اليوم تمر الذكرى الـ(27) لحكم الإنقاذ.. ولا حاجة لاستعادة شريط الأحداث الطويل.. فهو مرصودٌ في سجلات التاريخ.. لكن العبرة الآن بالنتائج.. وقبل أن أجادل في (النتائج)..! أكرر حسرتي على غياب مراكز الدراسات الحقيقية التي تضع مثل هذه القضايا في منضدة الجراحة.. وتمسك بـ(المنظار التشخيصي) لتستجلي الدهاليز وتستخلص العبر والنتائج.. لكن مع كثرة مُسميات ولافتات (مراكز الدراسات) يكاد دورها ينحصر في بضع ندوات مُتناثرة تحلل بها الشهيق والزفير.. أهم نتائج الـ(27) عاماً الماضية بالطبع هي تغير خارطة السودان التي حفظها الشعب السوداني في وجدانه.. بخارطة جديدة أشبه بالورقة المُمزقة بلا عناية.. ثلث مساحة السودان وخُمس سكانه (ذهبوا)!! لماذا؟ وكيف؟ الإجابة لها لونان.. لون السياسة المطموس بالأعذار والتبريرات والتهويمات.. ولون الحقيقة الذي يجب أن تستجليه دراسات مُجردة من العواطف والتشويش السياسي.. والرهبة والرغبة.. ورغم أن ذهاب (جنوب السودان) كان مَهراً لدم غال أُريق طوال نصف قرن.. لكن المُحزن أن الجنوب ذهب وبقيت الحرب.. حريقٌ جديدٌ في الجنوب الجديد اشتعل ولا يزال مُستمراً.. وفي المقابل؛ مشهد سياسي مأزوم، لا يُمكن أن يصنع دولة مستقرة.. حزب واحد قوي مُسيطر ومُتحكم في كل شئ.. وعشرات الأحزاب التي إما أحزاب مُتحالفة تقتات على فتات موائده، راضية بالسخرة السياسية.. أو أحزاب معارضة هائمة في ملكوت (رد الفعل) عاجزة عن صناعة أجندة وطنية مُنتصبة على قدميها.. في نقوش هذه اللوحة السريالية يتيه شعب السودان بلا أحلام أبعد من البحث عن لقمة العيش وكفاف الخدمات المَسمومة بكلمات المن والأذى (من مثل الكبريت والصابونة والقمصان والبيتزا).. لكن كل هذه (النتائج) كوم.. وكوم آخر أن عشرة ملايين سوداني هاجروا في أركان الدنيا الأربعة وحل محلهم هنا ما يقرب من عددهم أجانب غالبيتهم العُظمى لا يحملون حتى مجرد بطاقة إثبات الشخصية.. ولن يعرف أحدٌ كم منهم تسرب في غفلة من الزمن إلى السجل الوطني السوداني.. إلا عندما يأتي اليوم الذي يهبط فيه سوداني قادم من المهجر في مطار الخرطوم فيتأمل ويسأل (أين بلدي؟ أين أنا؟) فلا يجد من يجيبه إلا نظرات الحسرة وبعض الشفقة.. صدقوني.. أكبر مصيبة نعيشها الآن هو أننا لا نعرف ماذا.. ولماذا.. وأين.. وكيف.. ومتى؟ بالله عليكم.. أين وطني.. أيها (الوطني!)؟ altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة