجدانيات الشعوب الغالبة . ولان الله ابتلانا بطبقة مثقفة مستسلمة تماما لفكرة اننا شعب لا يمكن ان يتنفس الا تحت العباءة المصرية مستمدا هذه الفكرة من اكذوبة اننا كنا مستعمرون من مصر انتشر لا وعي سيطر على كافة الشعب السوداني فاصبحنا نحقر انفسنا امام الشخصية المصرية فالفرد منا لا يستطيع ان يتحمل فكرة انه افضل من الفرد المصري والاسرة مننا لا تستطيع بنفس القدر ان تتحمل بانها افضل من الاسرة المصرية وهكذا المجتمع ثم الحكومات . فثقافة الدونية منتشرة ومعشعشة في اللاوعي السوداني ومتخلخلة في مكنون النفسية السودانية للدرجة التي صارت من ضمن موروثاتنا وثقافتنا فاذا تطاول أي فرد منا على هذه الفكرة وحاول ان يكسر هذه النظرية سيجد حربا بلا هوادة تبتدئ من نفسه ومن ثم الذين حوله وكافة المجتمع والمثقفاتية ثم الحكومة . وهذا التنميط الاسترقاقي لم يحشر في نفسيتنا حشرا بواسطة عامل خارجي للأسف الشديد انما عمل على تعظيمه نخبة من المستمصرين الذين اتخمو نفسيتهم المريضة بالفكر والثقافة المصرية وانكروا علينا تماما أي موروث معرفي ثقافي مستمد من جزورنا الضاربة في التاريخ بل جيروا تاريخنا لاسيادهم هؤلاء. ولأن هذه الطبقة تشربت مبدأ وفكرة اننا عرب طاردت امنياتها لاقصى حد ولما استحالت انزال هذه الامنيات لارض الواقع لانتفاء عنصر المعقولية ولعدم استنادها لحقائق علمية ثابتة وواضحة تنازلت هذه الطبقة المستغفلة عن كل ارثها وتاريخها واستبدلته بتاريخ مشوه وكاذب ولعل معلوم لدى الكل التشوه النفسي الذي سيصيب هذه الشخصية وهي ترتكز على أكاذيب لا يستطيع تصديقها الا جاهل ، وللأسف الشديد عكفت على تعبأة الوجدان السوداني بهذه الامنيات وجرته خلف هذه الاباطيل وفلحت فعلا في غرس هذه الامنيات في اللاوعي فاصبحت تحركه امنيات العربنة التي لم يستطع الفكاك عنها . ان السلوك الجمعي لدى المجتمعات هو رابط خفي وقوة مغناطيسية تحرك الجميع تماما كما يفعل قطب المغنطيس بالتراب عندما تمرره من فوق ورقة ، ان هذه الخاصية المجتمعية تميز كل شعب يقطن حيز معين ويؤمن بنفس المبادئ ويفكر بروح قومية واحدة ومتشرب حب ارضه كابر عن كابر . مثل هذه المجتمعات تمتاز بحسها الوطني العالي فلا تجد أي قضية قومية او وطنية تمس الوطن الا وتفاعلوا معها بردة فعل واحدة بل ومنتظمة لايختلف عليها اثنين وتفاجئك هذه المجتمعات بسرعة استجابتها لقضايا اوطانها فهي تأجل أي قول او تنظير لما بعد الفعل . والغريب في الامر لا تتميز هذه الشعوب بأي خصلة معرفية أو ثقافة اكاديمية عالية .ما يوحد هذه المجتمعات هو وجدان وطني واعي ووازع قومي قوي وبنيان نفسي متين يستمد قوته من جزور أوطانه وارتباطه بأرضه . وهذه الخصل كلها مفقودة في المجتمع السوداني المضعضع وطنيا والمفكك قومياً فبرغم ما عرف عن الشعب السوداني بذخيرته الثقافية والمعرفية المتينة لا انه مفكك وجدانيا ومتحزب قوميا وغير متشبث بجزوره لهذا يستحيل على مجتمع بهذه الصفات ان يوحد ردة فعله تجاه قضية قومية واحدة ويستحيل عليه ان يهب بردة فعل قوية مستمدة من وطنية قحة لا تعترف بالتعليلات والتبريرات والمنطقية ، هذه فعلا مانحتاجه في السودان فمع السوء والدرك السافل الذي اوصلتنا اليه نفسيتنا المريضة المهزومة هذه اصبح من المنطقي جدا ان ننادى بدعاوى الغوغائية الوطنية والاستكانة لشعور القطيع القومي اذا ما كان هذا الشعور والاحساس يدفعنا ويدمر خوفنا وعجزنا الابدي هذا. نحتاج جدا ان نصرخ على انفسنا وان نناوش هذا المارد الطريح في دواخلنا وان ندفعه ليخرج مدمرا هذا الخوف والعجز المحير . لنغضب في وجه الذين اغضبونا ولا نبالي ، ولنعبر عن رأينا ، لنحكي للعالم اننا ورثة رماة الحدق لما هذا العجز ومن هؤلاء المثقفاتية الخوارالذين استمرأوا تخويفنا وتنفيسنا . فعادة ردة فعل مجتمعنا كالاتي في أي قضية قومية في البدء وعندما يباغتنا خبر قومي سواء كان مفجع و او مفرح سننتظر الي ان نتأكد من هذا الخبر ثم سننتظر بعد ذلك قول المحلليين والمثقفين والمنظرين فيه ثم سننقسم بعد ذلك بين مؤيد لرأي منظر وموافق لرأي محلل وهكذا تضيع قضيتنا القومية ما بين فسفطتنا وتنظيرنا المستمد من تنظير المنظرين والمثقفين ، هكذا نقتل قضاينا الوطنية والقومية لا نهب هبة واحدة ننتصر لوطننا ثم بعد ذلك نجلس نتحاجج فيمن اخطأ ومن أصاب ولكن نركن الى التمييع أولا وبعد ذلك ينفض سامرنا ونحن منتفخة اوداجنا بالكلمات الرنانة وزخ العبارات المنمقة التي انتصرنا بها لرأينا الخسيء. ونحن في حقيقتنا و لأننا مدمرون من الداخل لا نمتلك الشجاعة القومية التي تدفعنا دفعا لفعل ما انما نركن لهذا السلوك التشتيتي تغطية لعجزنا وخوفنا من مواجهة واجبنا الوطني الصحيح واتخاذ المواقف الشجاعة في مثل هذه المواقف . وانا اتابع ردة فعل الكثير منا في هذه الأيام مع هذه القضية أتأكد بما لا يدع مجال للشك نحن شعب يحتاج إعادة صياغة وجرعات من المفاهيم الوطنية والقومية وابجديات الانتماء . هذا طبعا بعد ان نعمل جاهدين لمحو فكرة الاستعراب هذه التي مزقت اوطاننا كثيرا ونكتفي بسودانيتنا بكل موروثها البازخ وتنوعها الجميل ولكن ( مع من نقرأ يس ) لماذا لا نجرب ولو لمرة واحدة ان نهزم دواخلنا ونقتل مارد الدونية هذا؟ والذي كبلنا لسنين طويلة خلف مسميات الاخوة والجيرة ولماذا نحن دائما الحريصون على تمتنين هذه العلاقة ؟ والجانب الاخر الجانب الممانع لم تأتي ممانعته من باب الندية والمكاتفة بل هو ممانع لانه لا يتخيل في يوم من الأيام ان يجارينا علي شيء . استغربت تماما استهجان بعض الكتاب للآراء المنادية بالمقاطعة والمناددة هذه الأصوات الخائرة التعيسة والتي كل ما خرج علينا المصريون بنكسة من نكساتهم تصدوا لنا بموروثهم المعرفي الخائب هذا وضخمت في نظرنا الفأر وهزمتنا بعقليتها المنهزمة . ما رأيكم ؟؟ ولو لمرة واحدة ان نجرب من باب التجربة وفي سبيل معالجة هذا الشعب ان نتركه يغضب فقط !!! مجرد الغضب لا تخرجوا علينا بدواعي الاخوة ومصر ياشقيقة دعونا نجرب لمرة واحدة ان نعتلي فوق خسئكم هذا سنضع هكذا اللبنة الأولى في بناية المجد الوجداني لهذا الشعب هذا الشعب يحتاج جدا ان تتركوه في حاله يعبر عن انفعالته بطرقه التي يراها صدقوني لن نموت ان قاطعنا او نددنا او ناددنا او كاتفنا . دعوا عنكم مخاوفكم هذه واتركوا لهذا الشعب ان يكون ما يكون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة