من يطلع على الساحة العلمية والدعوية يجد تخبطاً كثيراً في الاستدلال بالنصوص الشرعية، فضلاً عن أن بعض من يتكلمون في مدلولات النصوص الشرعية لا يملكون الآلة التي تؤهلهم لهذه المرتبة العظيمة، فإن من يستنبط الأحكام الشرعية يجب أن يعلم ما يجب أن يتوفر فيه حتى يأتي البيوت من أبوابها.
إن الاستدلال بالنصوص الشرعية، موضوع في غاية الأهمية، لأن النصوص الشرعية تقتضي أن يكون فهمها واستنباط الأحكام منها وفق ضوابط منهجية معينة، تضبط الفهم، ويعصم بها الباحثون والدارسون من الشطط في التصور والفهم والاستنباط، ولا بد من الإدراك والوعي بالضوابط اللازمة لسلامة الاستدلال بالنصوص الشرعية وفهمها، والاستدلال السليم فرع عن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، وتطبيق هذه النصوص وتنزيلها على الوقائع المستجدة وهو ركن أصيل في الاجتهاد وجانب مهم في ثماره أمر غاية في الخطورة، لذا وجب العناية بضوابطه. ومن أبرز الضوابط المنهجية للاستدلال بالنصوص الشرعية ما يلي: > التأكد من ثبوت النص الذي ينبني عليه الحكم، والتأكد من صحته، وهذا الضابط يخص السنة النبوية. وما أكثر الأحاديث التي نسبت لخير البرية عليه الصلاة والسلام ولم تثبت ولم تصح، بل إن بعضها لم توجد له رواية في الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ومع ذلك بني عليها بعض المبتدعة أعمالاً وفضائل، كحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) قال ابن تيمية : في «مجموع الفتاوى»: (وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث ).أ.هـ، وكالأحاديث الضعيفة التي تروى في فضائل شهر رجب وغير ذلك . > وجوب عرض النص الذي يراد فهمه والاستدلال به على النصوص الشرعية الأخرى من الكتاب والسنة النبوية ذات العلاقة به، وذلك باستقصاء وجمع النصوص الواردة في الموضع الواحد والمقارنة بينها. > فهم ألفاظ النصوص الشرعية وفق أساليب اللغة العربية وطرق الدلالة فيها على المعاني، فالنصوص الشرعية نزلت بلسان عربي مبين، فمدلولات ألفاظ النصوص الشرعية حسب قواعد اللغة العربية ودلالاتها اللغوية والشرعية والعرفية. > فهم النص في ضوء دلالة سبب نزوله أو وروده، لأن الكثير من نصوص الكتاب والسنة النبوية أحاطت بها ظروف وشروط ومناسبات ولا بد من إدراكها أثناء عملية التنزيل للنص على الواقع. والأمثلة على هذا الجانب أيضاً كثيرة جداً والتي تبين ضرورة أن يقف من يريد الاستنباط من النصوص الشرعية على سبب نزول الآيات القرآنية وورود الأحاديث النبوية، وقد وقع كثيرون في أخطاء عظيمة بسبب عدم مراعاة هذا الجانب المهم، ومما أذكره في التمثيل لذلك عدم الفهم الصحيح لحديث: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ...» الحديث، رواه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار برقم (2398) فإن سبب ورود الحديث قصة وفد (مُضَر) الذين كانوا في حاجة ماسة للنفقة، وليس الحديث يفيد جواز إحداث تشريعات جديدة في دين الله تعالى، كما قد فهمه بعض من يستدلون به على ذلك، ممن يصرون على فهم مخالف بل يناقض ما دلّ عليه الحديث. > فهم النص في ضوء دلالة سياقه، فلا بد أن يربط اللفظ بسياقه الذي ورد فيه النص وعدم قطعه عما قبله وما بعده، ودلالة السياق تختلف عن دلالة سبب النزول أو الورود، فالسياق له تأثير على دلالة النص ومعناه، أما سبب النزول أو الورود وإن كان يعين في فهم النص، إلا أنه ليس له أثر على دلالة النص ومعناه. > فهم النص الشرعي في ضوء مقاصد الشارع من التشريع، وهي المحافظة على المصالح الكلية للخلق، ولا بد من الجمع بين النصوص الجزئية وبين المقاصد العامة والقواعد الكلية للشريعة في آن واحد ولا يكون الفهم للنصوص صحيحاً وسليماً إلا في ضوء ذلك. > فهم النص الشرعي في ضوء الملابسات الزمانية والمكانية والواقع، وقد قرر علماء الإسلام منذ عصر الصحابة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال، وقد أفاد صاحب بحث بعنوان (الضوابط المنهجية للاستدلال بالنصوص الشرعية) بجمعه هذه الضوابط والتي تضمنتها كتب أصول الفقه واعتنت ببيانها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة