"يعِزّك جيبك"، إذ لا شيئ أفضل من الدّنانير، في زمان عزّ فيه النصير..هذه الحِكمة سمعتها في ونسات العيد، من شباب كنت أحسبهم صغاراً بمقاييس سنين العُمر، فإذا بهم، أكثر فهماً منا، ودرايةً بالحياة..هدير الشباب الصّاعِد يعطيك أملاً في المستقبل، والشاب الذي سأحدثكم عنه هنا هو ود البشير، الذي ينتمي لحزب المؤتمر الوطني الحاكِم، ويشغل منصِب رئيس اللجنة الشعبية بقرية بكبول ،الكائِنة إلى الجنوب مباشرة، من كنيسة دنقلا العجوز التاريخية. الحِكمة تجري على لسان هذا الشّاب، ولا شك عندي، أن منابعها فيه،هم هؤلاء الناس، الذين لا ينقطع عن مجالستهم. يؤمن ود البشير بأن "الرُّقعة" هي أحد أهم الحلول الناجعة، للمشاكسات التي تقع بين الناس، لأن الفَقر هو أكبر مشكلة تواجهها البشرية.
مِن الحِكم التي سمعته يقولها بين ضحكات العيد، أن "الفَقُرْ زي المِجْمِيجْ ،إن ما غِشاك وإنت صغيِّر، بيجيك وإنت كبير. و إنت وحظّك. مرّات الفُقُر يطير مِنّك، ومرات يعقد ليك تحت ضل الزِّير"! والمِجميج هو تشخيص نوبي، لأحد أمراض الطفولة الست، التي لابد أن تُصاب بها.. الفلس برأيه، يَجيب ضيقة الخُلُق. فإذا وجدت متخاصِمْين ــ يقول ودّ البشير ــ عليك أن تدرس حالة الجّيب، لكل منهما، فغالباً ما تكتشف أن "الرُّقعة" هي الحل الناجع للمشكلة التي أمامك. و"الرُّقعة" بلغة ناس البلد، هي الغمتة أو العطِية، سواء أكانت عيناً أم نقداً، وهي ذات مفعول قوي يبرِّد الجوف، في اللحظات الحرجة. انطلاقاً من هذا الفهم، يقول ود البشير، أن كل مشاكل الدّنيا مقدور عليها، شريطة أن تعرِف مداخِلك إلى نفوس الناس.
و"مافي ضِحك بلا ضحّاكات" ــ يقول ود البشير ــ ويعني بذلك أن الكاش، له مفعول أكيد، في تهدئة لهيب الأنفاس. ود البشير ــ عثمان عمر البشير ــ هو أحد أقوى المدافعين عن نظام الانقاذ، ورغم ذلك، فهو محبوب جداً في قريتنا، التي يتشكّل مزاجها العام من وهج المُعارضة الصّارِخة للنظام.. وتأكيداً لالتزامه التنظيمي، أطلق هذا الشاب ، أسماء قيادات الانقاذ على أبناءه، فإبنه البِكر هو البشير، ثم يليه علي عثمان، ثم نافع...وأقسم لي، أنه ماضٍ في ذات الطريق،حتى الرمق الاخير.. وكل زول "حمدو في بطنو"، بينما مودّتي لهذا الشّاب تتأكد كل حين، ولا تتأثر بمواقفنا السياسية المتعارضة، بل هي صداقة متجذِّرة، كانت مع أبيه الشيخ العالِم، وامتدت المعرفة إلى عمه أبوبكر القاضي، المعارض الشرس لنظام الانقاذ، والذي خرج من الدوحة، إلى قارة العالم البعيدة، في لحظة فارقة، وعلى حين غرّة.
رغم أنه مِن الجّماعة إيّاهُم، إلا أن هذا الشاب، يحظى بالقبول بين أهل القرية، الذين يشتمونه بين جَدٍّ وهزل، ولا يقضون أمورهم إلا على يديه، لكونه بارع في الوصول إلى الهدف، ينفذ إليه آخذاً بالخلاصة، متحاشياً كل مزالِق الكلام..وبرأيه: "الكلام أدِفنو في محلّو، والشتيمة زي الماروق، إن احتملتها بِتنفعك في باقي عُمرك"! هو أحدُهم، لكنه يختلف عن طبائع الإستبداد المستشرية في هذه البلاد، ولديه تمسك بأخلاق الدين يصدّه عن المُكاوَرة. في المناسبات يتحلّق الناس حوله، ما يؤكد أن الجماهير يمكن أن تُخرِج قياداتها، من رحِمها الخلاّق... لكن متى تتمخض الجماهير وتلِد مسيحُنا المُنتظر؟
عندما رأيت اقبال الناس عليه، تأسيت على حالنا ــ إن حسبت أننا في عِداد المناضلين ــ وكيف أننا فشلنا في الوصول الى الناس، بينما نفذ إليهم من يصغرنا بعديد السنوات ليحرز النجاح بتلقائيه، لا بدعم التنظيم. والحمد لله الذي جعلها هكذا.. الحمد لله الذي جعل ظهور التنظيم في الواجِهة، يُفسِد كل شيئ!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة