في هذا الزمان إذا سمعت أحدهم يقول لك ( ياخي إنتا و الله زول طيِّب ) ، عليك فوراً بمراجعة ما ربط بينك و بينه من معاملات خصوصاً إذا كانت متعلقة بحقوق و واجبات مالية ، إذ أنه في أغلب الأمر ستكون قد تخليت عن كثير من الذي لك عنده ، إما بفعل الغفلة أو الخطأ الحسابي أو شيء آخر مما يُقال عنه ( في نفس يعقوب ) ، ففي عصرنا الحالي الذي تعتبر ( الذاتية ) أهم سماته إضافةً إلى الجنوح الفطري تجاه تحقيق المكاسب الشخصية و لو على حساب الغير و المصلحة العامة ، فضلاً عن عدم الإكتراث لأن يكون الكسب المادي أو الوظيفي أو المعنوي حراماً أم حلالاً ، وجب على الغافلين من ( الطيِّبين ) دائماً شدة الحذر و كثرة التوجس من كل حركة و سكنة يبديها الغير تجاهك إيجابيةً كانت أو سلبية ، فالزمان على ما يبدو أصبح زمان الفهلوة و القدرة على مجاراة الواقع بكل ما هو متاح من أدوات بما في ذلك الرياء و الكذب و التضليل و ( نفخ الجوخ ) إن دعا الحال إلى ذلك ، صدقوني لا يستطيع مجمل الناس في وطننا السودان أن يتحققوا ملياً مما آلت إلية حالة الأعراف و الأخلاقيات العامة المتوارثة لأنهم في حقيقة الأمر يدورون في ( محور ) الدوامة التي تمثلها كثرة و تطور تعقيدات الحياة اليومية و إنهاكاتها المتعلقة بالصراع اليومي حول الحصول على لقمة عيش شريفة و لو كانت في مقام الفتات ، فالغلاء الذي إستشرى و آذى كل ذي حالٍ رقيق فضلاً عن رفع الدولة أيديها عن كل أنواع الدعم في مجالات هامة و إستراتيجية بالنسبة للإحتياجيات الأساسية و الضرورة لعامة الناس في مجال المحروقات و السلع الغذائية الإستهلاكية و التعليم و الصحة ، كلها شكَّلت نوعاً من الغشاوة التي تمنع الواقعين في محور الدوَّامة عن التقدير الصحيح و الحقيقي لما حدث في أمر أخلاقيات المجتمع السوداني المتعارف عليها ، و لعل أكثر الناس قدرةً على تبيُّن الفارق و التغيير في هذا المجال هم المغتربين أو الذين قضوا سنوات عديدة بعيدين عن الوطن ، فإذا عادوا وجدوا أن العلاقات الإجتماعية التي كانت قديماً مضرب مثل دولي و إقليمي في مجال التكاتف و التعاضد قد شابتها ( النزعة الفردية ) ، و أن الصدق و الأمانة في المعاملات التجارية و العامة ، حتى و لو كانت مع جهة حكومية أصبحت بقدرة قادر في خبر كان ، و السجون و روادها من الغارمين تعجُ بالشواهد و تؤكد ذلك يوماً بعد يوم ، فإذا إستشرت حالة الفساد في نطاقها الرأسي على المستوى الرسمي و لم تُجابة بالردع الصارم أو الإشارات الواضحة التي تفيد التحقيق فيها و السعي لمحاسبة مرتكبيها ، تبع ذلك بالضرورة حالة من التوجس و الريبة و الرغبة الفطرية في ركوب ( موجة الفهلوة ) و ( الشطارة ) الخدّاعة داخل المجتمع برمته و خصوصاً في إطار التعاملات التجارية و التعاقدات الخدمية و غيرها من الحِراكات الإجتماعية التي طالما أسستها و نظَّمتها مجموعة من القيِّم و العادات و الأعراف و الأخلاقيات تم الإتفاق حولها ضمنياً منذ أمدٍ بعيد .. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن ذهبوا أخلاقهم ذهبت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة