قال السيد كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي (إن رأى اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية دون المساس بصلاحيات جهاز الأمن و المخابرات، كان محبطا و غير مشجع لمستقبل تنفيذ مخرجات الحوار، و إن التعديل الذي أدخلته اللجنة علي مادة الحريات مخلا و ناسفا لمستقبل الحريات في السودان، و إن المادة كان مرجو منها حماية الحريات بالدستور، لكنها أضعفت بإحالتها من اللجنة إلي نصوص في القانون من الصعوبة أن تمر قوانين تحمي الحريات في ظل البرلمان الحالي) و هل السيد كمال عمر لا يعرف كيف يفكر رفاق الأمس، أم إنه كان غائبا عن الوعي، أو إنه يعتقد إن راية الحريات التي يرفعها اليوم سوف تغيب حقائق التاريخ، و متي كان العقل الشمولي يقر بالحرية إن كانت نصوصا في الدستور أو في القانون. و متى كانت الإنقاذ أوفت بقسمها، إن نظام الإنقاذ ليس نظام سياسيا يمكن أن يلجأ للحوار لحل المشكل كمبدأ، إنما يلجأ إليه للبحث عن مساومة يمكن أن تخفف عنه الضغط، أو لكسب الوقت، و لكن من الصعب أن يجري التفكير في عملية تغير جوهرية تؤدي إلي تعددية سياسية، باعتبار إن النظام تحكمه عقليات عسكرية و أمنية إذا كانت عناصر جاءت من المؤسسات الغسكرية أو عناصر مدنية تم عسكرتها، هذه العقليات ترجع ثقافتها لمرجعيات شمولية ليس فيها مساحة تستوعب قضية الحرية و الديمقراطية. و لا حتى السيد كمال عمر و حزبه تراجعوا عن قناعتهم عن نظام الحزب الواحد، كان يمكن النظر للقضية بعقل مفتوح إذا كان بالفعل إن المؤتمر الشعبي قد أجرى مراجعة فكرية حول تصوراتهم حول دولة الحزب الواحد، و لكنهم لم يفعلوا إنما الموجود عندهم الآن شعارات أقرب للمناور السياسية منها، إلي التحولات الفكرية . من أهم إدارة الأزمة، التعرف كيف يفكر خصمك، لأنها تشكل حماية من المفاجأت، و كيف يغيب علي بال السيد كمال، إنه يتعامل مع خصم يشاركه ذات المرجعية و ذات المنهج، و يتفنن في استخدام أدوات الفلسفة البرجماتية، بذات القدر التي يجيدها السيد كمال و حزبه، فالعقليات التي بنت صروح الشمولية و أسست جيوشا مختلفة و متنوعة من سياسيين و عسكريين لحماية النظام، سوف لن تأتي في لحظة ضعف أن تصبح غيورة علي وثيقة ديمقراطية، و لا يهمها إذا كانت أعلنت التزامها بالتنفيذ أو لم تعلن. قيادات الإنقاذ لم تغير طبعها و لم تغير قناعاتها و لكن الآخرين أمام ضعفهم يغيروا قناعاتهم و يطالبون الآخرين بتغيير هذه القناعات " الموت مع الجماعة عرس" و هي الثقافة المحبطة. و الملاحظ إن أغلبية الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني الذي جرى في الخرطوم، لم يشغلوا أنفسهم كثيرا بتنفيذ هذه المخرجات، إنما تجد قلوبهم معلقة بقضية تشكيل الحكومة، و هؤلاء أعطوا صكوكا بيضاء للمؤتمر الوطني أن لا سألوا عن كيفية التنفيذ، بل للمؤتمر الوطني و الرئيس حرية التنفيذ. و إن تأكيد الرئيس في عدد من خطاباته إنه سوف ينفذ المخرجات، هو تأكيد لا يختلف عن تأكيده إنه لن يترشح عام 2015، و تأكيد كان علي الهواء، فالرئيس عرف بالنكوص عن وعوده دون حرج في ذلك. الغريب في الأمر، إن قيادات المؤتمر الوطني تعرف إن وعد الرئيس لا يعول عليه، و يمكن أن يتراجع عنه في أية لحظة، و لكنهم يبنوا إستراتيجيتهم علي الفصل بين الرئيس و حزبه، و هي إستراتيجية معطوبة، فاللقاء الذي تم بين الرئيس و الأمين العام للمؤتمر الشعبي يوم الثلاثاء الماضي كما أفصح عنهم بيان الحزب، هو لقاء ضمن هذه الإستراتيجية، و لم يقدم جديدا، و من خلال سطور البيان إن المؤتمر الشعبي سوف يشارك في الحكومة، و إن تأكيد الدكتور علي الحاج لعدم المشاركة في حكومة الوفاق "لقناة الجزيرة" إذا لم يجيز البرلمان وثيقة الحريات في الحكومة، أيضا لا يعجز الحزب عن إيجاد التبرير له. فالعقليات الشمولية لا تصنع ديمقراطية أو تكون الحريات من أجندتها، فهي معركة أنصرافية لن تغير من الوقع السياسي السائد شيئا. و نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة