.... الخرطوم صلة لحديثنا في الحلقة الأولي عن مسيرة أستاذنا د. عبدالكريم الكابلي ، أذكر هنا جلسه طويله جمعتني في القاهرة ذات مساء في العام 2000م علي وجه التحديد بمقر صحيفة الخرطوم بحي جاردن سيتي و التي كانت تصدر من الخارج ، وقد كنت وقتها أعمل بدولة قطر متعاقدا مع حكومتها في مجال المراجعة المالية بوزارة خارجيتها خلال الفترة ( 1998 – 2003م ) .. كان حضورا في تلك الجلسة الأستاذ الصديق الصحفي المعروف فيصل محمد صالح مدير صحيفة الخرطوم آنذاك ورئيس تحرير ( الأضواء ) في زمان لاحق بالسودان ، ومعنا الزميله الصحفية المصريه الناشطه جداً (د. أماني الطويل ) الباحثة بمركزالاهرام للدراسات الإستراتيجية والمهتمه بالشأن السياسي السوداني في الصحافة المصريه والزميل الصحفي السوداني المحلل السياسي الناشط ( فتحي الضو ) و الذي هاجر إلي الولايات المتحدة فيما بعد .. فكانت أماني مندهشه حين قرأ لها الأخ فيصل مقاطع من أنشودة آسيا وأفريقيا التي تحدثنا عنها وعن شاعر الراحل بروف تاج السر الحسن في الحلقة الأولي من هذه السلسلة . فقد كان تعليق الدكتورة أماني بأنها لم تكن تعرف بأن أدباء ومطربي السودان كانوا فيما مضي يهتمون بقضايا الشعوب وقضايا التحرر الوطني في ذلك الزمان البعيد .. بل لقد أعجبت الدكتورة الصحفية جداً بمفردات ومضامين الشعر السوداني من خلال قراءات الأخ فيصل لها بعضا من مقاطع من أعمال الشاعر الدبلوماسي المهاجر ( محمد المكي إبراهيم) في رائعته ( لاخباء للعامريه ) التي تحمل الهم السياسي الرمزي في أجمل معانيه . لكنني شخصياً .. لازلت أقف إجلالاً وإعجاباً لشعر دكتور تاج السر وقد كان في سن الصبا الباكر حين قال في قصيدته تلك : غير اني .. والسنا .. في أرض أفريقيا الجديدة والدجي .. يشربُ من ضوء النجيمات البعيدة قد رايتُ الناس في قلب الملايو مثلما شاهدتُ .. جومو ولقد شاهدتُ جومو .. مثلما إمتد كضوء الفجر يومُ فماذا عساني أقول غير .. ( ألف شكر لك منا يا تاج السر يا شاعرنا الراحل .. والف تقدير لك منا يا كابلي ) ولحديثنا من داخل سفارة الكابلي .. بقية من زمان الكابلي .. لأنه زمان الناس فعلاً . قلنا أن الأستاذ الرائع عبدالكريم الكابلي قد إلتقي بعمالقة الشعر والأدب في بلادنا وفي العالم العربي حين تغني بمختارات متميزة كتبها العديد من الشعراء .. وذلك خلافاً للقاعدة المعروفة التي تقول أن الكابلي يكتب غنائه بنفسه ، ذلك أن الأستاذ معروف برقة نظمه للشعر الغنائي وبإختياره الأكثر رقة لتلك المفردات ، لكنه هنا قد جمعته ظروف البحث عن الأفضل بمجموعة متميزة كانت تعقد جلسات النقاش والإلقاء الشعري في ذلك الزمان الجميل في بدايات ستينيات قرننا الماضي ..... فس تلك الندورة الأدبية الامدرمانية بدار الراحل الاديب عبدالله حامد الأمين حيث يلتقي الشعراء والادباء المميزون ، فكيف كان نتاج كل ذلك عند كابلي ؟ كما كانت بعض منازل الخرطوم الهادئة وقتذاك تشهد منتديات متناهية الصغر لكنها جيدة النتائج .. يعقدها لفيف طيب المعدن والنشأة من شعراء وأدباء أهل السودان ، ومن ضمن تلك المنتديات هناك مجموعة الشاعر الراحل المقيم مولانا (الحسين الحسن ) شقيق البروف الراحل تاج السر الحسن و الذي كان يعمل بالقضاء حتي تقاعده ويشاركه الجلسات كل من الشاعر الدبلوماسي المتجدد الراحل المقيم ( عبدالمجيد حاج الأمين ) وآخرين من صفوة الشعراء مثل الراحل الستاذ محمد المهدي المجذوب المراقب المالي بوزارة الخارجية وقتها ، وقد إنضم الأستاذ الكابلي لهذه المجموعة .. بمثل إنضمامه لمجموعات أخري أيضا في ندوة الراحل الأديب ( عبدالله حامد الأمين ) سالفة الذكر بأم درمان . وذات مره .. قرأ في جلسة ما شاعرنا الر احل الحسين الحسن علي الحضور قصيدته التي أخذت شهرة واسعه فيما بعد ( إني أعتذر ) ، حيث أحدثت مضامينها وموسيقي مفرداتها صدي طيبا في أحاسيس الحضور ، فلم يجد الكابلي فكاكاً من هذا الإعجاب بها إلا بعد أن احالها إلي أغنية رائعة اللحن .. جاذبة الموسيقي .. متعددة النقلات ، بل وقد تسيدت الساحة لفترة طويلة من الزمان ، علماً بأنها قد تمددت عربيا أيضا في ذلك الزمان الطيب بواسطة إذاعات بعض الدول .. خاصة في مناطق اليمن والسعوديه .. ويقول مطلعها : حبيبتي عمري .. تفشي الخبر وذاع وعمّ القري والحضر وكنت أقمتُ عليه الحصون وخبأته من فضول البشر تلك الأغنية .. وبكافة مقاييس الجمال الشعري تعتبر عملاً فنياً موفقاً .. وكتب له النجاح ، حيث ظل الجمهور في ذلك الزمان يردد مقاطع الأغنية التي كانت بمثابة نقلة متقدمة جداً في مسيرة الفنان الكابلي ، فضلاً علي أنها قد قدمت للشعب السوداني إسم القاضي الشاعر ( الحسين الحسن ) والذي فارق الدنيا في عام 2002م ، وهو الشقيق الأكبر للدكتور الأديب تاج السر الحسن الذي تناولنا في الحلقة الأولي من هذه السلسله في رائعته الخالدة ( آسيا و أفريقيا ) التي إشتهرت جماهيرياً في زمان مضي تحت إسم ( عندما أعزف ياقلبي الأناشيد القديمه ) . كما قام الشاعر الراحل الحسين الحسن بتقديم عمل آخر للأستاذ الكابلي في منتصف السبعينات وهي قصيدة ( أكاد لا أصدق .. أهذه الحروفُ .. كل هذه الحروفِ .. خطها بنانك المنمق .. بنانك المموسقُ ) والتي ايضا أخذت حظها من الشهره . وألأستاذ الكابلي الذي كم كان يشارك في ندوات الثقافة والأدب وجلسات الفن الراقي مع الرموز الأدبية في بلادنا .. فإن هذه المشاركات والحرص الشديد عليها رغم ظروفه العملية وإرتباطاته الفنية فإن الكابلي قد أفاد نفسه منها أيما فائدة ، وقد إنعكس كل ذلك في روائع الأعمال من القصائد التي كتبها كبار الأساتذة الشعراء السودانيين ، ويأتي علي قمة هؤلاء أستاذنا الشاعر والمربي الفاضل الذي إغترب كثيرا بالسعودية كموجه فني بالتربية والتعليم هناك بالرياض ثم وعاد بعد عقاعده عن العمل ( صديق مدثر) وقد كانت عودته تثري الساحة الادبية من خلال الفضائيات والمنتديات ، ثم عاد الي ابنائه بالرياض مستشفيا ولكن لقد صعدت روحه الطاهرة الي بارئها ودفن بالرياض قبل عدة سنوات ، حيث ظلت رائعتة التاريخية العريقة منذ ستينات القرن الماضي وهي (ضنين الوعد ) التي تغني الكابلي هي الأغنية المفضلة الأولي التي يبتدر بها الكابلي عروضه الغنائية بالمنطقة العربية .. ولقد قمنا برصد هذه الظاهره في حفلات الكابلي خارج الوطن .. وستظل كلماتها أيضا متجدده وتتداولها الأجيال: كان بالأمس لقانا عابراً كان وهماً .. كان رمزاً عبقريا كان لو لا أنني أخفيته في القلب تنبيء .. عنه عيناك ولا يخفي عليّا بعضُ أحلامي التي أنسجها في خيالي .. وأنتاجيها مليّا يا ضنين الوعد كانت أغنية ضنين الوعد من الأغنيات المفضله لنا ونحن في مرحلة الصبا الباكر ، فلازلت اذكر كيف أنني كنت أتغني بها وأنا بالصف الرابع المتوسط بمدرسة ودمدني الأهلية الوسطي ( ب) في عام 1964م وكنت قد بدأت مرحلة العزف علي العود وترديد الغناء .. فأصرّ زملائي واساتذتي أن أتغني بها في واحدة من ليالي الجمعية الأدبية بالمدرسة وقتذاك .. وقد كان . وتتواصل الذكريات عن زمان الناس وزمان الكابلي في الحلقة الأخيرة القادمة أن شاء الله،،،،،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة