إذا كنت من سكان مدينة أم درمان، أو مدينة بحري.. وتتطلب ظروف عملك المرور يومياً بالشارع الذي يبدأ من مدخل بحري (كبري شمبات) حتى جامع مولانا السيد علي الميرغني (غرب مستشفى بحري).. فمن المؤكد أنك أحد (شهود العيان) في محكمة التأريخ ضدنا. بالله عليكم حدّقوا معي في (مقطع الفيديو) الذي أضعه أمامكم منثوراً في هذه السطور. قبل ثلاثة أشهر- تقريباً- بدأت شركة محترمة في (سفلتة) هذا الشارع القصير الضيق.. سفلتة اتجاه واحد، الذي يسير من الشمال (عند مهبط كبري شمبات) إلى الجنوب في اتجاه جامع مولانا الميرغني.. وهي ليست عملية تشييد للطريق، بل مجرد إعادة سفلتة فهو- أصلاً- موجود لكنه ممزق. بعد كل هذه الفترة الطويلة أنجزت الشركة نحو كيلومتر واحد أو يزيد قليلاً.. آليات حديثة وعمال ومهندسون وإداريون.. وعرقلة المرور على مدار اليوم. كل من مرّ بهذا الشارع خلال الشهور الماضية هو (شاهد عيان) على ضياع مستقبلنا القومي.. فإن كان إيقاع العمل في بلدنا برمزية كيلومتر طريق مسفلت كل ثلاثة أشهر.. حتماً السودان (سيستكمل النهضة) على رأي برنامج حزب المؤتمر الوطني لكن في (يوم القيامة العُصر). بكل تأكيد للشركة قائمة أعذار تتكئ عليها لتبرير (سلحفنة) وليس (سفلتة) الطريق.. وللحكومة- أيضاً- تبريرات أخرى من مثل (الحتات كلها باعوها) فليس لدينا ما ندفعه إلى الشركة لتكمل الطريق بالسرعة المطلوبة.. فكل البلاد تعيش الآن تحت طائلة (تبريرات) لتجميدنا.. التجارة توقفت.. المصانع.. التنمية.. وحدها الحروب التي لم تتوقف. قبل نحو شهرين، كنت أتفرج في الفضائيات على احتفال مصري بافتتاح مشروعات جديدة.. لم يكن ممكناً قصّ الشريط التقليدي لزحمة المشروعات.. فجلس الرئيس السيسي في قاعة وأمامه شاشة كبيرة تُعرض فيها المشروعات التي أنجزت في أقل من عام.. سأقرأ لكم جانباً منها.. طريق بطول 850 كيلومتراً بمسارين.. كل مسار يتسع لـ 6 سيارات.. وبين المسارين جزيرة عرضها 12 متراً.. ومع الطريق (134) كوبري.. وعشرات الاستراحات ومحطات الخدمة في الطريق.. وسلسلة طويلة من المنشآت.. كل هذا حزمة واحدة في أقل من عام. ما الذي أوصل البلاد الآن إلى سرعة كيلومتر واحد كل ثلاثة أشهر؟. الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تكون برنامج عمل ليس للحكومة- فحسب- بل للبلاد- كلها- لتخرج من نفق السلاحف، ونواكب العالم من حولنا.. فالذي يركب في قطار لن يدرك سرعته إلا إذا نظر من النافذة إلى العالم من حوله.. وبمقياس العالم حولنا الآن.. حتى في عالمنا الأفريقي ندرك عمق أزمتنا الوطنية. فقدت عملتنا الوطنية قيمتها، وفقدنا نحن قيمة (الوقت).. فسفلتة هذا الطريق القصير يبدو أنها لو اكتملت في شهر أو سنة أو يوبيل فضي.. لا تمثل هماً أو قلقاً رسمياً.. فالحكومة تعيش الآن مرحلة (الزهايمر) النفسي.. حالة فقدان حاسة الزمن.. وتضخم حاسة (ملحوقة)!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة