· صدر قرار في أواخر سبتمبر المنصرم بإبادة شحنة لحوم ضأن غير صالحة لأكل الآدميين استوردتها إحدى منظمات الأمم المتحدة معبأة في أكياس بلاستيك مجمدة لأغراض الاغاثة.. تم ارسال الشحنة إلى مكب النفايات للدفن.
· أخرج ( بعض) عمال النفايات الأكياس من مدفنها حين تأكدوا من ذوبان الثلج من عليها.. ثم ( عالجوها).. و أصبحت اللحوم قابلة للعرض في الأسواق.. حملوا الصناديق في شاحنة و توجهوا لعرضها على زبائنهم من باعة اللحوم الفاسدة.. و في الطريق ألقت الشرطة القبض على الشاحنة بمن فيها و ما فيها.. و مثل المتهمون أمام محكمة الحارة الأولى بمحلية كرري يوم 4/10/ 2016..
· المستهدف بشراء اللحوم الفاسدة هم جيران مكبات النفايات و العشوائيات الطرفية.. و كل الذين يأكلون ليعيشوا فقط بينما الموت يبحث عنهم و المصائب تستهدفهم من كل اتجاه..
· هربوا من هامش أرياف السودان إلى هوامش العاصمة المثلثة.. يتعايشون أراضٍ قاحلة و التصحر يزحف نحوهم و النفايات تجاورهم.. يشربون من البراميل الصدِئة و يأكلون ( الكرشة) و موية الفول و مصارين و كوارع و ( قوانيص) الدجاج.. يشترون كفايتهم من أسواق تتفاداها حسابات الصحة و تتخطاها جمعية حماية المستهلك.. لكنها مسجلة في حسابات الضرائب و الجبايات.. و تغشاها عربات ( الكَشِّة) نهار كل يوم.. و الذباب يزحم طاولات بيع النافق من لحوم بيضاء و حمراء و أخرى لا يعلمها إلا الله..!
· ألا يكفي أنهم جيران مكبات النفايات..؟!
· هل جلس أحدكم يوماً إلى واحد من هؤلاء؟ أخلاقهم فيها السمو عن الصغائر ما يدهشك.. و علاقاتهم الاجتماعية تكافل مستمر للبقاء.. و تتعجب من اطلالات الابتسامات من على شفاههم الجافة دائماً؟! ربما بسبب حثِّ الدين لهم على الصبر و الصلاة و ربما هي فلسفة تعلموها من العيش المستدام في الهامش؟
· ما أشبه واقع جيران مكبات النفايات- شيئاً ما- بواقع رواية ( سكان المستنقع) للكاتب/ وول شوينكا.. فالصلة بينهم و بين الدولة بدأت مع حملات إزالة مساكنهم العشوائية بعد أن تم بيع ( حتاتهم كلها).. و تم ابعادهم بالقوة الجبرية إلى الأبعد فالأبعد.. و ظلوا يبعدون كلما توسعت المدينة حتى بلغوا مكبات النفايات.. و هناك في قيعان العاصمة المثلثة يكيفون حياتهم وفق مقتضيات الطوارئ اليومية التي لا تتزحزح عن بيئتهم طول العام.. و مع ذلك، يشاهدون التلفزيون.. و إمدادات الكهرباء لتلفزيوناتهم مستأجرة بالساعة من مُلاك مولدات الكهرباء.. و على الشاشات يعيشون الحياة المرفهة في العالم الافتراضي.. و يسخرون من وعود الحكام الذين نسوا الله و لا يتذكرونه إلا عند الوقوف أمام الجماهير لإطلاق البشريات الجوفاء..
· العالم الخارجي يفتح لهم أبواب الحياة الافتراضية ليدخلوها بسلام آمنين.. و في اليوم التالي، يندفع شبابهم لاختراق الصحراء الكبرى للوصول إلى ذلك العالم البهيج لتحويل الافتراضي إلى حقيقي.. ينجح بعضهم و يموت أغلبهم قبل بلوغ الهدف.
· " هذا قدر من ماتوا!" يقول سكان مكبات النفايات المؤمنين بالقضاء و القدر.. و من لم يمت من الشباب عطشاً في الصحراء، مات غرقاً في البحر الأبيض المتوسط أو بالرصاص و هو يعبر الأسلاك الشائكة إلى إسرائيل..
· و من قُدِّر عليه البقاء بجوار مكب النفايات ربما مات بالسرطان أو ( الاسهال المائي!) أو أي وباء كاسح ابتليت به البلاد.. وباء جديد من نوعه نسمع به لأول مرة كما ظللنا نسمع عن ( الاسهال المائي) و أسماء أخرى تداولتها وكالات الأنباء..
· ظلامٌ في ظلامٍ في ظلامٍ يستدعي النوم باكراً و يشجع على التناسل كثيراً.. فيتناسلون بنسب تتجاوز أعلى معدلات وصلت إليها البشرية، و يموتون بمعدلات مخيفة.. و هناك امرأة من سكان مكب النفايات لديها من الأطفال عدد لا يُحصى.. توفيت و هي تضع آخر طفل و النزيف يسيل من دمها الضعيف.. و لحقها وليدها بعد أسابيع..
· يموتون و يتناسلون و يواصلون حياتهم المعتادة في صبر معتاد.. هذا قدرهم.. و قدر أطفالهم الكثر! و السودان لا تنقصه أطفال الشوارع..
· في الفاتح من السنة الهجرية الحالية، تحدث عالِم من ( العلماء) عن هجرة سيد البشر ( صلى الله عليهو سلم) من مكة إلى المدينة.. و عن مضايقات أهل مكة للرسول الأعظم.. و مكة هي أحب أرض الله إلى نفسه الطاهرة.. و ظل (العالم ) يستحث الشباب السوداني على البقاء في الوطن للانتاج.. و يا لذلك العالم من عبقري! فالمقارنة تتقارب في واقع القهر و الاجبار على الهجرة.. لكنها أبعد ما تكون في واقع التضييق المباشر و التضييق غير المباشر في اختيار الهجرة كآخر حل..
· إن الشباب، عموماً، و بالأخص شباب حارات مكب النفايات، لم يكونوا ليهاجرون لولا ( التمكين) ضدهم في كل مؤسسة و كل ديوان عام أو خاص، و عند تقديم كل تمويل أكبر أو أصغر.. بل و حتى إذا أرادوا أن يؤسسوا منظمات خيرية أعاقت الحكومة تحركاتهم الانسانية..
· أحكم ( التمكين) الخناق على منظمة ( شارع الدكاترة) بسبب إنجازاتها البائنة و نجاحاتها بالجهد الذاتي في البناء! أما منظمة ( سند) الخيرية، فيتولى بنك أم درمان رعايتها بالتمويل اللا محدود لأن رئيسة مجلس إدارتها هي المليارديرة السيدة/ وداد زوجة السيد/ الرئيس..
· البقاء في الوطن للانتاج قال!.. من أين يأتي الانتاج مع كل هذا ( التمكين) للعجز؟ بل، و أين الوطن أيها ( العالِم) غير النحرير.. أين الوطن؟! لقد اختطفتموه بكل خيراته " رجالة و حُمرة عين".. و تركتم الشعب يأكل الاغاثات الخارجية و اللحوم الفاسدة..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة