"كل الأشياء تخضع للتأويل ولكن التفسير السائد في وقت معين هو تعبير عن فكر السلطة وليس إنعكاس للحقيقة" فريدريك نيتشه أمر التفتيش هو أمر كتابي من شخص مخول له ذلك، موجه لقوات الضبط بالبحث، ومن ثم ضبط، شخص أو شئ، له صلة بجريمة. والتفتيش نوعان الأول شخصي ويتم بالبحث في ملابس الشخص نفسه، وثنايا جسده، وهو فيما عدا التفتيش المصاحب للقبض، تحكمه ضوابط أشد صرامة عن تلك التي تحكم النوع الثاني من التفتيش، وهو تفتيش الأماكن التي يحتاج دخولها لإذن. والتفتيش بنوعيه هو تعدي على خصوصية شخص، أو مكان، و قد أباحه القانون لضرورته إما في الكشف عن الجريمة، وضبط مرتكبيها، أو لمنع وقوعها. ولما كانت هذه الضرورة تتعلق بتقييد حق دستوري فإنه يلزم أن يتم وفقاً لأمر من جهة مخولة بإصدار ذلك الأمر وأن يكون ذلك إستجابة لوجود ظروف تؤدي لإشتباه معقول بضرورته للتحري. و في غير هذه الحالة فقد أباح قانون الإجراءات الجنائية تفتيش الشخص عند القبض عليه ولكن هذا التفتيش محدد الغرض وهو تجريد المقبوض عليه من أي سلاح يكون لديه. وكذلك أباح القانون تفتيش الأماكن بغرض تنفيذ أمر القبض، أو في حالة تعقب متهم لقبضه بدون أمر، في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك. كما ويجوز تفتيش اي شخص موجود في المكان الذي يجري تفتيشه ــ في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ــ أو بالقرب منه اذا قامت شبهة معقولة بانه يخفي شيئا مما يجري التفتيش عنه. وفي غير هذه الأحوال، فإن القانون يتطلب أمراً لتفتيش الأشخاص والأماكن. البينة المتحصل عليها بواسطة التفتيش تحكمها ثلاث أمور: الأول صحة أمر التفتيش. والثاني الظروف التي تجيز التفتيش بدون أمر. والثالث مقبولية البينة التي يتم الحصول عليها بخرق الضوابط التي تحكم الأمرين الأولين، أو أحدهما. لن يسع المجال سوى للنظر في أهم الضوابط التي تحكم صحة أمر التفتيش. التفتيش يخرق حق الخصوصية كان القضاء الأنجلوسكسوني فى أول الأمر يعتقد أن التفتيش من شأنه أن يخرق حق الملكية. فذكر اللورد كامدن في إنتيك ضد كارينجتون أن" الغرض الرئيسي للأفراد في تكوين المجتمعات هو حماية ممتلكاتهم، لذلك فإن أي إجتياح لملكية خاصة لأي مدة من الزمن يشكل تعدياً، و يوجب مسئولية عن ذلك التعدي" وقد سار القضاء في أمريكا على ذلك، بحيث جعل معيار إنتهاك حق الملكية هو الأساس في تقرير دستورية أوامر التفتيش. لذلك فقد قضت المحكمة العليا في دعوى أولمتيد ضد الولايات المتحدة أن المراقبة التلفونية لا تنتهك الحق الدستوري، طالما أنه لم يصاحبها دخول فعلي إلى منزل المتهم. و قد غيرت المحكمة العليا موقفها وذكرت فى دعوى كاتز ضد الولايات المتحدة 1976 إن القيود التي يجب التقيد بها عند إصدار أمر التفتيش أساسها تحديد سلطة الحكومة فى التفتيش فى التعديل الدستورى الرابع، و الذى هدف لحمايه الخصوصية وليس حق الملكية، والذي نص على أنه لا يجوز إنتهاك حق الناس في أن يكونوا آمنين ضد عمليات التفتيش والضبط التي تفتقد المعقولية بالنسبة لأشخاصهم، ولمنازلهم، وأوراقهم، وأشياءهم. ولا يجوز إصدار أمر تفتيش إلا حال وجود سبب معقول، معزز باليمين أو التأكيد، يصف المكان المراد تفتيشه والأشخاص أو الأشياء المراد احتجازها. الوضع في القانون السوداني الحق الدستوري في الخصوصية فى السودان قررته المادة (37) من الدستور، مما يلزم القانون حين ينظم التفتيش سواءاً كان التفتيش لشخص، أو لمكان يخصه، أن يحرص على أن أن ينظمه بشكل لا يصادر حق الشخص الذي يخضع له في الخصوصية، ولا ينتقص منه وفقاً لأحكام المادة (27) "4" من الدستور. حماية الخصوصية، كما ذهب القضاء الأمريكي، ترتبط بوجود توقع معقول للخصوصية، يبرر إعتماد الشخص المعني عليه. فما يعرضه الشخص للعامة بدون تحفظ، حتى ولو كان جزءاً من منزله، أو مكتبه، لا يكون محمياً. ولكن ما يرغب في أن يحتفظ به لنفسه، أو لمن يتيح لهم هو دون غيرهم رؤيته أو دخوله، لا يجوز البحث عنه أو فيه إلا لسبب معقول تستخدم في تفتيشه وسائل معقولة. فإذا شاهد ضابط شرطة شجرة بنقو مزروعة في فناء منزل بشكل يسمح برؤيتها من خارج المنزل، فإنه يجوز له دخول المنزل، وضبط الشجرة، وقبض شاغل المنزل وتفتيش شخصه. ولكنه لا يجوز له تفتيش منزله، أوضبط زجاجة ويسكي ما كان ليراها لولا دخوله المنزل. لأن دخوله المنزل تحكمه المادة (90) من قانون الإجراءات والتي لا تجيز له أصلاً تفتيش المنزل الذي يدخله للقبض على الشخص المراد تنفيذ القبض عليه . أمر التفتيش في القانون تنص المادة (86) من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: (1) " يجوز لوكيل النيابة أو القاضي في أي وقت من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب من الجهة المختصة في أي دعوى جنائية، أن يصدر أمراً بإجراء التفتيش الخاص لأي مكان أو شخص، متى رأى أن ذلك يساعد في أغراض التحرى أو المحاكمة أو التنفيذ، بحسب الحال . (2) يجوز للقاضي في أي وقت بناء على طلب من الجهة المختصة أن يصدر أمراً بإجراء التفتيش العام لأي أمكنة أو أشخاص، متى رأى أن ذلك يساعد في أغراض إكتشاف الجريمة . ويعيب هذا النص أولاً أنه أغفل ذكر الغرض من التفتيش، إذ أن الغرض من التفتيش أصلاً يجب أن يكون ضبط شئ، أو شخص يكون ضبطه من شأنه المساعدة في أغراض التحري، أو المحاكمة. وهذا التحديد مهم لضبط وسائل التفتيش كما سنرى، كما ويعيب النص أيضاً إغفاله لضوابط تتعلق يجب توافرها في الأمر حتى يمكن أن يكون في الإطار الدستوري . وجوب صدور الأمر من قاضي . تتيح المادة لوكيل النيابة أو القاضي أن يصدر أمر التفتيش. وهى سلطة يجب أن يتولاها قاضي، لأن القاضى محايد، ووكيل النيابه ليس كذلك. فوكيل النيابة كممثل للإتهام، لا تتوفر فيه الحيدة التي تتوفر للقاضي حين يوازن بين الحاجة لكشف الجريمة أومنعها، وبين حق الخصوصية الذى سيُنتهك إذا ماصدر الأمر . كذلك فإن وكيل النيابة عضو في السلطة التنفيذية التي قُرِر أصلاً حق الخصوصية في مواجهتها، فلا يجوز أن يكون خصماً وحكماً ( هذا لحين صدور التعديلات المرتقبة التي تحقق إستقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية). وقد تمسكت المحكمة العليا الأمريكية بذلك، ونفذتها حتى في حالات الأوامر الرئاسية بوضع الرقابة على شخص بدعوى التآمر لقلب نظام الحكم. فذكرت أن واجب الحكومة في حفظ النظام العام، لا يمنعها من أن تقدم لقاضي مستقل، السبب المحتمل لكشف الجريمة إذا أجري التفتيش، قبل إقدامها على إنتهاك خصوصية الأفراد. وذكر القاضي باول في الولايات المتحدة ضد بونكيو، أن الحاجة للأمر تبدو أكثر جدية في الدعاوي المتعلقة بالأمن العام، لأن الحكومة تنظر دائماً لخصومها السياسين بإعتبارهم خطراً على الأمن . ضرورة وجود السبب المحتمل يجب أن يصدر الأمر بناءاً على طلب من الجهة المختصة مصحوب ببينه توضح أن هناك سبباً محتملاً للعثور على ما يراد ضبطه. وهذه البينة يُكتفى فيها أن يحلف مقدم الطلب اليمين مع توضيح الظروف التى حملته على الإعتقاد بوجود الشئ، أو الشخص المراد ضبطه، في المكان المراد تفتيشه. وهذا مذهب القضاء الامريكى الذى أرى أن يأخذ به التشريع السوداني، لأن الحق فى الدستورين واحد. و فى دعوى فنزسكا ضد الولايات المتحده قررت المحكمة أن إقراراً مشفوعاً باليمين يؤكد فيه المتحري 1 بأن لديه سبب للإعتقاد بأن هناك عملية تقطير خمور غير شرعية تجرى فى مكان معين. 2 وأن ذلك الإعتقاد مبني على ملاحظاته الشخصية، وملاحظة زملائه فى التحري. 3 ويُذكر فيه عدد من الحوادث تدعم ذلك الإعتقاد، يكفي للقول بوجود السبب المحتمل . ولكن في أجويلار ضد تكساس رأت المحكمة أن إقرار مشفوع باليمين من ضابط، بأن مصدر موثوق به أفضى إليه بأن مخدرات كانت موجودة في مكان معين، لم يكن كافياً لإصدار أمر تفتيش. إذ يجب أن يوضح الإقرار الظروف التي أدت لأن يستنتج المخبر وجود الدليل، كما ويجب أن يكشف عن المعلومات التي تؤدي لأن يطمئن القاضي إلى أن المُبلِّغ جدير بالثقة . وجوب تحديد مكان التفتيش والشيئ المراد ضبطه من التفتيش يلاحظ أن الفقرة الثانية من المادة 86 تتيح التفتيش العام للأمكنة، وهى أشبه بما كان عليه العمل في القرون الوسطى في إنجلترا حين كانت تصدر أوامر لشخص تخوله الدخول في أي مكان، وضبط أي ممنوعات ويظل الأمر سارياً مدى حياة الملك ولستة أشهر بعد وفاته، وهي أوامر أُلغيت، ولم يعد معمول بها منذ نهاية القرن الثامن عشر . أمر التفتيش العام مخالف للدستور، لأن تحديد أمر التفتيش من أهم الضوابط التي يجب أن يتضمنها التشريع منعاً لإنتهاك حق الخصوصية، فيجب أن يحدد الأمر على وجه الدقة المكان المراد البحث فيه، وليس الغرض من التفتيش كما تذكر المادة 87، بل الشئ المراد ضبطه. وحق الخصوصية نصت عليه المادة 37 من الدستور ونصها " لا يجوز انتهاك خصوصية أي شخص, ولا يجوز التدخل في الحياة الخاصة أو الأسرية لأي شخص في مسكنه أو في مراسلاته، إلا وفقاً للقانون" وجملة إلا وفقاً للقانون الواردة في عجز المادة لا تعني منح سلطة غير مقيدة للقانون ليضع وفقاً لإرادته الطليقة ما يشاء من قيود، بل هو محكوم في ذلك بنص المادة 27 من الدستور والتي تنص في فقرتها الرابعة على أنه "تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها. ومحكوم أيضا بنص المادة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي أصبحت جزءً يتجزء من وثيقة الحقوق المضمنة في الدستور بموجب الفقرة الثالثة من المادة 27 والتي تقرر أنه تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة. بالرجوع إلى نص المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذل صادق عليه السودان نجدها تنص على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس" من مجموع هذين النصين فإن واجب القانون في حماية الأفراد من مثل هذا التدخل التعسفي، أو المساس بخصوصياتهم، يلزم القانون بأن يتطلب وجود السبب المعقول لصدور أمر التفتيش. وجود السبب المعقول يتطلب تحديد الشيئ أو الشخص المراد ضبطه أولاً، كما ويتطلب أن يكون هنالك إحتمال بوجود الشيئ أو الشخص المراد ضبطه في مكان معين، بناء على معلومات محددة. أما إحتمال وجود الشيئ أو الشخص المراد ضبطه في منطقة بحالها، لا يمكن منطقاً أن يكون تم التوصل إليه عن طريق معلومات محددة، بل هو مجرد تخرصات لا ترقى لوجود السبب المعقول. وتطبيقاً لذلك قد حكمت المحكمة العليا الأمريكية في دعوى Entick V. Carrington أن الأمر بضبط كل أوارق الخاصة بالمدعي بدلاً من تحديد المستندات المراد ضبطها، هو أمر يخرق كل ما قام الدستور لحمايته، وهو أمر باطل. وفي Berger V. New York رأت المحكمة العليا أن الأمر بمراقبة محادثات شخص لمدة شهرين، يتعارض مع تطلب السبب المحتمل في أمر التفتيش، لأن الأمر لا يشير لمحادثة معينة، ولا لنوع معين من المحادثات، ولأن مدة الشهرين أصلاً تشير إلى أنه ليس هناك سبباً محتملاً للأمر. ويلاحظ أنه عندما يتعلق الأمر بالحريات العامة، تطلبت المحكمة العليا في أمريكا أن لا يصدر الأمر إلا بعد أن يتيقن القاضي نفسه من المخالفة. فحجز نسخة فيلم بسبب أنه يحمل مشاهد مخلة بالآداب غير صحيح إذا تم حجزها بعد تفتيش تلى القبض على المتهم بواسطة الضابط، لأنه ليس للضابط أن يقرر إذا كان الفيلم مخل بالآداب العامة. وفي ستانفورد ضد تكساس حين تم الحجز على ألفين كتاب ومستندات أخرى، وفقاً لأمر يصرح بالبحث عن كتب تتعلق بالحزب الشيوعي في تكساس، رأت المحكمة أن أمر التفتيش كان باطلاً وذلك لأنه حين يتعلق الأمر بالكتب، يجب أن يكون الإلتزام بقاعدة تحديد الشيئ المطلوب ضبطه أكثر صرامة. وسائل التفتيش فى القانون لا يقتصر تتطلب المعقولية على سبب صدور الأمر، بل يجب تنفيذه أيضاً بطريقة معقولة. وهذا يقودنا لوسائل التفتيش، فوسيلة التفتيش نفسها يجب أن تكون معقولة. وأول القواعد التي تحكم ذلك قاعدة القرع والإعلان فقاعدة (قرع الباب والإعلان) هي قاعدة أمريكية تتطلب أن لا تدخل الشرطة المكان المراد تفتيشه قبل أن تعلن عن رغبتها في ذلك. وأن لا تفعل ذلك بالقوة إلا إذا رفض شاغل المكان دخولها، وفي هذه الحالة يتوجب إستعمال القوة المناسبة للدخول. قاعدة القرع والإعلان وهي قاعدة تجد أساساً لها في الشريعة الإسلامية لأن القران قد نهى عن دخول البيوت من غير أبوابها، ودون إستئذان من أهلها. وفقاً للقانون السوداني فإنه لا يجوز مداهمة المنزل، حتى بإذن القاضي، قبل الإستئذان في الدخول، لأن المادة (91) تشترط لإستعمال القوة، رفض شاغل المكان السماح لقوة الضبط بالدخول. دخول المكان الخاص لسبب صحيح، لا يسقط عنه خصوصيته إلا فيما يتعلق بسبب الدخول. ويلحق بذلك ما هو معروف فى أمريكا بمبدأ السكرية، وهو يعنى أن يقتصر البحث داخل المكان الذي يجري التفتيش فيه، على الأمكنة التى يمكن أن يوجد ما يراد ضبطه فيها. فليس من المعقول البحث عن جهاز تلفزيون في سكرية، لأن البحث عن جهاز تلفزيون يقتضي البحث في الأماكن التي يمكن لها أن تسعه داخل المكان المراد تفتيشه. و هدف هذه القاعدة منع إستباحة الأماكن لمجرد صدور أمر التفتيش، إذ تظل للمنازل حرمتها ولا تسقط إلا عن الأماكن التى يحتمل وجود ما، أو من، يراد ضبطه فيها . وقد وضعت المادة 92 من قانون الإجراءات ضابطاً هاماً ولكنه غير كاف حين حددت أن تفتيش المرأة الشخصي يجب أن يتم بواسطة إمرأة. وكان الأجدر أن تتطلب المادة بشكل عام أن يكون من يُجري التفتيش الشخصي، من نفس جنس من يُجرى عليه التفتيش، لأن الحكمة من منع تفتيش الرجال للنساء تتحقق أيضاً في تفتيش النساء للرجال. التفتيش الذي يتطلب خبرة معينة و قد يستلزم التفتيش خبرة خاصة لإجرائه كالبحث فى الحاسوب، أو فى جوف شخص ما. و قد منحت المادة 151 لوكيل النيابة أو القاضي سلطة إنتداب الخبير لذلك، يستحسن قصرها على القاضي لما سبق بيانه. ويجب أن يتقيد الخبير بكل المعايير القانونية، فبالنسبة لتفتيش الحاسوب الخاص بالشخص، فإن الأمر يتصل مباشرة بحرية المعلومات والتعبير مما يلزم الإلتزام بصرامة بمعقولية الأمر. كما ويجب على الخبير أيضاً أن يلتزم بالبحث فقط عن الدليل الموضح في أمر التفتيش، فإذا كانت المواد المراد ضبطها هى صور خليعة، فليس له أن يضبط مواد سياسية مثلاً. ويلحق بذلك التفتيش الشخصى الذى يتضمن تدخلاً في جسم الشخص، أو وظائفه، مثل إعطاء الشخص مادة تجعله يستفرغ لإستخلاص دليل من جوفه، و الذى يجب ان يخضع لضوابط المعقولية. فكل إجراء يهدف للتوصل إلى دليل موجود بجوف الشخص المراد تفتيشه يجب أن يجري بواسطة شخص مؤهل طبياً، ملتزماً بدقة بالإجراءات التى تضمن سلامة من يجرى تفتيشه، بحيث لا يعرضه لأى أذى جسيم أو دائم. والمعقولية تتحدد بالنظر للمدى الذي تتعرض فيه صحة الشخص أو سلامته للخطر، وحق الشخص في خصوصية جسده وسلامة أعضائه، ووجوب أن يكون الشئ المطلوب ضبطه يمثل دليلاً حيوياً لقضية الإتهام، وأن ينظر لمصلحة الشخص المراد تفتيشه أولاً. لذلك فقد حكم في دعوى بايانورمان الأمريكية بأن جعل المتهم يتناول أدوية مسهلة لكي يتبرز كيساً يحتوى على مخدرات، كان قد إبتلعه لدى مداهمة الشرطة لمكان كان يتواجد به، هو أسلوب غير صحيح يبطل التفتيش، لأن لكل شخص حق في سلامة جسمه، وأن هذه الطريقة قد تعرض المتهم للأذى . و يلاحظ أن ذلك التفتيش يختلف، في الغالب وليس بالضرورة، عن إجراء الفحص الطبي للبحث عن دليل، وليس لضبط شئ. مثل الفحص لمعرفة وقوع المواقعة الجنسية مثلا ،أو حالة السكر، فهذه الحالات تحمكها المادة (49) وهي غالباً لا تتضمن تدخلاً في وظائف جسم الشخص، ولا تعرض سلامته للخطر. ولكنها تنتهك خصوصية الإنسان، وتجبره على أن يقدم دليلاً ضد نفسه، مما قد يهدر الحق في المحاكمة العادلة. ولذلك فإنه يجب في كل الأحوال أن يصدر الأمر من قاضي وليس من وكيل النيابة، أو الضابط المسئول، كما تنص المادة (49) ويتوجب على القاضي أن لا يصدر الأمر إلا للسبب معقول . وجوب حضور شاغل المكان للتفتيش و يتطلب القانون أن يتم التفتيش في حضور شاهدين يكونان بقدر الإمكان من أقارب المتهم أو المقيمين معه بالمنزل، ما لم يأمر وكيل النيابة أو القاضي بخلاف ذلك، بالنظر للطبيعة المستعجلة للتفتيش. و هذا الحكم أيضاً يحتاج لتعديل حتى تكون السلطة في يد القاضي فقط. ويجب أن يخضع صدور الأمر لمعيار المعقولية، من حيث تقرير الطبيعة المستعجلة للتفتيش، كالخوف مثلاً من إخفاء دليل، أو خطورة المواد المراد ضبطها. وفي هذه الحالة يجب أن يتقيد منفذ الأمر بحدود المطلوب البحث عنه فقط، ويبحث في الأجزاء التي يرجح أن يكون بها الشئ المراد ضبطه دون غيرها من أجزاء المكان الخاضعة للتفتيش. ويلاحظ أن القانون يتطلب دائماً السماح لشاغل المكان المراد تفتيشه أو من ينوب عنه بحضور التفتيش وهذا يحظر تماماً ما يسمح به القانون الأمريكي في حالات إستثنائية، ونعني به التفتيش عن طريق التسلل وإختلاس النظر sneak and peek search ويدعى رسمياً Delayed Notice Warrant أي الإشعار المتأخر، والذي يجيز لقوات الضبط الدخول والتفتيش خفية، ودون إخطار مسبق لشاغر العقار، بشرط إخطار صاحب المكان في خلال أسبوع، بإجراء التفتيش ونتائجه. وهو أمر لا يجوز القيام به وفقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية السوداني، لأن إجراء التفتيش خفية يخرق حق شاغل المكان المراد تفتيشه في حضور التفتيش . ولا يقتصر التفتيش على أحكام قانون الإجراءات الجنائية، فهناك عدداً من القوانين يبيح التفتيش، ومنها قانون قوات الأمن الوطني وقانون الجمارك، و التفتيش الذي يجري وفقاً لهما يتم بدون أمر، مما يلزم معه أن تعدل تلك القوانين فبالنسبة لقانون الأمن يجب أن يخضع التفتيش لأمر قضائي يصدر بناء على تقديم بينة تثبت وجود إشتباه معقول بمخالفة القانون، وأن يتم بإستخدام وسائل معقولة . هذه هي مجرد إضاءات في موضوع لا يكفي المجال للإحاطة به، نتمنى أن تكون كافية لتسليط الضوء على بعض أوجه القصور في أحكام التفتيش، في قانون الإجراءات الجنائية، ونحن بصدد إعادة النظر في ذلك القانون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة