الأشياء تتداعى في جبال النوبة.. سقف الأمل مبتور الركيزة.. و السماء تمطر القنابل و الرصاص.. الطير الأبابيل يرمي الناس بالنابالم و الفوسفور.. و الناس تتوجه نحو بيت ( الكجور) ليرتق الأمل و يربط الأرض بالسماء.. و لا تنفك الحياة تتراجع و الموت يتقدم نحو الأطفال في بسالة..
الحكومة سيَّسَت الهواء و التراب بعد أن إغتصبت السلطة و من ثم تزوجت المال بشريعة المدفع و الدبابات و الطيران.. و كل من ليس معهم فهو عدوهم..
لا يعرف الأطفال في ( هيبان) أن لا أمان في البيوت.. " إنكسر المرِق و اتشتت الرصاص!".. الموت فاغر فاه في شره.. و الطفل الذي لم يمت بالفوسفور المقذوف و الرصاص، مات بالجوع و الأمراض المستوطنة.. و الألغام تنمو كالنبت الشيطاني في الدروب..
سراً يُقال أن جميع من ماتوا من الأطفال كانوا مشاريع تمرد تتحرك في الأرض المحروقة.. لا يوجد طفل برئ في الجبال سوى الذي لم يولد بعد.. بل حتى الذي في بطن أمه متمرد باعتبار ( الهوية) و اعتبار ما سوف يكون عليه ضمن سلاسل منظومة من خرز الغبينة..
و القَتَلَة يطبقون قوانين الغاب بحزم.. فيؤكدون أن الطائرات غير مذنبة.. و أن الطيارين أبرياء.. و أن الأطفال مذنبون، و ( المرحوم غلطان)، إذ وُلِدوا في المكان الخطأ.. و اختاروا العيش في أعشاشهم في الوقت الخطأ، و كان عليهم أن يتواروا في أجحار داخل الكهوف مع العقارب و الثعابين و الخفافيش.. فلو فعلوا ذلك ما كانوا ليضاروا سوى من لدغة عقرب أو ثعبان.. أو ثعلب عقور، و ذاك أفضل للأطفال من القصف بالقنابل..!
أين الخيار للعيش في الجبال إذن.. أين هو الخيار..؟ ويتحدون في صلف:- الطفل الذي أراد أن تثكله أمه، فليذهب إلى الجبال!
و ينبري مدافعون، من نيابة محكمة الغاب، يلقون باللوم على الأمهات، و أنه كان حرياً بهن أن يلدن أطفالهن خارج الجبال.. و يتركونهم هناك تحت رحمة الجوع و البحث عن مكان للنوم في الصيف و الشتاء.. و ربما تكفيهم المجاري.. بداخلها يدفنون أحزانهم في خرقة بللها البنزين و ( السليسيون).. لكنهن، يا لخيبتهن، ولدوهن في أرض النوبة، تلك الأرض المحروقة.. ما أغباهن من أمهات.. ما أغباهن.. ألم يتنبهن إلى ما تبثه وسائل الاعلام المكتوبة و المشاهدة و المسموعة و كلها تحذر كل من يمشي في مناكب أرض جبال النوبة: ( إحذر.. أنت هنا في خطر! محروق أنت إذا وطئت قدماك الأرض المحروقة لا محالة!) و كل " من أراد أن تثكله أمه"، فليأت إلى هنا!
و الثوار هناك.. لكن لم يحترق الثوار، بل الأطفال.. بل الأطفال.. مِزقاً إرباً.. و دماء.. بل الأطفال! ما ذنب الأطفال؟
المرحوم غلطان.. ! لا، ما غلطان!.. غلطان..! لا، ما غلطان.. جدال لن ينتهي.. و الموت لا ينتهي.. و بيوت العزاء تزداد عدداً...
و يوغل العالم في لجج الشجب و الادانة.. و الخطب الرنانة.. و كل ما ليس في إمكانه أن يوقف الموت بالمجان في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق.. ما جدوى الشجب و الادانة لأم ثكلى.. و أمل أضاعته طائرة ( سوخوي) طائرة لا يهمها الذي يهمنا..
و الحياة تؤخذ قهراً كل يوم رغم أنف الشجب و الادانة.. فنظام الغاب في الخرطوم لا يصغي إلى أنين المرضى و الجياع داخل الخرطوم، دعك عن أن يسمع الصرخات في هيبان حيث الموت لا يطرق الأبواب إنما يقتحم البيوت و يسلب الأرواح دون استئذان..
لم يتبق لنا طريق سوى العصيان المدني و الاضراب العام.. هذا طريق لا بد منه لقهر القهر دون سفك قطرة دم..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة