:: ومن ذاكرة التاريخ، في العام 1962، كادت واشنطن وموسكو أن تشعلا الحرب العالمية الثالثة بسبب الصواريخ الروسية.. ولكن، في اللحظات الأخيرة، تراجعت موسكو وأبدت إستعدادها على تفكيك الصواريخ مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا.. وهكذا انتهت الأزمة التي بلغت مقاماً لوح فيه الرئيس الأمريكي باشعال حرب عالمية ثالثة إن لم تتخلص موسكو من تلك الصواريخ ..عند إنتهاء الأزمة، قال وزير الدفاع الأمريكي ما كنمارا : (الآن نستطيع أن نقول لقد إنتهى عصر الإستراتيجية وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه عصر إدارة الأزمات)..!! :: كان سعيداً بانتصار العقل على الجنون.. ومن التصريح عرفت عقول الساسة مصطلح (إدارة الأزمة).. ثم طورته بحيث يصبح (علوماً)..كيف نجحت واشنطن على إقناع موسكو بتفكيك الصواريخ؟، وكيف وافقت موسكو تفكيك الصواريخ رغم أنها قوة عسكرية موازية لأمريكا؟.. في ثنايا الإجابات تتجلى العبقرية التي أدارت الأزمة في الغرف المغلقة.. وتعريف الأزمة لم يتجاوز بأنها مخاطر متوقعة تهدد المجتمع والدولة، وتعريف إدارتها لم يتجاوز بأنها المحافظة على المجتمع والدولة، وذلك بحمايتهما من تلك المخاطر أو تخفيف آثارها في حال عدم التمكن من الحماية الكاملة..!! :: ومصطحباً الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها بلادنا منذ إنفصال الجنوب ، تأمل أهم أسباب حدوث الأزمات، حسب تلخيص العلماء.. تأجيل حلول القضايا أو تجاهلها، من الأسباب الأساسية لأية كارثة.. وكثيرة هي قضايا الإقتصاد التي تجاهلتها الحكومة بغض الطرف عنها - مكافحة الفساد نموذجاً، وكذلك ترشيد الصرف على السياسة - بمظان الرهان على الزمن في حلها.. وللأسف هذا الرهان الخاسر لم يزد الحال إلا وبالاً، بحيث يصبح ( أزمة إقتصادية)..وكذلك ضعف التخطيط من أسباب الأزمات، ولذلك ليس بمدهش أن تتفأجأ الحكومة اليوم بآثار انفصال الجنوب ..!! :: نعم، تفاجأت الحكومة كما المواطن بآثار الإنفصال ثم ذهاب النفط وإرتفاع الدولار، رغم أنها هي التي قررت عبر نيفاشا إحتمال (وقوع الإنفصال)..وإن كانت هناك إمرأة في طرف قرية ما تتحسب لقوت عامها في بداية العام بمحض (مطمورة)، فما بال نظام لا يتحسب لما (قد يحدث) ؟..ثم هناك الأًم التي تلد الأزمات.. والعلماء يسمونها (الإدارة العشوائية).. وهي عجز القيادة عن إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. إما لعدم توفر المعلومة أو لعدم مقدرتها على التعامل مع المعلومة بحيث تتخذ منها قراراً يجنب الناس والبلاد كل الأزمة أو بعض آثارها.. !! :: ثم هناك أخطر أسباب الأزمة.. وهو النزاع الداخلي.. أي الصراع على مستوى الإدارات التي تصنع القرارات..ومرد هذا الصراع هو عدم تجانس الأفراد داخل مؤسسات صناعة القرار، وذلك لضعف أو لعدم وجود اللوائح التي تنظم مستويات ومواصفات ومهام المناصب .. أولتجاهل صناع القرار أهمية توزيع المناصب لأصحاب الكفاءة وليس لأهل الولاء ..تلك هي أسباب حدوث الأزمات، فتأملها مصطحباً واقعنا الإقتصادي الراهن .. وعليه، كيف تواجه العقول الأزمات؟.. سؤال لم يفت على العلماء والخبراء، فصاغوا إجاباتهم بحيث تكون (علوماً)..!! :: أولا، سرعة التعامل مع الأزمة..عنصر الزمن يشكل عاملا مهما في تفاقم الأزمة أو تقزمها..ومايحدث حالياً هو بعض آثار خطى التفكير السلحفائي التي إنتظرت الأزمة الإقتصادية خمسة أعواما قبل الإنفصال ثم عاماً بعد الإنفصال.. ثانياً، الشفافية والتعامل المباشر مع الناس بالحقائق المجردة من كل أنواع الزيف و بلا دفن رؤوس الحقائق في رمال الأكاذيب.. ورغم أنه من العقول التي ساهمت في تشكيل (الوضع الراهن)، فأن الشفافية التي تحدث بها الدكتور عبد الرحيم حمدي - في حلقات حواره بهذه الصحيفة - مطلوبة.. ما لم نصنع السلام ثم ننتج ونكتفي ونصدر، لن نبارح محطة ( الدولار طلع، الدولار نزل)..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة