موضوع الإفتاء، والذي أثاره الأخ الأستاذ فيصل الدابي المحامي، كان هاجسي لمن كان يتابع كتاباتي، مناهضاً إياه وباحثاً عن الرؤيا فيه طوال الخمس عشرة سنةٍ الماضية، بوصفه بدعة من مبتدعات علماء السلطان بعيداً عن أصل الدين والعبادة والتي نص عليها المعبود واضحاً في كتابه الكريموهو من أمراض الدين السياسي، والإثنين لا يتفقانوهذا الموضوع جاء في الوقت الذي يقوم العالم كله لمحاربة التشويه الذي عاثت به داعش فساداً وإثماً مبنياً على هذا الخطر اللعين، الإفتاء، وكيف أن الإنسان لا يصلح للتشريع في أعماق فلسفة الحياة ودواعيها وأهدافها، فالعقل البشري قاصر لمعرفة وتفسير أخلاقيات الحياة، والتي علمها لدى الله وحده وما نعلمه منها ما أنزله هو مخاطباً عقولنا وضمائرنا بدون وسيط.وسأسعى للتصدي لكل تلك التشويهات ما استطعت، وأسأل جميع الإخوة السعي لبذل جهود مماثلة لإزالة هذا التشويه الذي نحن أولاً وأخيراً مسئولين عنه، ولا يجوز لنا لوم الآخرين لكنس أوساخ ديارنا.فالدين هو الخلق الأمين والحق المبين، الأمر فيه من الله تعالى والحساب فيه لدى الله تعالىوالسياسة هي السلطة وكيفية بلوغها لحمل وتنفيذ رغبات من يفوضها وحمايته من مخاوفه، والتفويض والتنفيذ فيهما خياراتٍ عدة تتفاوت في مدى إنصافها ومدى ظلمها للجماعة أو الأفراد أو البعضلذا يترك مسارها لخيار الناس، مع عدم التعدي على حقوق بعضِ على البعض الآخر، وهنا في هذا الالتزام يكون دور الأخلاق والمبادئ، وهو دور الدينفمثلاً، في حياتنا وتجربتنا في الدين السياسي: حرب الجنوب وحروب دارفور والأنقسنة وجبال النوبة وشرق السودان، وثورات العاصمةحرب الجنوب كانت أساساً حرب تبشيرية، وذلك غير مقبول في الإسلام، ورد في كثير من الآيات واضحاً، أوضحها "فذكر إنما أنت مذكر @ لست عليهم بمسيطر @ إلا من تولى وكفر @ فيعذبه الله العذاب الأكبر@ إن إلينا إيابهم @ ثم إن علينا حسابهم" سورة الغاشيةأما بقية الحروب فهي قتل للسيطرة، وليست السيطرة من مبررات القتل لدى الله تعالى، ولا يوجد لها نص في القرآن الكريمولم يحتوِ نص الكتاب الكريم على وصاية أحد بتفسير وتأويل كلماته ونصوصه، وإنما تركها للعبد حسب فهمه وضميره ومدى سعيه للتعرف على معانيه ومفهومها في قوله تعالى "إنا يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر" سورة القمر"ولا يهمل ذلك الاهتمام بالعلم بالشيء ولا الجهل به، فالدين النصيحة، و "أمرهم شورى بنيهم"، وأهل العلم في كل مضارب العلم ينورون العقول، فعلماء اللغة يساعدون في تفسير الكلمات والتعابير، وعلماء الطب يبينون لنا حدود الأذى الجسماني والنفساني لفهم استطاعتنا، ويساعدوننا في الحفاظ على نسلنا، وعلماء القانون والمنطق يبينون لنا حقوقنا وواجباتنا في المجتمع.... إلخفقال تعالى في سورة الإسراء، آية 15 "من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن يضل فإنما يضل علها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا": هذه الآية تشمل كثيراً من عبر الإصابة والخطأ، فهما يأتيان بالقناعة، يصبح الشرط الأول: القناعة، وفي القناعة إما هدايةً أو ضلالاً، وهي رهينة العبد المقتنع، وهي هبة الله للفرد: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" سورة القصص، وقوله تعالى "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ..."سورة البقرة وبذا يصبح الشرط الثاني: الهداية من الله تعالى. وفي وقوله تعالى "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" سورة الزمرويكون الشرط الثالث الرسالة والإنذار، وهي رسالة الله تعالى يبلغها الرسول للعبادأما لفظ العلم كما ورد في القرآن الكريم، فهو العلم والقناعة بالشيء بالبحث والتحري، وبهما يتأتّى لك التفهم أو "التفسير"، وهو إيضاح الدليل بعلم المنطق. وفي نظرية إثبات الدليل المتفق عليها للفيلسوف ’كواين‘ في القرن 20: أنه ما أحسسته بحواسك الخمس، والذي تم تطويره بواسطة الفلاسفة ’كوني‘ و’فلزمان‘ بإضافة القناعة الكاملة عقلاً (أي الحاسة السادسة، ومنها الفطرة والعقيدة)ولا توجد في البيّنة "أو الدليل"، ولا في منطق إثبات الدليل، لا في رسالة الله تعالى ولا في فلسفة البشر (المنطق، والتفكّر، والفطرة)، ما ينص أو يشير إلى نقل قناعة فرد لفردٍ آخر لتعديل قناعته، أو هدايته، إلا الله تعالى لمن يشاء من عبادهوبذا جعل الله تعالى الفرد وحده مسئولاً عن فهمه واستيعابه وسعيه للعلم، وقضى الله تعالى نجاح ذلك الفرد وفشله في الهداية أمراً يقدره هو لوحده، وحذر في ذلك في آياته البينات، منهاسورة النور، آية 42 "يوم تشهد عليهم السنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون"، وسورة المدثر، آية 38 "كل نفسٍ بما كسبت رهينة"، وسورة الإسراء – آية 15 "مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"فالإفتاء والفتوى تصح فقط في الآتي: عندما يطلب الحاكم تفسير النصوص حسب رأي الجماعة أو ما يراه مقنعاً له على ذمته في تطبيق الشرع في الأحوال الشخصية والحقوق والواجبات بين الفرد والجماعةأو عند طلب فردٍ او جماعة رأي عالمٍ أو نصيحة منه، للتنوّر به أو بها، ولا تحمل معها إلزاماً عليه باتباعها، إنما يكون بعدها مسئولاً أمام ربه بمدى استجابته لقناعته مثلها مثل أي علمٍ يعلم به العبد ويكون مسئولاً بموجبه أمام ربه ويسري هذا الحديث بالطبع على مكتوبي هذا، فما أردت به تحوير ولا إفتاء، إنما قد يساعد الفرد على التروي في تصريفه تلك الأمور الخطيرة التي ينبني عليها إيمانه وهداه، وبإزالة الشوائب من رؤياه قد يصيب علماً وقناعةٍ تنقّي إيمانه، ويكون سعيه في ذلك، مهما أصاب، مأجورُ لدى ربه لسعيه وخوفه من الانزلاق في الضلال وظلم العباد أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة