كثير من الناس ينزعجون جداً إذا وجدوك في زمان و مكان ما غير مُتاح , وهم في أغلب الأحيان لا يفطنون إلى أن الخصوصية في حياة الآخرين واجب مقدس في الدين و قواعد الأدب الإجتماعي الإنساني , وبذلك أن تُبدي أي إتجاة في الإنخراط منفرداً مع ذاتك أو الإنغماس في عملِ ما لساعات أو أيام بإنقطاع تام و حازم , وجدت أن من حولك ينعتونك بما ليس فيك من الصفات السيئة يجيء في مقدمتها التكبر و عدم الإكتراث بمن حولك من أشخاص و أحداث بالإضافة إلى عدم المروءة والجاهزية للإستماع و ( الإستمتاع ) بثرثرات من حولك على المطلق شاملةً بذلك المفيد وغير المفيد من الأقوال و الأحداث .. و في الحقيقة فإن الموروث الثقافي الإجتماعي يلعب في هذا الإطار دوراً هاماً إذ أن المرء ينشأ على ما تربى عليه ..فالواقع الإجتماعي السوداني مبني على فكرة الأسرة الممتدة و التواصل الجغرافي السكني ( اللا مغلق ) عبر أبواب مفتوحة على الدوام بين الفرد وجاره ( النفاجات ) .. كما أن قواعد الأدب الإجتماعي السوداني لا تجعل من سؤالك عن كبيرة أو صغيرة تحدث في دار جارك أو زميلك بالعمل مثاراً للحرج .. بال العكس من ذلك فهي تعلي من مقام السائل و المستفسر عن أشياء هي في الأصل ( خصوصيات ) .. وذلك تحت بند يعتبر من الفضائل يتمثل في تقصي أحوالك و ظروفك .. أما القاعدة الأساسيه التي يتفق عليها جميع البشر فقد وردت في قوله تعالى ( ولا تسألوا عن أشياءٍ إن تبدو لكم تسؤكم ....) ...وهكذا في بعض الأحيان يشعر الإنسان أنه محاصر من شتى الإتجاهات بما هو مطالب به من فتح مطلق لكل مغالق أفكاره و أفعاله بالقدر الذي يقودك إلى الشعور بالتشويش و عقدة الذنب الوهمية تجاه الغير لمجرد أنك إشتريت سيارة أو بعت دارك أو زرت طبيباً أو حصلت على ترقية دون إعلامهم .. وهذا ينعكس أيضاً في شكل التحية الأولى ( بعد السلام والأحضان ) إذ تجد نفسك مضطراً بلا منطق ولا سبب عن الإعتذار عن الإنقطاع و عدم الإبلاغ عن حالك و أحوالك رغم أنك و من تقول له هذا اللغو تعلمان تماماً أن التقصير و عدم التواصل كان ثنائياً و تلقائياُ و يمثل بالفعل الحجم الحقيقي للعلاقه ... إن أغلقت هاتفك أو لم ترد على المتصلين فأنت مذنب في حق ( المودة الإجبارية القسرية ) .. لا مجال لأن يكون لك أيي إتجاهات ذاتية و إلا أُتهمت بالإنزواء و التوحد و الأنانية .. و للحقيقة فإن حدة الإنغماس الإجتماعي و الترهل في إدارة أمر العلاقات الإجتماعية له تأثير كبير على عطاء الفرد الإجتماعي و العملي والإبداعي و وكذاك له تأثير كبير على مقدرة الفرد على إتخاذ القرارات و إختيار التوجهات الصحيحة جراء التشويش الناتج عن كثرة المشاورة و الإعتداد بآراء الآخرين ...كما أنه يُضعف من شخصية الفرد ومستوى إعتماده على ذاته من خلال إلغاء شخصيته المعتبره في غمار موجة تكدس الآراء و إختلافها في أمور هي في الأصل شخصيه .. بالواضح كده لا أقصد من هذا المقال الدعوة إلى الإنزواء الإجتماعي و إتساع دائرة الفرديه .. ولكن القصد الوسطيه المثلى و الرفع من فضيلة إحترام خصوصية الآخر وحقه في معاشرة ذاته حيناً من الزمان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة