* إن كانت " سلمى عثمان " من اي بلد من البلاد التي تكرم انسانها لسجلت اسمها بماء الذهب على صفحات التاريخ .. لتقول للعالم ان واحدة من البنات الشامخات لم تضع اياديها على خدها لتندب حظها وقلة حيلتها امام المسؤوليات الاسرية وضيق سبل العيش والبطون الجائعة لاكثر من اثنتي عشر فردا هم افراد اسرتها الكبيرة وامها وأبيها . * " سلمى " لم تقف مكتوفة الايادي امام عجزها تأجير دكانة لتمارس عملها في خياطة الملابس " وترقيعها ورفها " فهي ليست مصممة ازياء ولا تجيد تفصيل الملابس .. وربما اصلا تعلم إن ايراد مثل هذه الاعمال ذات منافسة عالية هي غير مؤهله لخوضها .. وقد لا يكفى ايرادها ان دخلت حلبة المنافسة ثمن رحلتها من احدى قرى مدينة كوستي ذهابا وايابا .. او ربما تعلم ان ايرادها قد لا يكفى سداد الضرائب والاتوات .. او .. او * سلمى التي احدثكم عنها غادرت الثلاثين بقليلا ولكنها تحمل على اكتافها هم ابوها وامها واخوتها لذلك هي تصحوا فجرا وتحمل ماكينة الخياطة التي تعشقها تماما لانها مصدر .. رزق حلال وطيب كما تقول .. وتغادر مع اول حافلة مغادرة من قرب منزلها لوسط المدينة لتقطع ما تبقى لها مشيا على الاقدام حتى تصل لتلك الشجرة الظليلة بحي السكة حديد بكوستي ..ذلك الحي الذي يسكنه موظفي وعمال السكة الحديد " والوابورات " النقل النهري الذي كان .. والشرطة وكثير من موظفي الاجهزة الامنية .. وازهي سنواته كانت حينما كانت البواخر تمخر عباب النهر ذهابا وايابا لجنوب السودان .. كان هذا الحي يمثل شريان الحياة لتك المدينة الجميلة الهادئة التي ترقد بالقرب من ضفة النهر .. * سلمى تماثل تلك الشجرة العاتية الظليلة التي تحجب بكبرياء راس سلمى لكي لا تقع عليه حرارة شمس النهار الحارقة .. هي تقف بعنفوان وكانها جندي مدجج بالسلام لحراسة هذه السمراء المناضلة .. وشجرة النيم الوريفة تعلم تماما ان سلمى اقوى منها كثيرا لانها تحمل على اكتافها هموم اسرة واخوة واخوات .. تبدأ سلمى بالبسملة والدعاء الخافت ان يدر الله عليها ما يتدفق من جنيهات مهترية من بين اصابع زباينها الصغار .. هذا أحمد رداءه قد من الدبر .. وتلك عايشة مريولها اهترى من كثر ما جلست به على تلك الكنباية العتيقة .. احمد ازرة قميصة خلعت يوم ان تعارك مع صديقه على وهكذا هم زبائن شبه دائمين عند الترزية سلمى .. * في ذلك النهار وشمس النهار ما زالت تراوح مكانها وغيمة تنذر بان السماء ستمطر قمت بجولة في ذلك الحي العتيق .. كنت كمن يتقصى اثر رفيقاتي وصديقات درب الطفولة ... هنا لعبنا لعبة الحجلة وهنا تعاركنا .. وهذا الشارع زرعناها جريا ومشينا صباح مساء .. فاذا بنظري يقع على انسة منكفية على ماكينة خياطة وحولها بعض الصغار وصندوق صغير بجوارها مليء ببعض الخرق .. مرايل مدرسية وقمصان مهترية وراديو صغير يأنس وحشتها حينما يذهب الصغار لمدارسهم .. طلبت من سائق الركشة .. التوجه لناحية تلك الخياطة المرابضة في الهواء الطلق .. للحظة اختلط صوت موتور الماكينة مع موتور الركشة واحسب ان سلمى للوهلة الاولى حسبت انني زبونة رغم ان جل زباينها تلاميذ وتلميذات .. هم انفسهم اللذين اهتريت ملابسهم المدرسية او انخلعت ازرارها .. هم وحدهم اللذين يعرفون قيمة هذه الانسانة الشامخة المناضلة لتوفير لقمة العيش الطيبة الحلال لها ولاسرتها .. ولتحمي نفسها وشقيقاتها من أي انزلاق من اجل الدواء او الكساء .. * احسب ان سلمى وللوهلة الاولى سجلت ارتباكا .. لا اعلم ماذا قال لها قلبها .. هل هي الحكومة .. هل ضابطة الضرائب .. هل زبونة اهترت ملابس صغارها .. لكنني اصدقكم القول انني اجبت على كل هواجسها بأن اخذتها بالاحضان .. ولم اشاء ان افك اضلعها عني حتى أوصل لها كل احترامي وتقديري ومن كل نساء السودان .. انها رمز لكفاح المرأة السودانية .. انها رمز للطهارة والنقاء .. وشق الطريق للكسب الحلال .. والابتكار والمجاهدة بتنوع المهن .. سلمى لم تشاء ان تكون متراصصة ضمن ستات الشاي الكثر .. ولم تشاء ان تكون بايعة للفول والتسالي .. فكثير من المهن اكتظت .. وما عاد ريعها يكفي رمق هذه الاسر قليلة الحيلة مع ضغوطات الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة .. سلمى ارادت ان تبتكر مهنة .. وان تتفرد بمزاولتها تحت ظل شجرة ظليلة .. * قالت لي سلمى كنت في بداية عملي اجلس تحت اي ظل " وارقع " أرف بيدي للصغار ملابسهم المدرسية واثبت لهم الازرة المخلوعة .. وارقع لهم ما تمذق .. ورويدا رويدا كانت تحويشتي التي اقتطعتها من هذا العمل اليدوي تمكنني من دفع قسط ماكينة الخياطة وقد كان ذلك حلملا يراودني .. اولا لتجويد خياطة تلك الاردية والمريول الممذق بجودة .. فزبائني الصغار يستحقون ذلك .. وثانيا لاقلل الرهق على جسدي ولانجز الكثير . * قلت لسلمى .. ألا يرهقك حمل الماكينة ذهابا وايابا لمنزلكم الذي يبعد كثيرا عن مكانك تحت هذه الشجرة الظليلة .. قالت نعم .. ولكن ولله الحمد فقد يسر الله لي صداقات بأهل الحي واللذين اعتبرهم أهلي وناسي وذبائني .. فقد طلب منى احدهم ان اترك عندهم ماكينة الخياطة لاخذها كل يوم صباحا .. خاصة احيانا تكون في امطار او الجو ساخن وحملها يرهقني .. لكن الان وفي كثير من الاحيان اجد ماكينتي وقد احضروها لي تحت الشجرة وفي كثير من الاوقات يقوم نفس العيال الصغار بارجاعها لمنزلهم حتى يوم الغد .. وقبل ان تغيب اخر اشعة من شمس النهار وقبل ان يحل الظلام ياتوا لياخذوها ويحفظوها .. * قلت لسلمى .. كم ايرادك اليومي .. سلمى التي لم تغادر الابتسامة وجهها المكسو بحمية بنت البلد الاصيلة .. الخجولة القنوعة .. الحمدلله هي تتفاوت يوما عن الاخر وبقدر ما تكون قليلة تتراوح ما بين 30 الى 60 جنيه .. لكنها كثيرة لانني اقضى وقتا ممتعا وانا اجتهد لتعود مريول الصغيرة مرتب او قميص على بازراره المثبتة باعتناء .. وزبائني يتزايدون الامهات احيانا اخيط لهم اطراف اثوابهم وبعض الاحيان الاباء ياتون لي بقمصانهم او جلاليبهم البيضاء لخياطة فتق او تقصير اطوالها .. وهكذا يزداد العمل وترتفع حصيلتي اليومية والتي تساعدني في تحمل جزء من اعباء اسرتي الكبيرة امي وابي واخوتي .. * حيوى معي سلمى شجرة النخيل الشامخة .. والتي لم تفارق ابتسامتها وجهها الخجول .. انها احد القامات الشامخة التي تستحق التقدير وان نشد على اناملها التي تعتني بمريول المدرسة لتحفظ لهم ما وجههم حتى ميسرة .. عواطف عبداللطيف اعلامية مقيمة بقطر همسة: كم انت رائعة يا سلمى .. كوني بخير ..
التحية لها و هى تخدم اهل لها يعانون ضيق ذات اليد مثلها هنا عنوان التآلف و الرحمة و المودة و التشارك فى قضاء حوائج الناس من انضار قيام جمعية خيرية بى اسم سلمى لدعم هذا التحانن و التعاضد
02-28-2016, 01:56 PM
ايمن الصادق
ايمن الصادق
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 1130
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة