بسم الله الرحمن الرحيم "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" تعقيب على رد د. القراي
القراء الكرام: كل عام وأنتم بخير.. نواصل ما انقطع من حديث عن تعديلات د. القراي (1-3) ورد رد من د. القراي على كتابتي الأخيرة، لم يزد فيه على أن وكد ما قلنا عنه وأضاف الجديد، بنفس الأسلوب.. ترك د. القراي القضية الأساسية، وبدأ كلاماً مطولاً عن لماذا أراد للحوار أن يكون في دائرة داخلية.. حوالي أربع صفحات رجع فيها الى الحديث عن واقع الجمهوريين، منذ 1985م، كما يتصور هو، وسنرجع الى بعض نقاطه في هذا الصدد.. وتساءل القراي عن من اعطى خالد الحق في نشر الحوار في مشارق الارض ومغاربها!! هذا حق طبيعي يا دكتور، فمن حقي أينما وجدت تشويهاً للفكرة أن أرد عليه، ولا أنتظر منك أو من غيرك، أن يعطيني حق الرد. وحديث د. القراي في هذا المجال، ليس أكثر من تضليل. فد. القراي، في الوقت الذي يتحدث فيه عن حوار داخلي، لم ينتظر حتى تظهر نتيجة الحوار، وإنما ذهب يحاضر في الولايات المتحدة، محاضرات عامة للمسلمين، يغيب فيها (طريق محمد) وإذن التطبيق، مما يجعل الأمر محض سياسة.. وقد تحدثت من جانبي عن قوله عن الدولة الانسانية التي تدعو لها الفكرة، وكيف زعم أنها ليست دينية ولا علمانية!! فد. القراي هو من أذاع الموضوع في مشارق الأرض ومغاربها.. ولماذا يكون الحوار، في هذا الأمر الخطير، وكأنه أمر سري يتداول بين فئة معينة!؟ موضوع الحوار ليس موضوعاً داخلياً، وإنما هو في أصل الدعوة.. وليس لد. القراي وضع في الفكرة، يخوله تحديد من يشارك في الحوار، ومن لا يشارك . ثم ترك د. القراي الموضوع، وذهب ليتحدث عن د. النعيم، وعن أسماء، ود. ياسر، حديثاً مسفاً، اتجه فيه الى الكذب ومحاولة زرعه الفتنة.. وأقوالي حول هؤلاء النفر لم تكن سرية، حتى يعيد د. القراي إخراجها، بطريقته، وإنما هي عامة، ومعظمها منشور في هذا المنبر.. ثم إنني حدثته عن موقفي مما أسماه هو التكفير، وموقفه هو، واقترحت عليه أن يورد أقوالي عن النعيم، كما هي، ثم يقول عنها ما يرى، على أن أورد من جانبي أقواله هو عن التكفير.. ولكنه ترك ذلك وترك أقوالي، وذهب لينسب لي أقوال من عنده، ليس فيها شيء غير الكذب والعمل على إثارة الفتنة.. وعلى كلٍ سنعود لها. أحب أن أبدأ بالموضوع الأساسي وهو (طريق محمد) ، صلى الله عليه وسلم.. قال د. القراي حديثاً واضحا ومحدداً أوردناه له، وقمنا بالرد عليه باستفاضة من أقوال الأستاذ.. فبماذا دافع د. القراي، في كتابته هذه عن موقفه من الطريق.. جاء من أقوال د. القراي: "ولقد أوضحت في خطابي الأول أن محمد صلى الله عليه وسلم مقدم على مستويين: كقدوة للتقليد للمسلمين، وهو ما ركزت عليه الفكرة كثيراً، لتحركها في مجتمع مسلم.. ومحمد الانسان القامة العالمية وهنا تطرح شخصيته الانسانية التي تحقق السلام، والحرية، والصحة الداخلية لكل الناس، دون تحديد للمنهج الذي يستخدمونه ليحققوا هذه القامة الانسانية الرفيعة" ، قول واضح جداً، ولا مجال للمغالطة.. قوله (مقدم على مستويين) المستوى الأول (كقدوة للتقليد للمسلمين، وهو ما ركزت عليه الفكرة كثيراً، لتحركها في مجتمع مسلم).. والمستوى الثاني (ومحمد الانسان القامة العالمية وهنا تطرح شخصيته الانسانية التي تحقق السلام، والحرية، والصحة الداخلية لكل الناس).. المستوى الأول عند د. القراي (كقدوة للتقليد).. وهذا حسب زعمه للمسلمين (كقدوة للتقليد للمسلمين).. وأما المستوى الثاني، فلا يقوم على تقليد المعصوم، وإنما يقوم حسب عبارات د. القراي على (دون تحديد المنهج الذي يستخدمونه)، ونفس المعنى أورده د. القراي بعبارات أخرى، وقد أوردته في ردي عليه، فهو يقول: " لقد طرحت الفكرة شخصية النبي صلي الله عليه وسلم، كقدوة يتم بتقليدها كمال شخصياتنا، باتباع منهج عبادته ومعاملته ولكنها طرحته في مستويين: مستوى الذين كانوا على ميراث اسلامي، ويرون الكمال في صورة محمد الرسول، قائد جيوش المجاهدين "رسول الملحمة"، فقدمته لهم في صورة محمد النبي الرؤوف الرحيم" نبي (المرحمة).. ودعتهم ان يتركوا ما هم عليه، من مختلف الوان العبادات والمناهج التي رشحتها الطرق الصوفية، ليعيشوا في مستوى السنة بدلا عن الشريعة. ومن هنا جاء شعار (بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها) " أي تتوحد الأمة المسلمة بعد ان تفرقت بها السبل، وشتتها الطرق والمذاهب المتباينة.. ثم ان الفكرة طرحت للإنسانية جمعاء، محمد الانسان."!! هذا قول واضح، ولا توجد إي مشكلة في فهمه.. وقد أوردت نصوصه كما هي.. والقول عبارة عن خبر، فيه يزعم أن الفكرة الجمهورية قدمت محمد صلى الله عليه وسلم، في مستويين: مستوى محمد النبي صاحب المنهاج في العبادة والمعاملة، وهذا للمسلمين.. ومحمد الانسان، لغير المسلمين، وهذا المستوى الأخير قدم دون (تحديد للمنهج الذي يستخدمونه ليحققوا هذه القامة الانسانية الرفيعة) حسب تعبيره.. أو تعبيره الآخر: "ويمكن لأي شخص معاصر أن يدعى لتحقيق كمالات محمد الانسان، دون أن يفرض عليه منهج محمد النبي في العبادة" الى أن يقول: " وإنما يطلب منه نتيجة العبادة، وهي المعاملة الرفيعة، بغض النظر عن المنهج الذي اتبعه لتحقيقها" هذا الخبر ينسبه د. القراي للفكرة، والخبر إما صادق، وإما كاذب.. وإذا كان صادقاً فعلى د. القراي ايراد سنده من أقوال الأستاذ محمود.. وهو لم يورد أي شيء منها يسند زعمه الباطل أو خبره الكاذب.. وبالطبع من المستحيل أن يجد لزعمه هذا سنداً ، لأنه على العكس مما تقول به الفكرة، وقد بينا ذلك باستفاضة من أقوال الفكرة.. فخصصنا حلقة كاملة لنقل أقوال الأستاذ محمود، التي تبين بصورة قطعية أن الدعوة للطريق.. كما خصصنا حلقة كاملة لأقوال الأستاذ التي توضح أن دعوة (طريق محمد) للإنسانية جمعاء.. وخصصنا حلقة كاملة عن(لماذا محمد صلى الله عليه وسلم).. ولم يتعرض د. القراي لأي شيء من كل هذا!! فبماذا برر د. القراي قوله، في رده هذا الأخير!؟ هل أورد أي دليل أو اعترف بخطئه!؟ لا شيء من كلا الأمرين حدث!! إذن ما الذي حدث؟ ما حدث أنه ذهب يغالط ويهاتر، ويحاول تبرير قوله، بأقوال لا تبرره.. فهو قد قال في رده: "ثم من الذي قال أنني أؤكد إبعاد طريق محمد، بالنسبة لغير المسلمين ؟! لقد جاء في أول خطاب أرسلته الى الأخ دالي (أقول قولي هذا، ولا يغيب عني، أننا نحن الذين جئنا من خلفية اسلامية، سنظل نقول للناس إننا نعتقد بأن منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، هو أقصر الطرق الموصلة للكمال".. قولك هذا لا يغير من الأمر شيء، ولذلك أنا لم اتعرض له!! القضية ليست هي أنه أقصر طريق ، وإنما هي هو وحده دون غيره الموسل والموصل الى الله، وجميع الطرق لم تعد موسلة وموصلة لله.. فتبريرك هذا تبرير واه جداً، ولا يغير من قولك شيء.. أنت تقول أقصر الطرق والفكرة تقول الطريق الوحيد!! وفي قول آخر، نقل د. القراي تلخيصي لقوله عن الصورتين لطريق محمد اللتين زعمهما، فماذا قال؟! قال: " وهذا ليس تلخيص لأفكاري، بل تشويه موبق لها .. فأنا لم اتحدث عن صورتين لطريق محمد، وإنما تحدثت عن العبادة في منهج الطريق، وثمرتها وهي المعاملة والأخلاق الرفيعة. وقلت أن الذين يؤمنون أصلاً بالإسلام، يدعون الى اتباع تفاصيل عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقبلونها بالعقيدة، ولو لم يفهموا حكمتها ..ولكن غير المسلمين، يدعون الى طريق محمد، في الجانب الاخلاقي منه، أي القيم الإنسانية الرفيعة. وذلك لسبب بسيط، هو أنهم غير مسلمين، وليس لديهم عقيدة في محمد، حتى يمارسوا تفاصيل عبادته. ولكن يمكن ان يقدم لهم نموذج محمد الإنسان، في صورة الاخلاق الرفيعة، ويتقبلونها، لأنها تراث إنساني مشترك .. فمثلاً يمكن ان يدعون الى التواضع، والعزوف عن السيطرة على الآخرين، والتحرر من الخوف، ومعيشة اللحظة الحاضرة، وتجاوز الحقد، والغل، والحسد .. ويقال لهم أن المطلوب منكم تحقيق هذه القيم، وهي لا تتحقق إلا بإنشاء العلاقة بالله، والإيمان باليوم الآخر، وعمل الخير للآخرين. فإذا صدقوا في العمل، كل بمنهجه المأخوذ عن دينه، فإنهم سيحققون قدراً كبيراً من الكمالات الإنسانية، وهذا هو مراد الدين.".. هذا مجرد تكرار لأقواله التي قمنا بالرد عليها.. وهو يتحدث عن مستويين وصورتين للدعوة بصورة واضحة جداً.. الصورة الأولى الى تقليد النبي في عبادته وأخلاقه وهذه للمسلمين، وقد عبر عنها (إن الذين يؤمنون أصلاً بالاسلام، يدعون الى تفاصيل عبادة النبي صلى الله عليه وسلم...الخ).. أما الصورة الثانية، فلغير المسلمين، فهؤلاء لا يدعون الى منهج عبادة النبي وإنما يدعون الى الاخلاق الرفيعة، وقد عبر عن هذه الصورة بقوله: " ولكن غير المسلمين، يدعون الى طريق محمد، في الجانب الاخلاقي منه، أي القيم الإنسانية الرفيعة. وذلك لسبب بسيط، هو أنهم غير مسلمين، وليس لديهم عقيدة في محمد"!! قال د. القراي: "لم أتحدث عن صورتين لطريق محمد...." بل تحدثت بصورة لا مجال معها للمغالطة.. وحتى في أقوالك أعلاه تحدثت حتى أنك سميت الصورة الثانية طريق محمد!! فقلت: (ولكن غير المسلمين، يدعون الى طريق محمد، في الجانب الاخلاقي منه).. والقضية هي أن طريق محمد هذا الثاني، الذي يقوم على الأخلاق، دون عبادة النبي، لم يرد إطلاقاً في الفكرة.. وقد أوردنا الأدلة المستفيضة على ذلك.. فنسبته للفكرة بهتان عظيم، لا يمكن أن تورد عليه أي دليل.. وعملياً أنت لم تورد.. لم يقل الأستاذ محمود قط ، قولك هذا.. والقيم التي ذكرها د. القراي، والتي قال عنها : (ولكن غير المسلمين، يدعون الى طريق محمد، في الجانب الاخلاقي منه).. وقال عنها أيضاً :(ولكن يمكن أن يقدم لهم نموذج محمد الانسان في صورة الأخلاق الرفيعة).. ثم قال: (فإذا صدقوا في العمل كل بمنهجه المأخوذ عن دينه، فإنهم يحققون قدراً كبيراً من الكمالات..الخ)!! لاحظ قيم محمد الانسان، عند القراي يمكن تحقيقها عن طريق مناهج الأديان الأخرى!! (كل بمنهجه المأخوذ عن دينه)!! واضح جداً أن د. القراي لم يقف على ردي عليه، وإنما كان يبحث عن كيف يرد!! القضية يا دكتور إن الكمالات التي ذكرتها، من المستحيل أن تتحقق إلا عن طريق محمد، وحده.. وقد أوردنا في ذلك الأدلة المستفيضة، فيمكنك أن ترجع اليها.. وبعد أن ذكر د. القراي القيم المنشودة قال: " وهي لا تتحقق إلا بإنشاء العلاقة بالله".. وهذا يعني، أنها لا تتحقق إلا عن طريق محمد، لأنه هو الطريق الوحيد، الذي يمكن عبره إنشاء العلاقة بالله.. وهذا هو معنى قول الأستاذ محمود: "إن محمداً هو الوسيلة الى الله، وليس غيره وسيلة منذ اليوم...".. وقد أوردنا العديد من النصوص في هذا الصدد.. فالأمر بالنسبة للجمهوري، أمر بداهة!! وفي حلقة (لماذا محمد صلى الله عليه وسلم) فصلنا في الموضوع.. البداهة، هي أنك لا تتبع أي رسول، وإتباعك يقيم الصلة بالله.. وإنما هذه الصلة تقوم فقط عن طريق الرسول المأذون، حسب الوقت.. وفي وقتنا الحالي، لا يوجد رسول مأذون غير محمد في رسالته الأحمدية.. هذا الى جانب الميزة التي خص بها محمد صلى الله عليه وسلم، دون غيره، ومنها هو وحده المرسل لكل الناس، في حين كل الرسل السابقين، كل رسول مرسل لأمة بعينها، وقد قال المعصوم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" ذكر منها "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".. فالدكتور بزعمه هذا الباطل، يتصرف في شأن يخص الله وحده!! هو بهذا التصرف، ينزع حقاً كفله الله تعالى ، لمحمد صلى الله عليه وسلم، وحده، ليعطيه للأنبياء السابقين!؟ لا أعتقد أن القراي يفقه ما يقول!! الأمر عنده مجرد جدل!! ثم فوق ذلك، الديانات السابقة، بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم، أصبحت باطلة ولا تؤدي الى أي شيء!! وقد أوردنا له أقوال المعصوم في ذلك، وأقوال الأستاذ محمود، ونحن سنعيد ايرادها. الميزة الأساسية للنبي صلى الله عليه وسلم، أنه أنزل عليه القرآن كاملاً، وختمت به النبوة، فلم يعد بعد هذا هنالك أي طريق للأخذ من الله، وإقامة الصلة به تعالى، إلا طريق القرآن!! يقول الأستاذ محمود في هذا الصدد: "أول ما تجب الإشارة اليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل ـ أن يتلقوا عن الله كفاحاً ـ ذلك أمر يبدو غريباً، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحاً، ولكننا لا نعقل عنه..".. القرآن كلام الله لفظاً ومعنى!! وهذه الخاصية غير متوفرة لأي كتاب آخر.. فالتوراة، المعنى فيه من الله واللفظ من سيدنا موسى، وكذلك الانجيل.. فمن يتعبد بهما لا يتعبد بكلام الله، بنفس المعنى الذي يقوم عليه التعبد بالقرآن.. ومن أجل هذا لا يمكن إقامة الصلة بالله، بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم، إلا عن طريق القرآن ـ طريق محمد.. يقول الأستاذ محمود: "لقد كانت طريقة محمد عبادة بالليل وخدمة بالنهار.. خدمة لله بالليل، وخلوة به ومناجاة له بحديثه، على تقلب وسجود.. وخدمة لخلق الله بالنهار، وبراً بهم، وكلفاً بتوصيل الخير اليهم، في محبة وفي إخلاص وفي إيثار.. وبهذا وذاك تصبح حياة الحي كلها عبادة.. وهذا هو مراد الله من العبادة حين قال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)".. وقد قال أيضاً: "إن أفضل العبادة على الإطلاق قراءة القرآن، وأفضله ما كان منه في الصلة، وطريق محمد الصلاة بالقرآن في المكتوبة وفي الثلث الأخير من الليل".. وقال: "إن محمدا هو الوسيلة الى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم".. وقال: "ومحمد، وهو رسول للأمة المسلمة صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين أحمدي، وفي رسالته للأمة المؤمنة محمدي".. وقد قال: "إن محمدا قد أخرج الناس، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الأولى الى نور الايمان، وهو سيخرجهم، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الثانية الى ضياء الاسلام، وسيكون يومنا أفضل من أمسنا، وسيكون غدنا (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).." هنالك استخفاف شديد جداً من د. القراي بالقيم المذكورة، وبتحقيقها.. هذه القيم ليس لها من سبيل إلا طريق محمد، وحتى عن طريق المنهاج النبوي، لن تتحقق في صورتها المطلوبة إلا بعد مجيء الموعود.. وهذا ما يبعده القراي تماماً!! أنت يا دكتور أبعدت طريق محمد بالنسبة لغير المسلمين بصورة لا لبس فيها.. وحتى عندما زعمت أنك لم تبعده، وكدت الموضوع بصورة أوضح.. حجة الدكتور التي اوردها في عدم مخاطبة غير المسلمين بالطريق، هي أنهم غير مسلمين، ولا يؤمنون بمحمد!! وجاء ذلك في قوله: " وذلك لسبب بسيط، هو أنهم غير مسلمين، وليس لديهم عقيدة في محمد"!! ولكنهم بغير الاسلام والعقيدة في محمد، من المستحيل أن يحققوا الصلة بالله!! وهم، حسب الفكرة، سيسلمون وتكون لهم عقيدة في محمد.. وحتى عند ذلك سيبدؤون من بداية الطريق، وقد أوردنا النصوص في ذلك.. إنك تعيش في وهم خطير!! من الخير لك أن تراجع عقيدتك!! والدين كله يقوم على عقيدة الايمان، بصورة كلية!! فلا دين لمن لا ايمان له. وذكر د. القراي سنداً آخر هو أن المسلمين اليوم على قشور من الاسلام، وقشور من الحضارة الغربية... الخ .. الى أن قال: " ولهذا فإن واجبهم، ليس دعوة غير المسلمين الى طريق محمد، لأن فهمهم للإسلام لم يتعد مرحلة العقيدة فيه"!! ماذا يقال في هذا؟ والله إنه لأمر محير!! من قال أن المسلمين عموماً يمكن أن يدعوا غيرهم الى طريق محمد!؟ والسبب الأساسي ليس ما ذكره القراي، وإنما السبب الأساسي، هو أنهم هم أنفسهم ليسوا على طريق محمد!؟ بل منهم من يكفرنا نحن دعاة طريق محمد؟! ولكن ما موقف د. القراي، من دعوة من هم على طريق محمد، إلى الطريق، أعني الجمهوريين؟! يقول القراي: "والجمهوريون ميزتهم على غيرهم من المسلمين، أنهم آمنوا بوجود المستوى العلمي من الإسلام .. ولكن هذا لا يجعلهم أفضل بكثير، من سائر المسلمين، ما داموا لم يحققوا ذلك العلم، وظلوا عملياً في مرحلة العقيدة. ولهذا فإن واجبهم هم أيضاً، ألا يدعوا غير المسلمين الى الإسلام، أو الى إتباع طريق محمد، لتخلف التحقيق بلسان الحال عن هذا المستوى"!! .. ومع هذا يقول أنه لم ببعد الدعوة لطريق محمد، فهو قد قال: "ثم من الذي قال أنني اؤكد ابعاد طريق محمد، بالنسبة لغير المسلمين؟" .. ويستشهد د. القراي على زعمه هذا، بقول الأستاذ محمود الذي جاء فيه: " فالفرد الذي يريد أن يدعو إلى الإسلام عليه أن يبدأ بنفسه فيطبق عليها دستور القرآن ويأخذها بأخلاق القرآن حتى تصبح نموذجا يغري وقدوة تُطلب، وقل مثل هذه للدولة التي تريد أن تدعو إلى الإسلام".. وقال: " أما الأستاذ محمود، فوضعه يختلف، فهو قد سار من مستوى العقيدة الى مستوى العلم" .. أولاً، الجمهوريون أفضل بكثير من بقية المسلمين، على عكس ما يزعم د. القراي.. وأفضليتهم تأتي من ما آمنوا به، ولم يؤمن سواهم به، وهو ما سماه د. القراي المستوى العلمي.. فهم بهذا الايمان يختلفون عن بقية الفرق الاسلامية اختلافاً شاسعاً.. وهذا الاختلاف يبدأ من كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فهي عندهم تعني أن الإله هو الله.. تعني: لا فاعل لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. في حين، كلمة التوحيد، عند بقية الفرق الاسلامية، تعني: لا معبود بحق إلا الله.. وهذا فرق شاسع جداً، وتنبني عليه فروقات كثيرة شاسعة.. والجمهوريون على طريق محمد، بقية الفرق الاسلامية، ليست عليه ـ ليست على السنة.. والجمهوريون يرون أن الغاية هي العبودية لله، والعبادة وسيلة للعبودية.. وغيرهم من المسلمين يرى، حسب ظاهر النص، ان الغاية هي العبادة.. الجمهوريون يدركون مثاني القرآن، وغيرهم لا يدركها.. وعلى ما تقدم، ينبني كل شيء في الدين.. فما عليه الجمهوريون هو فضل من الله واسع جداً، بصورة تجعل شكر الشاكرين يقصر عنه، ومن لا يعرف فضل الله عليه لا يشكره.. ود. القراي يستهين بالإيمان استهانة شديدة، مع أن التفاوت كله في الايمان.. وحتى التفاوت في العلم، يقوم على التفاوت في الايمان.. ومرحلة الأمة المؤمنة، فيها علم كبير، وكبير جداً، كل ما هنالك أنه لا يصل مراحل اليقين. ومجرد الإيمان بطريق محمد، يخول صاحبه الدعوة له، على خلاف ما يزعم د. القراي من أن الدعوة لا تكون إلا بعد تحقيق مرحلة العلم ، كما هي عند الأستاذ محمود.. ومن أذن للجمهوريين هو الأستاذ محمود نفسه، صاحب النص الذي أورده القراي.. وممارسة الدعوة تمت لوقت طويل، فلا أحد يحتاج لإذن جديد من القراي.. والدعوة هي تبشير.. ورب مُبلغ أوعى من سامع.. وقد تم الرد على هذه النقطة، لكن القراي لم يقرأه، فيستطيع أن يرجع اليه إن شاء.. وقد كان مجرد الدخول في الاسلام في القرن السابع، يخول لصاحبه الجهاد في سبيل الله!! المهم أن د. القراي يوكد عدم الدعوة لطريق محمد، وهذا عكس ما قام بين يدي الأستاذ محمود.. ونحن قطعاً، لا نقبل القراي مرشداً، للفكرة الجمهورية، فهو مقصر حتى في ارشاد نفسه!! وقد سألت د. القراي هل يطبق زعمه هذا على نفسه، في الدعوة للدولة الانسانية؟! هل حقق قيم هذه الدولة قيل أن يدعو لها؟! في الواقع هو لم يحقق شيء مما يريد أن يلزم به غيره، ومع ذلك هو يمارس الدعوة!! وحتى في إطار الدعوة النظرية، ما يقوم عليه عمل القراي، يخالف اساسيات الفكرة.. القراي دائماً ينهى عن الشيء، ويعمل ما ينهى عنه!! قدم د. القراي عدداً من المحاضرات، في الولايات المتحدة، وبعض الندوات، يكاد يكون الحضور فيها جميعهم من المسلمين، فليذكر لنا القراي ما قاله عن طريق محمد في أي واحدة من هذه المحاضرات؟! هو عملياً غيب الدعوة للطريق حتى بالنسبة للمسلمين.. ويريدنا أن نجعله قدوة لنا، فدعانا لنغيب الدعوة للطريق حتى نحقق من الحال، ما يغري الآخرين بالسؤال عنه بأنفسهم!! فهو لم يغيب الدعوة للطريق بالنسبة لغير المسلمين فحسب، وإنما غيبها حتى بالنسبة للمسلمين. يقول د. القراي، عن الاسلام في مستوى العقيدة: " والإسلام في هذا المستوى، لا فضيلة له على اليهودية، أو المسيحية، أو غيرها من عقائد الأديان".. من قال لك ذلك؟؟ الله تعالى قال: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".. والمعصوم قال، في تفضيل الأمة المؤمنة على اليهود والنصارى من حديث طويل جاء فيه: "فقال أهل الكتابين: إي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً ونحن كنا أكثر عملاً، فقال الله عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي اؤتيه لمن أشاء" الحديث الذي يرويه سيدنا عمر.. وقد أوردنا لك أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، حول كيف أنه بعد بعثه أصبح ما عليه اليهود والنصارى باطلاً.. وأوردنا لك أقوال الأستاذ محمود في ذلك، ولكن قلبك عمي عنه.. إن التفاوت بين المؤمنين هائل جداً، فإيمان ابي بكر لو قيس بإيمان الأمة كلها لرجحه، كما ورد عن المعصوم: "إن إيمان أبي بكر لو وُزن بإيمان الأمة لرجح به" ولم لم يكن للإسلام فضل على الأديان السابقة له، لما كانت هنالك ضرورة له.. ود. القراي يقر أن الأديان السابقة كانت أقساط من الاسلام، وأن الاسلام كله اكتمل ببعث المعصوم، وإنزال القرآن.. ولا يستقيم عقلاً، أن يكون القسط مساوياً للكل.. والفرق الحقيقي بين الاسلام والأديان السابقة، هو الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، وبين رسل تلك الأديان.. وحتى نلتقي في الحلقة القادمة، أدام الله عافية الدين، وأمننا، وثبتنا بالقول الثابت، وما ذلك على الله بعزيز. خالد الحاج عبد المحمود رفاعة في 19/9/2016م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة