اليمن والسودان يتشابهان في أشياء كثيرة، أقلّها أنّ المَقتَلة تنشب هنا وهناك، لأتفه الأسباب. المَقتَلة تنشب أظافرها في الوجوه، من عمق الإلفة. هُم مثلنا، شمال وجنوب، ومثلما لهم حروبهم ولنا حروبنا. الحرب لا تنعدم أسبابها. من أجل الوحدة يحاربون، من أجل القبيلة، من أجل الثأر، وحتى من أجل الاشتراكية و الدين.. هذان البلدان، معنيان منذ استقلالهما بمنازعات الفقر والقفر. شعبان يلتقيان في تفاصيل انقلاباتهما، وفي المزاج العام. لهم في اليمن أنواعاً من القات، ولنا أنواعاً متعددة من ود عماري. لهم الجنبية، ولنا السكاكين، بينما يبقى السيف بيننا، قاسماً مشتركاً. في اليمن وفي السودان، يتعارك الشماليون والجنوبيون من أجل الوحدة، حتى يقع الانفصال. تحفظ الذاكرة الشعبية في البلدين أمنيات الرتق لجراح السنين. شعبان يقفان عند حافة الشرق الافتراضي، عند منتهى خط الحلم العربي. لليمانيين، كما للسودانيين غرام بالمسيرات والتظاهرات. يلقبون ايامهم بالقابٍ فخيمة من فنون التعابير صلبة المراس. مسيراتهم هادرة و ضخمة وحاشِدة، ولنا نحن مظاهراتنا المليونية، الظافرة، الحاسمة. هاجت الأحلام، وارتكست المجتمعات نحو الانتماءات الضيقة. تقبلنت الدولة، وصعدت آفة التطرف، وكان لليمن وللسودان النصيب الأكبر من كل ذلك. أطول الحروب الوطنية، تلك التي دار رحاها في السودان، وأعنف حروب اليمن كانت خصيصاً بين الجنوب والشمال. يتشابه اليمنيْن، والسودانيْن، في حق المصير، وفي ذاك المصير الذي حاق بالاشتراكية في كلا البلدين. حين أطل الفجر على العالم، حظي اليمانيون والسودانيون بأقوى التشكيلات الاشتراكية في بلدان الجنوب. وعندما دارت الدائرة، لقي عبد الفتاح اسماعيل، مصيراً مشابهاً لمصير عبد الخالق. تفجّر الصراع ضد، وداخل القبائل الاشتراكية، فأطاح برؤوس الطليعة.عندما صعد نجمهم هناك، كان قد أفل هنا، على ذات الحلبة ، وبنفس المصير، وبذات الأدوات، على وجه التقريب. عدوى الهجرة / الرحيل، تنغرس عميقاً في تضاريس الوعي. اليمانيون يركبون البحر والبر، والفضاء. يهربون من فشل النخبة، مثلما يفعل السودانيون، الذين يتباكون في المنافي البعيدة، على كل ما حدث في بلادهم بعد الاستقلال. ساقت الاقدار بعض اليمانيين الى السودان، ودفعت بسودانيين الى اليمن. لم يكن صعباً على الطرفين الاندغام، في بساط الناس الاحمدي، بيد أن الوطن وطن، والشوق شوق، ومراتع الصبا لا يُستهان بها.هذا بعض نحس قديم. تلك بعض حظوظ مشتركة. الشعب هو الشعب. هو ذاك الجمع الذي يقرأ التاريخ حياً من منابعه، كأنه حدث البارحة. القيادة هي ذاك النفر الذي يضع هموم العامة نصب عينيه. بقليل من الزيت يمكن أن تُضاء الطرقات، وبشيئ من الاحتمال تقطع القافلة فيافي التيه. كثير من الغرباء يعودون، وآخرون يسدرون و يوغلون في مهاجر أخرى. تلك المهاجر، تلك المنافي، هي بعض اقداركم، قبلَ أن تلحق بكم أجناس أخرى من هذا الشرق المضطرب، الذي يتخلّق الآن في طورٍ جديد. الشرق لا يبدو سعيداً بدينه، ولا بديمقراطياته، ولا بدكتاتورياته.. الشرق يحترق أيها الرفاق!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة