|
تداعيات فضيحة جنوب أفريقيا في الداخل السوداني
|
05:20 AM Jun, 22 2015 سودانيز اون لاين أحمد عثمان عمر- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
من الواضح لكل ذي عينين، أن ما جرى في جنوب أفريقيا له تداعيات على السياسة الداخلية السودانية. فإذا تجاوزنا حالة الإنكار و التضليل الحكومية المعلنة، نجد أن الأثر الذي خلفته الأزمة واضح و جلي. فمن تداعياتها الحتمية زوال ما تبقى من هيبة للسلطة الباطشة و رمزها المستبد، بعد تدهور وضعه من حاكم بأمر الله إلى ممنوع من السفر بأمر محكمة في بريتوريا مثله مثل سائر خلق الله الذين تمنعهم المحاكم بأمر قضائي من السفر. و هذا التدهور في المركز القانوني ، يستتبعه بلاشك تحويل لطبيعة هذا الحاكم المخيف في مخيلة و نفسية مضهديه، تساعد على كسر حاجز الخوف لدى مضهديه وتشجعهم على تحديه و الإحتجاج على أفعاله بل و الإنتفاض ضده لاحقاً. و هذا يعني أن مجرد صدور أمر بمنع سفر الرئيس البشير، يؤثر و بشدة على صورته و على سلطته القائمة على القمع و الزجر و الإستبداد، ولا يعادل هذه الخسارة محاولة تجميع مناصرين له على أساس أن ما يتم هو حقارة لا يجوز أن يرتضي شعب السودان بها، فالخسارة أكبر. و ليس للرئيس البشير من وسيلة لمقابلة هذا التدهور في مركزه و تراجع قوة الردع التي نسميها تجاوزاً هيبة، إلا بإتخاذ المزيد من الإجراءات الإستبدادية و المتعسفة. و المتوقع هو أن تلجأ سلطته إلى مزيد من قمع أي تحركات جماهيرية، وأن تتمادى في الإعتقالات التعسفية، و أن تتشدد في مواجهة المعارضة الوطنية الرافضة لحوار الوثبة. كذلك سوف يتم التشديد على الصحافة، و تضييق الهامش الضئيل للحريات الممنوح لها، و تأكيد سلطة جهاز الأمن على مصادرتها. و ربما تتسع دائرة المصادرة لترسيخ مبدأ المصادرة الجماعية الذي بدأ الجهاز في إتباعه. أيضاً من المتوقع إزدياد الإعتماد على الجنجويد "قوات الدعم السريع" في التصدي لأي تحرك مدني أو جماهيري، مع إستخدام الرصاص الحي في مواجهة كل من يحتج على عسف السلطة و تماديها في غيها. و بالموازاة لذلك، لابد من توسيع دائرة الحرب و تنشيط الجبهات خصوصاً في دارفور صاحبة المأساة التي حركت كل هذه الإجراءات و دهورت وضع الرئيس و أسقطت هيبته. و هذا يتطلب مزيداً من الإعتماد على الجنجويد في المهام العسكرية، مع مزيد من المعاناة للمدنيين في دارفور و جبال النوبة، و التشدد و عدم المرونة في التعامل مع قوات اليوناميد، من أجل الإنفراد بالمواطنين العزل . و يتوقع أيضاً أن يتم تتضييق أكثر على المنظمات الدولية العاملة في الإغاثة، و ربما نشهد طرداً لبعضها أو منعاً لها على الأقل من القيام بدورها في إغاثة المنكوبين في أماكن النزاع. و لكن لتعزيز آليات الإستيعاب و الإحتواء ، ومغازلة المجتمع الدولي في محاولة لإحياء مخطط الهبوط الناعم للنظام، وللإحتفاظ بالقوى التي ارتضت الحوار تحت أسنة رماح الجنجويد، سوف يبدأ النظام الحاكم في تحريك حوار الوثبة وفقاً لمنظوره الإستيعابي. و يتوقع أن يقبل المبادرات الدولية للحوار و مساهمات بعض الدول مثل ألمانيا من حيث المبدأ. ولكنه لن يوف أبداً بمتطلبات الحوار القائمة على التكافؤ، و لن يلغ القوانين المقيدة للحريات، كما لن يوقف الحرب، ولن يطلق سراح المعتقلين السياسيين، و لن يوقف الإعتقال و إجبار الناشطين ضده على الإعتذار لجهاز الأمن الذي يعتقلهم و ينتهك حقوقهم، بل الأرجح هو أن تتسع دائرة الإعتقالات و الإرغام على تقديم التنازلات. و الحوار المزعوم، سوف يستهدف قوى بعينها هي بالأساس منخرطة فيه ، مع محاولة جر إمام الأنصار إليه، وهي محاولة بدأت منذ الآن بالحديث عن و طنيته و عدم إتخاذ إجراءات في مواجهته إستناداً لموقفه إبان أزمة جنوب أفريقيا. و النتيجة المستهدفة لمثل هكذا حوار هي إحياء مشروع وحدة أهل القبلة، الذي لن يقدم أي حلول لمشاكل السودان الراهنة بأي صورة من الصور، بل سيقود لتعقيد الحالة السياسية و ينتهي إلى فشل ذريع و حتمي، بطبيعة القوى التي سوف يجمعها و طبيعة السلطة السياسية التي سوف يتشارك فيها أطرافه. و مسار الرئيس البشير بعد الإهانة التي و جهت إليه في جنوب أفريقيا، لابد أن يكون مسار الدفاع عن سلطته التي يرفض تفكيكها و يسعى إلى تعويمها بشروطه هو و يصر المجتمع الدولي على إلتزامه بشروطه. و من وسائل الدفاع الهجومية أيضاً سوف نرى تفعيلاً لدور القوى المتحالفة مع النظام و محاولات لحل المشكلات العالقة بينها وبينه، كالمشكلة الطارئة مع جبهة السيسي بدارفور و حزب الشرق الديمقراطي و التي برزت نتيجة لتقسيم مقاعد الوزارة في الحكومة الجديدة. و هي مشاكل قابلة للحل لأنها ليست برامجية أو آيدلوجية بل هي مشاكل محاصصة. و هذا التفعيل يستلزم ربطها أكثر بالنظام و توزيع أدوار لها للقيام بها، وفي حال فشلها أو عدم رضوخها لشروط حزب البشير بمستوى يفشل مخطط الإستفادة منها، سوف يكون مصيرها الدخول في دوامة الإنقسامات نتيجة لنشاط أمني مفضوح. و لتدعيم هذا التوجه لن يكتف النظام بما هو موجود حالياً من إختراقات أمنية و إستخباراتية للحركات المسلحة، بل سيسعى لتوسيعه مع الإجتهاد في تنشيط الإنقسامات و خلق منظمات موازية رافضة لحمل السلاح حتى و إن لم تنخرط ضمن القوى القابلة لوثيقة الدوحة فيما يخص دارفور. و إذا أخذنا في الإعتبار أن فضيحة جنوب أفريقيا حدثت نتيجة لرغبة النظام و رئيسه في تحدي المحكمة الجنائية الدولية، فلا مناص من الوصول إلى أن هناك إجراءات داخلية بخصوص بنية النظام لابد من إتخاذها. فإما أن يكون مصدر هذا القرار بالتحدي هو الرئيس نفسه و زينته له حكومته و أجهزتها الأمنية و حزبه، و في هذه الحالة تقع المسئولية على من زينوا في حدود التزيين ، أو أن تكون الحكومة و الأجهزة هي من ضلل الرئيس المطارد و شجعه على التحدي. وفي الحالتين هناك من يتحمل المسئولية ومن سيدفع الثمن. و لكننا لا نتوقع أن تتم هذه المحاسبة بشكل آني و سريع، بل هي عملية ستأخذ و قتها حتى لا تضعف الرواية الرسمية القائمة على الإنتصار من ناحية، و حتى لا تضعف تماسك الحكومة و الأجهزة في هذه المرحلة الحساسة. و لكن الرئيس البشير المرتاب في جميع الأحوال، سوف يعيد قراءة الموقف لتفادي حدوث ما حدث مرة أخرى. عموماً نود أن ننوه البشير إلى أن حتى بعض الدول غير المنضمة للمحكمة الجنائية الدولية ، اصبحت من المنادين بالقبض عليه تنفيذاً للقرار 1593 الصادر من مجلس الأمن، بصفته قراراً ملزماً للدول صاحبة العضوية بالأمم المتحدة . و نذكره في هذا الصدد بخطاب سامانثا باور مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن بتاريخ الثلاثاء 17 يونيو 2014م أمام مجلس الأمن والذي طالبت فيه بتفعيل إجراءات القبض عليه بموجب ذلك القرار، برغم أننا نؤمن بأن الولايات المتحدة الأمريكية مازالت غير جادة في إلقاء القبض عليه. خلاصة ما تقدم هي أن الرئيس البشير في سبيل إستعادة جزء من هيبته المهدرة وتثبيت دعائم نظامه بعد فضيحة جنوب أفريقيا، ليس أمامه سوى الإتجاه نحو مزيد من القمع و الإستبداد داخلياً، مع توسع في دائرة تغييب الرأي الآخر و التضليل الإعلامي، بالموازاة لرفع نبرة التحدي للمحكمة الجنائية الدولية للإستهلاك المحلي، و لكن لا أظن أنه من التهور بمكان يجعله يسافر إلى دولة منضمة للمحكمة الجنائية الدولية حتى و إن تلقى ضمانات من حكومتها و محاكمها معاً.
|
|
|
|
|
|