مع احترامى الشديد لالية ٧ +٧ ، فالحقيقة التي يشاهدها كل من حباه الله بالبصيرة هى ان عمر البشير عبر اجهزته الامنية القمعية هو الذى يسير كل الامور فى السودان ، بما فى ذلك ملف الحوار الوطنى موضوع المقال ، لا يوجد برلمان ، ولا مجلس وزراء ، فالرئاسة وحدها التى تسيطر على كافة الميادين ، وتشوت ( ضفارى) ، دون مراعاة لاصول اللعبة السياسية ، وسوف اتناول ملف الحوار الوطنى ، واحاول قراءة دلالات انعقادة ( بمن حضر ) ،ودلالة مدته القصيرة (٣ شهور) ، و افتقار الحوار لروح ( لا غالب ولا مغلوب .. الكل منتصر ) ، وذلك على النحو التالى :-
الرسائل السالبة لفكرة ( الحوار بمن حضر ) : -
اقامة (الحوار بمن حضر ) قياسا على (الصلاة بمن حضر) هو قياس فاسد ، لان الصلاة لها مواقيت (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ، فاذا جاء ميقاتها ، تصلى بمن حضر ، اما الحوار الوطنى الشامل / الجامع فله ( اركانه ، و له اصوله ) فهو لا يقوم الا اذا توفرت له عناصر ( الشمول ، و الاجماع الوطنى) ، لذلك فان قيام الحوار الوطني ، فى غياب المعارضة المسلحة ، وفى غياب الاحزاب الوطنية ، و العلمانية ، ومؤسسات المجتمع المدنى ذات الرؤية المخالفة لوجهة نظر الحكومة وواجهاتها المختلفة ، يجعل هذا الحوار فاقدا لشكله و لمضمونه تماما . الحقيقة الماثلة الواضحة للعيان وضوح الشمس فى كبد السماء هى ان الحوار الجارى فى قاعة الصداقة منذ العاشر من اكتوبر انما يجرى بين اطراف الحركة الاسلامية السودانية التى انشطرت بالمفاصلة الشهيرة عقب مذكرة العشرة ،لذلك ، فهو قطعا (ليس حوارا وطنيا ) ، ولا حوارا شاملا . ان اقامة الحوار الوطنى الشامل ( بمن حضر ) تعكس العقلية الاقصائية ، و الاستعلائية لحكومة الخرطوم منذ مجيئها فى ٣٠/يوميو ١٩٨٩ ، وحتى اليوم ، مما يؤكد انها لم تتعلم من تجاربها الاقصائية الفاشلة التى اوصلت البلاد الى حالة الدولة الفاشلة ، والى تقسيم البلاد ، مما يعنى ان الدولة السودانية مرشحة الى مزيد من الاحتراب ، و مزيد من التمزق والانقسام ، لا لسبب الا لان الحكومة ليست مستعدة لدفع استحقاقات السلام . لقد اعلنت الجبهة الثورية وقف اطلاق النار من طرف واحد لمدة ٦ شهور ، كبادرة حسن نية ، و لكن حكومة العقلية الطالبانية ، الفاقدة للحس الوطنى ضيعت فرصة السلام ، وسيكون الخاسر هو الوطن السودان ، والمواطن السودانى الذي يدفع فاتورة الحرب . لقد فشل الحوار الوطنى منذ صافرة البداية لمجرد انه قام ( بمن حضر ) ، ليصبح حوارا بين الاخوان المسلمين .
لماذا جعلت الحكومة مدة الحوار ٣ شهور؟ هو حوار ام امتحان ؟!!
اذا وضعنا تجارب الاخرين فى الاعتبار ، سنخلص الي ان المدة الابتدائية التى قررتها الحكومة للحوار الوطنى ( وهى ٣ شهور ) ، غير مناسبة على الاطلاق ، و ذلك نظرا لضخامة موضوعات المحاور الستة ، و لطبيعة التعددية والتنوع السودانى ، فنحن امة تحت التاسيس ، فى حين ان دولة مثل اليمن كانت محكومة لمدة الف سنة بدولة مركزية واحدة حتى ستينات القرن الماضى ، وبالمقابل فقد انضم اقليم دارفور للسودان بالامس فى عام ١٩١٦ ، و شاهدنا من كل ذلك ، اننا وطن متعدد الشعوب ، والاديان ، و متنوع اللغات والثقافات ، والحوار الجاد يحتاج الى تانى . واذا وضعنا فى الحسبان تجارب اخرى معاصرة للحوار السودانى ، وهى التجربة اليمنية ، والتجربة الليبية ، نجد ان المدة الابتدائية المقررة للحوار اليمنى الوطنى الشامل كانت (٦شهور) ، وقد تم تمديدها الى (١٠شهور) رغم ان الشعب اليمنى بشماله وجنوبه شعب واحد متجانس كما سبقت الاشارة ، كما استغرق الحوار الليبي ايضا ١٠ شهور ، فلماذا تصر الحكومة على ان تجرى الحوار السودانى فى ٣ شهور، وتتصدق على الشعب السودانى بتمديده لشهر غير قابل للزيادة ، كانما عامل الزمن نفسه جزء من امتحان الحوار ؟!!
حوار قاعة الصداقة (يفتقر الى الروح ) ، اعنى روح ( لا غالب ولا مغلوب .. الكل منتصر ) :
الحوار الوطنى الشامل له اصول ، هى الدخول بحسن نية ، اعلاء الاجندة الوطنية على الاجندة الحزبية ، تقديم تنازلات مؤلمة من اجل الحفاظ على ما تبقى من وطن ، و من اجل رفاهية المواطن الذى تعب من اقتصاد الحرب ، بكل اسف فان حوار قاعة الصداقة يفتقر الى (الروح ) اعنى روح ( لا غالب ... و لا مغلوب ... الكل منتصر .. السودان منتصر ) .. فالحكومة السودانية لا تريد سلاما مع الجبهة الثورية ، وانما تريد ( استسلاما ) . فالحكومة تريد ان تحصل من الحركات المسلحة ( تحت لافتة الحوار الوطنى الشامل) ما عجزت عن تحقيقه عن طريق الحرب .
هزيمة الجبهة الثورية ، سابع المستحيلات :
حينما ترفض حكومة المؤتمر الوطنى دفع استحقاقات السلام .. ونعنى بها قبول قرار مجلس السلم الافريقى ٥٣٩ ، و حضور الاجتماع التحضيرى ، الغاء القوانين المقيدة للحريات ، اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين والمحكومين لاسباب سياسية ، فانها تكشف نواياها الحقيقية ، وهى انها منافقة ، تظهر السلام ، و تستبطن الحرب ، والقضاء على الجبهة الثورية ، بدليل انها لم تتوقف عن الحرب ابدا ، رغم اعلانها وقف اطلاق النار من طرفها . وفى هذا الشان اقول .. ان الحكومة يمكن ان تروع المدنيين ، الذين يشكلون الحاضنة الشعبية للحركات المسلحة ، و تضاعف النزوح من جديد من خلال حرق القرى بطائرات الانتينوف كما حدث مؤخرا فى منطقة جبل مرة ، ولكنها لم ، و لن تستطيع القضاء على الجبهة الثورية ، وذلك للاسباب التالية :
١- الحكومة تفتقر الى الموارد المالية لتمويل فاتورة الحرب ، فالحكومة قد فشلت فى هزيمة الجركات حين كانت بيدها عائدات بترول الجنوب ، المعلن ، والخفى ، كما ان اسعار البترول تدنت للحضيض ، و عائداته لاتكفى لدفع مرتبات الدستوريين ، ومخصصاتهم ، وسياراتهم ، وقد قطعت الحكومة علاقاتها مع ايران التى كانت توفر لها مدخلات الحرب مقابل عبور السلاح الى حماس عبر البحر الاحمر وسيناء ، و من جهة اخرى فان السعودية ودول الخليج لن تمول حكومة الخرطوم لابادة شعبها . ٢ - مواقع الجبهة الثورية محصنة بالطبيعة ، والجغرافيا ، و بالجبال ، والوديان والصحارى ، فقد فشل النميرى فى دخول كاودا ، و فشل نظام الانقاظ حين كان مسنودا ، بالدبابين المجاهدين فى سبيل الحور العين ، فشل البشير فى الصلاة فى كاودا ، وقد زعم البشير (كذبا) بانه استولى على جبل مرة ، ولمن لا يعلم ، فان مساحة جبل مرة (١٢.٨٠٠كلم) اكبر من مساحة دولة لبنان (١٠.٤٥٠كلم) ، وجبل مرة ماهول بالسكان ، الذين هم الحاضنة الطبيعية لحاملى السلاح ( اولادهم / جلدهم) ، و فوق الجبل تفقد الحكومة كل مميزاتها القتاية ، تسقط فعالية سلاح الجو ، وكل الاسلحة الثقيلة من دبابات و مجنزرات ، وحاملات الجنود ...الخ .. الخ . فقد فشلت روسيا وامريكا على التوالى فى هزيمة المجاهدين الافغان / تورا بورا ، لتحصنهم بالجبال ، والطبيعة والجغرافية ، لذلك ستظل كاودا، وجبل مرة ، عصية على الحكومة وجنجويدها ، و دعمها السريع الى يوم القيامة
ستخدع الحكومة نفسها ، ولكنها لن تخدع الشعب ، ولا المجتمع الدولي بالحوار الناقص شديد :
لن تقنع الآلة الاعلامية للنظام احدا بان مايجرى فى قاعة الصداقة منذ العاشر من اكتوبر هو حوار وطنى شامل ، و سواقط الحركات الذين ملات بهم الحكومة قاعة الصداقة ، وان بلغوا ١٠٠ حركة ، لا يمكن ان يكونوا بديلا للجبهة الثورية ، كما ان منسلخى الاحزاب ولو بلغوا ١٠٠ حزب لا يمكن ان يكنوا بديلا لحزب الامة والحزب الشيوعى ، و قوى الاجماع الوطنى ، فالمجتمع الدولى ليس ( ابله) حتى تنطلي عليه هذه الفرية ، لذلك لن يرفع العقوبات ، ولن تًًعفى الديون الخارجية ، وسيبقي الحصار الاقتصادي الخانق يطوق عنق النظام ، والشارع السوداني لن يرحم النظام ، ستندلع ثورة الجياع ، و فى الزمن الجميل ، كان الشعب ياكل ٣ وجبات ، ثم تقلصت قفة الملاح الى كيس صغير ، صار المواطن يشترى نصف الربع من لحم البقر ، صار ياكل وجبتين فى اليوم ، ثم تدهور الوضع الى وجبة واحدة ، وبعد رفع الدعم عن غاز الطبخ ، ومياه الشرب فان ثورة الجياع سوف تندلع ، فالذي ليس لديه قوت يومه ، ليس لديه ايضا مايخسره فى السعى لاسقاط النظام املا فى مستقبل مشرق ، فالانتفاضة قادمة ، انها حتمية التاريخ الذي لا يرحم .. ولا يجامل حتى الاسلاميين الفاشلين .. و دونكم مرسي . ابوبكر القاضى كاردف ٢٠/ فبراير / ٢٠١٦
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة