عندما التحقنا للعمل بوكالة السودان للأنباء في مطلع الثمانيات من القرن الماضي ، وقع حظي التعيس أن أعمل ضمن قسم البحوث والاحصاء والمتابعة. وكانت الفكرة بلاشك رائعة وبالتأكيد اقتبست من جهة ما ، لكن لسوء الحظ لم يعر احد اهتماما لتلك الفكرة ، وعندما بدأت العمل اوكل الينا القيام بعمل بحث عن الهجرة الداخلية في السودان.. السلبيات والايجابيات. وكنا فريق مكون من 4 من الشباب من الجنسين ، وقد ابلينا بلاء حسنا لإتمام هذا العمل الرائع والجبار ، وقد استفدنا من خبرات جامعة الخرطوم ومصلحة الاحصاء في بعض الامور الفنية ، لكن والحمد لله اكملنا العمل بكل احترافية وجد واجتهاد.
وبعد انتهاء العمل تم توزيعه للوزارات والمؤسسات الحكومية والمشتركين ، وقد كانت ردود الفعل ايجابية ، وخاصة من مجلس الوزراء في ذلك الوقت ، حيث ارسل إلينا على ما اظن الوزير او الوكيل رسالة شكر واعجاب تقديرا لها العمل الجبار ، وقال فيها انهم في مجلس الوزراء حاولوا كثيرا في ذلك وفشلوا ونحن قمنا بما يجب ، وطلبوا منا 50 نسخة اضافية . وقام الاستاذ مصطفى امين مدير عام وكالة السودان للأنباء بتصوير هذه الرسالة ووضعها في مختلف لوحات الاعلانات بالوكالة . فاذا بالموظفين والمحررين بالوكالة لم يكونوا يدرون بأن الوكالة بها قسم للبحوث , وقد قام بهذا المجهود الجبار ، بإمكانيات بسيطة ولاتذكر سوى مرتباتنا و الترحيل من قبل الوكالة.
ومن الطرائف أن احد الموظفين لدينا بالقسم لم يكن يدري ماهي البحوث ، وكيف يتم تعيين محررين او باحثين وتصرف عليهم مرتبات ، وكان يتخيل اني مجرد عاطل احصل على راتب دون عمل ، حيث أني سوى عالة على الوكالة وحكومة السودان وكان دائما يلومني ويسالني حرصا على المصلحة العامة لماذا اني اجلس بدون عمل ، ظنا منه اني جئت بالمحسوبية حتى اضايقهم في المكان. سامحه الله !!!
وبعد النجاح منقطع النظير للبحث الاول ، طلب منا القيام ببحث حول مدى نجاح تجربة الحكم الذاتي الاقليمي في جنوب السودان ، وبالفعل بنفس الحماس السابق قمنا بالإعداد لهذا العمل الكبير ، وقد اعددنا كافة الاعمال النظرية والخاصة بذلك ، وكان يتطلب الامر ضرورة السفر إلى الاقليم الجنوبي حتى نقوم بعمل المسوحات والبحوث العملية على الطبيعة ، ولكن لسوء الحظ جلسنا قرابة السنة وأكثر ولم يعرنا احد اهتماما ، حتى تركنا العمل واحدا تلو الآخر منا من هاجر ومنا من ترك العمل بالوكالة. بسبب عدم توفر ميزانية ، ميزانيات كان تصرف على ضابط امن واحد وتوفر له سيارة وسلاح وبدلات لمدة شهر واحد.
وحكاية البحوث في السودان وغيره من البلاد العربية والافريقية مضحكة ومأساوية ، حيث لاتوجد ميزانيات وإن وجدت ميزانيات واجري البحث ، سيصبح عبارة عن ورق يرمى بعيدا مثل غيره لايستفاد منه في تطور البلاد والعباد. واسرائيل الدولة الصهيونية واليهودية الغاشمة المحتلة ، تعتبر الدولة الاولى في العالم في مجال الصرف على البحث العلمي ، منذ أن تأسست وإلى الآن. لذلك معها حق في الانتصار على من حولها. ونحن لسه نسأل أنت شايقي ولا دنقلاوي ولا من الحمر أو الرزيقات.
وعلى رغم من هذه الصورة القاتمة أُدرجت مؤسسة بحثية سودانية ضمن قائمة ضمت 45 مركزاً، ومؤسسة بحثية في العالم، حيث مُنح (معهد الغد) السوداني الترتيب الـ 18 في "تقرير مؤشر مراكز البحوث العالمي لعام 2016، وقال وضاح فضل مؤسس ورئيس المعهد: إن الهدف الرئيس من تأسيس المعهد هو "إنشاء وتطوير وإدامة منصة فكرية للمساعدة في التصدي للمشاكل الملحة، والمتجذرة في السودان، والمنطقة؛ من خلال نهج علمي مدروس بشكل جيد ومستدام، وأسس فضل- الذي درس هندسة الاتصالات في جامعة الخرطوم، وإدارة الأعمال والإستراتيجية في جامعة هيريوت وات البريطانية- المعهد عام 2015، وحسب نظام تأسيس المعهد فإنه يسعى إلى شراكات مع الجامعات السودانية، ويعمل مع الطلاب في سنوات دراستهم الأخيرة؛ ليستخدم أبحاثهم في معالجة قضايا ذات صلة بالتحديات الرئيسة في السودان. وهذا الشاب يجب الوقوف معه ودعمه بدلا من شراء دبابات وطائرات انتونوف.
يعتبر البحث العلمي هو اساس اي تطور ، والدولة التي تنشد التقدم والتنمية يجب عليها ان يصرف على العلم والعلماء . ومن الطرائف أن قامت شركة الاتصالات نوكيا بفصل 11 الف موظف من قسم الابحاث والتطوير لأنهم لم يستطيعوا التنبؤ بالمستقبل. لو قامت جهة ما عندنا بذلك بلاشك سيقولون هؤلاء مجانين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة