يبدو أن البشير اخيرا تساوي مع الآلاف من السودانيين في شي واحد، وهو رفض السفارة الأمريكية إعطاءه تأشيرة دخول إلى أراضيها. وحتى هذه المساواة مشوهة لأن اي مواطن سوداني بسيط أكثر فطنة من البشير، فلا أحد يتقدم لتأشيرة دون أن يحضر ما يؤهله لنيلها. أما السيد الرئيس فإنه يتوهم في قصره، ويحلم بدخول أرض الأحلام منذ سنوات تحت غطاء رئاسته للسودان. وهذا الحصار والمنع من السفر، أصبح يسبب للبشير كما يبدو عقدة نفسية. خاصة بعد الموقف الأخير عند تنصيب الرئيس الأوغندي حين غادر ممثلو الديبلوماسية الغربية التنصيب بسبب حضور البشير وإهانة موسيفيني للمحكمة الجنائية الدولية.
ان طلب القبض على البشير رغم فشل تنفيذه، الا انه الغصة في حلقه التي تمنعه من الاستمتاع بكونه رئيس الجمهورية، الذي لا يحتاج إلى تاشيرة للفرار من حر وهم وغم السودان، إلى بلد اخر كما يحاول كل يوم آلاف المصطفين على أبواب السفارات من خيرة العقول والمهنيين السودانيين. فإن عدم تمكن البشير من الاستمتاع بامتياز السفر كرئيس دولة يؤرق مضجعه أكثر من احتمالية القبض عليه نفسها. فهو محبوس بين دول الخليج وأفريقيا والصين وروسيا، فلا فرار عبر المتوسط الا عبر الاغلال إلى لاهاي. و تصريحات البيت الأبيض كانت واضحة انهم في حال أتى البشير سيقومون بما عليهم القيام به، اي تسليمه للجنائية. وهذا ليس تهديدا ولا وعيدا ولكنه الواقع الذي تمليه الالتزامات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية. وعلي الرغم من أن امريكا غير موقعة علي اتفاق انشاء المحكمة الجنائية الدولية، الا انها مقر للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبالتالي فإن ما سيحدث في مقر الأمم المتحدة سيكون في أرض مستقلة ودولية، ولن تكون أمريكا فقط هي المسؤولة عنه. وفي ظل الضيق الشديد واختناق البشير من الجنائية، وايضا بقية زملاؤه من الحكام الأفارقة المجرمين في حق شعوبهم، فإن وزير خارجية البشير سيذهب إلى نيويورك هذه الأيام لملاقاة مجموعة من الدول الأفريقية التي تريد تعطيل عمل المحكمة الجنائية باعتبارها محكمة سياسية وتستهدف الأفارقة كما يدعون. وقد نجح الأفارقة لحد كبير في تعطيل عمل الجنائية داخل القارة الأفريقية وتقاعسوا عن تنفيذ أوامرها، لكن هذا التقاعس لا يعني أن المحكمة فقط بوجودها لا تهز عروش المستبدين القتلة من حكام أفريقيا، سارقي عرق شعوبهم ليتملكوا هم وأقاربهم وزبانيتهم الأرصدة في بنوك سويسرا، لتعيش شعوبهم على الإعانات.
ان العدالة الناجزة ضد البشير لن تكون ابدا على يد الأمريكان أو المجتمع الدولي، بل ستكون على هذا الشعب الذي ضيق البشير عليه الأرض بما رحبت، ودفعه إلى ركوب قوارب الموت فرارا من الحياة تحت حكمه. وتاشيرة البشير نحو لاهاي، لن تكون من السفارة الأمريكية ولا من غيرها، بل ستكون من أيدي السودانيين الضحايا لجرائمه الذين سيسلموه بأنفسهم، ونخشي وقتها انه سيرجوهم أن يسلموه إلى لاهاي، خوفا من ان يحكموا عليه بأنفسهم، لأنه يعلم ما فعل، ويعلم كيف سيكون حكمهم عليه. ولكن إلى ذلك الحين، فالتقعد حسيرا في قصرك محاصرا بجرائمك إلى حين ليس ببعيد. أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة