"وضع سيشنز على عجلة قيادة الوكالة التي يفترض فيها أن تحمي الحقوق الدستورية لكافة الأمريكيين، يجب أن يسبب الرعب لدى أي شخص لديه أدنى إحترام للحريات المدنية، ولنظام العدالة الخاصة بنا" أليس سبيري عندما دعيت لمخاطبة اللجنة الطارئة التي شُكلت في المجلس الوطني، لدراسة لتعديل الدستوري والرد على أسئلتها بخصوص تعديل المادة 133من الدستور توطئة للفصل بين منصبي وزير العدل والنائب العام، كان ضمن ما أبديته من رأي أن الفقرة 2 من المادة 133 (أ) والتي تنص على أن " يرأس النيابة العامة نائب عام يعينه رئيس الجمهورية ويكون مسؤولاً أمامه " لا تلبي طموح التعديل في إنشاء نيابة عمومية مستقلة عن السلطة التنفيذية، واقترحت ان تعدل بحيث يكون تعيين رئيس الجمهورية لشاغل المنصب بناء على ترشيح من مفوضية القضاء، او مجلس القضاء العالي، وأن يكون ذلك التعيين خاضعاً للتأييد بواسطة مجلسي البرلمان في نقاش مفتوح. السبب في اقتراحي ذلك كان بسبب ان رئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية، واذا أردنا منح النائب العام إستقلالية في مواجهة السلطة التنفيذية فيجدر بنا اشراك السلطات الثلاث في تعيينه. ورغم ان اقتراحي بالنسبة لتأييد التعيين الرئاسي بواسطة السلطة التشريعية قد استلهم النظام الأمريكي، إلا ان النظام الأمريكي لا يقتصر في ذلك على النائب العام، بل هو تأييد متطلب بالنسبة لجميع تعيينات الرئيس للمناصب المدنية العليا، وهو نظام قائم على الرقابة المتبادلة بين السلطات والموازنة بين سلطاتها والتي يشار إليها ببساطة بال and Balances Checks ولذلك فتعين الرئيس لشاغل المنصب يقوم على محض إختياره، ولا يتطلب ترشيحه من اي جهة، وعقب تأييد السلطة التشريعية للتعيين يستمر شاغل المنصب في منصبه طالما كان ذلك يرضي الرئيس at the pleasure of the president وهو ما يعني انه يمكن له عزله في اي وقت، وهذا بالطبع ليس ما إقترحته على اللجنه الطارئة، بل إقترحت تحصين المنصب وعدم قابلية شاغله للعزل الا عن طريق اجراءات العزل امام البرلمان impeachment . بينما نحن منشغلون بمناقشة مسألة فصل منصب النائب العام عن منصب وزير العدل، فاجاء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب العالم بإختياره للسناتور جيفري سيشنز الثالث، لشغل منصب النائب العام في إدارته القادمة. كعادة الرئيس المنتخب في كل مل يفعل أو يقول، فقد أثار إختياره لسيشنز لمنصب النائب العام عالم من الخلافات، والذي تمثل في سخط واسع النطاق بين الليبرايين والمعتدلين، في مقابل تأييد شديد الحماس من أقاصي اليمين. تعيين الرئيس لسيشنز لا يضمن له المنصب، لأن عليه أن يخوض حرباً حامية الوطيس في الكونجرس، قد تنتهي برفض التعيين، عند ما يتم عرض التعيين للتأييد. سيشنز نفسه يعلم ذلك تماماً من تجربته الشخصية كما سنرى بعد قليل. يجدر بنا ونحن مقبلون على خوض تجربة منح النيابة العمومية إستقلالها عن السلطة التنفيذية أن ندرس التجربة الأمريكية المليئة بالعبر في هذا الصدد قبل فحص المعركة المتوقعة الآن حول تسمية الرئيس المنتخب للنائب العام الجديد. النائب العام في الولايات المتحدة يحتل منصب النائب العام في الولايات المتحدة موقعاً فريداً بالنسبة للأنظمة المختلفة فرغم أنه يطلق عليه لقب النائب العام، إلا أنه يقود وزارة العدل، ورغم أنه عضو في مجلس الوزراء فإنه يفترض فيه الإستقلال فيما يأخذ من قرارات. وربما كان ذلك هو السبب في أنه لا يطلق عليه لقب وزير أو سكرتير حسب المصطلح الأمريكي الذي يطلق على الوزير. الملاحظ بالنسبة لمنصب النائب العام الأمريكي هو أنه سبق تأسيس وزارة العدل أو مصلحة العدل كما يطلق عليها في المصطلح الأمريكي (department of justice ) ، بما يقرب من مائة عام ففي حين تم إنشاء المنصب في عام 1789 بواسطة قانون الهيئة القضائية Judiciary Act فإن الوزارة لم تنشأ الا في عام 1870 لتقديم الدعم للنائب العام في اداء مهامه وقد حدد القانون الذي انشأ منصب النائب العام مهامه في ان يتولى الإتهام ويباشر كل الدعاوي في المحكمة العليا التي تهم الولايات المتحدة وان يقدم النصح القانوني للرئيس عندما يطلب ذلك. يعين النائب العام بواسطة الرئيس ولكن ذلك التعيين لا ينفذ إلا بعد تأييده بواسطة مجلس الشيوخ الأمريكي والذي يشكل مع مجلس النواب السلطة التشريعية في الولايات المتحدة. يتم تأييد التعين على خطوتين الأولى امام اللجنة القضائية بالمجلس والثانية بواسطة كل المجلس وهو يتولى المنصب pleasure of the President at the في التعبير الدستوري الأمريكي الذي يعني انه يجوز للرئيس في مطلق تقديره وفي اي وقت عزله، لأي سبب او بدون سبب طالما انه لم يعزله لسبب غير مشروع او غير لائق. وذلك لأن مبدأ الخضوع للمحاسبة accountability ، والذي هو أساس النظام الديمقراطي ،يعني أن الرئيس لا يستطيع أن يأخذ قرارته بناءاً على أهوائه السياسية، أو نزواته الخاصة، بل يجب أن يأخذها بسبب أنه يعتقد أنها تخدم المصحلة العامة، حتى ولو أخطأ في تقديره للمصلحة العامة. وهذا ما قاد للإطاحة بجونزاليس في عهد بوش. رضا الرئيس وسقوط جونزاليس مسألة الحرص الأمريكي على إستقلال النيابة تشرحه الأزمة التي أطاحت بجونزاليس في إدارة الرئيس بوش الإبن. إنفجرت المسألة حين نشرت الصحافة ، أن بوش كان قد أخطر جونزاليس في أكتوبر 2006م، النائب العام آنذاك، أنه تلقى شكاوي من قيادات جمهورية بصدد أن بعض وكلاء النيابة لا يوالون إتهامات ضد ديموقراطيين متعلقة بالغش في الإنتخابات وكانت إنتخابات الولايات على الأبواب. كذلك فقد ظهر أن بعض المتنفذين في الإدارة كانوا يرغبون في أن يكون منصب وكيل النيابة في ليتل روك خالياً، ليتولاه جريفين المقرب من كارل روف كبير مساعدي رئيس الجمهورية، وأن تلك هى الأسباب الحقيقية لفصل وكلاء النيابة . عندما بدأت الصحف في إثارة المسألة، قوبلت هذه التصرفات بإستهجان شديد، أدى لتدخل الكونجرس، حيث إستدعى Mcnulty نائب جونزاليس، فذكر أولاً أن الفصل تم لأسباب تتعلق بالأداء ولكنه إعترف في اليوم التالي أن ستة منهم قد تلقوا تقارير مؤخراً تؤكد أدائهم المتميز لأعمالهم، كما وإعترف بأن السابع قد تم فصله فقط لإخلاء خانة لمساعد كارل روف . قال النائب العام البرتو جونزاليس أولاً أن وكلاء النيابة الثمانية تم فصلهم فقط بسبب آدائهم ، وعندا ثبت عدم صحة ذلك ذكر أنه تم لترتيب المنزل من الداخل. ولكنه أضاف أن وكلاء النيابة يستمرون في الخدمة فقط بناءاً على رغبة رئيس الجمهورية،they serve at the pleasure of the president وهذا الرأي تسبب فى إستدعائه أمام الكونجرس لمحاسبته على ما ذكر. وأول ضحايا هذه الفضيحة هو سيمبسون، الذي إستقال إعترافاً بخطئه في هذه المسألة. ولكن جونزاليس رفض الإستقالة، وتمسك بالقرار بإعتباره قراراً صحيحاً، وقد ذكر في مؤتمر صحفي عقده غداة إستقالة سيسمون، أنه لم يرى أي مستندات ولم يشارك في أي مناقشات تتعلق بالفصل، ولكن المستندات التي نشرتها وزارة العدل بعد ذلك أثبتت عدم صحة ذلك، حيث ظهر أنه شارك في المناقشات التي إنتهت بقرار الفصل . وقد إستدعيت مونيكا جودلينج والتي تعمل ضابط إتصال بين وزارة العدل والبيت الأبيض لأداء الشهادة،إلا أنها إستنجدت بحقها في الصمت، بموجب التعديل الخامس للدستور الأمريكي والذي يمنع إجبار شخص على تجريم نفسه . وقد تصاعدت المطالبة بإستقالة جونزاليس من النواب الديمقراطيين، وإنضم إليهم بعض الجمهوريين ،أولهم سنونو عقب شهادة سيمبسون لدى الكونجرس والتى عارض فيها تصريح جونزاليس، بأنه لم يشارك في المناقشات التي سبقت القرار. وقد أدى ذلك لسقوط مزيد من المشاركين في هذه المسألة، أهمهم جونزاليس نفسه الذي إضطر للإستقالة رغم تمتعه بحماية الرئيس. إجراءات العزل لا يفقد النائب العام منصبه فقط بسبب فقدانه لرضا الرئيس عنه، ولكنه ايضاً يخضع لإجراءات العزل حين يقوم مجلس النواب بتوجيه الإتهام له impeachment وتتم محاكمته امام مجلس الشيوخ. إجراءات الإتهام لا تقتصر على النائب العام بل يخضع لها الرئيس ونائب الرئيس وجميع المسؤولين المدنيين في امريكا، وفقاً للمادة الثانية من الدستور إذا تم توجيه الإتهام لأي منهم بالخيانه أو الرشوة، او الجرائم والمخالفات الخطيرة، والتي تشمل سوء السلوك المتصل بالوظيفة كالحنث بالقسم، او إساءة استعمال السلطة، وفي هذه الحالة يقدم المسؤول للحاكمة امام مجلس الشيوخ، فإذا تقررت إدانته بأغلبية ثلثي المجلس يفقد منصبه. وقرار مجلس الشيوخ في هذا الصدد نهائي، ولا يجوز مراجعته امام المحاكم وهو الأمر الذي قررته المحكمة العليا في سابقة نيكسون ضد الولايات المتحدة، حيث اشارت المحكمة الى أن الطبيعة السياسية للمحاكمة يجعلها من المسائل التي لا يجوز حسمها في المحاكم. قد تم اللجوء إلى تلك الإجراءات في مواجهة عدد من المسؤولين الأمريكيين، ولكن بالنسبة للرؤساء فإن التصويت على الإتهام قد فاز في مجلس النواب بالنسبة لرئيسين فقط، هما الرئيس اندرو جونسون، والرئيس بيل كلينتون، ولكن مجلس الشوخ في الحالتين قرر براءة كل منهما من الاتهام. اما الرئيس نيكسون فقد إستقال قبل التصويت على توجيه الاتهام له في مجلس النواب، لعلمه بأن التصويت لن يكون في صالحه، وعليه فإنه يصح القول بأنه لم يتم عزل اي رئيس أمريكي بسبب إدانته في مجلس الشيوخ بالاتهامات التي وجهها له مجلس النواب. المنصب والصعوبات المتكررة شهد عهد الرئيس أوباما شخصين مختلفين في منصب النائب العام ولم يكن ذلك بإرادة الرئيس. عين الرئيس أوباماعقب فوزه بالإنتخابات الرئاسية عام 2008 إريك هولدر الذي كان جزء من حملته الإنتخابية نائباً عاما، ولكن هولدر فقد وظيفته لسبب لا يد للرئيس فيه. أجرى الكونجرس تحقيقاً في عملية قام بها منسوبو مصلحة العدل بغضهم النظر عن عمليات بيع غير مشروعة للسلاح، بغرض التوصل من خلال تتبعها للقبض على عصابات مكسيكية ضالعة في بيع وتوزيع مخدرات، وهى عملية انتهت تفشل ذريع. في أثناء التحقيق طلب الكونجرس مده ببعض المستندات فرفض هولدر ذلك، مما أدى لإدانته بإزدراء الكونجرس، ومن ثم فقد فقد وظيفته. حالياً تتولى المنصب لوريتا لينش وهي اول إمراة سوداء تتولى المنصب وقد تم تأييد ترشيح الرئيس اوباما لها لتولى المنصب بواسطة مجلس الشيوخ في ابريل 2015. لم يكن تأييد مجلس الشيوخ لتعيينها مسأله روتينية بل شابته صعوبات بسبب دورها في التسوية التي توصلت لها وزارة العدل مع مصرف HSBC في الاتهام الموجه للبنك بالضلوع في عملية غسيل اموال بلغت قيمتها 1,9 بليون دولار . كذلك فقد وجهت لها انتقادات بسبب تأييدها لما يعرف بالمصادرة المدنية، وهو اجراء مختلف حول شرعيته، يمنح لرجال الضبط ان يقبضوا على اموال بسبب اعتقادهم بان لها علاقة بجريمة او نشاط غير مشروع، وفي هذه الحالة يتوجب على صاحبها لإستردادها ان يثبت ان المال المعني لم يكن متورطاً في أي نشاط إجرامي. ويرى الكثيرون أن هذا الاجراء غير دستوري لانه يمنح رجال الضبط سلطة قضائية ويقلب عبء الاثبات .عموماً فرغم ان تأييد تعيين لينش قد تأخر عن الزمن المعهود الا انه في النهاية تمت المصادقة على تعيينها.
من هو سيشنز؟ سيشنز هو العضو الأصغر من عضوي الاباما في مجلس الشيوخ الأمريكي. معلوم ان أي ولاية تُمثل بعضوين في مجلس الشيوخ بغض النظر عن عدد سكانها، وهو حكم في الدستور الأمريكي غير قابل للتعديل. الأقدمية في عضوية المجلس بين عضوى المجلس اللذان يمثلان ولاية بعينها تضفي على من يتمتع بها مزايا عديدة، ليس من أغراض هذا المقال الخوض فيها.عمل سيشنز كوكيل نيابة للمقاطعة الجنوبية لألاباما في الفترة من عام 1981 وحتى عام 1993. في عام 1994 تم إنتخاب سيشنز كنائب عام عن ولاية الاباما. وفي عام 1996 إنتخب عضواً في مجلس الشيوخ عن الاباما. وقد أعيد إنتخابه في جميع الدورات التي تلت ذلك، حيث تنتهي ولاية السناتور بمرور ستة سنوات على إنتخابه. إحتل سيشنز أثناء عضويته في مجلس الشيوخ مركزا متقدما بين غلاة اليمينيين من الجمهوريين في عضوية المجلس، وقد أيد جميع سياسات جورج بوش الخلافية، ومن ضمنها غزو العراق. وقد كان تقاعد ثلاثة قضاة في المحكمة العليا أثناء ولاية أوباما قد منحه فرصة تعيين ثلاث بدلاء وقد عارض سيشنز ترشيحات أوباما الثلاث. نتيجة لكل تلك المواقف اليمينية المتشددة فقد كان ضمن الذين تم البحث في معسكر ترامب في إختيار أحدهم ليتم ترشيحه كنائب لترمب في الإنتخابات الرئاسية، وان كان الرأي قد إستقر في نهاية الأمر على إختيار مايك بنس. المحاكمة في سيلما دخل سانشيز إلى مسرح الأحداث القومية لأول مرة بسبب دوره في محاكمة تيرنر وزوجته الناشطين في حركة الحقوق المدنية في عام 1985، والتي جرت في سيلما، من بين كل المدن، بثقلها التاريخي المعادي للعنصرية، حيث قام سيشنز بتوجيه الإتهام للسيد تيرنر وزوجته إيفيلين بإعتباره وكيل نيابة المقاطعة الجنوبية لألاباما بإرتكاب غش إنتخابي، وهو دور لعب دوراً مهما في تاريخ سيشنز المهني، وقد يلعب دوراً أهم في الأيام المقبلة. تبدأ القصة حين إختبأ بعض أعضاء الشرطة في الأشجار المحيطة بمكتب بريد مقاطعة بيري في إنتظار حضور تيرنر وزميل آخر للمكتب بغرض إرسال أصوات 500 ناخب بالبريد في الإنتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في عام 1984. عند ما غادر تيرنر وزميله المكتب قبضت الشركة على المظاريف، وتم على وجه السرعة إرسال عشرين من المصوتين بالبصات الى مدينه اخرى للتحقيق معهم في ظروف ادخلت في نفوسهم الخشية، لدرجة ان احدهم انكر انه أدلى بصوته. وجه السيد سيشنز لتيرنر وزوجته تهم تتعلق بالغش الانتخابي تصل عقوباتها لمانه عام من السجن. وهى اتهامات لم يتم إستخدامها من قبل في اي دعوى ضد ناخب أبيض، وقد انتهت المحاكمة بالحكم ببراءة تيرنر وزوجته من تلك الإتهامات. خبرة سيشنز السابقة في الحصول على تأييد المجلس من بين كل الناس فإن سيشنز نفسه سيكون الأقل إطمئناناً على انه سيتولى منصب النائب العام، بسبب خبرته السابقة في رفض الكونجرس لتعيينه. فى عام 1986 بعد أربعة أشهر من شطب الدعوى ضد تيرنر وقع إختيار الرئيس رونالد ريجان عليه ليتولى منصب قاضي الفيدرالي الجزئي لمقاطعة جنوب الاباما، ليصبح ثاني شخص يتم رفض تعيينه بواسطة الكونجرس، في الخمسين عام الأخيرة، حيث رأي الكونجرس آنذاك انه اكثر عنصرية من أن يكون مناسباً للمنصب. عندما عين رونالد ريجان سيشنز ليكون القاضي الفيدرالي للمحكمة الجزئية لولاية ألاباما كان ذلك مثار دهشة مشوبة بالاستنكار من قبل المدافعين عن الحقوق المدنية، فذكر تيد كيندي في تعليقه على ذلك التعيين" ان دور سيشنز في دعوى الغش الإنتخابي في ألاباما وحده يكفي لمنعه من تولي منصة القضاء" وقد كان السماع الخاص بتأييد تعيين سيشنز لمنصب القضاء ملئ بالاحداث غير العادية، منها ان بعض زملائه من وكلاء النيابة في قسم الحقوق المدنية قاموا بأداء الشهادة ضد تعيينه للمنصب، فذكر احدهم وهو جيري هيبرت ان سيشنز ذكر عن منظمتي ACIU و NAACP انهما من قبيل المنظمات التي تلهمها الشيوعية والغير أمريكية،( un-American) وهو تعبير شاع استخدامه على يد لجنة مكارثي سيئة الذكر التي طاردت الفنانين والعلماء بدعوى نشاطهم المعادي لأمريكا في الخمسينات. وذُكِر رأيه عن جماعة كوكلكس كلان العنصرية، التي كانت تمارس ممارسات عنصرية بالغة الوحشية، منها شنق الزنوج المتهمين بجرائم ضد البيض بدون محاكمة، وكان رأي سيشنز عن تلك الجمعية انه لا بأس بهم لولا أنهم يدخنون الحشيش. كما ذكر عن جيم بلاكشير وهو محامي ابيض متخصص في دعاوي الحقوق المدنية، انه عار على جنسه. في حين شهد وكيل نيابة مساعد اسود على ان سيشنز كان يشير اليه بلفظ "ولد" وهو لفظ شاع استخدامة عند السادة البيض وفي نهاية الامر فقد صوت الكونجرس على رفض تعيين سيشنز وكان هذا هو اول رفض لتعيين مرشح لرونالدريجان. من سيلما لمونتجمري ولكن يبدو ان هذه الآراء التي كانت سبباً في رفضه في المرة الأولى هي السبب في إختياره هذه المرة لمنصب أعلى، فها هو ترمب يصرح بانه لو تم تأييد تعيين سيشنز فسيكلفه بالتحقيق في نشاط مجموعة " أرواح السود تهمنا " وهى مجموعة حقوق مدنية تهدف لوقف عنف الشرطة ضد السود. ورغم ان سيشنز معروف بمعارضته لعدد من القوانين التي تمت إجازتها لتدعيم الحقوق المدنية، إلا ان دوره في المحاكمة التي جرت في سيلما ضد الناشطين من أجل ممارسة الملونين لحقهم في الإنتخاب وفق قانون حق التصويت يكتسب أهمية خاصة، لدور تلك المدينة في الكفاح المرير الذي جعل إقرار حق التصويت للإثنيات غير البيضاء ممكنا. كان قانون حق التصويت والذي صدر عام 1965 ليعطى كل المواطنين الأمريكيين بغض النظر عن لون جلدهم الحق المتساوى في التصويت، نتيجة لجهاد طويل قاده الشعب الافريقي الأمريكي بقيادة مارتن لوثر كينج كان من ابرز معالمه المسيرات الثلاث المعروفة بالزحف من سيلما لمونتجمري، حيث كان خط سير المسيرات الثلاث يبدأ من مدينة سيلما الى عاصمة الولاية مونتجمري، وهى مسافة تبلغ حوالي 90 كيلومتر. شهد مطلع الستينات تصاعد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وكانت الا باما مسرحاً لكثير من الأحداث الدرامية التي صاحبت ذلك التصاعد بلغت ذروتها في فبراير 1965 حين أطلق أحد الجنود رصاصة قاتلة على جيمي لي جاكسون، اثناء مظاهرة تؤيد الحقوق المدنية للسود في مدنية ماريون في ألاباما، على أثرها قرر قادة حركة الحقوق المدنية أن يجعلوا من مدينة سيلما الواقعة في مقاطعة دالاس والتي تقع على ما يعرف بالحزام الأسود في الاباما وتشمل البلدان التي يوجد فيها السكان السود بشكل محسوس، مركزا لتصعيد النضال من أجل الحق المتساوي في التصويت. كان إختيار مدينة سيلما ليس فقط بسبب موقعها بل أيضاً بسبب المقاومة الضارية لتسجيل الناخبين السود التي كان يقودها عمدة دالاس ( أو ال Sheriff) في المصطلح الأمريكي، بتأييد من حاكم الولاية جورج والاس، الذي أعلن في خطاب توليه المنصب شعار التمييز العنصري الأمس واليوم وغدا، والذي سيقود اليمين الأمريكي من كرسيه المتحرك بعد إصابته بالشلل نتيجة لمحاولة إغتياله في عام 1972. وفقا لذلك فقد دعا منظمو حركة الحقوق المدنية في سيلما إلى المسيرة الأولى من سيلما إلى مونتجمري في 7 مارس 1965 حيث قامت شرطة الولاية بالاضافة لمن دعتهم الشرطة لمساندتها من عامة الشعب بالهجوم على المتظاهرين فيما عُرِف بعد ذلك بالأحد الدامي وقد ساهم في ذلك نشر صورة اميليا بونيتون احد قادة المسيرة وهى ملقاة على الأرض متأثرة بجراحها بواسطة أكبر وكالات الأنباء مما كان له أبلغ الاثر في موجة الاستنكار التي عمت العالم بأسرة. ورغم ان المسيرة الثانية لم تصطدم بالشرطة رغم إلتقاء الجمعان وجها لوجه في منتصف الجسر في طريق المسيرة على مشارف المدينة، مما كان ينذر بصدام دموي لولا قرار الشرطة بإفساح الطريق للمتظاهرين، والذي قابله قرار قائد المسيرة مارتن لوثر كينج بالعودة إلى الكنيسة التي كانت نقطة إنطلاق المسيرة. ولكن إلتهب الجو بعد ذلك بسبب إغتيال جيمس ريب أحد الناشطين الذين اتوا للإنضمام للمسيرة بواسطة بعض المتطرفين البيض في ليلة المسيرة. أدت أحداث الأحد الدامي ومقتل الناشط جيمس ريب اثر المسيرة الثانية الى تزايد السخط في جميع انحاء القطر. وقد إنعكس ذلك على إحتجاجات متواصلة، ودعوات للعصيان المدني. في ذلك الجو المتوتر رفض حاكم الولاية جورج والاس المعروف بموقفه المعادي للحقوق المدنية حماية المسيرة الثالثة، فتعهد الرئيس جونسون بحمايتها وبالفعل إنطلقت المسيرة في حماية الجيش الأمريكي في مسيرة إستغرقت ثلاثة أيام متوالية في طريق أصبح فيما بعد يعرف بإسم طريق حق التصويت من سيلما الى منتوجومري، ليدخل خمسة وعشرون الف متظاهر عاصمة الولاية يحملون اللافتات ويصدحون بالأهازيج والهتافات التي تدعو لحق التصويت للجميع بقيادة مارتين لوثر كينج الحاصل في العام السابق على جائزة نوبل للسلام . توج كل ذلك بدعوة الرئيس ليندون جونسون للكونجرس لإجتماع مشترك للكونجرس لإجازة مشروع قانون التصويت والذي تمت إذاعته بالتلفزيون. نتيجة لذلك التاريخ المعادي للحقوق المدنية التي غيرت الحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع الامريكي، والذي تمسك به سيشنز طوال شغله لمنصبه في النيابة العمومية، وبعد ذلك كعضو مجلس شيوخ فإن المتوقع أن لا يجد تأييدا سهلاً في مجلس الشيوخ حتى بعد فوز الموجة اليمينية في المجلس. وربما كان ما يمكن الخروج به من التجربة الأمريكية هو أن النصوص وحدها لن تحمي إستقلال النيابة العمومية بل تحتاج لتجذر المبادئ الديمقراطية في الممارسة لتفعل ذلك. نبيل أديب عبدالله المحامي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة