قال البعض بأن العولمة لم توجد بعد ؛ ويستدلون على ذلك بأن العالم لازال منقسما إلى شمال غني وجنوب فقير وأن التبادل التجاري يتم عبر شركات عابرة للقارات ودول غنية في حين تعتبر الدول الفقيرة مجرد سوق ضعيف. ومهما كان هذا الأمر فإن العالم اليوم قد رسخت فيه عدة أشياء ، من ضمنها: 1-الرأسمالية: فالتحولات الاقتصادية في روسيا بعد البروسترويكا والتحولات في الصين عبر إصلاحات دينق الاقتصادية قد قللتا من المد التقدمي الاشتراكي ، وبعد أن كان هذا الأخير يعتبر مرحلة حديثة تحول إلى كتاب تاريخي قديم ، فالرأسمالية اليوم في أوج قوتها وهي تجتاح العالم دولة إثر أخرى. 2-العولمة الثقافية : وهي نتاج مباشر لانتصار القوى الرأسمالية ونشر ثقافة الاستهلاك بما يستتبعه من تحريك للركود الثقافي والانحسار في محلية صرفة. أصبحت الفضائيات تنشر ثقافات متعددة ، هندية ، تركية ، مكسيكية ، أمريكية ،...الخ ولم تعد اللغة -في ظل طفرة الترجمات- عائقا أمام التبادل الثقافي . 3- العولمة التكنولوجية : أصبحت لغة التكنولوجيا لغة عالمية ، وأقصد باللغة نوعين: اللغة بمعناها الضيق باعتبارها مصطلحات متداولة فهي دوال على مدلولات مشتركة ، ولغة بمعناها الأداتي أي التداول المادي للتكنولوجيا ، فأصبح المنتج التكنولوجي الياباني ينتشر بسرعة البرق في القارات الخامسة وكذلك الأمريكي والهندي والصيني والكوري ، هذا أدى إلى النتيجة الرابعة. 4- سرعة الاتصالات والتواصلات ؛ حيث تقلصت المساحات الجغرافية بسبب تكنولوجيا الاتصالات وأدى الانفتاح التكنولوجي إلى انفتاح ثقافي أيضا ؛ حيث بات من المستطاع التلاقي وبناء علاقات تجارية واجتماعية بين أفراد الثقافات المختلفة ، فأصبحت هناك التجارة الالكترونية والزواج الالكتروني وزاد أيضا التداول النقدي العالمي عبر الدفع الالكتروني . 5- عولمة المعلومات وسهولة تداولها : فقد أصبح من السهولة بمكان معرفة أخبار أي بلد من البلدان القريبة أو البعيدة ؛ وارتفع حجم التبادل المعلوماتي العلمي من أبحاث علمية وكتب وتقارير واحصائيات ...الخ وأكثر من ذلك فقد تشكلت قواعد البيانات الضخمة عبر المؤسسات التعليمية الكبرى كالجامعات أو المؤسسات المكتبية كمكتبة الكونجرس وخلافه . هذا الأمر أدى إلى تقارب العلماء والفكر العلمي وأصبح هناك طوفان من المعلومات عكس ما كان عليه الأمر سابقا حيث كان البحث عن المعلومة يتطلب جهدا شاقا ؛ فاليوم أصبحت المشكلة ليست في البحث عن المعلومة ولكن تقصي قوة وحقيقة ومصداقية المعلومة في ظل طوفان من المعلومات المطروحة. 6-الانكشاف: اليوم الحقائق أصبحت متوفرة للجماهير ، وأصبحت الأنشطة السياسية تسمى بمسمياتها ، فدخول أمريكا للعراق مثلا أسمي بغزو واحتلال ولا يستطع أحد اليوم أن يسميه تحريرا أو فتحا ، وهكذا ؛ وأمام تدفق المعلومات صارت الحقائق السياسية والعسكرية منكشفة تحت يد الشعوب ، وساهم في ذلك التوجهات السياسية لبعض القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية كويكليكس والجزيرة والراكوبة وخلافه من مواقع تكشف سوءات الأنظمة الحاكمة. 7- ثبات واستقرار منتجات التفاعل الدولي ؛ كالحرب على الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال والاتجار بالبشر وتعريف الإبادة الجماعية والتأكيد على الديموقراطية ومحاصرة الدكتاتوريات المتبقية ، وجزاءات القانون الدولي كالحصار الاقتصادي أو المحاكمات الدولية للأنظمة والأشخاص ...الخ. صارت هذه المنتجات من الثوابت التي يجب أن تدعيها أي حكومة تراعي موقفها من المجتمع الدولي. 8- إسرائيل أصبحت واقع مسلم به : تساقطت الطموحات العربية منذ كامب ديفيد في إنهاء اسرائيل ؛ وفي ظل العولمة واتفاقية التجارة العالمية فقد أصبح من الصعوبة بمكان عزل اسرائيل عن محيطها الجغرافي والثقافي ، فنشأت علاقات تبادل مصالح بين الدول العربية واسرائيل من الخليج إلى المحيط وأصبح الجميع يخطب ود اسرائيل ، خاصة أن هذه الأخيرة قد تطورت في مجالي الزراعة والتسليح وتطورت تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا الصحية بصفة خاصة. لم يعد هناك صراعا عربيا اسرائيليا كما كان الأمر قبل نهاية حقبة الحرب الباردة ، بل أصبح التعاطي والتطبيع بين الدول المتاخمة والبعيدة عن اسرائيل ضرورة ملحة ، ﻷن البحث عن المال والاستقرار السياسي والاقتصادي صار هو أيضا ضرورة. فكل دولة تتأخر يوما عن ركب العولمة كأنما تأخرت قرونا عديدة . إن العالم اليوم عالم الانكشاف بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، ولا مجال للمزايدة على السرديات الكبرى التقليدية ، فكل التفاعلات الدولية واضحة الدوافع ولو تقنعت وتنكرت المبررات ، ولم يعد أمام الدول الفقيرة إلا أن تجاري الركب وتنفتح بأوسع ما يكون الانفتاح على العالم بعد التخلص من الأنظمة البائدة دكتاتورية كانت أو عقائدية. 6أكتوبر 2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة