نتناول في مقالنا التحليلي هذا، مسألة الخيط الرفيع مابين معني المعارضة ومعني الهم الوطني والفروقات بينهما . فالشاهد ان العديد من الناس ، أو من الذين يقودون العمل السياسي في السودان ، أو فلنكن أكثر تحديداً ونصفهم بالذين يهتمون بتقاطعات السياسة وحراكها اليومي ، وهم في الغالب ينتمون إلي قطاع التكنوقراط ، أي ( الفنيين ) أو المتعلمين أو المثقفين او الحرفيين المستنيرين ونقصد بهم من لهم تخصص مهني في الحياة ، نظريا كان أم عملياً ، ونضيف إلي هؤلاء وأولئك مجاميع الطلاب في المرحلة الجامعية علي وجه الخصوص بسبب أن المرحلة الثانوية التي كانت تشهد حراكا سياسيا طلابياً منذ نشأة التعليم في السودان ، قد غاب طلابها عن هموم السياسة والحراك الوطني منذ ربع قرن من الزمان بعد أن أزيلت مرحلة كاملة من مراحل التعليم وهي المرحلة المتوسطة التي كانت تمهد للمرحلة الثانوية حيث يكاد يكتمل الوعي السياسي والوطني للطلاب منذ الثانوية. ومن المعروف أن الأنظمة القائمة في العالم علي أسس ديمقراطية وحريات سياسية كاملة لا تكون قلقة كثيرا علي ذهاب الحكم منها إلي منظومة أخري تعادلها وتنافسها في الساحة السياسية ، ذلك ان التجرد والهم الوطني والإعتقاد التام بالمنافسة الشريفة يطغي علي تفكير من يقودودن دفة العمل السياسي عند جميع الاطراف التي تعمل في هذا المجال ، وبالتالي ترسخ قواعد اللعبة السياسية أكثر فاكثر ، وتصبح السجون في مثل هذه الحالة خالية من أي معتقل يمارس العمل السياسي لأن مواعين الحريات تمنع حجب تصرفه السياسي طالما كان لا يشكل تهديداً لأمن الوطن أو تخريبا لإقتصاده ، والقائمة تطول . وبالمقارنة ، نجد أن هذه الثقافة ( ثقافة الحريات السياسية ) تتضاءل كثيرا ، بل تنعدم أحياناً في دول العالم الثالث ، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي لم تتمكن دولها من إكتساب خاصية الإعتقاد بأهمية التداول السلمي للسلطة ، وبالتالي يصبح الصراع السياسي مشتعلاً بقوة ، تجعل الفرد أو مجموعة أفراد يلجأون إلي توظيف العنف والبحث عن السلاح لتكوين مليشيات تتسع قدراتها وأعدادها وتتمدد مع دخول العامل الجهوي او القبلي فيها ، حتي تحدث قلقاً للسلطة الحاكمة أصلا بقوة السلاح . والأمثلة علي ذلك كثيرة نراها في يوغندا ( جيش الرب حالياً ) وفي السودان ( خمسه جيوش جهوية ) وسابقا سادت في كل من نيجيريا ، كينيا ، رواندا ، الكونغو بشقيه ، ومالي ، والجزائر ، والصومال ، وصولاً إلي خيوطها التي كان يتم نسجها في مصر الشقيقة علي نار هادئة ( شمال سيناء كمثال ). والخيط الرفيع الذي نقصده هنا هو أن الأنظمة الحاكمة التي تخشي عودة الحريات المفتوحة في العمل السياسي ، تصف من يبذلون الجهد ضد سياستها حتي لو كان الجهد سلميا ومدنيا صرفا يعتمد علي التجمعات والتظاهرات والندوات وحتي الكتابة الصحفية ، نري تلك الأنظمة تسن من القوانين ما يمنع هذه الأنشطة وتصفها بالعمل المعارض ضد الوطن ، وربما يصل الإتهام بتعليق شماعة الخيانة والعمالة للناشطين في هذا المجال وتستكثر حتي كلمة معارضة عليهم ،بل وتصنع من قوانين الكبت ما يمنع العمل السياسي وقصره علي الاحزاب الشمواية الحاكمة .. بينما أن هذا الخيط الرفيع لو حافظنا علي تواجده حتي لا ينقطع ، فإن أولئك الناشطين سيتم تصنيفهم بأنهم يحملون الهم الوطني داخل وجدانهم ويسيطر هذا الهم علي عقولهم ويصبح الأمر كالمعتقد السياسي تماماً . وهنا يأتي الفرق بين الوصفين لتلك الشريحة ، هل تحمل صفة معارضة تظللها الخيانة الوطنية والعمالة ، أم تحمل صفة حاملي الهم الوطني .. وماهي اسباب خوف الحكومات الشمولية المضطربة دوما من نشاطهم وحراكهم السياسي . هذا ما نتناوله في حلقات قادمة إنشاء الله .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة