حتى لا تتحوَّل القيِّم الأخلاقية الإجتماعية التي توارثها السودانيون والمتعلِّقة بفضيلة الكرم والجود في رمضان إلى مجرد إشارات تفيد التباهي وضياع الوقت وعدم عمومية الفائدة ، يجب علينا أن نكون غير مُتحرِّجين من إسدال الستار عن ظاهرة تفشي أمر الكثير من المنظمات و الجمعيات الطوعية والتي لا أدري هل هي مُسجَّلة رسمياً أم لا والتي يجوب شبابها شوارع وإشارات العاصمة تارةً يطلبونك المساهمة في مشروع لإفطار الصائم أو ما يسمى أحياناً فرحة الصائم ، ثم بعد ذلك بلا شك سيتحوَّل الإتجاه إلى مشروع فرحة العيد ، والحقيقية إن المغزى الذي إستهدفه ديننا الحنيف من شتى المواضيع التي حض عليها في مجال التراحم والإلتفات إلى المحتاجين وأصحاب الضوائق في شهر رمضان المبارك وكذلك في الأعياد ، جميعها إنبنت على أن الأصل في فضيلة الصدقة هو مبدأ (الفردية) في إنتقاء الوقت والمكان والجهة المستحقة التي يجب أن يدفع بها المسلم مساهماته وصدقاته ، وهناك من النصوص الفقهية ما يوجب أن يكون المعروف لأولي القُربى والجيران ومن يتأكَّد المرء من حوجته الحقيقية لمثل تلك المساهمات أوالصدقات ، ومن ناحية أخرى فإن المتجوِّل في الخرطوم قبيل آذان المغرب في هذا الشهر المبارك لن يعدم مصادفة بعض الشباب المنتمين لذات المنظمات أو الجمعيات الطوعية ذات الصبغة الموسمية ، يوقفونك شبه عنوة في الشارع ليقدموا لك الماء أو بعض المأكولات الخفيفة كالتمر وغيره بهدف المساهمة في إفطارك ، وفي الحقيقة لا أرى في ذلك أيي نوع من الأهمية و الجدوى بالنسبة لأشخاص يستقلون سياراتهم قبيل الآذان لا لسبب غير أنهم في طريقهم للإفطار مع أقرباء أو أصدقاء أو هم على وشك الوصول إلى بيوتهم ، هذا الإقتحام المفاجيء للشارع في ساعة تعتبر ساعة ذروة فيه ما يسبب الضيق والإستياء لكثير من السائقين الذين هم في الحقيقة على وشك اللحاق بإفطارهم حيث يبتغون ، هذا فضلاً عن الإرتباكات المرورية التي قد تتسبَّب لا سمح الله في حوادث يتعرّض لها المتطوعين أو قائدي المركبات ومرافقيهم ، من المنطقي أن يحدث أمر مقاطعة السائقين في الشوارع قبيل آذان المغرب في الشوارع السفرية بإعتبار أن أمر حصول المسافر على إفطاره في هذا الظرف فيه صعوبة أو إستحالة ، ولكن يبدو أن الأمر في العاصمة قد ساد على سبيل المُحاكاة ليس إلا ، دون إستدلال ولا تفكير واضح ومنطقي حول جدواه وحجم الإستفادة التي يمكن أن يجنيها المجتمع من الإصرار على ممارسته ، ليس كل ما ينطلق البريق من واجهاته ذهباً وكل فضيلة ومكرمة إن لم تحقِّق غاياتها أصبحت مجرد (عادة) آلية وروتينية نبذل فيها الجهد والمال بلا طائل ، في حين إذا نظرنا بتمَّعُن حولنا لوجدنا مصارف كثيرة يمكن من خلالها إستثمار أموالنا وطاقاتنا فيما يفيد أصحاب الحاجة الحقيقيين ، كم من المحتاجين الحقيقيين في شهر رمضان يتواجدون في أطراف العاصمة ومعسكرات اللاجئين ينتظرون مثل هذه المكرمات ، وهم بالطبع وليس في المُطلق ليسوا من أصحاب السيارات التي تجوب قلب العاصمة قبيل المغرب .. أولئك أولى بتلك الأموال والطاقات المبذولة في مكرمة العطاء والتآلف والتكاتف الرمضاني .. رمضان كريم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة