قبل نحو عامين عقدت ندوة مغلقة في القاهرة عن مخاطر الأمن المصري.. تحدث في الندوة المغلقة المفكر المصري عبد المنعم سعيد.. هذا الرجل يحظى بمكانة مرموقة داخل الدولة المصرية العميقة حيث ترأس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بجانب مهام أخرى.. في تلك الندوة قدم سعيد السودان وليبيا والصومال كنماذج للدول الفاشلة.. جاء الحديث في سياق تحذير مصر من الوقوع في ذات المصير.. اعتمد سعيد على معيار واحد في وصف الفشل.. معيار سعيد كان عدم قدرة الدولة في السيطرة على حدودها الخارجية.. كادت ملاحظة سعيد أن تتسبب في أزمة دبلوماسية خاصة بعد أن نشرت صحيفة (المصري اليوم) بعض من مقتطفات الندوة. قبل أيام انتخبت دولة الصومال رئيساً جديدًا.. المخاض لم يكن سهلاً.. اضطر أعضاء البرلمان الصومالي إلى عقد الجلسة المهمة في مطار مقديشو الدولي المؤمَّن تأميناً عالياً.. لم يتمكَّن النواب من حسم الأمر من جولة واحدة بسبب قوة التنافس وكثرة المرشحين الذين بلغ عددهم اثنين وعشرين مرشحاً.. من بين الذين خسروا رئيس الجمهورية الحالي حسن شيخ محمود والرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد.. في النهاية فاز السيد محمد فرماجو، وهو رئيس وزراء سابق تلقى تعليمه في الولايات المتحدة. منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري تعيش الصومال في ظل فوضى عارمة مصحوبة باستقرار في تداول السلطة سلماً.. حيث تم انتخاب نحو ثمانية رؤساء خلال ربع قرن.. رغم الحرب وغياب حكومة مركزية إلا أن المجتمع الصومالي تمكَّن من الحفاظ على آلية سلمية تحفظ مدنية السلطة السياسية.. جاء هذا التحول بعد أن احتكر سياد بري السلطة لمدة ٢١ سنة بالتمام والكمال. المعجزة الصومالية لم تنحصر في قدرة الصوماليين على اختيار حكامهم بشكل ديمقراطي.. الاقتصاد الصومالي يمثل معجزة أخرى.. في تقرير لصندوق النقد الدولي صدر قبل نحو عامين أكد أن الاقتصاد الصومالي ينمو بنسبة ٤٪.. وأضاف التقرير الدولي أن التضخم لم يتجاوز ١٪.. رغم ارتفاع معدلات الفقر إلا أن الصوماليين تمكنوا بمهارة من تحقيق حرية اقتصاد تمكنت من جذب مدخرات المغتربين الصوماليين المقدر عددهم بمليون ومئتي ألف نسمة.. حينما عجز الشلن الصومالي عن الصمود استبدلوه بالدولار الأمريكي بشكل غير رسمي.. الصراف الآلي يتعامل بالدولار الأمريكي فقط. قطاع آخر شهد انتعاشاً في الصومال رغم غياب الدولة المركزية.. قطاع الاتصالات شهد منافسة حرة ومفتوحة.. هذا القطاع تمكن من مد خدماته إلى دول مجاورة وأكثر استقراراً مثل كينيا وإثيوبيا.. مفتاح التفوق في الصومال يكمن في الحرية.. حرية صمدت في ظل أجواء تمطر رصاصاً.. متلازمة الحرب والحريّة أيضاً يمكن ملاحظتها في دولة لبنان.. رغم المشاق في الحياة اللبنانية الناجمة عن تعدد مراكز القوى السياسية والعسكرية بالإضافة للمحاصصة المذهبية إلا أن لبنان تمتع بوضع الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم العربي. في تقديري.. أن نموذج نجاح الصومال في الحفاظ على شرعية دستورية في ظل ظروف صعبة ومعقدة يجب أن يجعلنا نعيد تعريف الدولة الفاشلة.. الآن هنالك دول في محيطنا تحكم بالحديد والنار.. بعضها لم يسمع بكلمة برلمان.. وأخرى البرلمان مجرد جهاز ديكوري مكمل لأجهزة الدولة.. في هذه الدول رغم توفر الثروات والرفاه المادي تنتهك آدمية الإنسان ويحرم من أبسط حقوقه.. لكن هذه الدول لا توصف بأنها فاشلة رغم بؤس واقع الإنسان. بصراحة.. أتوقع أن يأتي علينا يوم نحسد شعب الصومال على قدرته في اختيار حكامه.. لا قيمة لأي نهضة اقتصادية إن لم تبنى على حرية الإنسان الذي ولد حرّاً قبل أن يستعبده الحكام . assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة