كان يطلق عليها " المجالس البلدية " والكل يعرف المهام المكلفة بها ، فهي الجهة المسئولة عن الخدمات في المدن ، يقابلها في الأرياف المجالس الريفية التي تقدم نفس الخدمات في الريف . البلديات كانت مسئولة عن صحة البيئة والخدمات الوقائية الصحية ، من نقل للنفايات ، ونظافة الشوارع والطرقات داخل المناطق السكنية والطرقات العامة وإقامة المتنزهات ، ومحاربة الحشرات خاصة البعوض حيث ينتشر موظفو وعمال تلك البلديات في الأحياء للكشف عن أماكن تجمع المياة في فصل الخريف وصب الزيت في هذه الأماكن ، والقيام بحملات رش المنازل بالمبيدات منعا لتوالد الذباب والبعوض وغيرها من الأعمال المدنية كرصف الشوارع ، وتشجير الطرقات ، ويقوم المعاونون الصحيون بالمرور على الأحياء السكنية والتفتيش حتى داخل المنازل للتأكد من نظافة الأزيار والمراحيض ، وكما هو معرف أن هذه عمالة هذه المجالس البلدية سواء كانت تعمل في النظافة ونقل النفايات أو في الجوانب الصحية الوقائية أو في رصف الشوارع جميعهم يشملهم كشف الموظفين في الدولة . ولا مجال للتعاقد مع أشخاص أو شركات لتنفيذ أي عمل من هذه الأعمال كما هو الحال الآن ، بل تنفذ البلدية بنفسها هذه الأعمال . في عهد مايو تغير المسمى وأصبح يطلق عليها " المجالس الشعبية " واصبحت المهمة الأساسية لهذه المجالس توزيع السلع التموينية من سكر وزيت و ( كبريت وصابون ) وخلافه . وفي عهد الإنقاذ أطلق عليها إسم " المحليات " وأستبدل الضباط الأدراريين الذين كانت تؤهلهم خبراتهم والتدريب الذي تلقوه لإدارة تلك المجالس بكفاءة عالية مشهودة ، تم استبدالهم بال ( معتمدين ) وهي وظيفة سياسية وليست مهنية ، فيهم الطبيب ، وفيهم التاجر ، وفيهم المعلم ، وفيهم القائد العسكري ، وفيهم من لم يخدم في الدولة من قبل ولم يجر قلم في دفاترها ..جديد " لنج " من الكوادر الشبابية والطلابية . والواقع إن من أتوا بهؤلاء ظلموهم وظلموا المواطنين معهم ، فأن تأتي بشخص ليؤدي عمل لا خبرة له أو معرفة به ، فيه ظلم كبير لهذا الشخص . وبعد أن كانت المجالس البلدية في السابق لا تتعدى العشرات أصبحت المحليات في عهد الإنقاذ يقارب الألف إن لم يكن أكثر ، ومع ذلك تحولت تلك المهام التي كانت تقوم بها البلديات إلي لافتات ، ولم تعد من الأولويات لهذا الجيش الجرار من المحليات ، فالنفايات مكدسة في أزقة وشوارع الأحياء السكنية ، والشوارع في أرقى الأحياء لا يمكن أن تجدها في حي عشوائي في أي بلد ، وبدأ البعوض والذباب في التوالد بعد الأمطار الأولي التي هطلت في الخرطوم ، وفي كل يوم نجد عشرات الشكاوي في الصحف عن إنقطاع المياة أو تكدس النفايات أو وجود البرك والمستنقعات في الميادين والشوارع والصحف ينقل محرروها كل ذلك بالصور وكتابها ملوا من الكتابة في هذه الموضوعات إذ وجدوا أنفسهم وكأنهم يؤذنون في مالطا . وإذا أخذنا ولاية الخرطوم التي بها العاصمة " المثلثة " كمثال لاهتمامات المعتمدين نجدهم وبدلا من أن يتجهوا إلي تكريس جهودهم لمعالجة المشكلات الملحة المتصلة بتجهيز المدارس للعام الدراسي الجديد ، وإنقطاعات المياه في الأحياء ، وحفر المجاري لتصريف مياه الأمطار وغيرها من المعالجات للمشكلات التي يعاني منها المواطن ، نجد أن شغلهم الشاغل عمليات الإزالة للأسواق المؤقتة وتحويل مواقف المواصلات ، فأزال معتمد أم درمان المحلات المؤقتة في سوق أم درمان وتبعه معتمد كرري في سوق صابرين ، ثم جاء بعدهم معتمد الخرطوم فأزال أسواق أوطبالي ميدان جاكسون ، وأخيرا معتمد بحري الذي صرح أمس بأنه سيلجأ لفلسفة مامون حميدة لفك الإشتباك بين الأسواق والمواقف بتحويلها للأطراف ( صحيفة المجهر ، الجمعة 22/7/2016م . سياسة تفريغ وإخلاء وسط المدينة إبتدعها النظام المايوي وسارت على دربها الإنقاذ ، تحسبا أو تخوفا من إستغلال هذه التجمعات في أعمال عدائية ضد الحكومة كالمظاهرات والإحتجاجات . المبررات التي تسوقها المحليات لإزالة هذه الأسواق وتحويلها من أماكنها تذهب إلي أن هذه الأسواق عشوائية وتخل بالنظام العام ، وإذا كان الأمر كذلك فإن عملهم هذا قمة العشوائية . فالأسواق العامة والشعبية تكون عادة في وسط البلد في كل أنحاء الدنيا لتكون قريبة من الجميع ، وكما هو معلوم فإن وسط المدينة هو المكان المفضل لزوار المدينة من الخارج أو الداخل ، ثم أنه هل مدننا بغاية التنظيم والرقي والنظافة حتى تخل هذه الأسواق بنظامها ونظافتها ؟ المحليات من مهامها الإرتقاء بالخدمات وتطويرها ، فلماذا لا يتجه التفكير لتخطيط هذه الأسواق بطريقة تجعل من هذه الأسواق وجهة سياحية للسواح ومكان للترفيه والترويح لأهل المدينة على أن تكون التصميمات المعمارية مستمدة من البيئة ، وأن تكون هناك خدمات مثل المقاهي ومواقف السيارات ودورات المياة ، وساحات يلعب فيها الصغار هل هذا صعب ؟ أليس أجدى من نقل هذه الأسواق إلي أماكن بعيدة من وسط البلد تقتصر فيها الإستفادة منها كاماكن للبيع فقط ؟ أليس ذلك أجدى من المشاريع البعيدة عن نبض المواطنين ، مثل حفر الخنادق ؟ نخلص للقول بأن إستهداف المعتمدين للأسواق سببه هو أنها مصدر الدخل الأول لمحلياتهم ، فالإزالات تعني ما تعني من توزيعات لمساحات جديدة ومعها طبعا رسوم التصاديق والعقودات والمزادات وهلم جرا ، أما الباعة والفريشة وأصحاب الطبالي ، و" ستات الشاي " ، وأصحاب الدرداقات سيظلوا على هذه الحال لأنهم مصدر الدخل اليومي للمحليات ، فهؤلاء معظمهم من نازحي الحروب ومهاجري الأرياف الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية على مغادرة ديارهم ليعيشوا في المدن والعمل بهذه الأنشطة الهامشية والذين تصل أعدادهم إلي عشرات الآلاف ، ووجدت المحليات فيهم ضالتها حيث فرضت عليهم رسوم يومية يدفعها هؤلاء التعساء للمحليات نظير السماح لهم بالتواجد في هذه الأماكن لكسب رزقهم ، وفي أي بلد آخر أمثال هؤلاء يعانوا ويغاثوا لا يحاربوا . أيها السادة المعتمدين فكروا بطريقة إيجابية ، في أحوال هؤلاء البؤساء وأبعدواعنهم شرورالعوز ، فالرفق والرحمة بهم قد تكون من أسباب الرحمة بكل العباد ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . حاشية 1 : بدلا من إزالة الأسواق أزيلوا الأتربة التي غطت جزر الشوارع والأرصفة الجانبية . حاشية 2 : الصيانة التي تمت الشوارع أم درمان في الفترة الأخيرة ( ترقيع الحفر ) لأول مرة يتم بطريقة صحيحة ووجب شكر الجهة التي نفذته .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة