|
(كلام عابر) في انتظار البطل/عبدالله علقم
|
الإنكسار والإحساس المتجذر بقلة الحيلة يدفع الإنسان للإنكفاء على الماضي والاحتماء بالغيبيات وانتظار ظهور البطل المنقذ المخلص، رفضا للحاضر أو هربا منه،ويأسا من تغييره. شخصية البطل أكثر شيوعا في المجتمعات الرازحة تحت القهر والفقر.. فقر الحال وفقر الفكر.. العرب أكثر من غيرهم من الشعوب انكفاء على الماضي ولاحتماء بأمجاد التاريخ والتغني بها، انطلاقا من الضعف والعجز الذاتيين، والإحساس المتجذر بالدونية، والتبعية الذاتية والفكرية. نفس الاعتبارات تدفعهم في زماننا هذا للإحتفاء بغيرهم والتهليل لإنجازاته.. بعضهم ما زال يحتفي بالثورة الإيرانية حتى بعد أن اختطفت تلك الثورة بعد وامتلكها من تفردوا بامتلاك الصواب، رغم أنهم لم يشاركوا أو شاركوا بقدر قليل في صنع الثورة والإطاحة بحكم أسرة بهلوى. بعضهم يحسن التهليل للتجربة الأردوغانية في تركيا ويتباهى بانجازاتها، ويغيب عليهم وهم في لجة الضعف والعجز أن واقع ايران وتركيا تختلفان أيما اختلاف عن العالم العربي من حيث الواقع والتاريخ والتركيبة الاجتماعية. يقول مفكر عربي إن آفة الشعوب المتخلفة حضارياً المهزومة نفسياً أنها تشغل نفسها بالغيب على حساب الشهادة، والقادم البعيد على حساب الحاضر المعاش، والأحلام على حساب الواقع، والكلام على حساب العمل، تحتل فكرة "المنقذ" أو "المخلص" حيزاً مهماً في تفكير العديد من الشعوب على اختلاف عرقها ودينها ومذهبها والرقعة الجغرافية التي تحيا على امتدادها، وتنعكس في أدبياتها على شكل المهدي المنتظر أو الإمام الغائب أو عودة السيد المسيح عليه السلام..الخ. أهم مقومات صورة البطل كما يقال هو حجم ما يقدمه وما يطرحه من "قيم، ولذلك فإن المجتمعات تختار أبطالها وتنصبهم على كرسى "الرمز" طبقا لما يقدمه هؤلاء الأبطال من قيم تحتاجها المجتمعات، أو ما تحلم به. على النقيض من ذلك العالم المتقدم تحكمه المؤسسات والمرجعيات الثابتة التي يجتمع حولها الجميع،والتي توصلت هذه المجتمعات إلى صيغتها عبر سلسلة طويلة من التجارب الخائبة وبحور من الدماء.لم يعد العالم المتقدم في حاجة لبطل بقدر حاجته للعالم والمخترع والمبدع الذي يقدم جهده للمجتمع،ومن ثم للإنسانية كلها،في إطار الثوابت والسلم المجتمعي وتأسيس واحترام حرية الفرد. مجتمعنا يحلم بالرمز الشريف العفيف الذي لا يتردد في قولة كلمة الحق حينما يتراخى الآخرون، وتحمل مسؤولية ما يقول، بل والثبات على ما يقول. يحلم بمن يحسن اختيار الموقف والخطاب وعدم التردد في المجاهرة بالموقف، وتحمل تبعات الموقف، ومن هنا كان احتفاء قطاعات واسعة من الشعب السوداني بابراهيم الشيخ الذي جسد لهم قيما غابت طويلا وطرح لهم نموذجا جديدا للقيادات السياسية، فالمجتمعات ليس من السهل أن تمنح صفة البطولة لكل من هب ودب. نموذج ابراهيم الشيخ يؤكد أن حواء السودانية،رغم عقم الحال والمقال، ما زالت قادرة على إنجاب بطل من عامة الناس،ونموذج جديد رفيع للقيادة، بلا مجد موروث، يتحدث بلغة الناس،يخاطب العقول، سلاحه الكلمة، ويمشي على قدميه في الأسواق ولا يمتطي صهوة دبابة أو يتمنطق بخنجر. (عبدالله علقم) mailto:[email protected]@yahoo.com
|
|
|
|
|
|