مررت في السادس والعشرين من رمضان بموقفين متناقضين يدعوان للتفكر .. أحدهما بمطار الخرطوم (الدولي !!!) الذي عشت فيه ساعاتِ إذلالٍ مؤلمة مثلي مثل بقية الواصلين والمستقبلين في تلكم الليلة .. أما الآخر فقد عشته مع سعادة القائم بالأعمال النرويجي والذي (بعكس إذلال مطارنا لرواده وإنسانه)، فهو يشكل تكريما ووفاءا للحيوان ناهيك عن الإنسان .. ذهبت لاستقبال ابنتي القادمة من جدة وأطفالها ليلة السابع والعشرين من رمضان وإذا بي أفاجأ بأنه لا يوجد مكان في موقف السيارات (المدفوع الأجر)، وظللت كالمجنون (ألف وأدور) مع عشرات السيارات الحيرى والتي تطاردها شرطة المرور في محاولة لتنظيم موقف السيارات .. وبعد أن ركنت السيارة في مكان خطأ وممنوع رغم أنفي ومع رؤية تلكم الفوضى التي لا تراها في أي مكان كان، اتصلت هاتفياً ببنتي التي للتو وصلت سفريتها، ونسبة للزحام الواضح للعيان نصحتها بالاستعانة ب(حمّال) لمساعدتها في العفش، فصرخت بألم قائلة :- المشكلة أنه ليس هناك عربات لحمل الأمتعة .. وعندما صعدت لما يسمى (كذباً) صالة المستقبلين، شاهدت ومع صعوبة الزحام، منظرا عجيبا، حيث رأيت المسافرين الواصلين يخرجون من المطار للشارع بحثا عن بعض (العربانات). وعندها صاح أحد المستقبلين قائلا :- لِمَ لا يستفيد المطار من شباب و(درداقات) أسواق الخضر؟! .. هذا ورأيت بأم عيني بعض الواصلين يتصارعون مع (العربانات) الخربة والمحملة بالعفش الثقيل لتحريكها ولو لخطوة!!! (عيب الكلام ده يا مطار) .. الموقف الثاني والذي سبق ذهابي (لمطار الإذلال الدولي) بطله القائم بالأعمال النرويجي سعادة جون جونسون (John Anton Johnson) ويعكس كما أسلفت الوفاء وعدم إذلال الحيوان ناهيك عن الإنسان، فقد اطلعت عبر النت على رسالة بها صورة لكلبين من سلالة المانية يقترح سيدهما وهو سعادة السفير الذي كان على وشك مغادرة الخرطوم نهائيا، يقترح إهدائهما مجانا إضافة لكمية أكل خاص بهما يكفي لستة أشهر لمن يرغب، بشرط أن يعاين هو بنفسه المكان المقترح لبيتهما الجديد .. ونحن ما بين مكذب ومصدق للخبر وقد كنا بحاجة ماسة لكلاب حراسة لمزرعة بالسليت (أقلق مضجعها اللصوص) أجرينا اتصالا بالموافقة على هذا العرض المغري . وبعد أن وافق سعادة السفير على مقترحنا لتبني الكلبين أصر على أن يعاين بنفسه الموقع ليطمئن على مستقبلهما، وقد كان له ذلك، ووافق بعدها على أن نتبنى الكلبين .. هذا وقد ضرب سعادته موعداً معنا لإحضار الكلبين بنفسه، وعندما اقترحنا عليه بأن نحضر لمنزله لأخذهما لنوفر عليه مشوار السليت، رفض وأجاب بأنه سيحضرهما بنفسه لوداعهما بما يليق والعشرة والصحبة .. وبالفعل كان له ما أراد وكان منظر وداعه لكلبيه مؤثراً ومؤلماً .. ختاما لا يسعني إلا أن أحترم هذا الرجل وأقول سبحان الله فقد عايشت موقفين عجيبين في يوم واحد في رمضان، أحدهما بمطار الخرطوم (الدولي!!!) حيث يذل الإنسان مسافراً كان أم مستقبلاً أم مودعاً، والآخر حيث يكرم الحيوان وتكرم عشرته وصحبته .. سبحان الله .. توفيق عبد الرحيم منصور http://http://www.tewfikmansour.netwww.tewfikmansour.net
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة