على غير المتوقع ؛ جاءت قناة الشروق الفضائية هذا العام بجديد لم يسبق له مثيل في تقنيات وتاريخ الأغنية السودانية المتلفزة على نحو خاص ؛ حين قدمت برنامج سهرة غنائية بعنوان (ليالي دبـي) .. فاستطاعت بذلك أن تدخل حلبة السباق كفرسي رهان مع قناة النيل الأزرق ، التي ظلت تواظب على تقديم سهرتها الغنائية الرمضانية (أغاني وأغاني) ......
وفي الوقت الذي عكف فيه مقدم سهرة (أغاني وأإاني) على تكرار نفسه. حتى وصل به الأمر إلى إعادة تقديم أغنيات كان قد سبق ترديدها في مواسم رمضانية سابقة ..... فقد كان الجديد المثير للبهجة في سهرات (ليالي دبي) أنها قدمت الأغنية والموسيقى السودانية بإمكانيات وقدرات حديثة ، تمثلت في التسجيل بتقنية المسارات المتعددة (Multitracks Recording) .
ولم تكن تقنية التسجيل وحدها هي التي ساهمت في منح برنامج ليالي دبي قصب السبق ؛ وهذا الحظ من الدهشة الإهتمام والإقبال الجماهيري .... ولكن كان لتواجد الموسيقار محمد الأمين بكل ما يمتلك ويقدم من أعمال ومنتجات غنائية خالدة . كان له الأثر البالغ والمفصلي في شد وجذب إنتباه ومتابعة المشاهد لهذا البرنامج ، الذي جاء مفاجأة سارة غير متوقعة. وكذلك كان ترديد المطرب الشاب (مصطفى السـني) لأغنيات منتقاة لعبد العزيز داؤد من ألحان برعي محمد دفع الله ... كان لها الأثـر الإيجابي هي الأخرى.
كانت موسيقى وألحان محمد الأمين من جهة . وموسيقى وألحان برعي محمد دفع الله من جهة أخرى هما الأقدر على إستيعاب تقنية التسجيل الحديثة هذه . وأبرزت المدى الذي يتمتع به كل منهما في جانب الإبداع والموهبة الإستثنائية النادرة المتأصلة ...
وربما لو أتيحت لأعمال محمد وردي نفس الفرصة لجهة إعادة التسجيل بتقنية (MTR) هذه التي أنتشرت عالميا عام 2010م (ونحن نائمون) . فلاشك أننا سنكون على موعد بنقلة تقنية مفصلية في مجال الموسيقى والألحان السودانية .. وعلى نحو يجعلنا نتمسك أكثر وأكثر بضرورة الحفاظ على النمط السوداني في الموسيقى والألحان الذي يستمد خصوصيته من السلم الخماسي .. وبوصفه الأقدر على التعبير عن سودانيتنا المتفردة ، والوجدانية الوسطية ما بين الأمتين الأفريقية والعربية.
وحين نشد بأيدينا على أيدي هؤلاء العمالقة ؛ نشكرهم ونحفظ لهم الفضل .... فإنه ينبغي التأكيد على أنهم قد أفلحوا جميعهم في إخضاع كلا من الثقافتين الأفريقية والعربية لسودانيتنا المبدعة الثرية ... والتي هي دائما مصدر إعتزازنا ؛ ومبعث ثقتنا ودافع فخرنا بأنفسنا إلى قيام الساعة.
وفي هذا الجانب أيضا .. وحيث نستمع اليوم لبعض الإستنتاجات (الغير موثقة بما يكفي) التي يشير إلى أن إيقاعتنا الموسيقية الأشهر تداولاً في الأغنية السودانية مثل الدليب والتم تم والدرملي والمردوم قد أكتشف لها أكثر من مثيل في أفريقيا والعالم العربي .... فإن المرجو شفاعة هذه الإستنتاجات بدراسات علمية موثقة تمولها (بما تيسّر) كلية الموسيقى والوزارات المختصة بشأن الثقافة والإعلام ؛ أو نستدعي لأجلها عون اليونسكو ..... عل وعسى يكون في مخرجات هذه الدراسات ما يؤدي إلى الكشف عن إمكانات أوسع للموسيقى والألحان والإيقاعات السودانية ؛ للوصول إلى رابط مشترك وأكثر من وعاء متسع للعديد من هذه الإيقاعات التي تزخر بها البيئة السودانية الغنية بالألحان ؟ ونخشى أن يكون بعضها قد طاله الإهمال وفي طريقه للنسيان والإندثار لأسباب عديدة ليس أقلها الهجرة من الأرياف إلى المدن؛ والصراعات والنزاعات المسلحة المشتدة منذ سنوات........ وكذلك تدني التأثير الجمعي الشامل للإذاعات والتلفزيونات الوطنية في ظل ثورة المعلوماتية الحديثة.
برنامج ليالي دبي أتى هذا العام نال هذه الحظوة لدى المشاهد السوداني بما يؤكد أن الجديد المبتكر يبقى دائماً هو الجدير بالإهتمام . وأن التطوير المثمر هو الذي يفرض نفسه على ما سواه ....
وفي الوقت الذي كانت تتعالى فيه أصوات كثيرة طوال السنوات السابقة . تطالب مقدم برنامج (أغاني وأغاني) بتجديد الروح والدماء في برنامجه هذا .. ولا تلقى منه هذه الأصوات أذناً صاغية ... فلا نشك مطلقاً أن برنامج ليالي دبي قد أطلق صيحته المدوية في وجه السر أحمد قدور ؛ وبرنامجه الذي أصبح مملاً لما يشهده من حشـو وتكرار ومداخلات فكرية سطحية من جانب مقدمه ؛ ربما لا يشفع لها سوى أنه يسرد لنا (من وحي إحتكاكه الشخصي) تاريخاً سماعيا وطرائف ومواقف لمطربين وملحنين وشعراء روّاد رحمهم الله ؛ أسهموا منذ تأسيس الإذاعة السودانية في مسيرة الغناء السوداني وتوجيهها وتطويرها على النحو الذي صارت إليه في يومنا هـذا.
وأخطر ما بات يواجهه برنامج أغاني وأغاني ؛ إنما يبرز أكثر في جانب تقنية التسجيل المتخلفة مقارنة بتقنيات التسجيل في برنامج ليالي دبي.
في مواسمه الأولى (بوجه خاص) ثم المواسم التالية ؛ كان برنامج أغاني وأغاني يعتمد بنسبة 50% على فكرة إعادة تقديم الألحان القديمة بتقنيات أحدث من تلك التي كان عليها الحال في عقود ما قبل الألفية الثانية .... ثم ويعتمد بنسبة أخرى على جانب نفسي لدى المتلقي . ويتمثل ذلك في إعادة تقديم هذه الأغنيات بأصوات شابة صغيرة السن ؛ تمنح دوافع الحــب وخـفـة الغـزل ؛ ودفء وجنوح العاطفة المشبوبة مصداقية وقبـولاَ لدى تلك الأجيال القديمة ، وهذه الجديدة الناشئة على حــدٍ سـواء ... ويضاف إلى ذلك سرد السر قدور الجاذب لبعض المواقف التاريخية وغيرها من حواديت وإنطاعاته الشخصية عن عمالقة حـــوش الغـنــاء وأهـلـه.
ولكن التقنية الحديثة في تسجيلات برنامج ليالي دبي التي كشفت عن ثراء ألحان برعي محمد دفع الله و محمد الأمين .......... هذه التقنية الحديثة أحـالــت برنامج أغاني وأغاني إلى جــزء من الماضي السحيق.
ولأن كلا البرنامجين قد جرى بثهما في توقيت واحد تقريباً . فقد كان إنتقال المشاهد بالريموت كنترول ما بين قناتي الشروق والنيل الأزرق خلال فترة هذا البث ، بمثابة من يتـنـقـل ما بين القرن الواحد والعشرين في (الشروق) إلى القرن العشرين في (النيل الأزرق) في ذات التوقيت ....... فجرت المقارنة وتم الكشف عن الحاجة إلى تحديث في الإستديوهات يواكب تقنيات العصر ؛ عل وعسى تفلح به الفضائيات هـذه في إستعادة المستمع والمشاهد السوداني للتوقف أمام شاشاتها المتهالكة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة