لم تكن هذه المرة الأولى التي يدخل فيها الجنرال ميشال عون قصر الحكم في بعبدا.. في أيام الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان عون قائداً لفرقة عسكرية كتب عليها حراسة قصر الرئاسة.. في ١٩٨٩ انتهت الدورة الرئاسية لأمين الجميل وسط ملامح فراغ دستوري.. حاول الجميل تجاوز المأزق بتكوين حكومة عسكرية يرأسها ميشال عون قائد الجيش.. لأن لبنان بلد مؤسسات يحرسه توازن القوى.. لم يتم الاعتراف بالحكومة العسكرية.. أخرج عون بالقوة من قصر الرئاسة وبات طريداً في فرنسا.. عاد عون إلى الملعب السياسي بعد اتفاقه مع حزب الله ومصالحته مع سوريا.. بعد مشاورات استمرت أكثر من عامين انتخب البرلمان عون رئيساً للدولة ليتحقق حلم الجنرال العجوز ولكن بالوسائل السلمية. منذ فترة غير قصيرة بدأْتُ ألمح دعوات غير ناضجة تدعو لتدخل الجيش السوداني في الملعب السياسي.. السودانيون اعتادوا كلما ألَّمت بهم أزمة خانقة لاصطفاف الجيش مؤازراً.. حدث ذلك في أكتوبر ١٩٦٤ ثم في أبريل ١٩٨٥.. تلك كانت تدخلات مشروعة انتهت بفترة من الحكم الدستوري قطعتها انقلابات عسكرية مسنودة بتآمر أحزاب سياسية. شعرت بالقلق حينما عبر قائد عسكري مؤخراً عن أن الجيش هو الذي يحدّد من يحكم.. زاد قلقي عندما قرأت تصريحات للنائب علي أبرسي في ذات الاتجاه .. خصوصية تصريحات أبرسي أنه ينتمي للحزب الحاكم.. أبرسي دعا لتكوين مجلس عسكري برئاسة البشير ليدير البلاد في الفترة المقبلة .. لم تكن دعوة أبرسي عارضة حيث دعا لحل كافة المؤسسات مع صرف مكافآت مالية لأعضاء المجلس الوطني ومن ثم صرفهم ليبحثوا عن مهنة أخرى غير رقابة الحكومة. خطورة هذه التصريحات ليست في كونها تمثل ردة سياسية.. ولا في احتوائها على مادة تحريضية تشجِّع المغامرين والباحثين عن السلطة لإصابة الحكم من غير أوجهه الشرعية.. الخطورة تكمن في توقيت التصريحات المتزامن مع تسوية سياسية مرتقبة.. بوادر الاقتراب من الحل الشامل تمثلت في موافقة الحكومة على توريد بعض المساعدات الإنسانية من معبر أصوصا الإثيوبي.. كانت هذه نقطة خلافية مع الحركة الشعبية أبطأت التقدم في ملف السلام.. حينما يصرِّح نائب من تحت قبة البرلمان بتقويض النظام ولا يتم توبيخه.. هذا التساهل يحمل إشارات سالبة تعبِّر عن حالة تصالح رسمي مع خيار غير شرعي . في تقديري.. أن على الحكومة أن تتعامل بالجدية اللازمة مع كل من يعرقل التسوية السياسية الشاملة أو يحاول إعادة عقارب الساعة إلى زمن الانقلابات ..انتهى زمن الوصول إلى السلطة بغير الوسائل الشرعية.. مازال الجنرال السيسي في مصر يعاني من عُزلة أنه عزل رئيساً منتخباً.. في دولة غامبيا تراجع الرئيس جامع من تسليم السلطة إلى منافسه الذي فاز في الانتخابات.. دول الجوار أعدت العدة لخلع الرجل لتثبيت الرئيس الشرعي الجديد. بصراحة.. على جميع أهل السودان ألا يفكروا في البداية من صفر جديد في عالم السياسة.. من الأفضل دائماً تطوير التجربة التي بين أيديهم.. لو صبرنا جميعاً على الديمقراطية كما في لبنان لما وجدنا في البرلمان نائباً مثل أبرسي لا يقرأ التاريخ جيداً. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة