|
بينما .. حيثما .. عندما .. ريثما .. ربما ..!!
|
* (ربما) ما لا يعرفه الكثيرين عن الصديق الشاعر الراحل صلاح أحمد ابراهيم - رحمه الله- أنه خفيف الظل ويجيد ( المكاواة).. ولتصل لروح صلاح المزاحية لا بد أن تكون ملماً بمفاتيح مغالق روحه النقية ، هذه الاستهلالة هي لزوم ما يلزم لفهم ما سيأتي!! * بالطبع عند الكتابة، وعند القول والحديث والكلام، يكثر استعمالنا لأدوات ظرفية زمانية ومكانية وغيرها من المفردات، مثل: طالما، عندما، حينما، إنما، بينما، ربما… الى آخر هذه السلسلة من المتكآت الضرورية ليستقيم معها التعبير. * خلال فترة حكم الرئيس الراحل جعفر نميري – رحمه الله في السبعينيات من القرن الماضي، ترك صديقنا الشاعر السفير « صلاح أحمد ابراهيم» الجزائر الى فرنسا، وذلك حفاظاً على «سلامته» من القصف النميراوي، ومن بهدلة الاعتقال - إذا ما وسوست له نفسه بالعودة للخرطوم- الذي كانت أسبابه متعددة ومتنوعة ومعروفة بعد يوليو 1971. * في أحد الأيام التقينا في باريس فسألته: ألم تفكر بالعودة الى الخرطوم ولو لمجرد زيارة؟ أجابني بأسلوبه الساخر وتهكمه المزمن على كل شيء ومن كل شيء: أنا لا أرغب في العودة، لأنني أكره مفردة «بينما»! وذلك عندما تُكتب او عندما تُلفظ، فأنا لا أريد أن يقرأ أحد في الصحف خبراً يقول… (بينما) كان صلاح أحمد ابراهيم يمشي على الرصيف في شارع الجمهورية في الخرطوم ، نزلت مجموعة من زبانية أمن نميري ، وألقت القبض عليه وعلى كل من كان يمشي بجواره في تلك اللحظة من الأبرياء الذين شاء حظهم التعيس تواجدهم في لحظة اعتقالي…!! هذه «البينما» اللعينة يا صديقي لا أُطيقها ولا أستسيغ سماعها… لذلك غادرت، لأنني لست طرفاً في تدبير يوليو 1971، ولست مؤهلاً أن أصبح مقاتلاً – أقاتل من؟ – فهل أبقى في السودان كرامة يومها للذين يكتبون تلك «البينما»؟ ولو بايدي لكنت سأقترح على المجمع اللغوي أن يمحو هذه «البينما» من اللغة!! * قلت له باسماً: وهل ستحل المشكلة في حال ألغى المجمع «البينما»، ووضع مكانها «عندما»؟ أجابني متهكماً: إنك بهذا الرأي الحصيف كمن يستبدل قذيفة من عيار 150 ملم بقذيفة عيار 175 ملم!! فهل تعلم أن الضحايا الأبرياء الذي سقطوا في يوليو 1971للآن كان نصفهم قد قتل تحت عنوان «بينما»، والنصف الآخر تحت عنوان «عندما»!! ثم أنه لا حاجة ولا ضرورة يا صديقي أن أذكِّرك وأروي لك ما حَصَلَ وَوَقَع من ضحايا «قبلما» و«بعدما»!! * لم أستطع أن أجاري صديقي صلاح في النقاش، والذي سارع وانتقل بالحديث الى موضوع آخر، ولكنه على صلة بما بدأه من تفسيرات وتأويلات حول تلك الصيغ والمفردات الآنفة الذكر فقال: إن صديقنا فلان الفلاني مثلاً، وعندما تسأله رأيه عن كاتب أو ناقد أو شاعر، أو حتى عن شخص عادي، فإنه يسهب ويسترسل في كيل المديح عليه وبشكل مطوَّل، ثم يُنهي رأيه بمفردة «إنَّما»! وهي بمعنى «لكن» أو «لولا»!! لينسف كلياً كل ما قاله عنه من ايجابيات، ولهذا فقد أطلقتُ على صلاح لقب «مستر إنما»!! * وأردف مخاطباً اياي: يا صديقي فنحن «أينما» تجوّلنا، و«حيثما» وُجدنا، فاننا نواجه المآسي والمشاكل ونعاني من نتائج تداعياتها على صعيد الأفراد وكذلك الجماعات، قلت له: من الآخر … متى ستعود الى للسودان ؟!! .. أجاب: «ريثما» يعي كل اللسودانين بعض بديهيات الحقيقة!! .. قلت له: وهل وقتذاك ستعود؟ أجاب باسماً: (ربَّما) …!! .. رحم الله صلاح الانسان الشاعر.. صلاح كان كتلة وفاء تمشي على الأرض !! سلامتكم ،،،،،،،،،، mailto:[email protected]@gmail.com
|
|
|
|
|
|