وصلتني الرسالة – العاجلة - التالية من مكتب وزير الصناعة.. اختصرها لكم بعد حذف كلمات المُجاملة: (أما بخُصُوص أصحاب "مُبرّدات تخزين البطاطس" الذين اشتكوا من ارتفاع تكلفة الكهرباء ممّا يُؤثِّر على قدرتهم في تخزين محصول البطاطس لفترة مُناسبة.. فقد تركت كل عمل في يدي وذهبت من فوري إلى وزير الكهرباء لأهمية الأمر القصوى، ووافق مشكوراً على إعفاء ثلاجات تخزين البطاطس تماماً من فاتورة الكهرباء لهذا الموسم فقط، على أن توفر لهم شركة الكهرباء خلايا شمسية وبطاريات تكفي لعمل الثلاجات في الموسم القادم ويسترد ثمنها بالتقسيط باتفاق ثنائي مع كل "ثلاجة"). وطبعاً لفائدة القارئ الكريم، كان أصحاب "ثلاجات" تخزين البطاطس تقدّموا بشكوى للجنة الطاقة بالمجلس الوطني.. ووعدتهم رئيسة اللجنة بالجلوس مع وزراء الكهرباء، والصناعة، والاستثمار، والزراعة لحل المشكلة وتخفيض تكلفة الكهرباء التي تبلغ الآن 35 قرشاً للكيلو وات. (وللحقيقة ليست في القائمة وزارات السياحة ولا الداخلية ولا الخارجية). وطبعاً لو انتظر أصحاب "الثلاجات" رئيسة لجنة الطاقة حتى تحصل على موعد لمُقابلة قائمة الوزراء التي ذكرتها، ويعدها كل وزير أنّه سيقابل بقية الوزراء المُختصين، فإنّ البطاطس تكون في مرحلة "الشيبس" داخل "فرن" الثلاجات المُتوقِّفة. والحقيقة؛ وحتى لا تنجر– عزيزي القارئ - وراء (أحلامي) فلا السَّيَّد وزير الصناعة أرسل لي رسالة ولا أتوقّع أن تكون مُشكلة وشكوى أصحاب مُبرّدات حفظ البطاطس غادرت الدرج الذي باتت فيه ليلة أمس، فهنا في بلدي السودان كلمة (عاجل) لا تستحقها شكاوى الجمهور مهما (نبح) أو استنبح معه المُؤسّسات النابحة.. مثل الصحافة طبعاً. الشكاوى التي يُنظر فيها بعين الاعتبار والسرعة والحسم تتطلّب النصاب اللازم من (وزن) أصحاب الشكوى.. فلو تقدم نافذون من الوزن (خارق حارق) بشكوى من ارتفاع أسعار (الآيسكريم) لارتجت واهتزت كل مُؤسّسات الدولة لتبحث في مُشكلة (الآيسكريم) ولتفتق الذهن الحكومي عن حل في خلال 24 ساعة (وللدقة 24 دقيقة).. أما البطاطس، فعلى رأي عادل إمام في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة" (خلِّلوه..). أخذت لكم هذه (العينة) المثالية للفحص وتشخيص الأزمة التي نكابدها، تحت عنوان (كيف تُدار الدولة).. فأغلب الظن أنّ السادة المسؤولين يعتقدون أنّ هذه المُشكلة هنا تخص (أصحاب ثلاجات البطاطس) وحدهم.. وربما وقر في ظنّهم أنّهم مجرد حفنة أثرياء بطاطس عليهم يقع وزر حل مُشكلتهم من باب ما حك جلدك مثل (جيبك).. بينما الحقيقة أنّ المُتأثِّر هنا هو مزارع مُنتج بسيط.. يظل يُعاقر الأرض ويفلحها شهوراً ويدفن فيها من حُر مال فقره المُدقع كل ما يملك.. وفي النهاية يكتشف أنّ محصوله في (الحالتين ضائع) بسبب التخزين.. وهي مُشكلة ليست حكراً على مُنتجي البطاطس، بل تمتد إلى مزارعي الذرة والقمح والبصل والفول المصري وحتى مُنتجي البلح.. كلهم يُعانون من المُعادلة الظالمة التي تجعل المنتج أقرب إلى المُقامر. لن يصلح حال الإنتاج في بلادنا إلاّ إذا أصبحت شكوى أيِّ مُنتِج (حالة طوارئ) عاجلة تهتز لها كل مُؤسّسات الدولة حتى تحلها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة