:: أنظر إلى حياة الناس بالمناطق المصابة بالإسهالات المائية، ثم حدًق في ملامح أسواق مدائن وأرياف السودان، لتكتشف ( أصل الداء).. فالإسهالات داء مقدور عليه، ولكن لا علاج لأصل الداء غير (التغيير).. ليس تغيير نظام حُكم بأخر فحسب ، فالأمر( أكبر من كده)..وإذا أردت أن تعرف مدى تحضر أي مجتمع، فانظر إلى أنديته وما فيها من أنشطة.. وإلى شوارعه وما عليها من لافتات ومحاذير.. وإلى مجالس أهله وما هم فيها يتحاورون.. وإلى فضائياتهم وإذاعاتهم وما تبثها من إعلانات وبرامج.. وإلى صحفهم وما تحملها من حوداث وقضايا..!! :: وإلى مركباتهم العامة، ومواعيد ذهابها وإيابها من وإلى المحطات الرئيسية.. و إلى صالات الوصول والمغادرة بالمطارات والموانئ.. و إلى تاكسي المدينة وأُنس سائقها.. وهكذا.. تلك - وغيرها - بمثابة لوحات ناطقة بلسان حال المجتمعات وبلادها.. وأياً منها تكفي لشرح عقل المجتمع.. إن كان عقلاً قابعاً في القاع على ركام الجهل أو كان عقلاً محلقاً فوق القمة بأجنحة الوعي.. وما نشرتها صحف الخرطوم - يوم أمس - من محاذير تعد عند الآخرين من الغرائب..!! :: حذرت وزارة الصحة بالخرطوم الناس من تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة من الباعة الجائلين، وحتثهم على الإهتمام بالنظافة الشخصية، وغسل الأيدي قبل وبعد الأكل، ثم غسل الأيدي بعد قضاء الحاجة .. صدرت هذه المحاذير - كأخبار رئيسية - في صحف الأمس، وليس الصحف القرون الوسطى .. وهذا التحذير الجهير يعيد إلى الذاكرة إعلانا تحذيريا لإدارة شرطة المرور بالخرطوم، ثم إعلان آخر تحذيري أيضاً لوزارة الصحة بالخرطوم أيضاً.. ممنوع غسيل العربات على أرصفة الطرق.. ممنوع إستخدام الصافرة والموسيقى الصاخبة بقرب المدارس والمشافي..، ممنوع فتح محلات التمباك بقرب المطاعم والكافتريات..!! :: ثم ممنوع التدخين في المركبات والمشافي والأماكن العامة.. ممنوع بيع التمباك والسجائر لما دون سن الرشد..ممنوع إستخدام الأطفال في زراعة وحصاد وبيع التمباك والتبغ، وممنوع التبول في الطرقات والأسواق ..وممنوع ..وغيرها من المحاذير التي كان يجب أن يتجاوزها المجتمع قبل نصف قرن - على الأقل - بفطرة الوعي، وليس برهبة القانون وتذكير المؤسسات والصحف .. ولكن كيف تكتسب المجتمعات فطرة الوعي بحيث تفضح حالها بمثل هذه المحاذير الخبرية ؟.. لا تكتسبها برهبة القانون، ولكن برشد القيادة ..!! :: أي مجتمع يتم تحذيره جهراً عبر الصحف - في الألفية الثالثة - بمثل تلك المحاذير المتخلفة وغيرها من شاكلة (لاترمي القاذرورات في الشارع)، كان طفلاً على مهد زمن مضى، وكان بحاجة إلى قيادة رشيدة تذهب به إلى وديان العلم والمعرفة، ليكتسب وعياً يقول للناس والحياة بياناً بالعمل : ( لقد إرتقيت).. ولكن للأسف، لم يجد هذا المجتمع رشد تلك القيادة عندما كان طفلاً.. وكان طبيعياً أن يشب على اللامبالاة حتى (شاب عليها)، وأن يشب على الجهل حتى (شاب عليه)، وأن يشب على الفوضى والعشوائية حتى (شاب عليهما)..!! :: غابت القيادة الرشيدة عندما كان المجتمع في المهد صبياً، ولذلك لايزال باعة الأحذية في الأسواق يضعونها على (الترابيز)، وبجوارهم باعة الخضر والفاكهة يفترشونها على ( الأرض).. وتضج الطرقات بمن يغسلون عرباتهم على الأرصفة، وبمن يبيعون التمباك بقرب المطاعم، فتحذرهم شرطة المرور ووزارة الصحة بمحاذير خبرية أو بدروس ( رياض الأطفال)..فالقيادة المطالبة بالرشد الذي يرشد المجتمع - منذ فجر إستقلانا وحتى فجر نهارنا هذا - تبحث عن (السلطة والثروة)، تاركة المجتمعات في بحر (اللامبالاة) ومستنقع (الجهل)..ولذلك، لن يفارق الحال العام اللافتة التحذيرية ( اغسل يدك بعد قضاء الحاجة)، حتى لا تُصاب بالإسهالات ..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة