لم يخفَ عن المحللين السياسيين أن أجراس الخطر تدق منذ انفصال جنوب السودان عن شماله. ولكن ما الذي جعل ساسة الجنوب يعيشون الآمال العريضة التي رسمها لهم الغرب، متناسين أو متجاهلين ساعة الصفر؟ أوَ ليس من التمثيل والادعاء أن يخرج وزير خارجية واشنطن بعد عدة أعوام من انفصال جنوب السودان عن الشمال بدعم ثقيل من إدارته، وبكل الطرق الدبلوماسية والاستراتيجية والمادية، ليقول إن مستقبل دولة الجنوب الحديثة يواجه خطرًا مخيفا، متجاهلا حقيقة أن بلاده هي التي خططت لذلك؟ وتكتب صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا مطولا بعنوان: “بعد أن ساعدنا في تأسيس جنوب السودان نكاد الآن نفقده”. وفي نفس الوقت ذكر مقال في الصحيفة "أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لم تفاجأ بتدهور الوضع في جنوب السودان، وأن الخبراء والمستشارين كانوا على علم بالسيناريو الحالي وهو الصدام بين رياك مشار وسلفاكير!!! .
إن هذه التصريحات تميط اللثام عن خبث تاريخي مارسته أمريكا تجاه دولة صديقة طالما ربطتهما مصالح استراتيجية سياسية ودينية تمثلت في إقامة علاقات مع حركات التمرد بالسودان عبر توفير الأسلحة والعتاد، بجانب الدعم الإقليمي من أصدقاء واشنطن للحركة، مستخدمة سلاح الدعم للجنوب في الحرب والسلام عبر الدعم المالي والعسكري سرا عن طريق مصادر متنوعة بما فيها بعض منظمات الاغاثة التي تعمل في البلاد، مثل جمعية البارونة البريطانية الشهيرة التي دعمت حربا دينية قادتها الحركة الشعبية ضد الشمال بدعوى أن حكومة الخرطوم دينية متطرفة، وقدمت دعما ماليا سنويا يُقدر بمليار دولار للجنوب، صرفت في تعزيز القدرات العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان بهدف زعزعة الشمال، وبذلك كان تقارب واشنطن مع حكومة الجنوب تقارب مصالح متبادلة وسعيا لتحقيق أهداف أمريكا وحلفائها في المنطقة،
من ناحية أخرى نجد أن تفشي الأمية وانحسار نسبة التعليم والثقافة بين الجنوبيين حال دون استيعاب الجنوبيين بما في ذلك ساستهم للسيناريو الخبيث وراء فصلهم بل خذل طموحهم نحو بناء دولة مستقلة إذ تسبب انحسار نسبة التعليم والثقافة بينهم في عدم القدرة على سبر غور الخبث الغربي ونظرته للجنوب وتخطيطه المستقبلي. ففي الوقت الذي ظن الجنوبيون أن أمريكا التي سعت إلى فصلهم عن الشمال سوف تجعل من جوبا واشنطن أخرى، ومن واو وملكال لوس انجليس وشيكاغو كانت أمريكا وحلفاؤها ينظرون إلى المنطقة نظرة احتلالية معتمدين في تنفيذ مخططهم على التفرقة والتجزئة والتقسيم على أسس عرقية وطائفية ومذهبية لتحقيق أهدافهم. فحلم الجنوبيون ـ بناء على وعود الإدارة الأمريكية لهم ـ بالتعليم والصحة والأمن والتنمية الشاملة. ومنحهم الثقة في تلك الوعود الدور الإنساني الذي قامت به الكنيسة تجاههم طوال أربعين عاما مقابل تجاهل حكومات الشمال لهم. فما هو السيناريو الخبيث الذي رسمته أمريكا؟ إنه المشهد الدامي الحالي . تجريد دولة جنوب السودان من قوميتها ووحدتها تمهيدا لعودة السيطرة الاستعمارية الغربية على هذه الدولة الغنية بكل ثرواتها، تحت مسمى الحماية. نعم تحت مسمى الحماية. فأمريكا تنتظر هذا الصدام الدامي بين الجنوبيين لكي تدخل الجنوب بأممها المتحدة من بوابة حقوق الإنسان وحقن الدماء وو…...إلخ وهذا هو ديدنها في استلاب أطماعها. وكما فرضت نفسها على العراق تحت شعارات حقوق الإنسان فهي على خشبة نفس المسرح لتسرق نفط الجنوب.
والآن تخرج واشنطن بتصريحات تعلن فيها تنصلها عن كل اتفاق سابق لها مع دولة جنوب السودان، وتعلن أن جنوب السودان دولة فاشلة محملة أطراف الصراع في هذا البلد مسئولية الفشل وذلك استعدادا لتنفيذ السيناريو الخبيث، والذي لاشك سوف يفقد الجنوبيين الثقة في الإدارة الأمريكية وربما في مجلس الكنيسة وهو سيناريو ليس مستبعدا أو جديدا بل هو بارز على خارطة أطماع أمريكا دوليا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة