قبل أيام قليلة من هذا التأريخ ،قال المشير عمر البشير رئيس المؤتمر الوطني، في مقابلة تلفزيونية إن مثلث حلايب سيظل مثلثاً سودانياً لأنه في أول انتخابات أجريت تحت الحكم الثنائي البريطاني المصري بالسودان كانت حلايب، إحدى الدوائر السودانية، مضيفاً أن الانتخابات هي عمل سيادي من الدرجة الأولى، وإن اللجوء إلى مجلس الأمن يُعد أحد الخيارات المطروحة لدى بلاده في حال رفض المصريون التفاوض بشأن مثلث حلايب. ومباشرة بعد هذه المقابلة ، قال خبراء وسياسيون مصريون أن تصريحات عمر البشير بشأن مثلث حلايب، ورقة ضغط على القاهرة بالتزامن مع أزمات داخلية يهرب منها النظام السوداني عبر افتعال أزمات خارجية. وقال اللواء يحيى كدواني، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، إن مطالبة البشير بمثلث حلايب هي “مطالبة سودانية متكررة”، إذ سبق للنظام السوداني الحالي طرحها عدة مرات، وتمت مناقشتها من قبل النظام المصري منذ أكثر من 50 عاماً، وانتهى الرأي المصري إلى أن حلايب وشلاتين أرض مصرية وتخضع للسيادة المصرية، وأن خط 22 هو الخط الفاصل بين السودان وبلاده، وأنه لا تراجع عن ثوابت مصر القومية. وأضاف وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي لـ “إرم نيوز” أن نظام البشير يفتعل الأزمات الخارجية كلما تعرض لمشاكل داخلية، وأن بلاده اعتادت على هذا النهج ولن تنجرف وراء هذه التصريحات لافتعال أزمات مع الشعب السوداني الشقيق. تناولت معظم الصحف المصرية حديث البشير عن سودانية حلايب وشلاتين بالإستنكار والإدانة ، قائلة ان السودان كلما رغبت في مطلب من مصر تقوم بطرح مشكلة حلايب وشلاتين ، أو كلما احتاج رئيس السودان أن يصور لشعبه أنه يحمي وحدة أراضيه يتحدث عن حلايب وشلاتين. وتابعت: من الغريب أن تتمسك السودان بحلايب وشلاتين في حين أنها قبلت أن ينفصل الجنوب عنها بانتخابات، وهذا ما يثبت أن حلايب وشلاتين مجرد ورقة ضغط على النظام المصري. في الوقت الذي خرجت فيه كل الصحف المصرية مدافعة عن مصرية الحلايب وشلاتين ، لم تخرج صحيفة سودانية واحدة سيما تلك التي تأتمر بأوامر البشير وحزبه لترد على الصحف المصرية وادعاءتها ، وهنا يتضح الفرق بين الصحافة المصرية التي تحرص على وطنها ، والسودانية التي لا تهمها حتى لو راح هذا الوطن في ستين ألف داهية. نعم -كنا نتوقع بعد الردود المصرية الرسمية والشعبية القوية والمتطابقة حول تبعية حلايب لها ، أن يقوم وزير خارجية عمر البشير برفع وتحريك هذا الملف في محكمة العدل الدولية تنفيذاً لما جاء في تصريحات رئيسه التلفزيونية ، لكن اتضح ان تصريحات البشير حول سودانية حلايب كانت هروبا للأمام ، ليس هذا فحسب ، بل افتعل أزمة أخرى ، حيث جدد التأكيد على سودانية أبيي، وقال “إنه يمكن لكل سوداني أن يستخرج كل الأوراق الثبوتية من أبيي”، ووجه هيئة البرلمانيات السودانيات، بالاستمرار في دعم مخرجات الحوار الوطني والتبشير به في كل ولايات السودان . وشدّد البشير لدى لقائه في القصر الرئاسي بالخرطوم، وفد هيئة البرلمانيات السودانيات، برئاسة وفاء مكي الأعيسر، شدد على تحقيق الوحدة والتماسك وتعميق الولاء الوطني والعمل على نشر ثقافة السلام. عزيزي القارئ ...إذا كان الهروب إلى الخلف هو التخلص من وضعية ما عن طريق التراجع، فإن الهروب إلى الإمام هو القفز على الحقيقة واختراع أوضاع جديدة تبريرا لتقصير ما، وتجاوزا لخطأ قاتل أو الانتقال لوضعية الهجوم المعاكس. والحالة التي نحن بصددها تمثل هروبا من عمر البشير إلى الأمام من قضية جوهرية كقضية (حلايب) وإتيان بقضية خارجية هي (أبيي) ، بالقول إن أبيي سودانية وستظل سودانية. البشير بتجاوزه القضية محور النقاش، واثارته لقضية أخرى لا علاقة لها بالحدث ، إنما الدافع أولاً وأخيراً هو البحث عن النجاة والعثور على تبريرات لموقفه الخائب من موضوع حلايب وشلاتين. لكن إلى متى الهروب إلى الأمام من قضية تتعلق بسيادة الوطن وكرامته ...وإلى متى يتحين عمر البشير الفرص لتصدير أزماته عبر افتعال صراعات جانبية ، دون الأخذ في الاعتبار أن إشعال الحرائق في أجواء مضطربة هو سلاح ذو حدين، غالباً ما ترتد على موقدها؟. "أبيي" التي يدعي البشير ملكيتها للسودان ، ليست كذلك. هي لا سودانية ولا جنوبية ، بل منطقة ستخضع لإستفتاء سكانها وأهلها على مصيرها بناءاً على اتفاقية نيفاشا في بروتكولها الخاص بها (بروتكول أبيي) ، وأي حديث عن سودانيتها إنما لإفتعال أزمة خارجية مع دولة جنوب السودان لصرف الأنظار عن حلايب وأخواتها ، وأن عمر البشير اعتاد على هذا النهج كلما تعرض لمشكلة داخلية أو استفزاز خارجي. ما يعيشه السودان اليوم من اشتداد الأزمات والصراعات، ما هو إلآ صناعة يعتمدها النظام السوداني للبقاء على السلطة والتسلط على البلاد ضمن فلسفة كل الأنظمة الشمولية السائدة ، التي تقوم على التخطيط لخلق أزمات مفتعلة، وتغذيتها، وتصعيدها واستقطاب عوامل مؤيده لها ثم استثمارها ، أما الأزمات الحقيقية تسير باطراد مستمر، وما الحوار وما أدراك ما الحوار الوطني إلآ محاولة خادعة من نظام الخرطوم لستر الواقع المزري المأزوم ولو لفترة محدودة، وهي محاولة ستاتي بثمار بطعم الحنظل. أبيي قضيتها محسومة أو ستحسم بإستفتاء لسكانها ..إنما حلايب هي القضية التي تحتاج إلى التحرير من القوات المصرية التي احتلتها بالقوة ، فهل استردها البشير ، وهو الذي قال: إن مثلث حلايب سيظل مثلثاً سودانياً لأنه في أول انتخابات أجريت تحت الحكم الثنائي البريطاني المصري بالسودان كانت حلايب، إحدى الدوائر السودانية!!؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة