تبدو الأوضاع في الجنوب تتجه نحو مزيد من التأزيم، فبعد أن كانت أقطاب الصراع محددة ومعروفة، تشتتت وتعددت حتى صار يصعب إحصاؤها. ومنذ المؤتمر الصحفي المشترك لسلفا كير ورياك مشار، بعد تفجر الأحداث الأخيرة اتضح أن الجنراليْن قد بدءا يفقدان السيطرة على قواتهما، وأن القادة الميدانيين هم أصحاب المبادرة. تحدثت التقارير منذ الأيام الأولى عن أن قوات الحركة الشعبية (الحكومة) صارت في يد الجنرال بول مالونق رئيس هيئة الأركان، خاصة وأنه كان من الرافضين بشدة لاتفاق السلام ولعودة رياك مشار مع قواته. وحين اشتد الضرب والصراع واختفى رياك مشار كان الجنرال تعبان دينق (نائب مشار) موجوداً بالقصر ومتحدثاً بالتليفزيون طالباً التهدئة، وبدا أنه في طريقه لمفارقة رياك مشار، وهذا ما وضح من خطوة الرئيس سلفا كير بتعيين تعبان نائباً أول بالوكالة في مكان رياك مشار. هذا غير انشقاقات متعددة تم الإعلان عنها هنا وهناك تنذر بمزيد من التشرذم والتشتت بشكل يصعب السيطرة على الأوضاع. ربما لم يتعلم الزعيمان الكبيران وتابعوهما دروس التاريخ، أنه ومهما كانت حدة الخلاف؛ فمن السهل الوصول لحل واتفاق مع رأس كبير واحد مسيطر على الأمور، في حين يصعب ذلك مع تعدد أقطاب المعارضة. قد يفلح سلفا كير في تفتيت قوة المعارضة بين تعبان دينق ورياك مشار، لكن إن ظن أنه يستطيع الاتفاق مع تعبان وإلغاء وجود مشار نهائياً ففي ذلك وهم كبير. أخطر ما في هذا الوضع هو تجاهل المجتمع الإقليمي والدولي الذي يراقب الأوضاع، وبدأ يسأم من تماطل القادة وهو في نفس الوقت يضع عينه على تدهور الأوضاع ومعاناة المواطنين، أضف لذلك أجندة ومطامع جهات كثيرة قد ترغب في الاستفادة من الوضع الحالي. لا بد أن ينتبه أبناء الجنوب لبعض الأفكار المطروحة على الساحة الدولية والتي تراهن على فشل القيادات السياسية في الجنوب في وقف النزاع، وبدأت في طرح فكرة الانتداب، أو الإشراف الدولي على الحكم في الدولة الوليدة. وتستطيع هذه الأطراف أن تستصدر قراراً من مجلس الأمن بهذا المعنى تستند فيه إلى الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ولن تعدم من يساندها من أبناء الجنوب ومن دول المنطقة. ويكفي أن هذا الطرح جاء من قبل السفير برنستون ليمان المبعوث الخاص للحكومة الأمريكية السابق للسودان وجنوب السودان، ومستشار معهد السلام الأمريكي، وهو قريب جداً من دوائر صنع القرار. اليأس من إصلاح الأوضاع سيدفع جهات كثيرة لتبني هذا الطرح، وسيجد من يسوق له في الإقليم وداخل الدولة الوليدة، ولن ينفع عندها الصياح والتحذير من عودة الاستعمار، لأن الإجابة عند المواطن البسيط المكتوي بنار الحرب ستكون" وماذا كسبنا من الحكم الوطني غير الموت والدمار؟" الرد الوحيد الممكن هو إظهار الرغبة في السلام وتنفيذ الاتفاق والاعتراف بحقيقة الأوضاع الموجودة والتعامل مع القيادات بحسب وزنها الحقيقي، وإلا ما بعد ذلك إلا الانتداب والحكم الثنائي من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة