في هذا البلد دستور وقوانين، هناك آراء وملاحظات عليها وطلبات بتعديلها وإصلاحها لتمضي بالبلاد للأمام. وقد تكون الجهات المعارضة الأكثر طلباً والأعلى صوتاً في هذه المطالبات، وهذا طبيعي، بينما الحكومة وأجهزتها قد ترى أن الدستور الحالي والقوانين الموجودة كافيين جدا لتأمين مسيرة البلاد. في مثل هذا الواقع فمن الطبيعي أن تكون الحكومة وأجهزتها هي الأكثر التزاماً بالدستور والقوانين التي تدافع عنها وتراها أفضل من غيرها، على الأقل لتدلل على صلاحيتها. لكن ما نراه الآن فإن الحكومة نفسها أكثر من ينتهك الدستور ويخالف القوانين، ثم هي ترى بعينيها كيف أن كثيراً من أجهزتها تفعل الشيء ذاته على مرأى منها، بل وتلقى مباركة وإشادة الحكومة. قوانين القوات النظامية، بجانب مواد الدستور، تنص على قومية هذه الأجهزة، بمعنى أنها فوق الأحزاب والانتماءات السياسية والفكرية، ولاؤها للوطن والدستور، وكل الأحزاب والقوى السياسية عندها سواء، وهي حامية الدستور والقوانين. ولهذا ليس مقبولاً من قادة هذه القوات والأجهزة إبداء أية آراء سياسية لصالح حزب، وضد حزب آخر، لأن في هذا عملاً سياسياً مباشراً، تجرمه قوانينها. دستور السودان الانتقالي لعام 2005، ينص على أن السودان دولة ديمقراطية تتبنى نظام التعددية الحزبية، ويتم الوصول للسلطة فيه على أساس الانتخابات العامة، هذا على المستوى النظري على الأقل، ولأن القوات النظامية يقسم أفرادها على حماية واحترام الدستور، فهم ملزمون باحترام خيار الشعب، أيا كان، والدفاع عنه. ليس مقبولاً أن يقف جنرال كبير ليقول في حديث عام تنقله أجهزة الإعلام أنه مع قيادة الحزب الفلاني، أنهم لن يسمحوا لحزب آخر، وزعيمه الذي يصفه بصفات غير لائقة، أن يصلوا لموقع القيادة. مثل هذا الحديث فيه انتهاك للدستور ومخالفة لكثير من القوانين، بما فيها قوانين القوات النظامية التي تمنح أفراد القوات النظامية حق التصويت لمن يرونه حزباً أفضل في الانتخابات العامة، كأفراد من الشعب السوداني، لكنها لا تسمح للمؤسسة نفسها بإتخاذ موقف سياسي مع أو ضد أي حزب أو زعامته. مثل هذه الأحاديث يجب أن لا تمر مرور الكرام، وأن لا تجد الاحتفاء والابراز، بل المساءلة القانونية. تجد القوات النظامية ، وعلى رأسها القوات المسلحة، احتراماً من الشارع السوداني، لتاريخها الطويل في الدفاع عن الوطن وأمنه ضد الأخطار الخارجية، ولحمايتها للدستور والأمن القومي للبلاد، ويجب ألا يشغلها شاغل عن هذه المهمة المقدسة. ولتقوم القوات النظامية بهذا الدور، فمن المفترض ألا تدخل نفسها في الصراعات السياسية الداخلية، ففي قيادات الأحزاب وكوادرها من يمكن أن يقوم بهذا الدور، وينتقد الأحزاب الأخرى ورؤاها وأفكارها وبرامجها، وهذه أصلاً مهمة قيادات الأحزاب وكوادرها كجزء من التنافس الطبيعي لنيل ثقة الناخبين. فلتتجرد القيادات القائمة على قيادة القوات النظامية من الرؤى الحزبية الضيقة، وتنظر للوطن وحمايته كمهمة أسمى وأقدس من التورط في الصراعات الحزبية التي تمزق الوطن وتقطع أجزاءه، في ذلك خير لها ولنا للوطن كله. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة