دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
غربة أهل الخطاب الديني (بالبورد) 000والسعي نحو تقزيم (المغزى) الديني !!!
|
يعكس الخطاب الديني السائد في البورد بوئساً حقيقياً ومعرفة تلقينية تتقاطع بحدة مع مجمل ما يدور في عالم اليوم وليس في ذلك غرابة فهو على ما يبدو من طرحه ونهج تفكيره وتصديه للامور ينطلق من ذهنية الخطاب السلفي القادم من الجزيرة العربية0 قد يكون البعض من هؤلاء بحكم صغر سنه وحداثة تجربته في الحياة وانبتاتها في غير جذورها(الوطن الام) مع عقلية فطرية يقينية أكثر قابلية لهذا النوع من الفكر، ولكن ما بال البعض يرهنون تجربة ثرة كاملة من المعارف الوضعية والتجارب الحياتية المنبثقة من جذور ثقافة مجتمعات لها أبعادها الاثنية والدينية0؟؟ هنا مكمن الغرابة والاندهاش أمام هذا التغييب القسري للبعد التاريخي والاجتماعي للدين0 قد يكون من مصلحة الخطاب السلفي اهدار البعدين التاريخي والاجتماعي للدين والنصوص المقدسةوهذا وضع طبيعي يتسق مع سعيه الدؤوب لاكساب قيمه وعاداته البدوية صفة الاطلاق بحيث تكون هي الهوية الحقيقية للدين الاسلامي0 وهو نهج بدأ في بواكير الفتوحات الاسلامية عندما شعر الاعراب أن الدول التي تم فتحها تتمتع بعمق ثقافي حضاري قوي جارف فخافوا الذوبان ، وكان رد فعلهم الفوري هو اللواذ بالدين لحماية هويتهم، ومن هنا ظهر الدور القوي لمفبركي الاحاديث النبوية× خصوصا وان الفترة واكبت بداية تجميع الحديث وكتابته، مع العلم أن النبي (ص) والخلفاء الراشدين نهوا عن ذلك بشدة، ويكفينا هنا موقف الخليفة عمر بن الخطاب مع راوي الاحاديت الاول- فيما بعد- ابوهريرة، وتهديد الفاروق له بنفيه ان استمر في التحدث بلسان النبي (ص)0 وغني عن القول أن ابوهريرة تبوأ مكاناً لائقاً في عهد معاوية بن أبي سفيان وشكل بذلك مع عدد من الفقهاء أول نواة لفقهاء السلطان0 ولذلك نستطيع أن نفهم كل شيء في سياقه عندما نكتشف أن الاسلام السلفي في وقتها وحتى راهن اليوم يضع الحديث النبوي في خانة المقدس مع النص (القرآن الكريم)ويطلق عليه من الاسماء ما لها من دلالة (ممنوع الاقتراب) مثل السنة المطهرة 00الخ0 مع العلم ان الاحاديث عندما جمعت بلغت حوالي 600.00 حديث تقريباً وما صحح منها بلغ 4.000 حديث عن الشافعية، و17 حديثا فقط عن الحنفية!!! (لاحظ النسبة والتناسب)0 اضف الى ذلك السعي الى جعل تفسير فقهاء القرون الوسطى بمثابة قول منزل لا يأتيه الباطل، وتفريغه عمداً من بعده التاريخي والاجتماعي الذي تم فيه التفسير، وهذا بالطبع ضد طبيعة الاشياء، فالقرآن نفسه كنص مقدس لم يتنزل بلغة غير لغة المجتمع الذي ينتمي اليه مبلغ الدعوة كوسيط بين السماء والارض، وهذا أول دلائل واقعيته وعقلانيته كدين وبشريته كنص قابل للتفسير والتأويل0 وما اسباب نزول الايات والناسخ والمنسوخ الا تدليل آخر على أهمية البعد التاريخي والاجتماعي0 فمراعاة بعض الآيات لعادات المجتمع المترسخة والتدرج في احكامها واستبدال بعضها بأخريات يشرح باستفاضة البعد الاجتماعي وعدم اغفاله0
نسوق كل ذلك للتدليل اولاً ان الايات التي تترى علينا هطولاً بغير ضابط في هذا البورد لا تلقى هكذا جزافاً دون التروي في أسباب نزولهاوالسياق التاريخي والاجتماعي الذي نزلت فيه (أي المعنى) والذي كما يقول نصر ابوزيد: ذو طابع تاريخي ، أي أنه لا يمكن الوصول اليه الا بالمعرفة الدقيقة لكل من السياق اللغوي الداخلي والسياق الثقافي والاجتماعي الخارجي0 ولكن يبغى الاهم من ذلك ما هو المغزى الحقيقي والغاية المنشودة من التأويل والاجتهاد؟ لأن المغزى أن لم يلامس المعنى بشكل أو بآخر يبتعد عن (التأويل) ويقترب من التلوين (نصر ابوزيد) والذي هو من حيث المضمون نوع من التلفيق0 لأن المعنى يتمتع بقدر ملحوظ من الثبات النسبي بينما المغزى ذو طابع متحرك مع تغير آفاق القراءة وان كانت علاقته بالمعنى تضبط حركته وترشدها ، أو هكذا يجب أن تفعل ( ابوزيد)0
رجوعاً الى راهننا نجد أن الفكر السلفي يتجاهل المغزى تماماً ويحرص على حرفيةالمعنى اتساقاً مع ذهنيته الماضوية وبالتالي تخرج الفتاوى -هكذا- مجردة مربكة لا تجد لها مغزى او هدف حقيقي يصب في مصلحة الدين كرسالة0 والشاهد انهم بهذه النظرة الانغلاقية سائرون بالدين الى دائرة منغلقة أشبه في ذلك باليهودية التي تحولت بفضل انغلاقها وزهدها في كسب الانصار الى حالة عرقية0 وهذا عين ما يحدث اليوم، فللتدليل يكفي أن ننظر الى مثل بعض الفتاوى من شاكلة (حرمة تهئنة المسيحين باعيادهم) أو تلك النظرات والايماءات الاستحقارية التي تذخر بها ادبياتهم تجاه الآخر غير الديني ، ولمزيد من الدقة أنها تصدر حتى باتجاه الآخر المسلم من غير مذهبهم0 اننا اذا بصدد مذهب لا يهتم سوى بتكريس رؤيته وفهمه البشري (لا المقدس) للدين على الآخر المسلم من باب اعادة الانتاج، وغفل الباب أمام الآخر غير المسلم بخلق حالة من العداء والتنفير لا تسمحان بالاقتراب منه0
بالطبع أن المذهب السلفي عندما ينطلق من هذه الذهنية بكل مواقفها العدوانية فهو في ذلك مثله مثل غيره من بقية المذاهب الفكرية الاسلامية المتعددة، والتي تتفق جميعها بما فيها السلفي في أنها لا تمارس نقد ذات أو تقف موقف المتصالح مع نفسه حتى يتم التصدي لهذه الوهدة المؤلمة التي انحدرت اليها الأمة الاسلامية والتي بالطبع ليس من أسبابها التهنئة بالكريسماس او تقصير السروال أو تنقيب المراة، بل هي تكمن في هذا العجز المريع المتمثل في الجهل المستشري والتخلف الحضاري وعدم القدرة على التصدي لحقائق الحياة الآنية واكتفائنا بدور المتفرج أو بالاصح المستهلك البليد لمنتج الحضارة الراهنة0 هذا الاحساس بالدونية اتجاه هذه الحضارة المتفوقة والذي يتوغل عميقاً في بنية العقل السلفي تجعلنا نفهم اصراره على تمثيل دور الكهنوت الديني وسعيه الحثيث لامتلاك الحقيقة كما هي منزلة من الله لأنه الوحيد صاحب المقدرات الخارقة ( لاحظ ترديد عبارة العلماء قالوا وانتشارها في البورد ) التي تتيح له تجاوز كل الشروط والعوائق الوجودية والمعرفية والوصول مباشرة الى القصد الالهي الكامن في هذه النصوص0 وهو ادعاء خطير يدخله في منطقة شائكة هي منطقة (الحديث باسم الله ) وفي هذا فهو يسلك مسلك الكنيسة في صراعها التاريخي من العلم والعلماء في القرون الوسطى (بوزيد)0
من المؤكد أن لهذا اليقين الذهني والحسم الفكري اسبابه التاريخية والاجتماعية المنبثقة من الثقافة البدوية غير المعقدة والتي لم تشهد انبثاقات حضارية متشعبة تولدت عنها ثقافات مركبة وعادات وتقاليد ضارية في عمقها التاريخي المتجاوز زمنيا للحضارة الاسلامية0 والطريف في الأمر أن كثير ممن أوكل لهم حمل الرسالة الاسلامية في ما بعد نحو اصقاع الارض لم يهدروا هذه البدهيات بل توسلوا لها هذه الموروثات الثقافية وكانت سبباً قوياً وحاسماً في انتشار الاسلام، وليس وطننا بمثل بعيد عن هذا0 فلولا هذه الصوفية (المفترى عليها) وتوسلها لثقافات وعادات أهل السودان ، لا ادري عن أي دين كان سيتحدث أحفاد هذه القبائل في هذا البورد؟؟؟؟0 انه في حقيقة الأمر ليس سوى الاهدار المتعمد للبعدين التاريخي والاجتماعي حتى يصلوا الى هذه اللغة التجريدية لمعنى ومغزى الدين والاديان عمومها منذ بدء الخليقة0 من المضحك أن يتحدث شخص عن تسامحنا كسودانيين دون أن يرجع ذلك الى تركيبة مجتمعاتنا المتباينة ثقافياً وعقائدياً واثنياً، مما يجعل الحياة مستحيلة ان لم تقم على التسامح والرغبة في العيش الطوعي بين هذه الكيانات0 كما أنه من باب الاستسهال أو الغفلةان شئنا الدقة ان لم نشر لدور الاسلام السلفي ورغبته الدفينة في قمع الآخر مما انتج هذه الكوراث والمحن التي نعايشها واقعاً في وطننا المنكوب0 ولنا أن نسأل هؤلاء المتسألين عن حرمة تهئنة المسيحي بعيده، ما هي الكوارث التي جلبتها لنا تهنئتنا لأخواننا الاقباط ، الهنود، الارمن، اليونانيون وكذلك الجنوبيين الذين نشاركهم الوطن نظير تلك الكوارث التي جلبناها لأنفسنا حين سعينا لقمع ثقافاتهم وأديانهم؟؟؟ في الاجابة الامينة على هذا السؤال يكمن تفسيرنا لمعنى اهدار البعد التاريخي والاجتماعي الغائب اصلا في الثقافة البدوية لشبة الجزيرة العربية ذات النسق الديني والعرقي الواحد، علماً بأنها رغم هذه المميزات فشلت حقاً في خلق واقع نموذجي داخل اراضيها، حيث الاحتراب القبلي له جذوره التاريخيه وحتى اللحظة الراهنة والذي بات يتخذ اشكال متعددة، هذا فضلاً عن الاضطهاد (الجندري) المؤسس له دينياً0
ختاماً يحق لنا أن نسآل هؤلاء المتبنون للخطاب السلفي بالبورد، لماذا لا تذهبون عميقاُ في قناعاتكم حد الاتساق المنطقي مع الاطروحات التي تتبنونها ، مثلا: ما معنى التعامل مع الحداثة تقنياً بشكل براغماتي واغفال ان هذا الناتج الحضاري هو صنيعة (كافر) والمضحك هذا الاحتفاء المثير لكل منتوجه مع العمل بشكل سافر لوأد أسبابه المنطقية (العلم الوضعي) كما هو حادث في بعض البلدان، وكما جرى من تهديم لبنية التعليم بالسودان مؤخراً0 ان اعمال العقل للخروج بتأويل مناسب لاستخدام الانترنت بدلاً عن الحمام الزاجل والكذب الصراح والتدليس في المعلومات في سبيل الحصول على تأشيرة للغرب (الكافر) بعد ظلم ذوي القربة، كان سيكون أكثر اشراقاً واعظم أثراً لو كنتم تستخدمونه بما يحقق التقارب الانساني وغرس بذور المحبة حتى يتم تمهيد الارض لدعوة رسالة منوط بها أهل الارض جميعاً وليس الوهابيون ومن لف لفهم الى يوم الدين0 والله من وراء القصد، وليس كما يتفضل بعض المتحذلقون بالتبرع بمفردات الادانة والمهاترة0
عبد الخالق السر/ ملبورن
|
|
|
|
|
|
|
|
|