دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: أربعة كتب دفعة واحدة لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
3- مقطع من سيلفيا الفصل ال 6"6" الرحلة إلى هانوفر/ألمانيا 1-7 أسباب الإفلاس المادي ونتائجه كانت من ثراء الروح!كانت سيلفيا شابة مسرفة في الثراء الروحي والعطاء الرومانسي، أما أنا فلم أكن سوى صحراء ظامئة تلتهم الغيوم الماطرة. كان من عادتها أن لا تتحدث معي إلَّا وهي محدقة في عينيَّ، ومثلها أفعل أنا؛ فتلك هي عادة القوم ههنا. فعندما يتحدث أي إنسان مع الآخر ينظر إليه بغض النظر عن نوع العلائق القائمة بين الناس. فمن الاحترام أن تنظر في عيني الآخر حينما تحدثه أو يحدثك ولا يهم طبيعة الحديث بينكما، فذلك مذهب اجتماعي وسلوك ثقافي هولندي. أنت تفعل ذلك ولو كنت في قسم الشرطة. لكن ما تفعله سيلفيا كان خارقاً للعادة! كانت عينا سيلفيا رائعتين -وِفْقَ شريعة الرب- بلا مساحيق تجميلية أو مراويد. وكانت كل فيزيائها طبيعية وعطرة وبراقة بطريقة يخالجك الظن عندها بأنها مخلوقة من الماس. وكانت عيناها في عينيَّ عندما تتحدث، وعيناها في عينيَّ عندما تصمت. كان هناك هاجساً واحداً يقطع تراسل تحديقنا في عيوننا -وهو النوم- وكانت سيلفيا تعاديه أشد العداء.كنا نضفي على البيت -المُطِلِّ على الراين- كتلة من الإشعاع وعندما نترجل كسالى إلى شوارع المدينة المسالمة كان من عادة سيلفيا أن تشبك يدها بيدي، ويشتد وقع أناملها الرقيقة على يدي بين الفينة والأخرى، وأنا أبادلها المشهد بالمشهد وأشد. وفي إحدى المرات ونحن في حالتنا تلك في صف السينما "باثي فلبربلاين" أطلقت سيلفيا سراح يدي وبدأت تحدثني كعادتها معلقة عينيها في عينيَّ، وعندما أفقنا لبرهة من سكرتنا تلك وجدنا أنفسنا وحدنا في البهو الخارجي لدار السينما وقد انتهى العرض وأغلقت الدار أبوابها، فقفلنا راجلين -في تشابكنا المعهود- إلى نهر الراين ونحن نضحك منَّا ونتحدث عنَّا. مرت شهور ونحن نحدق في عيوننا ونتصادم في شقتنا المُطِلَّة على خيط الماء، ونتسامر على شاطئ نهر الراين، ونتسكع في شوارع مدينتنا الأثيرة متشابكين بطريقة جعلت أحد أصحاب المحلات التجارية يلاطفنا بتشبيهنا بشعلة آيس كريم من الفانيلا والشكولاته! وكنا في لحظة محددة نسجل غيابا كُلِّيَاً عن الوجود القائم من حولنا ونمثل شيئين يقومان في استقلالية كاملة عن بقية الأشياء والأحداث والكائنات. كان مشهداً من الخيال! حتى إذا ما جاءنا خطاب من الشركة التي نستأجر منها بيتنا تَكَشَّفَ لنا أننا لم نسدد فاتورة الإيجار لثلاثة شهور سابقة وتلك كانت كارثة كبيرة، إذ أننا لم نكن نملك ربع ذلك المبلغ المتوجب تسديده في خلال عدة أيام فقط وإلا فعلينا إخلاء الشقة- شقتنا الأثيرة المطلة على نهر الأحلام- مستحيل!. فقررت سيلفيا –بمفردها- قبل أن تعطيني الوقت اللازم كي أفكر معها، فاتصلت هاتفياً بقريبتها المليونيرة (نيللي) -التي تقيم في ضاحية مدينة هانوفر الألمانية- وذلك لتستدين منها المبلغ المطلوب. غير أن ما حدث في نهاية المطاف كان أمْراً مختلفاً جداً عن الفكرة الأولية التي خطرت لسيلفيا!. 2-7قطار هانوفر تحدثت سيلفيا ذلك المساء عدة مرات مع المليونيرة نيللي قريبتها من جهة والدتها (هينكا)، وظلتا -سيلفيا والمليونيرة- تتحدثان على الهاتف حتى غلبني النوم دون أن أتعرف -تلك الليلة- على خلاصة المفاوضات.وفي صباح اليوم التالي صحوت باكراً -على غير العادة- بينما كانت سيلفيا تنام –كعادتها- لصيقة بي في كينونتها الملائكية فتأملتها برهة وهي لا تزال نائمة فامتلأت بالروح القدس، فابْتَسَمْتُ ثم نَهَضْتُ.وما هي إلا لحظة -وأنا في طريقي إلى الحمَّام- حتى رأيت حقائب سفرنا معدة وشهدت بقايا فوضى في أركان البيت. لم أفكر كثيراً. بل أعددت لنفسي فنجاناً من القهوة وهيأت لسيلفيا فنجانها متى ما تهيأ لها النهوض من النوم. وذهبت بعد ذلك لأجلس على الشُرْفِةِ قبالة النهر يعتصرني مزيج غريب من المشاعر من طمأنينة، وفرحة وانتصار وفيض آخر من المشاعر لم أستطع التعرف على كنهه في الحال، وتدغدغني مَسْحَةُ حزن رهيفة لم تكن قادرة على فرض نفسها كحدث جدير بالاكتراث. ولوهلة، وبينما أنا أحتسى ثمالة القهوة شعرت بسيلفيا تطوقني من الخلف بينما هي تسألني "هل أنت جاهز للسفر؟!" فاستطعت أن أتصور من تلقاء نفسي أننا مسافران إلى هانوفر. وتركتها دون إجابة وتركتني دون أن تسألني من جديد، لكن دون أن تفك وثاقي. فظلت لبعض الوقت متكئة على ظهري، صدرها من خلفي وأنفاسها في أنفاسي والنهر يتلألأ من أمامنا. وبينما نحن في القطار السريع المسمَّى (تاليس) المتجه ناحية هانوفر، حدثتني سيلفيا عن معنى الرحلة وعن تفاصيل المهمة. ولم يكن ليهمني شيء، فما دام الإنسان في جوار سيلفيا فلا معنًى للقلق! المليونيرة نيللي تنحدر من أب ألماني وأم هولندية. الأب الألماني من أب أمريكي من مدينة تكساس وأم ألمانية من هانوفر. وكان أبو نيللي مليونيراً من الطراز متوسط الحال، توفي ذلك الأب قبل عدة سنوات ودفن في تكساس فورثته الابنة نيللي. لم ترث نيللي أموال والدها وممتلكاته فحسب؛ بل ورثته بالكامل، كل شيء تقريباً، بما في ذلك عاهاته النفسية والجسدية. فهي حولاء وتشبه (مستر بِنْ) ولا يهمها شيء في الوجود غير الحيوانات والحشرات وركوب الأحصنة والأفيال. وليس ذلك فحسب؛ بل ورثت المزيد، فهي امرأة فظة، جشعة، أنانية، مغرورة ودميمة!. وتَصَادَفَ أن كانت السيدة نيللي مسافرة إلى تكساس في مهمة عاجلة تلك الأيام وكانت تبحث عن شخص جدير براعية قَصْرِهَا الواقع على سفح جبل في إحدى ضواحي هانوفر. حيث تقيم وحدها، لكن هناك من هم معها وتحبهم جداً: عدد من الأحصنة وحيوان واحد من فصيلة الكنغر الأسترالي ورهط من الكلاب والقطط وتشكيلة منوعة من الكائنات البحرية والحشرات الجميلة الملونة. كان بيتها مثل سفينة نوح!. وكان علينا -أنا وسيلفيا- رعاية سفينة نوح والاهتمام بها والحفاظ عليها لمدة شهرين كاملين إلى أن يعود صاحبها من جديد إلى داره لقاء أن نحظى –نحن- بمبلغ ثلاثة آلاف دولار فقط لا غير. وهناك عقوبات قاسية في حالة الإخلال بأيًّ من الشروط التي وضعتها لنا السيدة نيللي من طرف واحد فوافقت سيلفيا عليها دون أن تخبرني في الحال، وذلك من واقع تقديرها لظروفنا المادية الحرجة.أصبحنا على مشارف هانوفر.. لم أكن قد تَشَرَّفْتُ برؤية نيللي بعد.. ولكن هناك صورة متخيلة عن نيللي وعن المهمة برمتها ارتسمت في رأسي بناء على حديث سيلفيا المسهب عن السيدة نيللي وعن المهمة ونحن بعد في القطار وسيلفيا لا تزال تحدثني وهي مستلقية على حِجْرِي. وما هي إلا لحظات ووجدنا نيللي في انتظارنا بسيارتها الفضية ماركة (بي أم دابليو) في محطة قطارات هانوفر.3-7قصر السيدة نيلليتَكَشَّفَتْ لنا السيدة نيللي من عدة أمتار وهي تتكيء على مقدمة سيارتها الفضية، وعندما نَهَضَتْ بدت نحيفة وطويلة القامة بطريقة لافتة للنظر في قميص أبيض وبنطال جينز أزرق ناصل اللون. كانت تبدو في الخمسين من العمر. وعندما اقتربت منها وجدتها حولاء كما وصفتها لي سيلفيا، ومستطيلة الوجهة بطريقة مربكة للمتأمل. وكانت وحشية العبارة لكنها داهية وفي منتهى الذكاء. قَبَّلَتْ سيلفيا كما يفعل الناس ههنا، قبَّلتْها ثلاث مرات على خديها وقالت لها: "شَبَّ ساعدك وأصبحت أجمل مما كنت عليه"، فقد كانت آخر مرة ترى فيها سيلفيا عندما كانت سليفيا بنت تسع سنوات. ثم حيتني أنا مصافحة بيدها وهي تلتفت إلى سيلفيا وتقول لها: "طبعاً هذا هو صديقك الذي أخبرتِني عنه". فأجابت سيلفيا بشهية: "نعم سيدتي، ذا هو صديقي، ونحن نعيش معاً". أدارت نيللي محرك السيارة وسألتنا إن كنا جوعى!. كنت أجلس في الخلف بينما جلست سيلفيا في الأمام بجانب السيدة نيللي، فأجابت سيلفيا بكلمة واحدة "ربما"، والتفتت إليّ -وأنا ألوذ بالصمت- تسألني إن كنت قد سمعت سؤال السيدة نيللي، فأنكرت، فكررت السيدة نيللي سؤالها فأجبت: "نعم". ذهبت بنا نيللي إلى مطعم يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن محطة القطار. جلست سيلفيا على المائدة في مواجهة السيدة نيللي مباشرة، بينما جلست أنا بجانب سيلفيا من جهة اليسار. كان المكان جميلاً ونظيفاً وغير مزدحم. وما لبثت نيللي أن شرعت تخبرنا -بقليل من العبارات- عن دواعي سفرها إلى تكساس المقرر عصر الغد. ثم حدثتنا مثرثرة عن كائناتها الجميلة وهي تسميهم بأسمائهم بما فيها الأسماك والحشرات. وكانت بين الفينة والأخرى تصك أسنانها وتتحسس عنقها، ولاحظْتُ لبرهة أن يدها كانت ترتعش عندما تَهُمُّ برفع الطعام إلى فمها.شعرت لوهلة بالخوف من إهتزاز السيارة الفارهة التي كانت تئن وتكاد تتراجع بينما نيللي تدفعها دفعاً إلى سفح جبل بُنِّي اللون حيث يقع بيتها، نحو عشرين كيلومتراً شرقي هانوفر وعلى مسافة ليست بعيدة عن (برونسبيرق) ناحية الشمال.واو واو واو! هكذا عَبَّرَتْ سلفيا عن دهشتها حينما ترجلت من السيارة وهي تتأمل القصر وتتلفت في الاتجاهات الأربعة. كان حقاً مشهداً خيالياً. كان مشهد القصر جميلاً من الخارج وكان الفضاء كله متاحاً للنظر. بحيث تستطيع من هنا أن ترى السيارات في شوارع هانوفر على بعد عشرين كيلومتراً. كانت البيوت متفرقة ومنوعة الشكل والأحجام، وكانت المساحات المتعرجة واسعة وخضراء تَسُرُّ البصر. وهناك مزرعة نيللي أمام الدار، واسعة وطبيعية النظام. ورأيت في المزرعة عدة أحصنة مرفوعة الرؤوس وكأنها تتأهب للسباق. وكان هناك عدد من الأشكال الهندسية حول القصر، كانت تلك بيوت كائنات نيللي. وفي لحظة محددة شعرت بسيلفيا تصرخ بأعلى صوتها وهي تناديني "سيدني، أووه سيدني!" فطفقت أبحث عنها في كل الفجاج وجئتها مندفعاً ومرعوباً بعض الشيء فوجدتها أمام حوضٍ للسباحة وهي تتقافز في الفضاء فَرِحَةً وتقول لي "يوجد حوض سباحة هنا" إذ أنها كانت مغرمة بالسباحة إلى درجة الهوس.4-7سيلفيا في مواجهة مع السيدة نيلليفي صباح اليوم التالي وعند حوالي التاسعة صباحاً وبعد أن تناولنا وجبة إفطار في وُدٍّ وحميمية، شرعت السيدة نيللي تطلعنا على مهمتنا التي جئنا من أجلها، أخرجت لنا من تحت الطاولة وثيقة من ست صفحات تخبرنا فيها بكل شيء وتتضمن أرقام إسعاف الحيوانات وطبيبها البيطري في هانوفر، وهاتف المطافئ والشرطة وكل شيء تقريباً، كل شيء. وظلت تُدَرِّبُنَا ربع ساعة تقريباً على التعامل مع جهاز الإنذار في البيت. وعرضت علينا (كتالوجات) تشمل شروحات مفصلة لكيفية إطعام كل حيوان على حِدَة، والتعامل معه والاعتناء به. وكانت صارمة جداً معنا وحادة العبارة وحاسمتها. وحذرتنا تحذيراً صارماً أكثر من مرة وهي تشير إلى أننا مسؤولون مسؤولية قانونية وأخلاقية عن أي إخفاق قد يحدث خلال أدائنا لعملنا. وكتبت لنا على ورقة خاصة رقم هاتفها في تكساس لاستخدامه عند الضرورات الطارئة. وأخرجت لنا تعهداً مُعَدَّاً سلفاً من أحد مَلَفَّاتِها مضينا عليه أنا وسيلفيا بعد أن قرأتْهُ علينا في رَوِيَّةٍ تضمن بنوداً مجحفة ومكتوبة بلغة جافة تنم عن ترهيب وتخويف ووعيد. وحينما أسندت سيلفيا مرة يدها على كتفي بشكل تلقائي، أمرتها نيللي بأن تعتدل بلغة صارمة وحادة وكأننا في قاعدة عسكرية وقالت في ما معناه "لستم هنا في شهر عسل، بل من أجل المهمة التي اتفقنا عليها، مفهوم؟". فأجبنا معاً بـ "نعم سيدتي" ونحن نشعر بالمضض. ووزعت علينا المهام. وكانت مهمتي أنا في الأساس التعامل مع الخيول والاعتناء بحيوان الكنغر وكان من نصيب سيلفيا الأسماك والحشرات الملونة. وشَدَّدَتْ على أن المسؤولية تضامنية في نهاية المطاف.وعند حوالي الرابعة عصراً كنا أنا وسيلفيا نقف قبالة السيدة نيللي نُوَدِّعُهَا ونحن نستعجل في ضميرنا ذهابها، نودها أن تغور!. وبينما هي على وشك أن تفتح باب السيارة في اللحظة الحاسمة التفتت إلى سيلفيا وسألتْها سؤالاً حرجاً ومباغتاً، بلا مقدمات، قائلة: "كيف لي أن أثق بهذا الرجل"؟"، كانت تعنيني، وظلت لبرهة تحدق نحو سيلفيا في انتظار الإجابة، متجاهلة تماماً وجودي المادي. في تلك اللحظة رأيت شفتي سيلفيا ترتعدان وكأنها تَهُمُّ بقول شيء ما لكنها انفجرت باكية وغاضبة وخبطت الحائط المجاور بزهرة برية كانت تود أن تهديها للسيدة نيللي في اللحظة الأخيرة من الوداع، وظلت تنتحب لحوالي خمس دقائق، وكانت تردد: "أنْتِ امرأة سيئة، أنا آسفة أنني في بيتك" ثم ضربت سيارة السيدة نيللي بقبضة يدها من الأمام ثلاث مرات بينما بدت نيللي مرتعبة وفي حيرة من أمرها، كانت تحاول تهدئة روع الفتاة بعبارة: "أنْتِ أسأتِ فَهْمِي"!. فردت سيلفيا بالنفي، وقالت عبارة حادة في مواجهة السيدة نيللي: "أنتِ امرأة عنصرية!"، فارتعبت السيدة نيللي أكثر والتفتت إليّ وأنا أحتوي سيلفيا بذراعي بينما هي تنتحب، قائلة: "لا تسيء أنت أيضاً فهمي مثلما فعلت سيلفيا". فرددت عليها:"لقد وجهت سؤالاً يحتاج إلى إجابة والإجابة من عندي أنك تستطيعين أن تثقي بي وربما بكل أبناء جنسي"، ففهمت نيللي فحوى الكلام وقالت تجاملني: "أنت رجل عظيم!". عندها احتويت سيلفيا على صدري بشكل أكثر قوة ورفعت يدي اليمنى آمراً السيدة بالمضي إلى شأنها. ووعدتها بأنني وسيلفيا سنعمل كل ما بوسعنا من أجل رفاهية تلك الكائنات الجميلة، لا لأيِّ شيء آخر غير أنها جزء من الطبيعة التي نحب، فنظرت السيدة لبرهة ناحيتي مبدية ابتسامة رضا أحسستها متضمنة رسالة اعتذار ما!. وفي اللحظة الحاسمة وهي تَهُمُّ بالرحيل قالت تذكرني: "لا تنسَ أن تُرَوِّضَ الحصان (بيرا) فقد أخبرتني سيلفيا بمقدراتك الكبيرة!". وبعد ذلك شرعت تمضي في سبيلها إلى تكساس موطن أبيها وأهلها الأوائل.وبينما سيارة نيللي تبتعد عن أعيننا لتتوارى تحت سفح الجبل كانت سيلفيا لا تزال غاضبة تردد كلمة (حقيرة) وأكثر من ذلك!. كان في خاطري شيء آخر!. فسألت سيلفيا عن فحوى قصة ترويض الحصان (بيرا) التي قالت بها السيدة نيللي؛ فأنا لست بسائس خيول ولم أركب ظهر حصان ولو مرة واحدة طوال حياتي، ولم أقل لها أي شيء من هذا القبيل. فإذا بسيلفيا تقاطعني بصرامة: "أنت قلت لي إنك تستطيع أن تصطاد التماسيح بيديك عاريتين فلن يصعب عليك ترويض الخيول الجامحة".5-7سيلفيا تأمرني بقتلها!مضت نيللي إلى شأنها فأصبحنا أنا وسيلفيا وجهاً لوجه في قصرنا الفسيح. ولجت سيلفيا إلى الداخل بينما جلست أنا على أريكة في بهو الدار الفسيحة قبالة أرجوحة صغيرة تلعب بها النسمات الشمالية العابرة أراقب صمت الجبل المهيب وأطرد من خاطري أطياف السيدة نيللي المزعجة. وما هي إلا لحظات وعادت سيلفيا في إزار رهيف تلاعبني كعادتها. ثم مضت، لتجلس على الأرجوحة وهي تتهادى من فوقها وتردد: "انظر ناحيتي ، عاينني"، وتكررها مراراً وأنا لا شأن لي غيرها. مذ التقيتها قبل عدة شهور أعاينها وتعاينني، أراقبها وتراقبني، دون أن ألتفت ولو مرة واحدة إلى وجهة أخرى مهما دعت الضرورات حتى لأخالني نسيت ألوان الشوارع وغابت عني وجوه الناس فما عدت أذكر وجه أبي!.تأملتها ملياً وهي لا تزال تتهادى فوق الأرجوحة. رأيتها كطفل غرير. نعم هي طفلة عذبة. تأملتها أكثر فأكثر فوجدتني مثل كل مرة أكتشف أن سيلفيا جميلة بطريقة لا يسعها الخيال، وذكية تحتال على عقل فيلسوف ولطيفة الروح.كانت الشمس ترنو إلى المغيب عندما ترجَّلت سيلفيا بغتة عن الأرجوحة مع تزامن دفقة من هواء الجبل الواني فأزاح عنها نصف إزارها الرهيف لكنها لم تكترث. جاءت ووقَفَتْ أمامي في ابتسامتها الشهية تأمرني بطريقة بَدَتْ جدية، تقول لي: اقتلني. يا لحبيبتي المجنونة!. حسبتها في البدء تمزح، لكنها استلقت على الأرض قبالة الأريكة التي أجلس عليها. وكررتها مثنى وثلاث ورباع وعديد المرات تأمرني: اقتلني!. تأملتها من جديد وهي ترقد من تحتي تأمرني بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأي نفس هي، هي نفس سيلفيا ذاتها!. شهدت وجهها الملائكي يزداد بريقاً، يزهق البصر وكان شعرها ذهبياً تختبئ عنده شُقْرَةٌ رهيفة، وجيدها، وصدرها، وخصرها، وعجزها، وساقاها وأصابع قدميها كل ذلك نسق من آيات معجزاتٍ كُتِبْنَ على لوح من الماس.سيلفيا: روح قدس، وعقل نبي، وجسد حرام. تقول: اقتلني!. لو أن أحدهم من أية ثقافة على وجه الأرض سمعها تقول اقتلني، بينما تَفْتَرٌّ شفتاها عن ابتسامة شهية وترقد أمامي نصف عارية لما خالجه شك في أن الفتاة تود العناق. لكن، لا!. ليست تلك الأثناء!. أنا وسيلفيا لا نفعل الأشياء بتلك الطريقة الحكيمة عندما تداهمنا لوعة الغرائز!. فنحن في لحظة أوجاعنا الحقة لا نعرف الحكمة.لا نتحدث، لا نتفاوض ، لا كلام!. بل هناك فعل، ولا نقول ما نفعل حين نفعل. وإن كنا قعوداً لا نقوم، وإن كنا قياماً لا نقعد. إذ لا وقت لذلك، كنا نتحول إلى حيوانات وحشية كاسرة غير ناطقة.وفي مثل ذلك الأوان، يحدث شيء واحد لا غيره: يحدث هجوم وحشي كاسح. لا شيء غير ذلك. لا حوار، بل هناك حرب! . وكثيراً ما مزقت أنا ثيابها الداخلية ومزقت هي قميصي. فلا وقت ولا صبر لحيوانين جائعين على الدوام. قالت لي سيلفيا -ذات مرة- ولم تبالغ كثيراً إن تكلفة الثياب التي نمزقها في الشهر الواحد تكون كافية لتسديد فاتورة الكهرباء لمدة عام بأكمله! .فنحن لم نكن نتفاوض أو نجامل بعضنا البعض، بل لا نجامل أحداً -كائناً من كان- أوان أوجاعنا الحقة. فقد كنا نتحول إلى حيوانين أنانيين جائعين كُلٌّ يود الفوز بالفريسة كاملة!. لا نعرف بعضنا بعضاً، فلا آخر، لا ديمقراطية، ولا حضارة، هناك عمى! تصير سيلفيا ظبية يانعة تلاعب وحشاً كاسراً جائعاً منذ الأزل في جزيرة نائية لم يغشاها خيال بشر وتتبدل المعادلة كل مرة وأخرى. حيث هناك لا فكرة ولا ذاكرة، لا تذكر، لا كلام ولا احترام!: غريزة فجة وحيوانية بشعة.. وفي لحظة فاصلة تغرز سيلفيا أظافرها في جلدي فتدميني بلا هوادة وبلا رحمة. ثم بعد أن تعود من الغياب، تعتذر: (آسفة).. ثم تفعلها من جديد و (آسفة) وهكذا دواليك. تقول: "اقتلني".. وكانت تعني ما تقول، فيا للجنون، كانت تعنيه حرفياً!. قالت إن الشيء الوحيد في الدنيا الذي يخيفها هو الموت. وهي على يقين أن كل الناس ستموت في نهاية المطاف. وهي أيضاً ستموت ولو أنها لن تموت.. فهل يموت الشهداء!. عند سيلفيا تَصَوُّرُ في تلك اللحظة أن الموت حين يأتي يكون شيئاً بشعاً ومؤلماً ومؤذياً منتهى الأذى، وهي تهابه ويرعبها أشد الرعب وهي على يقين أن سيأتي يوماً ما. ووصلت إلى نتيجة مفادها أن كل شيء أفعله أنا بها ممتع ولذيذ، كل شيء، بلا استثناء، كل شيء. ولهذا تريدني أن أقتلها وهي على ثقة أنها ستستمتع غاية الاستمتاع حينما أبدأ في ذبحها وتقطيعها إلى أجزاء صغيرة وفي بطء شديد لمزيد من الاستمتاع. وما هي إلا هنيهة وأنا في دهشتي تلك حتى فسرت لي سيلفيا تلك الرؤية البائسة ثم اعتذرت عنها ونهضت تعانقي وهي تقول: "أود أن أقول لك شيئا أقوله لك كل لحظة لكنني لم أتفوه به قط: أحبك". وعند ذاك شرعنا في الغياب ثم أدمتني بأظافرها وقالَت: "آسفة". 6-7رجل يستطيع أن يفعل كل شيء!. كانت سيلفيا تثرثر مع أمها من هاتف القصر: " إن رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء حتى المستحيل!". مرت ثلاثة أسابيع ونحن نعيش ونخدم بنجاح في بيت السيدة نيللي. ننام ونصحو. نغيب ونحضر. وسيلفيا تطعم الأسماك وتغسل الأحواض بمادة زرقاء من فصيلة (الكلور). وأنا أعتني بالخيول وأدللها من حين إلى آخر وأتأمل الوحش الأسترالي الوديع بينما أُرَوِّضُ المهر الجامح بيرا، وأروض كذلك المهرة الجامحة سيلفيا بنجاح لا يخطئه البصر. وعند الأسبوع الثاني تعرفنا على نادي الحي عبر جارتنا اللطيفة (كاثرينا) وصديقها المهندس (ليونارد). لعبنا الورق والدومينو والبلياردو وكرة المضرب والشطرنج (لعبتي الأثيرة). والمرة الوحيدة التي ألعب كرة قدم كانت عند مباراة وُدَّيَةٍ لكنها ساخنة بين فريق حي قصرنا وفريق آخر من حي مجاور كان بين أهله وأهل قصرنا ثارات كروية قديمة. فتهيأ لي عبر مصادفة نادرة أن أحرز هدفين لتنتهي المباراة بفوز فريقنا بهدفين مقابل هدف واحد للفريق الآخر. شعرت لوهلة بالفخر والسعادة؛ لأنني نجحت في مجال بعيد عن هواياتي الأساسية. هتف الناس لي وصفقوا، وعانقتني سيلفيا طويلا وهي التي لا تحتاج الفُرَصِ لعناقي. وذهبنا ذاك المساء نحتفل في أحد ملاهي هانوفر. رقصنا وابتهجنا ونحن نتبادل الأنخاب. وسيلفيا تسقيني (التكيلة بالملح والسيترون). وحكت لي سيلفيا لاحقاً أن الفتيات في الملهى قلن لها إن صديقها وسيم وسَامَةً غير محتملة ويبدو أنه راقص محترف يتمايل بسلاسة ويتقافز كالنمر. ورددت سيلفيا ببراءتها المعهودة: "أنا أكرههن، كن يراقبنك أينما ذهبت". كانت سيلفيا فتاة رومانسية إلى أبعد الحدود. لم أقرأ في الكتب ولم أشاهد في الأفلام السينمائية ولا سمعت حتى عبر وسيلة من الوسائل بمن هو مثلها، ففي كل الحياة التي عشناهاً معاً لم تكذب ولا مرة واحدة ولم تُكَذَّبْنِي ولا مرة!. أذكر مرة أنني وجدت كنزاً قَيِّمَاً في أحد أدراج نيللي. كانت هدية من السماء، وجدت كتاباً قديماً عن ترويض الخيول الجامحة تحت عنوان ( كيف تروض الخيول الجامحة) ولا يوجد اسم مؤلف محدد على الغلاف لكن كانت به معلومات قيمة ويتحدث عن طرق سهلة لترويض الخيول الجامحة. لم أكن لأنسى أن نيللي بإيعاز من سيلفيا كانت قد ورطتني في مهمة شبه مستحيلة وهي ترويض الحصان الجامح بيرا، وكنت أعرف أنه ربما تسبب في قتلي إن ورطت نفسي في أية غلطة فادحة معه. لكنني عزمت على ترويضه. فأنا لا أحب أن أخذل أحداً. فعكفت ثلاثة أيام أطالع الكتاب الذي من خلاله استطعت أن أنجز المهمة إنجازاً باهراً أسعد نيللي في نهاية المطاف فأجزلت لنا العطاء. ولذات السبب دعتني نيللي إلى المجيء إلى تكساس الأمريكية في وقت لاحق! .غير أن قراءتي للكتاب لم تكن بلا ثمن، فقد غضبت عليَّ سيلفيا مراراً لأنني لم أعد أهتم بها كالمعتاد ووجدتها مرتين تبكي فوق الأرجوحة وهي تشعر بالأسى لغيابي عنها عدة ساعات في اليوم ولثلاثة أيام ظللت فيها أطالع ذلك الكتاب، ولو أنها كانت تربض بجانبي كل الوقت وكثيراً ما كانت تقاطعني بلا أسباب موضوعية وتداعب قدمها -بين الفينة والأخرى- بقدمي. وعندما بلغت سيلفيا من التذمر أقصاه أخذت مني الكتاب عنوة ورمته بعيداً "أنت لا تحتاجه؛ فأنت صائد تماسيح، فما أسهل صيد الخيول على وحش مثلك!" وكنت قد رويت لسيلفيا في زمان سابق حكاية خرافية من أيام الصبا حول صيد التماسيح تنطوي على كثير من الخيال. ولكي أستطيع إكمال الكتاب اخترعت لها خدعة صغيرة فحواها أنني أقرأ الكتاب من أجل الحصول على معلومات صغيرة تتعلق بسلامة الحصان فأنا أخشى من أن أكسر عنقه، فصدقتني سيلفيا وسمحت لي بإتمام الكتاب!. ووعدتها في المقابل أن أُعَلِّمَهَا كل أنواع السباحة التي أجيد وهي عديدة. فسعدت بذلك أيما سعادة وهي تعلم أن أمي ولدتني فوق ظهر موجة نيلية صيفية في قلب جزيرة أم أرضة قبالة جزيرة رفيدة من جبل أولياء حيث يتعايش الناس والتماسيح وهم يتبادلون التحايا والأشواق. وبالفعل علمتها فنوناً من سباحة الصدر والظهر والفراشة والحرة. وعانقتني مرة في المسبح حتي كادت أنفاسي أن تغيب!. عند سيلفيا مقدرة فذة على التلاصق والكلام. فإما يدها في يدي أو عيناها في عينيّ وإلا فهناك مشكلة! إن لم نكن على تلك الحالة فهي عادة ما تحسبني غاضباً عليها أو ما عدت أحبها كما كنت. وعند لحظة الطعام وأثناء الأكل تلاعب قدميها بقدميَّ من تحت الطاولة. وإذا ما حدث أن نهضت عند منتصف الليل من أجل الذهاب إلى المرحاض على سبيل المثال فإنني عادة ما أحتاج لعدد مقدر من الدقائق كي أميز نفسي منها وأستطيع أن أفرز يدي وقدمي من يديها وقدميها. وكانت سيلفيا تخاف الصمت، فهناك مشكلة في الصمت!. وهي لا تعرف أبداً أن تحدث نفسها في الداخل. هي شفافة لدرجة أن هواجسها الحقيقية وحقدها البشري وغضبها وطمعها وجشعها ومؤامراتها وكل ما يحرص البشر العاديون على إخفائه كانت هي تعلنه. فلا شيء مدسوس في دواخلها. كانت صافية. لا يوجد أبداً في سريرتها مكان معد لاستيعاب مثل تلك الأشياء الفائضة. فهي ليست طبيعية! لذا إما أن تتحدث هي -وكثيراً ما تفعل- أو أتحدث أنا، وعادة ما أروي لها قسطاً من حكاياتي القديمة من ذاكرة جزيرة أم أرضة. كانت سلفيا فتاة عجيبة لم تخطر على خلد الوجود، كانت صدفة من صدف الطبيعة العمياء: رومانسية، صادقة، شفافة، جميلة ولطيفة حتى لتحسبنها ساذجة!. لكنها -مع كل ذلك- تستطيع أن تتآمر وتخطط، في أحد السبوت حدثتني عن رغبتها في الصعود إلى قمة الجبل التي لم تكن بعيدة. وعندما وصلنا إلى هناك وجدتها تحمل ملاءة صغيرة ملونة فاستفسرت عنها، فردت سيلفيا بابتسامة طفل غرير "خشيت أن تنتابك الحالة فتحملني على الحجارة العارية، فأنا لا أضمن شَرَّكَ!"، فضحكت أنا عندها وضحكت هي حتى سمعنا الجبل يضحك معنا متخلياً لبرهة عن صمته الرهيب. ضحك ثلاثتنا في نسق الوجود كلُّ بطريقته. وما هي إلا لحظات وتحولنا بالفعل إلى وحشين في مكانهما المناسب من الطبيعة الوحشية. ثلاث ساعات وأنا تتقمصني روح ذئب جائع منذ الأزل، وصارت سيلفيا ظبية يانعة وحدث العكس!.ثم بكت سيلفيا مثل ما بكيت أنا، بكت بعد ذلك وهي تعانقني وتنظر في البعيد. بكت على حين غرة. بكت على قمة الجبل "أنا سعيدة" وهي ما تزال تبكي وتتساقط الدموع فوق صدرها الوضيء "أنا سعيدة". هي لا تستطيع إلا أن تبكي!. تبكي وتسألني متعجبة "من أين جئت أنت؟!"، خلتها تَسْألُ الجبل، ورأيت حبيبات دموعها اللامعة تختلط بأنوار الليل الوانية التي تنصب علينا من البعيد. فنظرت إلى السماء الصافية، كانت ثمة نجوم بعيدة ، والفضاء مفتوح على سماوات سبع، فجاءتني خشية رهيبة من مشهد الكون المهيب، فَصَلَّيْتُ على شريعة الوقت وناجيت في سريرتي عدداً من الآلهة وفي دخيلتي هاجس مجنون، إذ أنني تصورت لوهلة أن رهطاً من الملائكة أو الجن ربما هبطوا عليّ من السماء يريدون بي شَرَّاً، وذلك لأنني كنت أضع في أسري كائناً من جنسهم، لكنهم تقاعسوا، فظل الملاك مِلْكَ يدي. وفي اليوم التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سيلفيا) -وعند المساء- هاتفت سيلفيا والدتها من القصر. وتحدثتا طويلاً. كانت سيلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائنا معجزة. قالت لها مرة: "إن رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل، إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات، ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعا. ويرقص كيف شاء ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما!.. ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما، مستحيل ماما، انني أحبه وهو يحبني".7-7 موت ننوكانت لسيلفيا مقدرات ومواهب عديدة لكن أهم مقدراتها على الإطلاق هي مقدرتها على ذرف الدموع، فسيلفيا تبكي حين تحزن أو تغضب أو تتألم. ربما يكون ذاك أمر طبيعي يفعله كُل البشر. لكن سيلفيا تسرف!. إذ لا تبكي عند تلك اللحظات وحدها، بل عادة ما تبكي حينما ينتابها شعور غامر بالسعادة وقد فعلتها مرات عديدة وهي تعانقني على شواطئ نهر الراين وفي قمة جبل الآلهة وفي الشارع العام وفي المطبخ وفي الصالون وفي صدري.وحدث مرة أمْرٌ أدهشني أيما دهشة، فقد سقطت سيلفيا من دراجتها النارية عند إحدى شارات المرور وخُدِشَتْ خدشاً صغيراً على ساقها الأيسر وعندما التقيتها بعد ذلك مباشرة عانقتني بحرارة وهي تجهش بكاءً وتقول لي "آسفة حبيبي" وترددها عديد المرات وأنا في دهشتي لا أقوى على الفهم (لماذا تعتذر لي؟!) إذْ لا مناسبة. وعندما ذهبنا إلى بيتنا وعند المساء سألتها عن سر اعتذارها لي، فذكرتني أنني كتبت لها قبل عدة أسابيع قصيدة رومانسية أشدت فيها برقتها وعذوبتها وجمالها الروحي وأشدت أيضا بتقاسيم جسدها، وللحق فهو نسق من الماس والبلور!. وذكرت في القصيدة -التي تقمصتني عندها روح شعراء العذرية الأوائل- أنني لا أفرق بين شفتيها وساقيها فُكُلُّهَا من نور وكلها عذب وكلها نار. فأخبرتني أن الحكمة من اعتذارها لي أنها تعتبر جسدها ملكي لا ملكها ولا مِلْكَ أحدٍ من كان غيري: "هو لك أنت وحدك". وأنها رأت أنها لم تحسب حسابها تلك اللحظة وكادت أن تتسبب في تخريب أحد أهم ممتلكاتي منها وهو ساقها، لكن الأقدار لطفت. فضحكت عندها لوهلة ثم بكيت مثلها دموعاً حرى وأنا أتلمس دموعها الغزيرة وأطمئن على (ساقي) من جديد. فيا لها من طفلة عذبة! قبل عودة السيدة نيللي بأسبوع واحد وبينما أنا في مزرعتها في إحدى العصريات وأنا أضع اللمسات الأخيرة على تطويع الحصان بيرا إذا بسيلفيا تأتيني منتحبة والدموع تبلل فستانها الشفيف ناحية الصدر "لقد ماتت" وتكررها عديد المرات "ماتت" وأنا في دهشتي أحاول تهدئة روعها علها تخبرني "من التي ماتت؟". قالت: "(ننو!) السمكة الجميلة الملونة. أجمل أسماك السيدة نيللي على الإطلاق". وكانت تلك السمكة محل حب سيلفيا الخاص. وذكرت لي بدرامية أنها تعتقد أن ننو انتحرت لأنها حولتها من حوض إلى آخر، حوض صغير كانت فيه لوحدها لأول مرة في حياتها، وظنت أن ننو شعرت بالوحدة وربما أصيبت باكتئاب، فقررت الانتحار. عندها ترجلت من حصاني كي أعزي حبيبتي في مصابها الجلل. وعندما دخلت الحجرة وجدت سيلفيا تضع الجثمان على الطاولة وتحدق فيه وتبكي. فهدأت من روعها بطريقة جدية ثم فكاهية وشرعت أصلي بصوت جهور على ننو، ووضعت يديَّ مضمومتين فوق أرنبة أنفي ورددت في خشوع: "ننو الجميلة حبيبة سيلفيا حبيبتي، ها أنت قد رحلت عنا بعيداً حيث تلقين جدودك وجداتك الأسماك الأوائل فتبدئين رحلة جديدة في بحر الخلود، وأعدك يا ننو أنني وحبيبتنا سيلفيا سنذهب غداً على ظهر الخيول فنجلب من دكان أسماك الزينة في هانوفر سمكة جديدة في زهوك وجمالك، وسنحبها مثلك تماماً لكننا لن ننساك أبداً، آمين". ثم كَفَّنْتُ ننو في قطعة من البلاستيك وحفرت لها قبراً صغيراً بقلمي على حافة المزرعة وقفلنا أنا وسيلفيا راجعين إلى ديارنا. فضحكت بعد ذلك سيلفيا بشهية عندما انتبهت إلى حقيقة أننا (أناس مجانين(!.وعند الصباح الباكر أسرجنا أنا وسيلفيا حصانين من أحصنة نيللي وطفقنا نقصد هانوفر وبدوت أنا كفارس من القرون الخوالى بصحبة عشيقته الأميرة الأثيرة فنظر إلينا الناس في شوارع المدينة بعين ملؤها الدهشة والإعجاب والحسد. وعدنا في نهاية المطاف بسمكة (ننو 2) هكذا أسمتها سيلفيا وهي تحملها على ظهر الحصان وأنا أنشدها قصيدة وسيلفيا تحبني وأحبها وتحب فَرَسُهَا حصاني. وعندما ترجلنا عن قافلتنا بكت سيلفيا من جديد، قالت إنها سعيدة ولا تستطيع إلا أن تبكي!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أربعة كتب دفعة واحدة لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
4- كتاب القصص القصيرة "أدناه قصة واحدة كمثال" وهنا تنتهي الأمثلة للكتب الأربعة "راجع لطفاً أعلاه":الكائن الغريب الغامض أو لطيفة العسل! في قائمة أصدقائي على حسابي بالفيسبوك (أربعة آلاف شخصٍ) فوضى عارمة! كل شيء هناك، الناس العاديون والآخرون الملائكة. أشكال وأنواع وألوان من البَشَر، وجنسيات من أركان الدنيا الأربعة، وعاهرات من أوكار خلف البحار تسللن إلى حسابي حين غفلة ولم أستطع بعد حين تمييزهن بعد أن تماهى الكل خلف الضباب الفيسبوكي السميك! وهناك أجهزة مخابرات دولية وإقليمية ومحلية، ومتآمرون كبار وشركات تجارية ومنظمات رسمية وأخرى أهلية، وعدد كبير من (الأفراد المستهبلين) يختبئون خلف أسماء الموتى لنشر أفكار قديمة بالية تخدم مصالحهم الآنية والذاتية. وهناك أيضاً دستة من (الشبيحة) و(الشفاتة) وخمسة تجار مخدرات، وأربعة زعماء عصابات وثلاثة قتلة محترفين! غير أن هذا كله لم يحيرني، فهو ممكن الحدوث، فذلك حال الحياة الدنيا منذ التكوين.. ولكن الذي يحيرني شخص واحد فقط، كل مرة وأخرى يكاتبني في الخاص: "إزيك"، أهلا بك فلان. يكرر كل مرة: "محتاج لأي شيء؟. أنا جاهز، إنت بس أطلب!. أي حاجة، أي حاجة بس إنت أطلب، ولا تتردد"!.أقول له: "ما عايز حاجة" يقول لي بكل احترام وهدوء "خلاص، بس إنت فكر، لو احتجتَ حاجة ما تتردد، قل لي، اي حاجة، أي حاجة، ولا تتردد". كل فترة وأخرى يفعل ذلك، لمدة سنتين، يفعل ذلك بلا كلل أو ملل! وعندما أذهب لأعاين حسابه على الفيسبوك، لا أجد عنده شيئاً، فأنا الصديق الوحيد على حسابه بالفيسبوك، خلال سنتين نشر منشوراً واحداً فقط: صورة مجرة في الفضاء مضيئة وبلا تعليق.وعندما طلبتُ منه في المرة الأولى أن يكلمني عبر الهاتف، رفض قائلاً: "لا"، ثم كرر ذات الشيء: " إنت لو احتجت حاجة اكتب لي، أي حاجة". وقبل يومين مضيا طلب رقم حسابي البنكي. قلت له: "شكراً لا أحتاج أموالك، ولا أحتاج لأي شيء، أنا تمام التمام" وهو الحق. ثم هددته إن كرر هذا الكلام مرة ثانية سأحذفه من قائمة أصدقائي على الفيسبوك "حأبلكك"، فرد علي تهديدي بتهذيب شديد ورجاني أن لا أفعل، وكرر مرة ثانية: "بس إنت لو احتجت لحاجة اكتب لي، أي حاجة، لا تتردد"!.أمر عجيب!أخبرت بعض أصدقائي الخلص بالأمر الغريب العجيب فكانت ردود أفعالهم متباينة لكن طبعها جميعاً الفكاهة وحب الاستطلاع والقليل منهم تَهَكَّمَ ولم يصدقني.وتحت وطأة الفضول قَرَرْتُ تكبد عناء المحاولة المقلقة وطلبت منه أن يقابلني "وجهاً لوجه". وعندما نهضت من فراشي صباح هذا اليوم وَجَدْتُ رسالة خاصة بالفيسبوك يقول فيها: "عندما تقرأ هذه الرسالة مباشرة افتح النافذة الخلفية من منزلك وانظر عبرها خمسين متراً ناحية الأمام".فعلت ما أمرني به الشخص الغريب الغامض يكللني فضول يفيض عن حدود الخوف والأرق والتوتر الذي يجلل الأفق. لم أر شيئاً، ليس هناك بشر، كل شيء كان كالمعتاد، السحب السميكة التي تغطي وجه الشمس وبعض الرذاذ الذي نفذ إلى وجهي، وصوت أزيز ماكينات السيارات المتشابك البعيد بالقريب. وكانت هناك بعض الطيور العادية والأخرى المشاغبة. كل شيء بدا كالعادة، لا بشر! أخذتُ ردْحَاً من الوقت أذرع المسافة بين جهاز الكمبيوتر والنافذة المفتوحة دون أن يظهر ذاك الشخص الذي وعدني. في المرة الأخيرة انتبهت على صوت يصدر من جهاز الكمبيوتر يعلن عن وصول رسالة جديدة كانت منه، جملة واحدة : "لقد رأيتك". غضبت: "أنت غير جاد، لا بد أنك مجنون، أنا سأتصرف بحقك". فرد: "أنت ايضاً رأيتني". يا للهول!هاتفت اثنين من أصدقائي المقربين فنصحاني بإبلاغ الشرطة، لقد شعرا أنَّ هناك أمراً ما ربما فيه خطر على مصيري، قل صحتي النفسية والجسدية. ففعلت. دخلت أقرب قسم للشرطة. أخذوا بياناتي الشخصية وبدأوا مباشرة التحقيق في الأمر. طلبوا مني فتح حسابي على الفيسبوك كي يأخذوا المعلومات المناسبة .ففعلت. قرأ أحدهم (المحقق) الرسائل المعنية على عجل وصار يقهقه بأعلى صوته كالممسوس، ثم أمرني بصوت حاسم بالخروج قائلاً: " ليس لدينا وقت للمزاح" ثم كرر بحزم أشد: "اخرج من هنا".دهشت جداً من تصرف المحقق! وعندما هممت بالخروج هددني بقوله: "إن عدت مرة أخرى إلى هنا بمثل هذا المزاح سأسجنك". "أنا لا أمزح، ألم تقرأ هذه الرسائل الغريبة المريبة". فظن الشرطي المحقق عندها بي الظنون!المكاتبات التي قرأها المحقق كانت رسائل غرامية رومانسية لطيفة من فتاة لطيفة، تدعى: (لطيفة العسل).لم تكن لطيفة العسل في قائمة أصدقائي من قبل ولم أرسل لها أية رسالة ولا هي فعلتْ، ولم أسمع أبداً بمثل ذاك الاسم طوال حياتي!عندما عدت إلى منزلي كللتني حالة خدر شاملة ولا مبالاة، وعند منتصف ليلة ذلك اليوم جاءت رسالة جديدة من الشخص الغريب الغامض، يكرر: "اطلب من جديد أي شيء تحب، اطلب أي حاجة، ولا تتردد".حينذاك لم أفكر أبداً في أي شيء غير أنني اتصلت هاتفياً برقم الطوارئ الخاص بالشرطة، رويت لأحدهم على الهاتف ما يحدث لي وأبلغته خوفي على حياتي من مصير ما يتهددني.جاء شرطيان إلى منزلي، أشرت لهما بإصبعي إلى صندوق الرسائل الخاص بحسابي على الفيسبوك، قرآ معاً التبادلات بيني والشخص الغريب الغامض. ثم جلسا يتشاوران في حيرة من أمرهما وهما ينظران ناحيتي بشك وريبة! وبعد حين سألني أحدهما إن كنت أستطيع النوم والانتظار حتى صباح اليوم التالي؟! أجبت وجسدي كله يرتعد من الخوف: "لا أستطيع".وبعد ساعة ونصف تقريباً جاء طبيب خاص بالحالات النفسية العاجلة والمستعصية. كان رجلاً لطيفاً وكثير الثرثرة. وفي لحظة ما طلب مني السماح له بالاطلاع على مراسلات الشخص الغريب الغامض. وعندما أكمل القراءة لم يتمالك نفسه من الضحك. شعرت به مستهتراً. أبديت امتعاضاً صامتا. عندها اعتذر لي الطبيب بلطف ثم سألني برفق عن سر علاقتي بالفتاة التي تُدْعَى (لطيفة العسل)؟ أجبته: "لا أعرفها"!.وفي الختام ضرب الطبيب معي موعداً صباح اليوم التالي بمستشفى يسمى (الراحة) في منطقة خضراء معزولة في طرف البلدة.رأيت من تلقاء نفسي أن لا أذهب إلى المستشفى، شعرتُ أن ذلك مجرد تبديد للوقت. قررت أن أتصرف وحدي مع ذلك الشخص الغريب الغامض. لن أبلغ أحداً بعد اليوم، سأتحمل أقداري وحدي. سأطلب من الشخص الغريب الغامض لقائي من جديد.كاتبته بكل شجاعة هذه المرة: "أريد مقابلتك بالفعل هذه المرة، لا تمازحني من جديد، لا بد أن أراك".فرد على وجه السرعة: " هل رأيت المرة الماضية طائراً أصفرَ صغيراً كان ينقر طوب الجدار بمنقاره على حافة المبنى الخلفي من منزلك؟"."نعم رأيته، فما علاقة هذا بقصتنا هنا".. فأجاب: "هو أنا". يا للهول!. "أأنت طائر؟". "أنا طائر والمزيد، أستطيع أن أتشكل في صور عديدة، لكن ليس من بينها البشر". لم أشأ أن أسأله لماذا؟!قال إنه قادم من كوكب آخر في مجرة بعيدة يسميها البشر (آندروميدا). سألته عن إسمه، فأجاب: "نحن هناك لا أسماء لنا، لكن أسمِّي نفسي لك أنت خصيصاً: إسبيرال، وأنت: إسبيشال". فاستفسرته: "ولماذا تسميني هذا الاسم؟، إنه ليس اسمي!" أجاب الكائن الغريب الغامض: "إنه اسمك الحقيقي الذي لا تعلم"!.عند ذلك فقط شعرت بوزني يخف وكأنني طائر يحلق في الفضاء الحر. تلك الحالة متزامنة مع بهجة غامرة غير مفسرة ولا مبررة ضربت صدري. اطمأننت للكائن الغريب الغامض، أو قل ازداد وقع حالة اللا مبالاة الكاملة إلى درجة الاستسلام في شباك المتعة بالعالم الغريب الغامض الملغز، شعرتُ بالكائن الغريب الغامض صديقي المقرب صاحب الأمان.فأرسلت له في برهة كل بياناتي الشخصية ورقم هاتفي وحسابي البنكي وكل شيء. وفي صباح اليوم التالي جاءتني رسالة صغيرة على الهاتف "راجع حسابك البنكي وراجع المزيد". لا أعرف ماذا كان يعني بالمزيد! لكنني على كل حال وجدت في حسابي ثلاثة مليارات من الدولارات وكان به في السابق ثلاثة آلاف فقط.فَرِحْتُ فرحاً غامراً وفكَّرْتُ أن أشتري جزيرة صغيرة في المحيط ، أبني عليها فيلا جميلة على شط البحر وأملك يختاً فخيماً، وأتزوج فتاة رومانسية لطيفة جميلة باهرة الجمال وأعيش معها هناك على شط البحر في جزيرتنا الخاصة، نعيش وحدنا ونتنزه كل يوم في مياه المحيط على يختنا الخاص وحدنا.لكن أنا وحدي الذي أرى المال على حسابي لا أحد غيري، ولا أستطيع استخدامه، مستحيل، لا أحد غيري يرى صورة بروفايل الكائن الغريب الغامض، ولا أحد غيري يستطيع قراءة رسائله، ولا أي شيء، فقط أنا وحدي أفعل، ولا أحد سمع به غيري، لا أحد قط، أنا وحدي أفعل. كل الناس تجزم أن (الكائن الغريب الغامض) ليس سوى الفتاة التي تدعى: (لطيفة العسل!).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أربعة كتب دفعة واحدة لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
https://www.facebook.com/Md.Gamaleldinhttps://www.facebook.com/Md.Gamaleldin29 October at 17:56 فانيسا "أنفاس نهر الأووز" .. معلومات عن رواية فانيسا تعنى بالجغرافيا والمناخ و الثقافة وأشياء أخرى متعلقة (ربما تساعد اكثر في فهم تفاصيلها عندما تخرج للنور في خلال إسبوعين بجانب الأعمال الثلاثة الأخرى "سيلفيا ورجل من بورجوازا ووقائع خاصة جداً) .(هذه المعلومات كانت خاصة بالناشر واليوم بعد أن أتفقنا أشرككم أياها يا أحبابي متمنياً أن ألقى تشجيعكم ووقفتكم معي في معركة نشر وإنتشار أعمالي الأربعة التي ستصدر هذه الايام فما عندي وسائل كثيرة لأخبار الناس الممكن يهما الأمر كلما أفعله حتى الآن لا يتعدي حائطي على الفيسبوك يعنيتقريباً زوبعة في فنجان smile emoticon والجرائد وأجهزة الإعلام الرسمية محتكرة طبعاً أو جلها!.المهم نمشي للموضوع وآسف مقدماً لبعض التكرار!.1- فانيسا "رواية " ، عملت جهدي أن أجعلها في غاية التكثيف في نفس الوقت الذي قد يشعر فيه المتلقي أنها رواية تفاصيل، وفي الحقيقة جئت ببعض التفاصيل الضرورية كما الوصف الذي أقتضته بدوره الضرورات الملحة وما عدا ذلك فإن السرد والحوار في معظم المرات جاءا في لغة مقتصدة. فكرة الرواية الجوهرية مركبة من عدد من الرؤى الإجتماعية والنفسية والفلسفية والفيزيائية مع محاولة جعل المحتوى في قالب نثري وكأنه ينشد المتعة من أجل المتعة!. والفكرة الأساس تقوم على فزلكة فيزيائة من إقتراع البطل/الراوي هي "تعدد الأكوان في سمتات فيزيائية مختلفة جذرياً لكنها في ذات الوقت متقاطعة" متجاوزة بذلك النظرية النسبية كما النظرية الأعلى منها (آخر موضة): نظرية الأوتار الفائقة أو هو ما أدعاه "بيبان" محاجاً البروف إسكوت ميناري. البطل/الراوي عشيق فانيسا تلك الفتاة التي نسجت حولها خيوط القصة هو "بيبان" لا إسم له غير الإسم الذي إخترعته له فانيسا مشتقاٌ من "البيق بانق" كما أنه قادم من منطقة نيلية قبالة الصحراء غير محددة (هذا الأمر معني طبعاً) وهذه المنطقة تستطيع أن تكون حسب الوقائع البيئية المسافة الواقعة شمال الخرطوم وحتى الدلتا المصرية.الرواية عبارة عن مذكرات "بيبان" الذي غرق في نهر الأووز (النهر السادس في بريطانيا وأعتبره أحد شخصيات الرواية الفاعلة) وغرقت معه فانيسا وأختها وإبن أختها الصغير وأعدت صديقة فانيسا وإبنة البروف إسكوت ميناري "ليليان" المذكرات في شكل كتيب مصور ليوزع على أصدقاء فانيسا ومكتب رابطة البيئة في يوم التأبين وهناك إشارة صريحة في ختام مقدمة ليليان (الراوية) تخشى أن يتم تسريب الكتيب قبل الأوان وهذا يبدو أنه حدث! ليليان هي الراوي النهائي للقصة. كما قامت ليليان ( رسامة) برسم بورتريهات للغرقى وضعتها في الحلقة الأخيرة من العمل مع خاتمة في شكل "ملاحظة" ومنها يتضح من جديد أن العمل الذي أعدته ليليان سرب قبل أن يمضي وفق خطتها!.العمل في إيقاع واحد ما عدا حلقة 17 جزئية (صناعة يوم القيامة) فهي معنية مني ل(كسر الروتين كما أنها إضافة جديدة للنسيج الكلي) ثم من بعدها عدت من جديد لذات الإيقاع اللغوي والمعنوي في بقية العمل.2- معظم الأحداث جرت في مدينتي ليدز وسليبي. ليس في ليدز الكثير من الأمكنة سوى "فندق إيتاب وقاعة الإجتماعات في جامعة ليدز والمطعم اليوناني في شارع هاروقيت".. سيلبي هي المكان الأهم في العمل. لدى هذا الرابط كل المعلومات العامة عن مدينة سيلبي (لغة إنجليزية)https://en.wikipedia.org/wiki/Selby3- نهر الأووز (مشهد مصور لفيضان نهر الأووز من يوتوب) و(الأووز) هو الحدث الجغرافي الفاعل في العمل وأكثر كلمة تكررت في الرواية (أعتبره الشخصية الثالثة من حيث الأهمية بجانب فانيسا وبيبان اللذان سيموتان فيه غرقاً)https://www.youtube.com/watch؟v=jk75aOP-rGAhttps://www.youtube.com/watch؟v=jk75aOP-rGA((يعطي نهر الأووز لشمال يوركشير معنًى إضافيا. فكلمة (الأووز) تعني الماء، والماء يعني الحياة. يعبر النهر مدينة يورك مروراً بسيلبي حيث يقيم آل مونتجمري فمدينة قوول ليتحد مع نهر أور عند قرية فلاكسفليت في مقاطعة شرق يوركشير. نهر الأووز لا أمان له، متقلب المزاج، وكثيراً ما يفيض مهدداً سيلبي التي تمرست بدورها على مقاومته وأقلمت ذاتها على مزاجه بالاحتياطات اللازمة.)) مقطع من الفصل رقم 8.4- مستشفى "النصب التذكاري" حيث ولدت فانيسا وتعمل والدة أليكسا كأمينة مخازن وماتت بها كما والد أليكسا بسبب خطأ معنوي من أليكسا:http://www.nhs.uk/Serv…/hospitals/Overview/DefaultView.aspx…http://www.nhs.uk/Serv…/hospitals/Overview/DefaultView.aspx…((وفي محاذاة شارع دونكاستر - ليس ببعيد عن نهر الأووز- أشارت فانيسا بإصبعها عبر نافذة الباص وهي تقول: "انظر إلى ذلك المبنى، هذا هو مستشفى النصب التذكاري للحرب العالمية الأولى، هنا جئت أنا لأول مرة إلى الوجود الحاضر".كان المخاض - كالعادة- عسيراً. كان في الغرفة المضمخة برائحة الديتول قابلة ومساعدان والسيد دانيل مونتجمري وأنين وآهات مارغريتا أكرمان. ثلاث ساعات متواصلات من الألم والقلق. كان دانيل قلقاً بدرجة متوسطة الحال، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يأتي فيها إلى ذلك المكان، فقد جاء إليه من قبل ثلاث مرات، وكانت مارغريتا تتألم كثيراً لكنها تعلم يقيناً أن لا سبيل للحياة إلا بعبور باحة الألم.كان دانيل خلال كل تلك المدة يغدو ويروح بين سرير مارغريتا والنافذة الزجاجية الكبيرة المطلة على نهر الأووز. لم يكن النهر متاحاً للنظر، وذلك بسبب الغيوم والضباب والمطر. كانت تلك هي بداية فصل الخريف. ظل دانيل ولعدة مرات يسلي نفسه بمراقبة خيوط الضباب وحبيبات المطر التي تنقر زجاج النافذة ثم تسيل في خيوط صغيرة متقاطعة كبيت العنكبوت. كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحاً، غير أن هناك ثمة عتمة تناصرها سحب سوداء سميكة وموجات متتالية من الضباب تلف نهر الأووز يجرحها البرق من حين إلى آخر مخلفاً من ورائه هزيماً يرج الأفاق مختلطاُ بأنين وآهات مارغريتا!وفي اللحظة التي انقشع عندها القسط الأوفر من الضباب والغيوم والسحب وشرعت الشمس في إطلالة متعسرة وبدا نهر الأووز متاحاً للنظر جاءت صرخة الوليدة. وما لبثت قليلاً ووضعتها القابلة على الميزان وهي تنظر إليها "إنها جميلة وصحية، وزنها ثلاثة كيلوغرامات"، ثم تساءلت بلطف "ماذا سميتموها" فأجاب كل من دانيل ومارغريتا في نفس الوقت "فانيسا"!)). مقطع من رقم 7.5- صورة منزل آل مونتجمري (حيث حدثت معظم أحداث الحكاية) في حي هامنقبرو في مدينة سيلبيhttp://checkout.plan-store.com/…/FBA…/FBA478-FR-RE-CO-MD.JPGhttp://checkout.plan-store.com/…/FBA…/FBA478-FR-RE-CO-MD.JPG6- أغنية (نهر اللا عودة) بصوت مارلين مونرو "الفصل 7":https://www.youtube.com/watch؟v=hO8PYjRSCQshttps://www.youtube.com/watch؟v=hO8PYjRSCQsولا أقول أن عملي واقعي بالكامل "طبعاً لا" ولا يمضي في منتهاه وفق منطق اليومي والمعاش (لا أريد ذلك!) فقط أتحدث عن مجمل التقنيات التي فعلت كي أدخل المتلقي في عوالم السرد. إذ حكاية "الإنفجار الكوني العظيم" في ربطها بلقاء فانيسا وبيبان فهي إختراع روائي طبعاً كما الأكوان المتقاطعة إذ لا دليل مادي ولا علمي!.أتمنى أن اسمع رأي البعض منكم عندما تقرأون العمل.تحياتي، محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
Md Gamaleldin18 November at 15:46 · Edited · فانيسا .. مقطع من الفصل الثامن (تسجيل لحظة أول زيارة لبيبان لأسرة فانيسا"عند منحنى نهر الأووز تَبَدَّى من على البعد مستقرنا، كان كوخاً فسيحاً من طابقين مصمماً على الطراز الإنجليزي الكلاسيكي، بابه الخارجي من المهوقني المعتق تزينه حديقة أمامية بارزة وأخرى خلفية مسيجة بألواح خشبية طولها متران، كانت النوافذ العلوية في شكل مستطيلات صغيرة والسفلية مقوسة وأكثر رحابة. فاحت رائحة مياه نهر الأووز يعضدها رذاذ رهيف سيطر على الطقس. توقفت بغتة عن المسير بينما كانت فانيسا مستنزفة بالتفاصيل "هذه هي الهدية التي جلبتها لجانيت، ويجب أن تعطيها لها بنفسك عندما نصل، دعني أحمل أنا الحقيبة". نظرت إلى نهر الأووز، شيء ما أخذ ببصري وبصيرتي!شعرت لوهلة بسمت حميم وأنا أقف على حافة النهر ثم دقت أجراس، سمعت صوت أجراس ما تأتي من البعيد، تتعالى، تشق عنان السماء، صم هزيم الأجراس أذنيَّ، وكنت كلما استنشقت رائحة مياه الأووز ازداد رنين الأجراس وجسدي تغزوه قشعريرة صادمة مركزها في صدري وموجات مغنطيسية تجرني ناحية عمق النهر. وكلما ازداد رنين الأجراس أصبح وقع الموجات المغنطيسية أكثر حدة من ذي قبل، أجراس صاخبة تأتي من البعيد وموجات مغنطيسية تجرني ناحية النهر تنتهي إلى قشعريرة في صدري.كنت وكأنني في غرفة إنعاش في مستشفى خاص بحوادث الحركة حينما أفقت على يد فانيسا تلطمني برفق على خدي وهي مذعورة "ماذا أصابك؟!"، فتمتمت "لا شيء، لا شيء" ، ثم استطعت استدراك اللحظة "فقط شعرت بالانتماء إلى هذا النهر، شعرت وكأنني منه، وكأنه مني، شعرت وكأننا شيء واحد"، "لكنكَ قلت لي من قبل إنك سمكة من النيل"، "نعم، قلت ذلك، تلك هي العادة، ربما كانت هي فقط الإلفة، كل شيء يقوم على العادة مشكوك في أصالته، نحن يا فانيسا لسنا من مكان واحد ولا زمان واحد ولا نهر واحد بل ولا كون واحد إذ تتقاطع عند كل خلية من خلايا أجسادنا عدة أكوان لكنا لا نشعر في العادة إلا بالكون الطاغي منها"!.يعطي نهر الأووز لشمال يوركشير معنًى إضافيا. فكلمة (الأووز) تعني الماء، والماء يعني الحياة. يعبر النهر مدينة يورك مروراً بسيلبي حيث يقيم آل مونتجمري فمدينة قوول ليتحد مع نهر أور عند قرية فلاكسفليت في مقاطعة شرق يوركشير. نهر الأووز لا أمان له، متقلب المزاج، وكثيراً ما يفيض مهدداً سيلبي التي تمرست بدورها على مقاومته وأقلمت ذاتها على مزاجه بالاحتياطات اللازمة. كانت سيلبي قرية كبيرة أخذت اسم مدينة (تاون) لأن فيها مقر الجهاز الحكومي والإدارة للقرى الصغيرة المجاورة ومنها هامينقبرو فأصبح الكل يُعَرِّفُ نفسه للأغراب بسيلبي. طرقت فانيسا الباب بكثير من اللهفة وهي تعلن من ثقب المفتاح "ها نحن جئنا".كان هناك بالخارج فانوسٌ ذو وميض أحمر أعلى الباب الخشبي، يضيء ويطفئ بشكل تلقائي. وكانت غرفة الجلوس فسيحة متعرجة ومقوسة الجدران، في منتصفها مدفأة كلاسيكية غير مستخدمة وعلى الجانب الأيسر قبل المطبخ المفتوح يوجد جهاز بيانو مغطى بورق بلاستيكي بني اللون تقوم فوقه مباشرة على الحائط صورة فوتغرافية بالأبيض والأسود لرجل ذي شوارب معكوفة يركب حصاناً ويحمل في يده بندقية صيد، تتراص من تحتها عدة صور بأحجام مختلفة قديمة وحديثة لأسرة مونتجمري الممتدة، تنتهي من الأسفل بطفل عمرة ثلاثة أعوام هو دانيس ابن جانيت.كان دانيس تلك اللحظة ينام في الطابق العلوي. وفي الجانب الأيمن الأكثر سعة ورحابة طاولة الجلوس بمحتوياتها المعتادة وهناك أربع غرف نوم وحمام ومرحاض منفصلين. وهناك مبانٍ خارجية ملحقة ومرآب مزدوج يقوم في الناحية اليسرى على بُعْدِ عدة أمتار من المبنى.وهناك ثلاثة مقاعد للجلوس ذات سعات مختلفة على أحدهم جهاز كمبيوتر "لابتوب" موصل في فيشة كهرباء مثلثة الثقوب وعدة لعب أطفال تتناثر على الأرض.أزاحت جانيت اللابتوب قليلاً ثم رفعته إلى الأعلى وهي تحييني للمرة الثانية ثم دعتني إلى الجلوس في الركن الأقصى من المنزل ناحية اليمين وهي تضم اللابتوب على حجرها. وفي تلك الأثناء كنا نسمع صوت ماكينة تنظيف كهربائية يأتي من الطابق العلوي، كانت مارغريتا تجهز غرفة فانيسا.الطابق العلوي مكوناً من ثلاث غرف نوم وحمام ومرحاض مشتركين ينتهي من أعلاه بقبو صغير مهجور كانت ألينا الشقيقة الوسطى لفانيسا تستخدمه في تربية طيور الزينة في يوم من الأيام. وهناك غرفة صغيرة أمام الأدراج مباشرة وأخريان من جهتي اليسار واليمين أكثر اتساعاً، كما هناك شُرْفَةٌ صغيرة جهة اليمين تبدو وكأنها مقتطعة بطريقة تعسفية.الغرفة الواقعة في الزاوية اليسرى الملاصقة للحمام هي غرفة فانيسا مذ كانت بنت تسعة أشهر، غرفة ذات شباك صغير مستطيل مطل على نهر الأووز.وفي اللحظة التي وضعت فيها حقيبتي على الأرض في محاذاة السرير كانت فانيسا تفتح النافذة محدثة بعض الصرير "ظلت هذه النافذة مغلقة منذ أمد بعيد" شرحت لي فانيسا معنى الصرير ثم واصلت "خذ راحتك، انظر إلى الأمور ببساطة، وتستطيع أن تستحم إن أحببت".ثم فتحت لي باب الحمام، وأطلعتني على الأدوات والمواد الموجودة بداخله "هذه الزاوية لي، وهذه أشيائي أنا، وتستطيع أن تستخدمها إن أحببت".أخذت زهاء نصف الساعة تحت الماء الدافئ، وفي اللحظة التي فتحت عندها الباب أهم بالخروج تصادف عبور جانيت التي جاءت تأخذ دانيس إلى الأسفل. جانيت طويلة القامة تميل إلى البدانة واسعة العينين، مهملة الشعر ولطيفة العبارة. وفي تلك الأيام لم تكن على وفاق مع شريكها منذ عدة أشهر خلت. وجانيت هي البنت الكبرى تعقبها أبيقيل ثم ألينا وأخيراً فانيسا. أبيقيل تقيم وتعمل في مدينة يورك على بعد اثنين وعشرين كيلوميترأً شمال سيلبي وألينا مرتبطة بطبيب أيرلندي حيث يقيمان ويعملان معاً في مدينة أونتاريو الكندية منذ سنة ونصف. وأمَّا فانيسا، فهي رهينتي!. قالت جانيت تجاملني: "أتمنى أن يطيب لك المقام"، قالت ذلك بينما كانت تمسك بيد دانيس على أول دركات السلم الخشبي المتعرج، "شكراً سيدتي، شكراً على الحفاوة".عدت إلى الحمام من جديد أنضدد هيئتي أمام المرآة وعندما جئت إلى الغرفة من جديد صرت أسمع صوت ضحكات من حين إلى آخر تأتي عبر النافذة، حاولت أن أشبع فضولي لكن دون جدوى، لم أستطع رؤية أحد، فقط تَبَدَّى لي النهر يستقبل شمس الأصيل الوانية فغضضت طرفي خشية ورهبة!. جلست على السرير، ثم قمت فجلست، ثم قمت فجلست عدة مرات، تجولت في الغرفة الصغيرة منمقة الجدران، لمست حيطانها الأربعة وتشممت رائحتها. تأملت حقائب فانيسا وأدواتها، كانت محببة لي بغض النظر عن قيمتها الفعلية والموضوعية.تعالت الأصوات والصيحات والضحكات من جديد مددت رأسي عبر النافذة، كان كلٌّ من دانيس وجانيت يلعبان الكرة معاً في المسافة الصغيرة القائمة بين البيت ونهر الأووز وتقف بجانبهما فانيسا في ثوب رهيف تضع على رأسها طاقية دانيس البلاستيكية الحمراء، كان مشهدها فكهاً وشهياً. وما أن رأتني، أشارت إليَّ بيدها وكذلك فعل دانيس بشكل تلقائي، ثم صاحت تأمرني "أنزل، تعال!".وعندما هبطت إلى الأرض ووقفت بجانب فانيسا وجانيت ودانيس أحملق ناحية النهر كادت تتلبسني من جديد لوثة الأووز، لكن وقفت فانيسا حيالها ملتصقة بي: "أما زلت تشعر بالانتماء للأووز؟". نظرت إليها ملياً، رأيتها هذه المرة كما لم أرها من قبل، كانت فانيسا أجمل وأرق وأعذب مما خطر لي أول وهلة. وقفت من أمامي تؤول إلى صدري وعيناها مليئتان بالإشراق ونهر الأووز من خلفها يبث أنفاسه في الآفاق، وكان هناك شيء عنيف يسري في أوصالي وكأنه تيار الأووز: "أنا لا أشعر بالانتماء للأووز فحسب بل لك أنتِ أشد، يا فانيسا!".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
قصة أخرى من كتاب "وقائع خاصة جداً"مكتبة محمد جمال الدينPublished by Md Gamaleldin · 8 June · هزيمة الرجل الأبيض العنصري!في الشهور الأولى من إقامتي القسرية بهولندا، حصلت على غرفة صغيرة جميلة في حي فيلاب الملاصق لمدينة آرنهيم في محافظة خيلدارلاند الهولندية. كان ذلك أول منزل لي في دنياي الجديدة حيث من المتوقع ان أستأنف حياة جديدة شديدة الإختلاف عما مضى إذ كنت أعيش في جزيرة أم أرضة شمال جبل أولياء من السودان. وهو بالضبط ما حدث في مقبل الأيام!. حصلت على الغرفة المعنية عبر شاب سمسار أصله من جزر الأنتيل في البحر الكاريبي. بعد أن وقعت العقد أخبرني الشاب الكاريبي من باب التعاطف اللوني والإنساني بمشكلة صغيرة قد تواجهني من أحد الجيران الملاصقين لمحل سكنتي الجديدة: "رجل أبيض عنصري يكره الأجانب والمهاجرين ويتحين كل الفرص لتوريطهم في المشاكل".ثلاثة مستأجرين أجانب من المغرب وتركيا وسورينام هربوا من تلك الغرفة الملعونة كما علمت في المستقبل. أي خطأ ولو صغير يتصل الرجل بالشرطة من قبيل أصوات ما ولو همس أو موسيقى ولو "هيدفون" عال السمت، فكثيراً ما يختلق المشاكل من العدم ولا تغلبه حيلة في ذلك ويفعل المزيد.لم يكن لدي خيار آخر كما أن غرفتي الجديدة نظيفة، جميلة وتطل على مشاهد طبيعية رائعة وتقع بالقرب من السوق الرئيس ومحطة القطار وكلفة إيجارها معقولة. كان علي أن أتعامل مع الرجل العنصري المزعج منتهى الإزعاج، إنه مخيف!. فكرت وقدرت وطرقت باب داره في عملية شديدة الجرأة، ذهبت إلى عش الدبابير مباشرة وفي خاطري دخان ونار!. عندما فتح الرجل العنصري الباب صدم بشدة أمام حشرة سوداء كبيرة وافدة من عالم بعيد وغريب ومؤذ جدأً تقف أمامه وجهاً لوجه!. كان ينظر ناحيتي في صمته الظاهري في منتهى الذهول والإشمئزاز.لم أعطه أي فرصة للحديث حتى أكملت ما نويت في نفسي إخباره به في خطة خادعة وشديدة البأس: "أنا جارك الجديد، أحببت أن أعرفك على نفسي كي تكون على بينة من أمرك، مستخدم وتاجر مخدرات سابق، حاصل على الحزام الأسود في الكارتيه، أهوى الرقص على موسيقى الريقي ولعبة كرة القدم. خرجت من السجن للتو بعد سبع سنوات جراء محاولة قتلي لزميلي في المهنة، لقد خانني، أنا لست شريراً لكنه هو إنسان خائن وحقير، لسوء الحظ لم يمت لكنه أصيب بشلل نصفي وعماء كلي". عند تلك اللحظة وحدها تمتم الرجل: "و، و، و سجنوك سبع سنوات فقط؟". فأجبته: "نعم، هي عقوبة مخففة نسبة لأنني بعد الشر عليك يا صديقي مختل العقل بعض الشيء".أصيب الرجل بالذعر وكانت حدقات عينيه تتسع عندما أخبرته أن لدي هدية صغيرة من أجله: "ماذا تحب من الأسلحة؟. لدي مسدس إيطالي الصنع، إن كنت تحب المسدسات الإيطالية سآتيك به الآن، أنا أستخدم الروسية فقط، إنه هدية من صديقتي الإيطالية التي قتلت في صقلية العام الماضي، إنه ذاكرة سيئة بالنسبة لي، هل أتيك به الآن؟".ثم لاطفته :"اعتبر ذلك عربون صداقة بيننا كأصحاب جيرة". وقبل أن يبدي الرجل قبوله أو رفضه للهدية الثمينة واصلت حديثي وفق ما خططت له دون أن أعطيه أي فرصة للكلام: "أنا احترمك جداً لأنك رجل واضح وصريح مثلي تماماً، نحن نتبادل نفس الأحاسيس والمشاعر تجاه بعضنا البعض، وهذا ما يجمعنا، نحن سنكون جارين ممتازين كوننا نتشارك نفس الفكرة عن بعضنا البعض، أنت تعتبرني حشرة كبيرة سوداء وافدة وأنا اعتبرك حشرة كبيرة بيضاء نتنة الرائحة تعيش كل الوقت في هذا المكان، ولذا لن يكون هناك أبداً خلاف بيننا، إن الحشرات تستطيع التعايش مع بعضها البعض، ذلك هو قانون الطبيعة، أليس كذلك!".بعد ثلاثة أيام فقط من ذلك اللقاء الحاسم رحل الرجل العنصري إلى حي آخر ودون أن يستلم هديته تاركاً المكان في كلياته لتاجر المخدرات الأسود الشرير المجرم المسلح الجديد الوافد!.محمد جمال .. قصة قصيرة (مستوحاة من حكاية واقعية)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
مكتبة محمد جمال الدينPublished by Md Gamaleldin · 21 May · أحداث غرفة فندق جراند ميلينيوم دبي/ الإماراترأيت أول ما رأيت ساقي اليسرى مرفوعة على حافة السرير وملفوفة بمادة بيضاء سميكة، حاولت النهوض للتحقق مما يجري، لم أستطع، لا يمكنني، مستحيل! في اللحظة التالية مباشرة اكتشفت أن ثلاثة أرباع جسدي مشدودة بجبائر من الجبس. وبالرغم من كل ذلك لم أشعر بألم ممض كما أنني لا أذكر ما حدث لي قبل أن تخبرني المرأة الطيبة البدينة التي وجدتها بغتة تجلس بجانبي!.قبل أن أفيق كلية من غيبوبتي بثانية واحدة تشتت الصور في خاطري. طغى على تلك المشاهد الغريبة المرعبة وجه حبيبتي (فيولا) الجميل ثم تواترت مشاهد المأساة والحيرة!. أذكر أن آخر مرة ألتقينا فيها كانت قبل الحادثة مباشرة، كنا نتسامر على شاطئ دبي "جي بي آر". حيث تبدو شواطئ مدينة دبي الإماراتية وكأنها نفحات من الفراديس في بلاد يطوقها الأمن والسلام من كل ناحية. وكنا أنا وفيولا في منتهى الانسجام والحميمية، لم تكن فيولا تنظر ناحية البحر الرقيق الصافي، بل في عينيَّ وكأنها تقرأ البورصة لتدفع بكل ما تملكه في الدنيا وديعة عندي: روحها الشفيفة وقلبها الذي ينبض بالحياة بينما هي تهب جسدها كله للظمأ!.كنا في غاية الانسجام في الحركة والسكون، غير أن فيولا اشتكت ذلك المساء ثلاث مرات من أنني أوجه ناظري أكثر ناحية البحر دون أن أكترث بعينيها: "أنت عاص، انظر هنا في عينيَّ، كن مطياعاً لأوامري، انظر هنا في عينيَّ دعك من البحر".كانت الآنسة (فيولا ألفيرا) فتاة في غاية الجمال والوعي الإنساني والاتساق الروحي، تنحدر من أب إيطالي وأم أثيوبية. ولدت بمدينة دسيي الأثيوبية وعاشت النصف الأخير من حياتها متنقلة بين نابولي الإيطالية ودسيي حيث ما تزال تعيش والدتها وأخ واحد والده من مدينة دبرسينا بالجوار ارتبط بوالدتها بعد انتهاء علاقتها بالسيد ألفيرا الذي كان يعمل باليونيسكو لعدد من السنين بمدينة دسيي الأثيوبية.كانت فيولا في الخامسة والعشرين من العمر عندما التقيتها أول مرة قبل ثلاث سنوات خلت في إحدى رحلات الخطوط الجوية الألمانية (لوفتهانزا) كانت في طريقها إلى أديس أبابا. لم نلتقِ بعدها أبداً وجهاً لوجه إلا تلك الأيام في دبي وفق ترتيب مسبق. كنا بين الفينة والأخرى نتواصل عبر الوسائط السايبرية ونتحدث قليلاً أو كثيراً ونتبادل كلمات الغزل التي كثيراُ ما كانت تبدو وقحة بطريقة ودية تروقنا معاً. كانت فيولا تنطوي على عقل منفتح و روح شديدة المرح نادراً ما توفرت لإنسان هذا الزمان. وفوق كل ذلك كانت فيولا فتاة حرة، تفعل كل شيء وفق قناعاتها الذاتية وما يمليه عليها ضميرها وحدها بلا رقيب.أخذت مفتاح غرفتي، ساعدني عامل النظافة (البنغالي) الأسمر النحيف القصير في حمل حقائبي إلى غرفتي بفندق (جراند ميلينيوم دبي) الواقع في منطقة البرشاء بالقرب من مجمع الإمارات مول. اغتسلت وصففت شعري وتعطرت بخير ما عندي ونزلت إلى مول الإمارات حيث كانت تنتظرني فيولا التي وصلت إلى دبي قبل عدة أيام خلت قادمة من نابولي كما هو معلوم لدي.ليست الأمور دائماً كما تبدو أول مرة، و ليس السطح كالعمق!.كانت فيولا تتظاهر بالبراءة المزيفة وأنا أفعل مثلها عندما قبلتها ثلاث مرات، مرة واحدة على خدها الأيمن ومرتين على خدها الأيسر من أجل التحية. كان هناك بعض القلق، القلق المعتاد في مثل تلك الحالات، قلق التوقعات المتناقضة الشهية والاحتمالات العديدة المبهجة والأخرى المحبطة. إنه اللقاء الأول الحاسم وفق ما نضمر معاً ونخبيء في الأعماق السحيقة التي نحاول جهدنا أن لا ندعها تتكشف قبل أن تأتي اللحظة المناسبة! أشعر أن فيولا تليق بي وكان ذلك بالضبط هو شعورها تجاهي كما تكشف لاحقاً من الاعترافات العشقية التي توالت مبهجة.في مساء اليوم الثاني وعند السادسة والنصف جاءتني في محل سكني المؤقت، جلسنا أربع ساعات في مطعم الفندق. كان ذلك اللقاء أكثر حميمية وسلاماً. لقد انقشعت سحب كثيرة في طقس المسافة الفاصلة بيننا وحلت محلها طمأنينة لذيذة يعكرها بين الفينة والأخرى السؤال الحتمي: ثم ماذا بعد؟!.بعد عدة أيام استأجرنا سيارة خاصة مع سائق من أصول هندية. وصرنا كل مساء نذهب إلى شاطئ جي بي آر بدبي ونعود عند السابعة صباحاً. وفي اليوم الأخير، قبل المأساة بعدة ساعات، شرب معنا السائق ثلاث كؤوس من النبيذ الأحمر واتضح لاحقاً وفق الحيثيات التشريحية الطبية أنه شرب أكثر من ذلك بكثير، أكثر من اللازم، لم نكن أنا وفيولا نعلم كل شيء!.وبينما كانت فيولا - ذات مرة- في طريقها إلى المرحاض جاءني السائق يقول لي إنه جائع وسوف يذهب إلى أحد المطاعم القريبة، فأذنت له كما ينبغي، فقد كان في خدمتنا كل الوقت فنحن هناك من أجل السياحة لا شيء غير ذلك، أو هكذا كان هدفي الذي أعلم!.غير أن السائق استغل غياب فيولا وثرثر معي قليلاً ليخبرني أن صديقه الذي يشتغل عامل نظافة في الفندق الذي نقيم به أنا وفيولا في غرفة واحدة أخبره أن تلك الغرفة منحوسة! "ماذا؟!". " الغرفة التي تقيمان فيها أنت ورفيقتك منحوسة، لقد قتل فيها ثلاثة أشخاص في غضون ثلاث سنوات فقط بطريقة غامضة ومريبة". يا للهول! كان الرجل ثملاً بطريقة غير محتملة!.في طريق العودة إلى مستقرنا بفندق (جراند ميلينيوم دبي) كانت السيارة تسير مسرعة وتترنح في الشوارع بلا هدى وفي أحد المنعطفات في شارع الشيخ زايد ارتفعت سيارة الليموزين البيضاء قليلاً في الهواء!.بعد ثلاث ساعات من العناق الحميم، دخلت فيولا الحمام لتغتسل، في تلك الأثناء فتشت محفظتها الخاصة لأول مرة بدافع شعور غامض غير مريح انتابني بغتة!. فصدمت بشيء زلزل كياني تلك اللحظة!. لم يكن اسمها هو اسمها، إنها ليست فيولا! وجدت ضمن أغراضها العادية بطاقة غريبة عليها صورتها ومن تحتها عدة رموز وأرقام وفي الختام، اسمها: (آرتي إسبينوزا). وكان على البطاقة رقم هاتف. اطمأننت إلى أن باب الحمام مغلق وأن آرتي مستغرقة في الطمأنينة تحت الماء الدافئ الذي ينهمر بكثافة على جسدها الأنيق وهي تغني بصوت رهيف.اتصلت بالرقم المكتوب على البطاقة من الهاتف الذي يقبع ناحية اليسار من (سرير الدبل). جاءني الصوت من الخلف يرحب بآرتي. إنها آرتي إذن وليست فيولا! يا للهول! لم أفهم ماذا قال الشخص في الطرف الآخر غير ترديده لكلمة (آرتي)، فلم أنبس ببنت شفة، فقط أغلقت الخط ويدي ترتعد من الخوف بل كل خلايا جسدي بينما أضمر خطة ما للهرب والدفاع عن نفسي تجاه قدر لا بد أنه مشؤوم!.اتصلت هاتفياً بالسائق الهندي فاخبرني أن تلك اللغة هي (العبرية) لا أدري كيف علم بذلك!، لكن كان لا بد أن تكون العبرية! ولم يقف عند ذلك الحد بل أخبرني باليقين كله: "تلك الفتاة تتبع لجهاز الموساد الإسرائيلي!. إنهم يقولون أن الموساد هو مصدر جل الشرور!.لملمت الأغراض الضرورية كي أنفذ خطتي في الهرب ووضعت جواز سفري على عجل في الجيب الخلفي من بنطالي. غير أنني فوجئت بباب الغرفة مغلق بإحكام شديد ولا أستطيع فتحه! جلست على حافة السرير، قلبي يفر مني وجسدي كله يتزلزل. خرجت آرتي من الحمام بطريقة مباغتة وهي عارية كما دخلت أول مرة ورشت شيئاً ما في أنفي من قنينة صغيرة بلاستيكية كانت تدسها بين أصابعها، فأُصِبْتُ من بعدها بلا مبالاة كاملة وقدر لا حد له من السعادة وشرعت أرقص في الغرفة رافعاً يديَّ في الهواء بينما أنا أردد كالممسوس: "أنا أحبك يا فيولا، أووه حبيبتي فيولا الجميلة!".وبعد عدة دقائق دخل الغرفة بطريقة مفاجئة ثلاثة رجال وامرأة واحدة بدينة وجميعهم يلبسون زياً أخضر ويضعون كمامات بيضاء على وجوههم التي لا أرى منها شيئاً سوى العيون.مددوني برفق على السرير، كنت في منتهى الإستسلام ورؤيتي مهزوزة، أصبحت أرى الشخص الواحد في سلسلة غيرة متناهية من التناسخ الذي يتناسخ بدوره. سمعت آرتي تأمرهم بحسم أن يخرجوا الشعرة الشريرة من دماغي، لم افهم ماذا تعني بالشعرة الشريرة! غير أن المرأة البدينة أجابتها : "لا تقلقي سيدتي سنفعل كل شيء على الوجه الأكمل، أطمئنك أن العملية ستتم بأمان!". لم أكن أعرف ما هي العملية!. وما لبثت قليلاً وأصبحت لا أشعر بشيء ثم سمعت من بعد ذلك أصوات تأتي من البعيد وكأنها الصدى وكأنني تحت الماء. كانت آرتي تقف بجانب السرير مبتسمة تراقب العملية الفظة بشهية في انتظار ما ستسفر عنه النهايات.وسمعتها لوهلة تقول: "إنه رجل طيب ونحن نحبه ولا نريد به شراً، فقط عليه أن يستجيب للأوامر حين نأمره، وجب عليه أن لا ينظر ناحية البحر لأن هناك الحيتان الفتاكة"!. ثم وقفت من أمامي وشرعت تأمرني: " انظر هنا في عينيَّ دعك من البحر". لكن الحيتان كانت تتقدم ناحيتي حثيثاً وأنا أنظر إليها يملأني الرعب دون أن أستطع الحراك فهممت بالصراخ لكنني وجدتني أبكم لا أستطيع فتح فمي فصَرَخَتْ آرتي بدلاً مني في ذعر كبير وهي تحاول عبثاً إزاحة المرأة البدينة عن طريقها بينما الحيتان الجائعة بدأت تفتح أفواهها لتبتلعني: "لا لا لا، لا تقتلوه!". في تلك اللحظة وحدها شعرت بألم رهيف في ساقي اليسرى، ثم شرعت في محاولة تحسس نفسي في كلياتها، وجدت جسدي ثقيلاً بدرجة لا تستطيع معها إرادتي تحريكه مهما شددت من عزمي، شعرت وكأنني جبلٌ ضخمٌ من الفولاذ، كنت في حالة سكون شاملة. لكن في لحظة بعينها كانت عيناي تعملان بطريقة لا بأس بها.حاولت جهدي استبيان المكان والزمان، كان أمراً صعباً، وبينما أنا أفعل كل ما في وسعي كي أذكر ما جرى! انتبهت على إمرأة بدينة تجلس بجانبي بينما هي تمد ناحيتي ورقة من صفحتين وهي تقول بلطف : "الحمد لله يا بني، لقد أنقذك ربك من موت محقق، هذا هو التقرير الرسمي".قرأت في التقرير أن فيولا أصيبت بكسر صغير في الحوض وعدة رضوض في أجزاء مختلفة من جسدها، وأما السائق الهندي (للأسف) فقد مات في ذات اللحظة بينما احترق نصف السيارة الأمامي في المنعطف الحاد لشارع الشيخ زايد ناحية جميرا!.وبعد عدة ساعات أخبرتني الممرضة البدينة الطيبة أن (فيولا) بخير وهي في الجناح الخاص بالنساء في المستشفى وقد أفاقت من التخدير لتوها كما أخبرتني أنها سألت عن أحوالي بلهفة شديدة في ذات اللحظة التي صَحَتْ عندها، فهاتفتها بصعوبة من على سريري الأبيض وقلبي يخفق خفقاناً شديداً، فصاحت فيولا برفق: "أووه حبيبي!".محمد جمال .. "قصة قصيرة".. هذه القصة وقصص أخرى "22 قصة" ستصدر في كتاب ورقي قريباً مع ثلاث روايات أخرى جديدة. وهذا مجرد إعلان تجاري smile emoticon.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
أحداث ساعة مقتل الرئيس! دخلت الشابة الصغيرة سارة أحمد مكاوي إلى المحامي وفي خلدها شيئان، الأول: أنها تملك معلومات جديدة عن مقتل الرئيس، والثاني: ميراث الرئيس!قبل عدة سنوات خلت قدم أحمد مكاوي من إحدى قرى الجزيرة إلى إحدى (الأمبدات) الطرفية في مدينة أم درمان السودانية بالعاصمة المثلثة الخرطوم على إثر الانهيارات المتتالية لمشروع الجزيرة، أتى برفقة أسرته الصغيرة المكونة من زوجته (رابعة) وابنتيه (سارة) و(عزة). لم يتلق أحمد أي نوع من التعليم، فقد كان أمياً بالمعنى الأكاديمي الكامل للكلمة. كان يعول أسرته الصغيرة من أعمال خاصة مبتكرة أهما (قدرة فول) يعرضه كل صباح لزبائنه من البيوت المجاورة، وكان عند ساعات الظهيرة وحتى البدايات الأولى من الأماسي يحمل صندوقاً خشبياً على كتفه حيناً وعلى رأسه حيناً آخر يعرض فيه الخفيف من مستلزمات الزينة والتجميل و(الهتش) للمارة من النساء في شوارع أم درمان الرئيسة.كان يجني من أعماله تلك القليل من المال الذي يكفي بالكاد عون أسرته من الأساسيات الحتمية: الطعام والكساء ودراسة ابنتيه وإيجار المنزل الصغير المتواضع الذي درج أحمد على طلائه باللون الأبيض مما دعا الجيران تسميته من باب الدعابة (البيت الأبيض). كانت سارة طالبة متميزة بقسم اللغويات جامعة الخرطوم، وكانت عزة طالبة بالصف الثامن في مدرسة الأساس. وأما الأم رابعة فقد كانت تعين أحمد في كل شيء، وكانت ربة منزل ممتازة ومدبرة.كانت البنتان مجتهدتين، فالحياة التي تعيشانها لا تتيح أي هامش للخطأ! قبل عدة أسابيع حصلت سارة على العلامات الكاملة في امتحان النقل للسنة الجديدة، فقررت إدارة القسم في سابقة نادرة تكريم الطلاب المتفوقين بالقسم وكانت سارة قد أحرزت المرتبة الأولى. وفي اليوم السابق للاحتفال طلبت من والدها أن يرافقها لحضور لحظة الاحتفاء بإنجازها كإنسان متميز، فلبى طلبها في منتهى الحبور والفخر والفضول. "هل سيعطونك جائزة مالية؟" "لا أدري، لا أعتقد!".تلك كانت أول مرة طوال حياة أحمد يدخل فيها صرحاً تعليمياً من أي نوع، فهو لم يدخل مدرسة أساس حتى! فقد كان أحمد أمياً بالكامل لا يقرأ ولا يكتب ولا يذكر أي فضل للمؤسسات التعليمية، لا يعلم ولا يخبر أية ثمرة للتعليم على جميع أفراد أسرته الممتدة. كانت لديه فكرة سيئة عن الرجال المتعلمين، فلاسفة فارغون ويعمم المثل الشعبي الذي يذم بعض المتعلمين على الجميع بلا استثناء: "القلم لا يزيل البلم!"كانت الأم رابعة وفق حكمة غامضة ترعى البنات طوال الوقت وتهتم وحدها بشئونهم الدراسية، بينما كان دور أحمد الأساسي أن يسعى من أجل الحصول على المال اللازم لتسيير شئون البيت وهو أمر ليس بالسهل غير أن أحمد كان يفعل أكثر مما يتصوره الخيال حيال ضمان معاش أسرته الصغيرة وبقائها متماسكة. لبس أحمد مكاوي تلك المرة أفضل ما عنده من الثياب، ليست كثيرة: جلباب سوداني تقليدي ومن تحته قميص قصير (عراقي) وسروال (أب تكة) ووضع على رأسه عمامة أكبر مما كان يفعل في العادة، وركب الباص بجانب ابنته سارة في طريق الاحتفالية، حاشراً في الجيب العلوي مقداراً إضافياً صغيراً من المال ووضع في الجيب الجانبي الأيسر كيس (السعوط) بعد أن لفه بإحكام فوق العادة.كانت اللوحة الخلفية للمسرح مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية، وكان هناك أستاذة أمريكية زائرة شرفت هي الأخرى الاحتفالية. وعندما جاء دور سارة قلدها رئيس القسم بكل الفخر وشاحاً، وكانت تقف بجانبه المرأة الأمريكية الزائرة التي ألقت كلمة قصيرة باللغة الإنجليزية شكرت في المقطع الأخير منها أسرة سارة وذكرت من باب المجاملة الحميدة اسم والدها (أحمد مكاوي)، وعند تلك اللحظة حدثت مفاجأة أدهشت الجميع وأصابت سارة بالجنون لعدة دقائق، الجنون حرفياً، فقدان العقل!إذ نهض أحمد بغتة ناحية المسرح وأمسك بالمايكرفون وأدلى بكلمة رصينة باللغة الإنجليزية (الأمريكية) بلا تعتعة أو تردد أو توقف، تحدث أحمد في ذكاء ينم عن خبرة واسعة وعلم وافر. ولو أنه تحدث في أمور خارجة عن نطاق المناسبة أو غير مباشرة. وأكثر مقطع مثير للدهشة من حديثه، أنه قال بحماس شديد: "أنا سأسعى للمساعدة بكل قوة وعزم، إن التعليم هو عصب الحياة، هذه الأمة نهضت بوعي الرجال والنساء العظماء الذين أرسوا قواعد متينة للتعليم والبحث العلمي، أبائنا وجدودنا الأوائل، إنني أعدكم أن التاريخ يسير نحو الأفضل!".ثم وضع المايكرفون وترجل ناحية سارة متخذاً مكانه بجانبها. وفي تلك اللحظة سقطت سارة على الأرض مغيشاً عليها، وعندما أفاقت من غيبوبتها بالمستشفى القريب وجدت أباها يمسك بيدها، فأخذت تتفرس في وجهه من الأركان الأربعة وهي تبكي بصوت خفيض وجسدها يرتعش من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.سألته عن الأمر الغريب العجيب، فأجاب بكل برود وهو يضع السعوط تحت شفته السفلى: "لا أعرف، ولا أذكر، فبسببك لم أتعاطَ السعوط طوال ظهيرة هذا اليوم"، ثم ضحك بشهية وشرعا من بعد ذلك في طريق بيتهما الصغير المتواضع، الذي يسميه الجيران: البيت الأبيض.عندما وصلت سارة البيت الأبيض، اختلت مباشرة بأمها وروت لها الحكاية المدهشة بينما لا يزال جسمها كله يرتعد، فضحكت أمها بشهية مستهينة بالأمر الجلل: "هو كذلك منذ التقيته أول يوم، يهذي أحياناً بلغة أعجمية لا أفهمها، ليس كثيراً، نادراً، لكنه يحدث، لم أهتم، لا تهتمي"!. فاطمأنت سارة قليلاً دون أن تنقشع عن خيالها ضبابات الدهشة انقشاعاً كلياً ونهائياً فهي تعلم يقيناً أن والدها أمي بالكامل وأنه لا يعرف أية لغة أخرى غير العامية السودانية. إنه لأمر محير!.وفي صباح اليوم التالي مباشرة شعر أحمد بوعكة لم يستطع التعبير عنها بالكلمات، كان شيئاً غريباً، كان لا يرى الأشياء من أمامه في صورة جيدة، وكان يشعر بتشويش في الذاكرة وحرقان رهيف في فم المعدة والمزيد، غير أنه لم يكن هناك ألم واضح محدد يستطيع التعبير عنه! طلب من رابعة أن ترعى (قدرة الفول) بالخارج ذاك الصباح ودخل الغرفة في شبه غيبوبة، كانت سارة تلك الأثناء تساعد عزة في مادة الرياضيات. جلس بجانبهما على كرسيٍّ بلاستيكي عتيق وأخذ يحدق ناحية الحائط الأمامي.وفجأة وبلا مقدمات تحدث أحمد صائحاً بصوت جهور في لغة إنجليزية أمريكية رصينة وبدا وكأنه يخاطب حشداً من أمامه: "سأفعل كل ما في وسعي لسعادة الشعب الأمريكي وسلام العالم، سأسعى بكل ما أملك من قوة لرفاهية الإنسان وتجريد الأشرار من امتلاك الأسلحة النووية التي تهدد بقاء الإنسان فوق كوكب الأرض، فليبارك الرب أمريكا!".ثم شرع فيما يبدو اتصالاً هاتفياً مع الحاكم المحلي في دالاس (جون كونالي) ودخلا في جدال غريب بشأن خيانة رئيس المخابرات المركزية (آلان دولاس): "إنه متعاون مع المجرم ليندون جونسون سيدي الرئيس". (في المستقبل سيسرق آلان دولاس الطلقة الثالثة من مسرح الجريمة وسينجح مسعاه في تضليل العدالة). وقبل أن يبدأ إطلاق النار ناحية عربة الليموزين المكشوفة التي يستغلها الرئيس في شوارع دالاس بعدة ثوانٍ فقط، طرق صاحب المنزل باب البيت الأبيض الخارجي قادماً لأخذ قيمة إيجار البيت الأبيض الذي تأخر لمدة ثلاثة أشهر هذه المرة. وفي اللحظة التي فتحت رابعة الباب بدأ إطلاق النار، ثلاث طلقات أصابت الرئيس وحاكم دالاس في مقتل.كانت هناك صيحات كثيرة مذعورة تأتي من الآفاق البعيدة ناحية السماء: "لقد قتل الرئيس، لقد قتل الرئيس، لقد قتل الرئيس، يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي ، لا، لا، لا!" كانت هناك فوضى عارمة. امتلأ الأفق بالحزن الكثيف والدهشة والصدمة والحيرة بينما كانت هنالك في الخفاء احتفالية صغيرة خبيثة مبتهجة في مزرعة ليندون جونسون.وعندما أكملت رابعة ولوجها إلى مكان الجريمة برفقة الرجل (صاحب المنزل) ألفت مشهداً مفزعاً، وجدت أحمد ملقى على الأرض منكباً على وجهه متعرق الأطراف جاحظ العينين وقلبه يخفق بشدة وسارة وعزة مذعورتان تلجمهما الدهشة وأخذت منهما الصدمة كل مأخذ، فلا هما تسطيعان الكلام ولا الحراك بينما كان جدار الدار متشققاً ناحية اليسار!."كل العالم يحب الرئيس ما عدا أقلية صغيرة فاعله تكرهه كرهاً شديداً وفي الختام قتله رجلان بائسان (أحدهما أعلى البناية والآخر على العشب) بترتيب الأقلية الكارهة بالتنسيق الخلفي مع المافيا المكسيكية وتجار السلاح دون أن يحميه العالم الشاسع الذي يحبه ودون أن يكشف كل ملابسات الجريمة. ليس قبل تاريخ اليوم، فأصبح ليندون جونسون رئيساً وفق ما خطط له خلفاً للدم الذي سفك"!.السؤال الذي وجهته سارة للمحامي حول أحقية الأسرة في ميراث الرئيس، أدهش المحامي ولم تكن عنده إجابة جاهزة تلك اللحظة. أما المعلومات الجديدة التي زعمت سارة امتلاكها بشأن جريمة مقتل الرئيس سيكون مكانها المناسب السفارة الأمريكية بالخرطوم حسب رؤية المحامي الروتينيةمحمد جمال... من كتاب: وقائع خاصة جدا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
الفصل ال 12 من " فانيسا أنفاس نهر الأووز"كان هناك صوت محرك سيارة تدخل المنزل من الناحية الخلفية بينما المومياء ملتصقة بالنافذة وهي تسرد لنا قصة الحادثة: "لم أشعر بشيء، ولا أذكر أي شيء، لا أذكر نفسي، ولا أذكر الحادثة، أبي هو الذي حدثني بتفاصيل الحادثة، نعم، قالوا إنني مت، لا أدري، لا أعرف، لا أذكر أي شيء"، ثم نظرت عبر النافذة نصف المفتوحة: "إنه أبي، ستراه يا بيبان عندما يكون مزاجه مواتياً، فهو يهتم جداً بمثل القضايا التي تثيرها أنت، إنه مدرس فيزياء، لك أن تتصور!". دخل البروفسير إسكوت ميناري المنزل وانزوى لوهلة في جناحه الخاص.تحدثت فانيسا مع جانيت ثم دانيس في الختام، كان دانيس يود مكالمتي غير أن جانيت لم تحبذ الفكرة لسبب ما، قررت فانيسا: "أننا ربما تعشينا مع ليليان هذه الليلة، مع السلامة جانيت، أووه دقيقة واحدة من فضلك، دعي دانيس يكلمني للحظة". كانت البلدة هادئة في ظاهرها، لا صوت في تلك اللحظة غير صوت محرك سيارة البروفسير، في الحقيقة صدى الصوت ليس إلا. نهر الأووز يتخذ سبيله بلا ضجيج، لا مطر ولا ضباب في الأفق، كان الطقس صحواً، فقط بعض السحائب البخارية المتفرقة تتلون في قوس قزح كاذب يسطو عليه البرتقالي، فتحت ليليان زجاجة واين أحمر جديدة من ذات النوع الذي يروق فانيسا، كانت يدي في يد فانيسا بينما ليليان تصب المزيد من الشراب في الكؤوس المنقوشة الحواف الداخلية باللون الأحمر وكأنه دم القرابين! تدثرت الشمس بلون قانٍ باهت السمت في لحظة وداعها الأخيرة. دخل البروفسير إسكوت ميناري إلى الغرفة وفق إشارة ليليان الملحاحة عبر النافذة، وما أن رآني، سألني ببعض الجفوة غير المفتعلة ولا المعنية: "من أنت؟"، أجابت فانيسا قبل أن تدعني أنطق بكلمة: "إنه صديقنا، أعني صديقي"، رددت ممازحاً البروفسير إسكوت: "أنا صاحب نظرية كونية كلية جديدة" قلت ذلك بينما كنت أشعر ببعض الحرج غير المبرر. اشتهر البروفسير إسكوت بعبارة فظة: "أي تجاوز للوقائع العلمية الراهنة بلا براهين بديلة من المحتمل أن يؤدي بنا إلى دائرة عدمية من التصورات الذهنية البحتة المفضية إلى مسافات غير متناهية من العدمية". غير أنه برغم القسوة الأكاديمية التي يتحدث بها فإنه شديد الانتقاد للنظرية النسبية ويعتبرها في عداد الأفكار البالية منطلقاً من فيزياء الكم ليصل ولو ببعض الحذر إلى نظرية الأوتار الفائقة في محاولة إيجاد تفسير كلي ونهائي وشامل لمظاهر الطبيعة. ذهبت لوهلة إلى الحمام المشترك، تعمدت فانيسا تحين لحظة خروجي من الحمام كي تلتقيني في خلوة: "أنا فخورة بك جداً، لقد جعلت البروفسير يصمت دهشة حين تحدثت عن نظريتك في الأكوان المتقاطعة والمستقلة كما المتناسقة في ذات الآن مع قوانين بعضها البعض، مدهشة، واصل حديثك معه كم هو ممتع". على حافة زاوية الحمام ضمتني فانيسا إلى صدرها، كان قلبها ينبض بالحياة، وكانت النافذة نصف مفتوحة بالقدر الذي يسمح لأشعة باهتة بالدخول إلى الغرفة الفسيحة، كان نهر الأووز يرسل زفرات وانية والسحب البرتقالية أخذت لوناً رمادياً داكناً بينما توارت الشمس للتو نحو مستقر مستحيل. جذبتني فانيسا بغتة إلى داخل الحمام من جديد، وبينما هي تغير السدادة القطنية (التامبون) بأخرى مناسبة للحالة الجديدة: "هذا هو اليوم الأول، كنت قد ظننتي حامل"، ضحكنا معاً، ثم حثتني من بعدها على مواصلة الحديث.المادة "الحية" في معادلة بسيطة هي محصلة تصورات، مشاعر، غرائز ومادة بيولوجية (الجسد). الجسد مجرد مادة من نظائر الكون الفيزيائية وخاضع لقوانين الجاذبية والنظرية النسبية وفيزياء الكم وأي قوانين فيزيائية أخرى محتملة إنه مادة ميتة مؤقتاً حتى تتلبسه الخصائص الأخرى فيدب فيه النشاط الحيوي الذي نشهده في الحياة اليومية."كيف تحدث الشرارة الأولى؟"، "لا توجد شرارة أولى وأخرى نهائية، فعناصر الكون بما فيها الروح (التصورات والمشاعر والغرائز) تقوم في دائرة غير مبتدئة من نقطة محددة ولا منتهية بأخرى، كل لحظة موت مفردة تعقبها لحظة حياة مفردة جديدة وهكذا دواليك وكل لحظة موت كلية تعقبها لحظة حياة كلية أي بق بانق جديد وهكذا دواليك في دورة غير منتهية البدايات ولا النهايات". لا يوجد بق بانق واحد ولا كون واحد ولا قانون فيزيائي واحد شامل ومطلق. بل هناك عدد غير محدود من الأكوان التي تشبه أو تختلف عن كوننا هذا الذي هو في تصورنا الكون الواحد. وهو الآخر يتكون من عناصر غير محدودة العدد ذات قوانين فيزيائية مختلفة جذرياً ونحن -الكائنات الحية- في اللحظة المفردة نستطيع فقط التعرف على العناصر التي تشابه خصائصنا الفيزيائية ما لم نستطع اختراق السمت الفيزيائي الذي يحجبنا وهو أمر من الصعوبة بمكان كبير!. وكلما أختلف القانوني الفيزيائي في المقدار أو النوع يبدو العنصر المحدد بعيداً منتهى البعد أو غير متاحاً للنظر وفي أحيان كثيرة غير متاح حتى للخيال!. كل شيء هنا والآن، كل المجرات التي نحسبها تبعد عنا تريليونات السنين الضوئية هي هنا والآن، كل الأشياء التي نراها وتلك التي لا نراها هي داخل كتلة واحدة صغيرة ربما كان قطرها نصف مليمتر فقط وهنا والآن وبغير بداية ولا نهاية وما الإنفجار الكوني العظيم سوى إتحاد مرة وإنفصام مرة أخرى لقوانين فيزيائية مختلفة جذرياً في داخل الإطار الكلي للأكوان كلها والبالغ قطره نصف مليمتر!. وتقوم الروح من كل الأكوان مقام الهواء من غلاف الأرض، التصورات والمشاعر والغرائز تسبح في الفضاء في حرية مطلقة وفق قوانينها الخاصة المختلفة جذرياً وليس الفضاء فحسب بل كل مكان. وبمثل ما يتكون البيولوجي من عناصر محددة من النسق المادي الذي نعلم تتكون الروح من مادة قائمة سلفاً فقط ذات قوانين فيزيائية مختلفة. جميع التصورات المعنوية والمفاهيم والآراء ومشاعر الحب والإيثار والبغض والحقد و لذعات الألم والمرارة والحسرة والمتعة واللذة والخوف قائمة سلفاً في النسيج الكلي للكون، للأكوان. الأكوان كلها هنا، عدد غير محدد من الكائنات الحية يقيم بين ظهرانينا، لكن السمت المختلف لا يجعلنا نراها بالعين المجردة أو حتى نفكر مجرد تفكير في القدر الأعظم منها، لا توجد كائنات فضائية، جميع الكائنات هنا، لا يوجد فضاء بالمعنى الحرفي للكلمة، لا توجد مسافات في مليارات السنين الضوئية، هذا وهم، الأكوان كلها ملخصة في جوهر واحد هو (هنا) فقط ذي سمت فيزيائي غير محدود في اختلاف قوانينه."هذا أمر غريب، قل لي ما هي التجربة الذهنية المقاربة التي تودني أن أقوم بها معك يا بيبان، كما أنني مغرمة بقولك إنني ألخص الأكوان كلها دفعة واحدة!".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
صدام الحضارات "الفصل العاشر من رواية سيلفيا الهولندية" صدرت للتو عن دار أوراق المصرية "الفصل 10 مكون من 4 أجزاء":"10" صدام الحضارات1-4أسمعهم يقولون وأنا أقول: يبدو أن هناك مقدرة كبيرة على الكلام في هولندا - بلاد سيلفيا، بلاد حضارة الغرب في مقابل بلاد الشرق، بلادي (أنا). فأيُّ إنسان في هولندا -مهما كان عمره أو نوعه أو موقعه الاجتماعي أو مستواه الأكاديمي- يستطيع أن يتكلم!. يتكلم في اليومي وفي المنابر العامة وفي كل مكان تتاح فيه فرصة للحديث. يستطيع أن يتكلم بلا حدود، وبلا تلعثم. فالأطفال الصغار يتكلمون تقريباً بذات قدرة الكبار، معظم الأطفال، إن تَصَادَفَ إجراء تحقيق تلفزيوني في الشوارع العامة فإن أي طفل عمره سبع سنوات -وربما أقل- يستطيع أن يتكلم، بل ويستطيع أن يجيب عن السؤال بقدر علمه عبر كلمات واضحة غير مرتبكة أو متلعثمة، أما إن كان لا يعلم فإنه يقول "لا أعلم" ورأسه في عنان السماء. لا يُوْجَدُ خجل من "لا أعلم"، هناك كلام كثيف في هولندا، وذلك الكلام ليس بلا سبب بل وراؤه وعي ما! فهو من حرية التعبير، وهو من هبة الفردانية شبه المطلقة. كلام من ذهب ضد صمت الرماد، كلام ليس بلغو، تعبير عن خلجات الصدور. إنه تعبير عن الذات الحرة المتحررة من الخوف. كلام ليس بالضرورة فلسفة عميقة أو يحمل منتهى الحكم. لا ليس هكذا، إنه فقط تعبير عن الحالة الفردانية في عالم يسكن في الحرية النسبية الأعلى في نسبيتها!.السمة الأساسية للدستور الهولندي هي (الحرية). حرية التعبير والحرية بكل معاني الكلمة لجميع المقيمين -وفق الدستور- على الأراضي الهولندية بلا فرز. في هولندا ليْسَتْ حرية الكلام وحدها هي المباحة، بل كل شيء تقريباً مباح، ولا يوجد شيء حرام غير الاعتداء على أجساد الآخرين أو حقوقهم المادية أو المعنوية حتى وقائع اللحظة الراهنة!. فالإنسان من حقه أن يجد طعامه وملبسه ومسكنه وعلاجه وتعليمه وفق الدستور. وتلك هي الضرورات الحتمية. ثم من حقه أن يعتقد فيما يشاء ويعبد ما يشاء ويفكر كما يشاء ويلبس ما يشاء ويتحدث بما يشاء ويعمل ما يشاء وفق القانون وبما لا يتعارض مع حريات الآخرين. ويتجمع ويتفرق ويتظاهر ويكتب ويغني ويرقص كما يشاء. وإن بدا أن ذاك حداً معقولاً من حقوق الإنسان في الغرب الأوروبي وعلى وجه الإطلاق. ففي هولندا هناك المزيد من الحقوق. فيض من الحقوق حتى وقائع اللحظة الراهنة. فمن حق الإنسان أن يبتاع (الحشيش) من البقالة مثله و(الشوكلاتة!)، ومن حق الرجل أن يتزوج رَجُلاً آخر، ومن حق المرأة أيضاً أن تتزوج امرأة أخرى! والإجهاض حلال، والزنى أيضاً حلال بل وعنده أماكنه الخاصة والمشرعنة وفق القانون والعاهرة رسمياً ليست عاهرة بل عاملة (شريفة) تدفع ضرائب للدولة! وليس ذلك فحسب؛ بل من حق الإنسان أن ينهي حياته في أية لحظة شعر فيها بأنه يتألم أكثر من اللازم، ينهيها بما يُسمَّى (الموت الرحيم) وكل ذلك وفق القانون. ومع ذلك فالهولنديون من أقل الشعوب استخداماً للمخدرات في الوقت الراهن، كما أن مستوى الجريمة المنظمة على وجه العموم متدنٍ إلى قدر يجعل هولندا من أكثر شعوب الأرض أمناً وطمأنينة هذه الأيام.وهذه الحريات شبه المطلقة لها جذورها التاريخية والعملية المؤسسة على تضحيات جسام في الإطار الكلي لنسق الحضارة الغربية الحالية، وعندها مبرراتها الأخلاقية والاقتصادية. وسواء أكنا نختلف معها أم نتفق فذاك شأن آخر. فهذا هو الواقع الذي اِرْتآه وارتضاه الشعب الهولندي لنفسه!.فقد قامت الحضارة الغربية الحالية -كغيرها من الحضارات السابقة عليها- على الإرث البشري العريض. كما قامت مثل كل الحضارات التي سبقتها على قدر مهول من الدماء والخوف ونقص في الأنفس والثمرات. ثم عندما اكتملت دورتها وتشابكت حلقاتها وبلغت ذروتها اعتملت قدراً آخر فظاً من ظلم الذات والآخرين. والحربان العالميتان الأخيرتان مثال ساطع كما ثقب الأوزون واستعباد البشر بأشكاله المتعددة والمنوعة. غير أن هذه الحضارة أنتجت حدثاً فريداً وعظيماً ومشرقاً لم يحدث قط من قبل في التاريخ، وهو: الكلام، حرية الكلام، حرية التعبير وحرية الضمير.كل الخيول التي أُسْرِجَتْ في التاريخ، وكل الدماء التي أُهْرِقَتْ، وكل الصرخات المعلقة في الفضاء كانت في نهاية المطاف من أجل شيء واحد فقط هو الكلمة: العبارة. العبارة التي كلما اتسعت، اتسعت الرؤية! كلما اتسعت العبارة اتسعت الرؤية والعكس صحيح، فالعبارة تصنع الرؤية، والرؤية تصنع العبارة في جدلية لا تنفك عن بعضها بعضاً. وهذا (الكلام) هو قدس الأقداس وسر الأسرار كلها، إنه مقياس الإنسانية في زهوها المهيب. إن كُنْتَ تسطيع الكلام فأنت حر العقل وحر الضمير وحر الجسد. أنت لن تكون حر الجسد ما لم تنال حق الكلام!.فالجسد هو عقدة البشرية منذ الأزل!. وعندما تملك جسدك، تكون (أنْتَ أنْتَ) تعرف ذاتك بموضوعية. ولن تستطيع الكلام ما لم تكن تعرف ذاتك. تعرف من أنت وماذا تريد؟ وتعرف متى تقول لا ومتى تقول نعم ومتى تصمت. ولن تفعل ذلك إلا حينما تكون حراً في عالم الفردانية. الإنسان الحر يعرف ذاته قبل معرفة الآفاق. فالذات أولوية صعبة تتقدم الآفاق، سمعت مرة أحد الحكماء يقول ذلك فراقني. لهذا كنت كثيراً ما أراني -وتشهد سيلفيا دائماً أنني- أعرف أفضل منها في الأفاق!. ربما كان ذاك صحيحاً، كوني أعيش ثقافتين ولدى سيلفيا واحدة وأعيش تناقضين ولدى سيلفيا واحد وأعيش حربين ولدى سيلفيا واحدة!. انني أعرف الآفاق لكنني ربما لا أعرف نفسي بالقدر الكافي. كان أصعب الأسئلة التي توجهها إليَّ سيلفيا تلك الحصرية المتعلقة بي شخصياً!. فلا أستطيع الكلام بالقدر الكافي. وسيلفيا تعرف ذاتها أكثر من معرفتها للآفاق. لذا تجيد الكلام أفضل مني بدرجات عديدة. الكلام عن مشاعرها ورؤاها الذاتية. فهي ذاتٌ لا رقيب عليها ولا عتيد.. ذاتٌ حرة باطنها هو ظاهرها والعكس صحيح.. لذا يكون الحديث هو ذاتها.. تتحدث في العلن (لا سراً) عن كل ما يخطر لها وكل ما يجيش بدواخلها.. إنها ذاتٌ تتعرى في الفضاء الحر بلا حدود عبر الكلام وعبر اللغة وعبر الإشارة وعبر الفكرة وعبر الجسد.2-4أنا أعتقدني إنسان (ليبرالي) إلى حد معقول وأجدني في انسجام شبه تام مع خلفية سيلفيا القيمية وأيضاً الرؤيوية في أقصى الحدود التي أستطيع. غير أنه بعد كثيراً ما أتمايز بحدة عن سيلفيا في لحظات بعينها. فسيلفيا –دائماً-عندها خطة. فهي تعلم مُقَدَّمَاً ما تريد تماماً، أما أنا فلا. فأنا متوكل على الواحد القيوم. كانت سيلفيا تعرف ماذا ستلبس من ثيابها عند صباح الغد بينما كنت أنا ألبس آخر لحظة "أي بنطال جينز من طرف خزانة الملابس" وكانت جميع ثيابي في عداء مع المكواة وفق خطة مسبقة؛ إذْ دائماً ما كنت ألبس وأنا جار على الشارع وكثيراً ما أزرر الأزرار وأنا في المصعد، وأصلح ياقة القميص في (المترو). وسيلفيا دائما ما تسألني سؤالا حرجاً على الدوام "ما الطعام الذي تشتهيه نفسك اليوم؟" ودائماً تكون إجابتي هي ذاتها "على راحتك، فأي شيء تحبينه يا حبيبتي أنا معك". وأنا في الحقيقة لا أكترث! فالطعام ليس من همومي. وأنا لا أذكر الطعام حتى أجوع وعندما أجوع لا وقت للتفكير، بل كنت أهرع إلى الثلاجة فآكل ما هو متاح ولا يهم (ماذا؟). فأنا أفكر في الأمور الكبيرة، أنا مهموم بالطبيعة والوراثة. أذكر أن سيلفيا تركتني –ذات مرة- في البيت لمدة ثلاثة أيام لأمر هام يتعلق بأبيها المريض. فذهبت في اليوم الأول إلى بقالة تُرْكِيَّةٍ بالجوار وجئت بعلبة (فول) وزيت زيتون وبعض الجبن الهولندي الأبيض فأعددت الفول وتركته في المطبخ وعندما جعت في الصباح التهمت نصفه وعندما جعت عند الظهيرة التهمت البقية وتركت شوربة الفول للعشاء. وبالفعل، تعشيت بها ونمت تلك الليلة.كانت سيلفيا تتمتع بمقدرة كبيرة على الادخار، أما أنا فلا، فأنا لا ارتاح ولا يهدأ لي بال حتى أنفق الراتب في الأسبوع الأول من الشهر. وسيلفيا تقودني سَيْرَاً على الأقدام عدة كيلومترات لأنها قرأت في الإعلانات التجارية أن هناك سلعة صغيرة أرخص في الثمن، وأجود في النوع. ودائماً ما يكون الفرق (سنتات) لا قيمة لها عندي فأضحك في سري وأعانقها كي لا تكتشف أنني أهزأ بها. وفي إحدى المرات -عند أول زيارة لأسرتها الصغيرة لنا- ذهبت أنا لوحدي تلك المرة للتبضع فابتعت أشياء بقيمة تسعين بالمئة من راتبي الشهري الخاص، وعندما دخلت المنزل ورأى (مارسيل فإن دا ليندا) البضائع، قال في وجه سيلفيا "يبدو أن شريكك غني جداً"، وجاء لي بكوب خاص من القهوة صنعه على طريقته الرائعة وهو في الجانب الآخر يهنئ بنته على حظها السعيد.وعندما علمت سيلفيا عند اليوم التالي بالأمر لم أستطع النوم تلك الليلة ولم تنم سيلفيا فتم سلخي بطريقة فظة وبلا هوادة! وقامت سيلفيا بمصادرة جميع الوسائل التي قد تمكنني من تكرار ذاك العمل الأهوج مجددا، فأصبحت -لعدة أشهر مقبلة- رَجُلَاً بلا (بطاقة مصرفية) أستجدي سيلفيا كل صباح (مصاريف المواصلات والفطور) مثلي ومثل أي تلميذ في مرحلة الأساس!.وسيلفيا هميمة لكنها غير مهمومة وأنا مهموم بالقضايا الكبيرة أو هكذا أبدو وأتصرف، فما أنا إلا رجل من بلاد الأزمة الشاملة، بينما سيلفيا تكون عندي من دنيا الرفاهية الشاملة!.سيلفيا طفلة هانئة أكثر ما يدهشني فيها مقدرتها على (الابتسام) ضمن مواهبها العديدة. كانت سيلفيا مبتسمة على الدوام حتى في لحظة الدموع فإن شفتيها لا تكفان عن الاحتفاظ بتلك الابتسامة الشهية التي تحير العلماء! فدموع سيلفيا وابتسامتها يعيشان علمانية مطلقة. ابتسامتها ثابتة لا علاقة لها بالمتحول من بقية سلطات مشاعرها و جسدها. ابتسامة سيلفيا إهرام، كائن لا تاريخي، صولجان من البريق شلال يتدفق لا يهدأ له بال!.أذكر عندما التقيتها أول مرة في قطار الراين سألتها من باب صناعة الموضوع عن عدد سكان مدينة آرنهيم، فحدقت في وجهي لوهلة ثم انفجرت في ابتسامتها الشهية في اللحظة التي أشاحت بخصلات شعرها عن شرفتين راح ينأى عنهما القمر، وبدت لهنيهة وكأنها تفكر في الأمر، ثم أخيراً ردت بأنها "لا تعلم" فهي ليست من سكان آرنهيم الأصيلين وإنما هي في الأصل من هانقلو شرقي هولندا. ولو كانت تعلم لرسمت ذات الابتسامة وفعلت الأفعال كلها. فابتسامة سيلفيا شيء منفلت كلية عن أحداث الكون، بل وعن سيلفيا ذاتها! .3-4تشير ابتسامة سيلفيا إلى شيئين جوهريين: الأول هو الهناء والسعادة، والثاني هو الانتقاء الطبيعي في مواجهة نساء الكوكب أجمعين بحسب نظرية داروين وحسن الطالع والأقدار، فالطبيعة حنت عليها بحسب نظريتي أنا وربما هي ليست من هنا، قادمة فضاء بعيد أكثر رومانسية من عالمنا!.كانت سيلفيا هانئة وقانعة ودائماً ما تذكرني بمقولة سخيفة أطلقها مؤلف كتاب نهاية التاريخ حيث يقول: "إنَّ الإنسان الأخير، إنسان نهاية التاريخ يتحول إلى كلب وديع ينام في الظل، إنسان قانع وسعيد بما لديه لا يحلم بالمزيد ولا يتمرد ولا يثور بل ولا يفكر إنما يمارس الحياة في زهوها المهيب ويكون دائماً مبتسماً وسعيدا".كانت سيلفيا تشعر بأنها تملك كل شيء، كل شيء. وتلك حقيقة، حدثتني -ذات مرة- ونحن نتسامر على مقعد خشبي أقامته على شاطئ الراين سلطات المدينة كي يسعد فوقه العشاق من أمثالنا. قالت إنها تملك كل شيء بينما هي تحدق في خيط الماء. "أنا أعلم". نعم أعلم، وكان في ضميري أنها فعلاً تملك أشياء جميلة وهبها لها الله تفرداً، دون خلقه أجمعين. فهي جميلة بطريقة باهرة وناجحة وذكية وتملك من المال ما يكفيها وتتحدر من أسرة مستقرة ومحبة لها. غير أن ذاك ليس الأمر!. إذ تقول سيلفيا إن كل شيء هو حبيبها، هو: أنا. فدوني هي لا شيء ولا تملك شيئاً، وكانت تعني ما تقول. فقد كانت سيلفيا –معظم الوقت- تعني ما تقول وتقول ما تعني وتفعل ما تقول! .وكانتْ أشياؤها بسيطة وجميلة. بسيطة لكنها في بعض المرات مرهقة في بساطتها. مرهقة لي جدا! فعندما نعود إلى منزلنا كل مساء من أعمالنا المنوعة عادة ما تجلس سيلفيا أمامي فور وصولها البيت وتشرع تحكي لي بالتفصيل الدقيق مذ لحظة خروجها من الدار وإغلاق الباب من خلفها، وماذا رأت في شارع بيتنا، وكيف رأت جارتنا تنشر الغسيل، وفي (الباص) وفي شوارع المدينة وقاعة المحاضرات وفي العمل، وماذا قالت لها زميلتها؟ وكيف علقت على فستانها وحزامها؟ وحين ابتاعت الخيار وثمن الباذنجان وصرير ماكينات العربات وهلم جرا. تحكي لي كل شيء، كل شيء وأنا أصغي إليها كطفل غرير يصغي إلى أمه التي تناجيه وهي ترضعه. وكثيراً ما تستمر الحكاية الروتينية مدة ساعتين لا أقل بل أكثر، كل يوم جديد هكذا!لكن الأمر عادة لا ينتهي هنا. فهي امرأة عادلة! عندما تشعر بأنها قالت كل ما لديها وأنا يغالبني الملل تلتفت إليَّ وتقول لي: "أها حبيبي كلمني، فقد حان دورك". ولا بُدَّ أن أكلمها. فلا مفر! تلك لحظة حياة أو موت لسيلفيا. في بداية حياتي معها كنت كثيراً ما أحاول التهرب عبر قول الحق الذي أعرف وهو أن "لا شيء حدث لي أو رأيته في الشارع ولا في أي مكان يستحق الذكر". لكن تلك كانت حجة فاشلة لدى سيلفيا. فهي تعلم أنه لا بد أن هناك أشياء لتذكر وتروى. كما أنها تعلم خط سيري وتبدأ تسألني بالتفصيل وأنا أجيب مثل تلميذ صغير. تسألني عن الشارع، الباص، السوق، العمل، الزملاء والزميلات، الطعام، القهوة، الشاي. ثم تبحث في (الكيس) الذي جئت به معي وتكب الأشياء على الطاولة، وتسألني عن كل شيء على حِدَة بالتفصيل عن سعره ونوعه وحجمه وتخبرني أن هناك أماكن أفضل من التي أتسوق منها، وتعقد مقارنات مستفيضة بين ما تعلم ولا أعلم من البقالات والأسواق والأشياء. وغالباً ما أبدو (مفغلاً) عندها في عدم تحري الدقة (مثلاً) في اختيار مكونات السلطة وبالذات فشلي المقيم في معرفة (الخيار) السليم.في البداية لم أكن أفهم ذاك كله لكن بعد فترة وجيزة تعرفت على أشياء مهمة ساعدتني على الصبر على تلك المكاره المضنية وهي أنه لا مشاكل كبيرة في هولندا، فلا توجد حرب على مشارف المدينة ولا توجد ثورة ولا كوارث كبيرة، وفي تلك الأثناء، يكون البشر عاديين مثل سيلفيا تماماً، وتكون تفاصيل الحياة العادية هي قضية الناس التي يتنزهون ويمتعون أرواحهم بها إذ تلك هي الحياة! ماذا يفعلون أيخترعون حياة أخرى! وأنا من عالم الثورات العظيمة والأحلام الكبيرة والأحداث الجسيمة والفشل المقيم فالحياة العادية مهما كانت جميلة تبقى غريبة على مخيلتي لا بل مملة. فتلك ليست حياتي. وأنا لست عادياً! أنا لا أنتمي إلى (الهنا) أنا من (الهناك) من البعيد حيث أعيش هناك في خيالي وأفكاري وخططي ومشاريعي وأعيش الأزمة الشاملة ولي رهط من شاكلتي يشاركني، رهط مأزوز من الأزة (مرض الأزمة الشاملة) فأنا بدوري مأزوز، قادم بجرثومة المرض من العالم الذي تركته من خلفي. لذلك كثيراً ما بدوت إنساناً غير عادي عند سيلفيا بل رجلاً خارقاً يستطيع أن يفعل كل شيء، يفعل كل شيء ويأتي بالعجائب المفارقة للحياة (الحياة العادية).. الحياة الحقيقية.. حياة سيلفيا وأهل سيلفيا.عندما أذكر ذلك يتكشف لي كل مرة سر حكاية سيلفيا حينما كلمت أمها ذات مرة من هاتف قصر السيدة نيللي تحدثها عني بوصفي كائناً معجزة يستطيع كل شيء!.كانت سيلفيا تثرثر وتهتم بالتفاصيل الدقيقة مثل كل النساء لكن ليس ذاك فحسب بل كانت تتعرى عبر الكلام، ينقلب باطنها رأساً على عقب فوق مشهد الظاهر. تعطيك المضغة التي في صدرها في يدك اليمنى وتجلس أمامك كطفل غرير. سيلفيا طفلة عذبة إلى حدود السذاجة لذا فهي شديدة الإمتاع!.4-4أنا من الشرق وسيلفيا من الغرب. (شرق غرب)، (غرب شرق) ولا يهم إن قلت (جنوب غرب/غرب جنوب). جدلية أزلية. عالمان وحضارتان تعيشان في الجوار وتقومان على النقيض من بعضهما بعضاً في حساب المصالح المادية المجردة وفي حساب المكاسب الرمزية. فالغرب المادي الذي يشعر ذاته روحانياً، والشرق المادي الذي يحسب ذاته امتداداً شرعياً للمُقَدَّسِ المتعالي. الشرق التليد والغرب الجديد!. الشرق القديم والغرب الحديث!. شرق الإقطاعية الجديدة وغرب الرأسمالية المتجددة. الغرب الصادق مع نفسه الكاذب على الآخرين. الغرب الذي لا يسرق نفسه لكن يسرق الأمم الأخرى. والشرق الذي يسرق نفسه ولا يسرق الأمم الأخرى ويكذب على نفسه ولا يكذب على الأمم الأخرى في اللحظة التاريخية الراهنة. عند الشرق الآني سرقة المال الخاص حرام في الوقت الذي تتشكل فيه جماعات وأحزاب وعصابات تعترف بها الدولة بهدف سرقة الدولة ذاتها. بينما عند الغرب الآني سرقة المال الخاص حرام، وسرقة المال العام أشد حرمة في الوقت الذي تتشكل فيه جيوش عظيمة العدة والعتاد من أجل سرقة الأمم الأخرى البعيدة بالمكشوف والأمم الضعيفة بالجوار على إستحياء!. غرب احترام حقوق الحيوان وشرق انتهاك حقوق الإنسان! الغرب المتوحش والشرق الفظ. غرب الديمقراطية المحلية والعدالة النسبية والجغرافية، وشرق ما انقشع ظلامه السياسي الأغبش لوهلة حتى عَمَّهُ من بعد ذلك ظلام أظلم. الغرب الذي يكرهه الشرق ويحبه الشرق ويلجأ إليه ويهرب منه في ذات الوقت هو ذاته الغرب الذي يكره الشرق ويلجأ إليه ويهرب منه في ذات الوقت. لعبة أزلية غير معلومة البدايات ولا النهايات.شرق وغرب يقومان في معزل رمزي شبه تام عن بعضهما بعضاً لكنهما يتشاكسان ويتصادمان ويتقاتلان ويتحاربان يفتكان ببعضهما بعضاً من حين إلى آخر ثم يتصالحان لحين من الدهر ثم يبدآن صدام الحضارات كَرَّةً جديدة أعنف فأعنف! شرقي وغربها. شرقي أنا وغرب سيلفيا. الشرق الذي يستعيض بالخيال عن الخطة، والغرب الذي ينفي الخيال إلى الخطة. أنا لم أشهد في الراهن اختلافا جذرياً بين الشرق والغرب إلا في شيئين فقط، لكنهما جوهريان، توأمان، هما: الخطة و(البراجماتية). ما دون ذلك تمايزات عادية تمليها (طبيعة الزمكان). للغرب الراهن في مجمله خطة، وللشرق الراهن في مجمله (لا خطة)، وللغرب الراهن في مجمله براجماتية، وللشرق الراهن في مجمله عشوائية. وتلك هي القضية!. وذاك في مجمله سر (المبالغة)، الشرق الراهن يغالي و(يبالغ) في اللغة وفي الفعل وفي الشعور بسبب (اللا خطة واللا براجماتية). (المثال) عند الشرق منفلت كلية عن الواقع بينما المثال يكاد يكون مندغما مع الواقع لدى الغرب، وتلك لها علاقة مباشرة بصورة الابن (المقدس) الذي يمشي بين الناس على الأرض في مقابل المنزه المتعالي!.أنا خيالي وأحبت سيلفيا مني الخيال. سيلفيا أحبت الشرق مني، وأنا أحببت الغرب منها. لكننا كنا نحيا جدلية الشرق والغرب ودون أن تكون سبباً في أي تأثير سالب على وجودنا كشركاء في الحب. كانت المشكلة في بعض الأحيان في (الأزمة الشاملة/مرضي أنا). وكان هناك متشابكات العوامل الطبيعية (أمر عادي) أن تكون سيلفيا بنت وأنا ولد. تتصرف سيلفيا تصرف الأنثى وأنا على النقيض، فهي أنثى مفرطة الأنوثة وأتصرف أنا في النقيض مفرطاً في التمايز. كنا نعيش تمايزنا في الوعي وفي الغريزة دفئاً رهيباً. سيلفيا أنثى مفرطة الأنوثة ولطيفة الروح حتى لأخشى عليها أن تتبخر فتذهب مع النسمات التي تهب علينا قمة جبل الآلهة في هانوفر الألمانية.أنا الشرق المغالي لكن سيلفيا ترد على مغالاتي بالمثل وأشد عند لحظة صدام الحضارات!.كنا نتصادم حرفياً. هناك شيء يدهشني عند سيلفيا. هو أنه عندما يحدث أن نسير في اتجاهين متعاكسين لكل منا شيء يفعله في بيتنا أو في الشارع لا يهم فإن سيلفيا لا تتنحى لي جانباً عن طريقي بل تصدمني بكلياتها تدخل بجسدها في جسدي كل مرة ونبقى على الدوام نحتاج في كل لحظة إلى عددٍ من الدقائق كي نخرج من بعضنا بعضاً إلى الطريق، وكثيراً ما اِحْتَرَقَ الطعام على النار وفاتت علينا مواعيد القطارات لأن الخروج إلى الطريق يظل أحياناً عصياً، ذاك هو (صدام الحضارات)!.في إحدى المرات العديدة ونحن على قمة الجبل في هانوفر الألمانية. قررت سيلفيا قراراً حاسماً ونهائياً! حدقت في الفضاء البعيد في النجوم وربما أبعد وأقسمت بالروح القدس، وعلى وجنتيها بقايا دموع: "أنا خادمتك. أعلن أنني اليوم، كائن طوع بنانك، تفعل بي ما تشاء بشرط أن لا تبيعني في سوق النخاسة لأنني أنا عَبَدْتُكَ أنت وحدك. خلقني الله خصيصاً لأجل رفاهية سيدي، سيدي الواحد، وهو أنت (سيدني)، وأنزلني هنا في هذا الجسد على هذا الجبل وأعلنني في الافاق كلها ملك يدك". تحدثني وهي تحدق في البعيد وكأنها تتلقى أمْرَاً من عند السماء!. سيلفيا أيضا تحدق في البعيد. لكنها تحدق من أجل مزيد من الشعور بي (أنا) تحدق مثلما يحدق الشيخ (فرح ود تكتوك) حينما يتنبأ لنا بالنور، وتُحَدِّقُ مثلما يفعل الأنبياء من أجل وعد جديد في الحياة الدنيا.وأنا الشرق، أقسمت بالمتعالي. أقسمت أنْ: "أنا الخادم"!. تلك وظيفة لا أُفَرِّطُ فيها. وركعت أمام سيدتي والدموع تملأ المآقي. أرجوها قبول هديتي المتواضعة، وهي: أنا. أنا لها.وهي لا ترد لي طلبا. قَبِلَتْنِي خادماً لديها. شكراً لسيدتي. وقالت لي تطمئنني: "سأُصْلِيْكَ ناراً بلا رأفة ولا رحمة. وسَأُقَيِّدُ ساعديك بحبال وصلي فترزح في عناق أبدي كما (سيزيف)". قلت: "هل من مزيد يا سيدتي؟ أنا أطيق فوق هذا. فلا تأخذك بي رحمة أبداً".رأيتها لطيفة. سيدتي رحيمة. الزمان لطيف. أنا أحتاج عنفاً أشد. دعوتها أن نذهب قليلاً إلى الوراء إلى " ثلاثمائة عام خلت" فنعيش هناك. ذاك الزمان أرحب. حيث لا رحمة. في ذلك الزمان تكونين أنت يا سيلفيا آنسة فظة مدللة ابنة دوق شهير فظ، حيواني المشاعر ولا أخلاق له، قتل عشرين ألف هندي أحمر بدم بارد واستولي على مليون هكتار قلب ولاية فرجينيا الأمريكية.واِمْتَلَكَ في وقت لاحق نصف الساحل الشرقي وقيل إنه أول من مارس تجارة المخدرات.(كاوبوياً) دموياً... يشرب (الويسكي) ويستل مسدسه كل مساء ليقتل من أجل المتعة وكنت أنْتِ ابنته الوحيدة المدللة.وأنا فارس صنديد، في الطريق إليك... لكن بمحض إرادتي... لأنني (ماشوسي)! تحملني سفينة من خشب متعطن يديرها قبطان متعفن صوب مدينة هارلم! وأنا في أغلال الحديد.. سلاسل تئن عند أقدامي وترن عند يدي وأذني اليسرى دامية.وظهري محط للسياط الساخنة... وعلى شفتي ابتسامة ماكرة! هناك في (هارلم) في ذاك الزمان تستقبلينني في فستانك الوردي المزركش... أتنفس عطرك النافذ.تفكين قيودي.وتعلنينني (عبداً) عبدك المنزلي وإلى الأبد. تسجلينني في الدائرة المختصة. وتحددين لي مهمتي رسمياً.وهي أن: أحبك وإلى الأبد.تسجنيني في حجرك الدافئ في حضور (الدوق الفظ)، وتأمريني بالأعمال الشاقة المؤبدة:اِجْلِسْ..قُمْ..اِحْنِ ظهرك...اِرْكَعْ أمامي...صَلَّ.. قبلني.. اكسرني.. شتتني.. لملمني.. اعصرني خمرا.. اشربني.. ألهبني.. ألهمني.. عَلِّمْنِي.ثم تبتسمين ابتسامتك الشهية المشرقة تلك وتأمريني لملمة الإشراق من كل الآفاق.. والمجيء به إليك مرة أخرى وأنا (سيزيف).تأمرينني وأنا أفعل كل شيء، كل شيء والمستحيل:عُدَّ لي خصلات شعري.. تَلَمَّسْ خلايا جسدي وحدثني عن عصارتها "واحدة واحدة". شراييني.. لمساتي.. همساتي.. اقتلني.. انعاني..اقبرني.. احييني من جديد..صُكَّ رميمي.. احضني.. أضحكني.. أبكيني... اذكرني.. انساني. اقرأ لي اكتب لي.. اقرأني اكتبني.أسقيني لبن العصفور.. أطعمني مائدة بني إسرائيل..حَمْلِقْ في جسدي.مارسني في شهوتك الوحشية.. لا تتوقف، أمْرٌ، لا تتوقف حتى تتقطع أنفاسك فتموت وتحيا من جديد.. نَمْ على صدري بعض حين، ثم انهض في دورة جديدة وأخرى وإلى الأبد. أنت عبدي... أنت خادمي المطيع.. أنت فخري أمام الدوق (أبي)!.وفي إحدى الأمسيات وأنت تتعاطين النبيذ الأحمر، تعلنيني -في حضور أبيك (الدوق)- عبداً من جديد.. عبدك المطيع.. فيطلق الدوق سبعين طلقة نارية في الفضاء ويقدم لي لأول مرة قنينة ويسكي –هدية- من قنيناته المعتقة.. يصادقني.. ويصطحبني في رحلة برية لاصطياد الهنود الحمر.. وأنا على حصاني وأنت من خلفي تشدين من أزري.. دوق فظ وامرأة فظة وعبد فظ.. عبد فظ وشهواني!.وعندما مات الدوق.. اِمْتَلَكَ العبد كل شيء بأمر السيدة.. اِمْتَلَكَ كل شيء حتى السيدة ذاتها.. لا بل امتلك صغارها (الخمسة) واِمْتَلَكَ حتى القصيدة الوحيدة التي كتبتها.. امتلك كل شيء..كل شيء.. لكنه ظل هو ذاته، العبد الذي يرزح في أغلاله الأبدية. أنا لك يا سيلفيا".فردت سيلفيا "أنت سيدي وقيدك قيدي". كانت عينا سيلفيا لامعة بالدموع بينما نحن على قمة الجبل ناحية هانوفر الألمانية "نحن عبيدنا، نحن نعبدنا"!. ----محمد جمال "الفصل العاشر من رواية سيلفيا الهولندية" صدرت هذه الأيام عن دار أوراق المصرية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
عندما وصلت إلى مشارف بورجوازا بعد مسير مُضْنٍ، قفل فرسان الشرتاي راجعين، لوحوا لي بأيديهم، وابتسموا فى وجهي لطفاً وسخرية من قدري، فهم حتماً يعرفون بورجوازا مثل ما يعرفون الطريق إليها. وهأنذا علي مشارف بورجوازا حصاني يَخُبُّ فراراً، بدأت كفارس هُزِمَ فى آخر المعارك، عاد منكسر الكبرياء، ترك سيفه من ورائه وجاء يطلب العيش فى بورجوازا. فهل يعيش مثله و حيوان أليف؟!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: mustafa bashar)
|
Md Gamaleldin5 hrs · هناك فوضى ما، إنني أفعل أشياء لا معنى لها!.خمسة كتب جديدة!. لا أعرف لماذا أكتب ولمن أكتب؟!. لا دليل ولا هدف!. إنني أفعل أشياء لا معنى لها ولا أستطيع التوقف!. إنتهيت للتو من إصدار أربعة كتب (ثلاث روايات ومجموعة قصصية وهي: 1- فانيسا و2- سيلفيا و3- بورجوازا و4- وقائع خاصة) صادرة عن دار أوراق المصرية.. اليوم وبلا خطة ولا شعور لقيت نفسي أراجع مسودات خمس كتب أخرى جديدة كنت قد سبق وأن سجلت أحداثها الأولية على النت توجد لها جميعاً روابط في مكان ما من حائطي هذا على الفيسبوك، وهي: 1- الإنسان والمجتمع والدولة نحو أفق جديد 2- سايكلوجية الزول السوداني 3- الوجود السوداني في هولندا 4- حكايات من جزيرة أم أرضة .. و 5 - سؤال الهوية!.وعليه يكون المجموع 9 كتب في سنة واحدة ولهذا لا أتوقع أن يقرأني أحد.. وبالتالي العفو والعافية وطالب رضاكم وبل عونكم في محنتي وبلوتي التي أبتليت بها!. مرة سمعت د. بشري الفاضل يقول "الزول البيكتب كتير ممكن يكون عيان"! .. إذا في زول شايف أخوه عيان فيديه لكزة المهم: ما أظن في زول في العمر دا ح يقدر يقراني كلي وكلامي الكتير دا لذا أتوقع أننا لن نعرف بعض في هذا العصر كوني أضعت زمني في الكتابة وأضعتكم مني!. ولذا أطلب رضاكم وسماحكم وتسامحكم!.أشعرني وكأنني أرتكب حماقة ما أو قل جريمة!.https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10208226329159643؟comment_id=10208227574870785andnotif_t=feed_commenthttps://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10208226329159643؟comment_id=10208227574870785andnotif_t=feed_comment
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
يسوع المسيح في الخرطوم قصة قصيرة من كتاب "وقائع خاصة جداً"يسوع المسيح في الخرطوم رأى الرجل العجوز الهزيل فيما يرى النائم هيئة السيد يسوع المسيح يحط رحاله في الخرطوم نائياً بنفسه لوهلة عن بيت المقدس. مر على الأحياء الراقية حتى وصل كافوري فرأى الفلل الفاخرة والسيارات الفارهة فردد: "ما شاء الله أبناء أبي وبناته مرفهون وسعداء لقد صدق الرب وعده. شكراً لأبي في السماء". وعندما وصل الأحياء البائسة وشق طريقه من خلالها مروراً بأطراف أمبدات فالحاج يوسف والصحافة وجبرة نهاية بديوم الخرطوم فشهد بؤس الحياة وفظاظتها. حينذاك قال يسوع في سماحه المعهود مخاطباً الجموع الغفيرة البائسة: "أعلم، أعلم ما دهاكم. أنتم أحباب الرب الصابرون المتسامحون لقد لطموكم على خدكم الأيمن فأدرتم لهم الخد الآيسر. وذلك من الإيمان". فصاح الرجل العجوز الهزيل جاثياً على ركبتيه وفي عينيه بقايا دموع متيبسة: "لا لا يا سيدي لقد قطعونا من خلاف فأدرنا لهم رقابنا!". فدهش يسوع أيما دهشة وقال للرجل العجوز الهزيل الجاثي على ركبتيه: "ما هكذا يكون اللطم!". ثم صمت يسوع المسيح لوهلة وفي عينيه حسرة بينما هو يمسح بيديه أقدام طفل كسيح ورفع رأسه من بعدها إلى عنان السماء ثم أطرق برأسه هنيهة تلفت من بعدها حول المكان حيرة وبدا وكأنه يشتاط غضباً بينما هو يستعيذ بالرب عديد المرات. وأخيراً رفع هامته من جديد ناحية السماء ثم ركب من بعد ذلك حصاناً من نور في طريقه إلى الأمكنة المقدسة. وقيل أن (نعناعة المتوحدة) سمعته وهو يهم بركوب حصانه يحدث نفسه وهو ينقنق بلهجة سودانية فصيحة: "الناس دي ما بتخجل وللا شنو!". كما قيل أن (نعناعة الأخرى) قالت أنها سمعته يقول بكل حزم: "قاتلوهم بكل ما تملكون من قوة قاتلهم الرب"، مما حدا بسلطات المدينة المتجبرة جلدها أربعين سوطاً، حد ما أسموه بالفتنة!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
الفصل الخامس عشر من فانيسا(15)كانت فانيسا متوعكة بعض الشيء: "أشعر بالإرهاق، فأنا لم أنم بالقدر الكافي ليلة أمس كما أن بطني تؤلمني بعض الشيء، لكن لا بد أن نذهب إلى أليكسا". وبينما كنا داخل الباص في طريق الوفاء بوعدنا مع أليكسا وعلى مشارف مدخل جسر سوينغ على نهر الأووز رن جرس موبايل فانيسا: "أين أنتما الآن؟"، "في الطريق، على بُعْدِ ربع ساعة تقريباً"، "ممتاز، إلى اللقاء، مممم، من فضلك دقيقة، هل يحب بيبان الأرز الأسمر بالروبيان؟"، "لحظة". كانت فانيسا تتكئ على كتفي عندما بدأ الباص يعبر جسر سوينغ بينما هي تخبرني باقتراح أليكسا بشأن طبق العشاء الرئيس الخاص بي، ثم واصلت من بعد ذلك مكالمتها لتقول: "نعم، تمام، وهل تطبخين أنت بنفسك الأرز بالروبيان؟"، "لا، خالتي دوروسي هي التي ستطبخه".وعند تلك الناحية من منعطف الجسر، مد نهر الأووز لساناً صغيراً من المياه مرتبطاً بجذع ضيق مع النهر وبدا في تلك الحالة كطفل غرير مشاغب يشاكس أمه (الطبيعة).كان بين فانيسا وليليان وأليكسا قواسم كثيرة مشتركة غير أن كل واحدة منهن كانت لها شخصيتها المتفردة بطريقة أو أخرى. القاسم المشترك الأساس بينهن أنهن نباتيات كما أنهن من دعاة المساواة التامة بين الرجل والمراة مع نزعة شبه متطرفة في الدفاع عن الطبيعة والبيئة. فانيسا هي الأكثر أنوثة بالمقارنة أو هو ما استشعره في كثير من المرات، وهي في سمت حميم مع الجنس الآخر (الرجل) مع اعتبارات موضوعية شديدة الحذر، غير أن ذاك الطابع كثيراً ما أحبط أي نزعات سحاقية محتملة: "مررت بعدة محاولات من نساء سحاقيات لكن وجدتني غير مرتاحة للفكرة، ليس لدي اعتراض على المبدأ العام للتحرر والحرية، لكن أنا لا". كانت ليليان أقل تطرفاً حيال اختيار نوعية الأطعمة، تستطيع أحياناً أن تتعاطى مع اللحوم البحرية وأليكسا سنام الفكرة الداعية إلى الحفاظ على نهر الأووز أكثر نقاء من التلوث، بل وإعادته إلى سيرته الأولى قبل عدة قرون خلت "لقد هجرته الطيور البديعة".كما كانت لأليكسا آراء أخرى عديدة منسجمة مع شخصيتها فهي ضد اقتناء السيارات الخاصة؛ فقد كانت ترى أنها السبب الرئيس في تلوث البيئة، وكانت تقوم بحملات توعية منظمة في أحياء سيلبي وفي مدينة يورك، وبالرغم من أنها كانت تحب كرة القدم إلا أنها كانت تعتبرها لعبة ذكورية صرفة "لا بد من خلط الفريق بالتناصف، خمسة من النساء وخمسة من الرجال مع حارس مرمى حسب الحالة".كان هناك عدة قوارب في ألوان زاهية على ضفة النهر. وعندما وصل الباص إلى مشارف الخلاص من الجسر اهتز مقعدنا بعض الشيء جراء عسر الأسفلت فانفلت جسد فانيسا لوهلة صغيرة من وقع الرجة فانكشفت برهة الستيانة شانتيل، كانها لونها بهياً، كما احتك حذاؤها بحذائي المقابل، ولكن سرعان ما اعتدلت وبدت أكثر جدية حينما قالت: "هذه القوارب تلوث النهر، إنها تحوي مواد كيمائية ضارة من الأصباغ والفولاذ الصدئ، كان يجب أن تكون من الأخشاب الطبيعية".وعندما أكمل الباص عبوره النهائي للجسر القائم فوق مياه الأووز تفادى السائق بمهارة العادة اليومية سرب حمائم حط برهة على الشارع من أمامه. وفي تلك الأثناء أخذت فانيسا بأصابع يدى اليمنى تمسح بها راحة كفها اليسرى : "يدي متعرقة وأشعر بالإرهاق، أووه بيبان، أنفاسي تضيق". شعرت فانيسا بغتة بألم في الصدر وتعرق في اليدين والقدمين وحرقان في فم المعدة وضغط ناحية الحجاب الحاجز ورجفة بالجسد وهزال كلي وخوف بالخواطر. فانيسا تتعاطي بالضرورة الكثير من البقوليات بديلاً للحوم، ربما كان ذاك هو السبب. قالت تطمئنني: "كل شيء سيكون على ما يرام، لا تقلق بيبان، هذه ليست المرة الأولى، إنها حالة عابرة". عندما ترك الباص جسر سوينغ من خلفه كانت يد فانيسا باردة في يدي الساخنة بالمقارنة. كانت فانيسا لبرهة قلقة (بايولوجياً).إن الشيء الأهم والأكثر حضوراً في الحياة هو (الألم). فعندما يخرج الإنسان إلى الحياة يتألم وعندما يخرج منها يتألم وبين المحطتين دفقات متتاليات من الآلام الجسدية (البايلوجية) والنفسية (الشعورية) والعقلية (التصورية). بالألم نحيا وبالألم نعيش وبالألم نموت ثم نحيا من جديد وهكذا دواليك. وفي الألم متعة وذاك سر الحياة كما هو سر الموت! كل العمليات الإخراجية الفطرية التي يفعلها الإنسان تنطوي على قدر صغير أو كبير من الألم اللذيذ و الممتع كما الولادة والجنس وغيرهما، والعملية الإخراجية الأهم هي الموت، الموت هو العملية الإخراجية الأكبر للحياة كما العكس صحيح بذات القدر من الصحة فما الحياة إلا عملية إخراجية للموت. ليس العمليات التي نصفها بالبايلوجية وحدها بل في ألم المشاعر وألم التصورات لذة ومتعة بذات القدر. فأية وخزة دبوس تعقبها متعة كما كل لحظة ولادة وكل لحظة موت كما كل لحظة حياة جديدة وكل لحظة غبن وكل لحظة إحباط وكل لحظة حزن. وكذلك الأمر عند كل لحظة بِق بانق وهكذا دواليك. الموت يا فانيسا دورة من دورات الحياة والعكس صحيح بنفس القدر من الصحة وبقدر ما بالموت من ألم فيه متعة في جوهره وما الخوف والروع منه إلا من متعلقات الجهل الموقت به وهو من دواعي ما به من ألم التصورات السابق عليه لا أثنائه ولا بعده، ليس إلا!). فتحت السيدة دوروسي الباب: "تفضلا، مرحباً بكما، أليكسا بالحمام". بدت السيدة دوروسي لطيفة، قصيرة القامة، صغيرة البنية، كانت تتحدث بلا توقف "يبدو أن صديقك متفرد يا فانيسا، اجلسا هنا، آسفة، فالصالون غير منظم بالقدر الكافي"، كانت تصيح مخبرة أليكسا "لقد وصلا، أصدقاؤك الآن هنا" بينما كانت تحاول إزالة عدد من بذور الطماطم كانت ملتصقة بالمريلة البيضاء الناصعة.كان على الحائط المقابل عدة لوحات معلقة أكثرها بروزاً الملكة القتيلة (آن بولين) والدة الملكة أليزابيث الأولى. كان زواج آن بولين من الملك هنري الثامن في القرن السادس عشر قد شكل أعظم التحولات في تاريخ النظام والسلطة والمجتمع البريطاني وبذات القدر كان أثر مقتلها على يد الملك ذاته بتهمة ملفقة (الخيانة العظمى). فظلت آن بولين على مر القرون وما تزال ملهمة للأدباء والرسامين والفقهاء والقانونيين على حد سواء، ومثيرة للعبرة والشفقة في الخيالات الجامحة كما الشكوك والظنون والمزيد. كان هناك طارق بالباب الخارجي في تزامن مع خروج أليكسا من الحمام. إنها ليليان. صوت محرك سيارة البروف إسكوت ميناري كان يتناهى إلى الأسماع خفيضاً عندما كان يقف لوهلة في وداع ابنته ليليان يطمئن عليها قبل أن يرحل لشأنه دون أن يدخل المنزل. توقفت دوروسي عن طحن الزنجبيل واتجهت إلى الباب. جاءت أليكسا ناحيتي "أها، هذا هو بيبان، مرحباً بك". لم يكن نهر الأووز بعيداً من ذلك المكان، بل كان يلتف بخاصرة البلدة كطوق النجاة، كانت النوافذ المشرعة تأذن لأنفاس النهر بالولوج إلى الصالون في دفقات متتاليات. مدت أليكسا يدها محيية ثم قبلتني ثلاث قبلات على الخدين وفق العُرْف لكن بحرارة صادقة، فانزاحت أنفاس النهر برهة تفسح المجال لرائحة شامبو الصبار المضمخة بالزيت العطري. وفي تلك الأثناء كانت ليليان قد فرغت من شعائر تحية روتينية مملة مع فانيسا ثم شرعت تتقدم ناحيتي. وكانت دوروسي منهمكة في إعداد الأرز بالروبيان، أكملت طحن الزنجبيل ثم أعادت رباط المريلة حين شعرت بها تنزلق ناحية اليسار: "ساعة واحدة وتكون المائدة جاهزة، لقد أعدَّت أليكسا كل شيء، شكراً لها، أنا فقط أعد الآن الأرز بالروبيان". كانت دوروسي بالكاد تتوقف عن الكلام دون أن تهتم بردود أفعال الآخرين إلا في الأحوال العملية والضرورية. الشيء الوحيد الذي يخفف من وقع ثرثرتها أن حبالها الصوتية رهيفة وصوتها خفيض جل المرات إلى الحد الذي يجعله همساً. اكتملت لحظة الترحاب المتبادل، وكان أربعتنا ما يزالون وقوفاً وسط الصالون، فانيسا وأليكسا وليليان في كتلة واحدة يهمسن في وجوه بعضهن بعضاً، يقلن عبارات مضحكة لا أفهمها، يضحكن، كانت ليليان تمسك بيد فانيسا بينما كانت أليكسا تتكئ على كتف ليليان، يضحكن بشهية، وما لبثن أن فككن وثاق بعضهن بعضاً لوهلة مترنحات إلى الوراء من وقع شهقات الضحك، بينما تراجعت أنا نصف متر إلى الوراء أشعر بالغربة وتتناهى إلى مسمعي ثرثرة قادمة من المطبخ، فانتبهت بغتة على صوت فانيسا: "وأنت؟"، لم أستطع الإجابة عن السؤال في الحال إذ أنني لم أكن على وعي تام بالأمر، فدفعتني فانيسا إلى فحوى الموضوع: "ألست سعيداً؟"، "طبعاً، طبعاً، أنا سعيد، سعيد بك، سعيد بكم أجمعين"، وفي تلك الأثناء وقع ناظري في وجه أليكسا، قبضت عليها متلبسة بالنظرة، كانت تتأملني للحظة فتأملتها أنا أيضاً، كانت تنظر ناحيتي وكأنها تبحث، تبحث في دخيلتي عبر سمت الملامح الفيزيائية. طول أليكسا: مائة وسبعين سنتمتراً، كانت أقصر بثلاثة سنتمترات من فانيسا. كانت تلك المرة ترتدي قميصاً طويل الأكمام ذي لون لبني فاتح مائل إلى الأبيض مع بنطال جينز بُنِّي اللون يتقاصر ناحية الكاحل حيث يكون الخلخال من الفضة الخالصة، وحذاء من الكتان الرمادي محلى بنقاط بنية تتكثف عند مقدمته. وكانت خصلات شعرها ذات اللون الزيتوني الطبيعي تتدلى في كتلة واحدة ناحية الظهر متماسكة بفعل بقايا الماء. وكانت عيناها صغيرتين زرقاويتين مع ميل إلى الخضرة تحت حاجبين رفيعين مستقيمين بميل مفاجيء عند الأطراف وشفاه رفيعة حادة النهايات وبشرة داكنة - مقارنة بفانيسا- تتخللها بقع صغيرة قرمزية في المسافة المرئية من صدرها ذي النهدين الصغيرين. وبالرغم من ماضيها المشاغب إلا أنها كانت على علاقة مستقرة بالمدير التنفيذي لمنظمة حماية البيئة (ماكسيميليان ريموند) الذي كان تلك الليلة غائباً لأسباب خاصة به. أشارت أليكسا بيدها :"تفضلوا بالجلوس"، ثم خطت ناحية دوروسي. كانت أليكسا من طراز فانيسا من حيث التفاصيل الجسمانية، فقط كانت فانيسا ذات خاصرة ضامرة بطريقة تجعلها أشبه بكلب صيد سلوقي أسباني كما أن صدرها كان أكبر. غير أن أليكسا كانت وحشية العبارة في الضد من فانيسا وذات دربة في الحياة تفوق فانيسا عدة فراسخ ليس بواقع حساب العمر، ذاك ليس بالأمر المهم، سنة ونصف، لكن جراء حياة المغامرة التي عاشتها أليكسا في صباها والأحداث الكثيرة غير العادية التي مرت بها. ولكل هذه الخواص وأخرى فإن أليكسا تكون صاحبة المبادرة في كثير من المرات. "هيا بنا إلى المائدة" صاحت دوروسي. وفي اللحظة التي تحلقنا حول المائدة وقبل أن نمد أيادينا إلى الطعام شرعت دوروسي تصلي كعادتها عند كل لحظة طعام: "تباركت يا رب .. ارفع عقولنا إليك كل حين لطلب طعامنا الروحي غير البائد.اعطنا أن نعمل للطعام الباقي للحياة الأبدية، وهَب لنا نصيباً في الاشتراك في وليمتك السمائية. امنحنا خبز البهجة، وكأس الخلاص، واملأ قلوبنا من البهجة والفرح. أنعم علينا بحياة مطمئنة هادئة، وسعادة في النفس، وصحة في الجسد. انك العظيم القدوس... آمين".دوروسي إنجيلية صارمة، كرست جل حياتها للكنيسة، ولمساعدة أبناء أختها الصغرى المتوفاة كورا، فهي شديدة العناية بأليكسا وشقيقيها الأصغرين، فقد كانت دوروسي عاقر ولم تتزوج. فقبل بلوغ العشرين أزيل رحمها في عملية جراحية بعد أن تأكد إصابتها بسرطان في عنق الرحم. قالت أليكسا: "نحن لسنا كلنا مؤمنين على طريقتك يا خالة" قالت تلك العبارة بحذر وكأنها تحاول أن تخفف من وقع الملل الذي أصابنا من جراء الصلاة الطويلة التي أدتها دوروسي بتلقائية ودون إذن أحد. ثم واصلت أليكسا مستغلة لحظة الصمت والارتباك: "أنا شخصياً غير مؤمنة البتة وليس لي ..."، قاطعتها دوروسي: "يجب على الإنسان أن يصلي لأجل نفسه ولأجل الآخرين، يصلي من أجل الأقرباء والأصدقاء وحتى الأعداء، فما بالكم وأنتم جميعكم أحبابي". تمتمت ليليان بلا اكتراث: "أنا، أنا لا اهتم". قالت فانيسا: "أنا أيضاً لست مؤمنة لكنني على قناعة محددة بوجود عقل منظم لهذا الكون" ثم ضربتني بساعدها على كتفي بدلال بينما واصلت تقول: "بيبان أيضاً يصلي، إنه يصلي من أجل الكون، الأكوان كلها" ضحكتا فانيسا وليليان في ذات الوقت وشرعنا من بعد ذلك في تناول العشاء.وفي ختام تلك الجلسة الحميمة التي كانت بطلتها دوروسي اقترحت أليكسا اقتراحاً لاقى هوى الجميع بما في ذلك ماكسيميليان الذي أُبْلِغَ بالهاتف: "ما رأيكم في أن نقوم بنزهة نهرية؟، نستغل مركباً شراعياً نتفقد نهر الأووز، أشعر وكأنه يشتاق إلينا، وإن لم يكن كذلك فنحن نشتاق إليه، كانت آخر نزهة نهرية قمنا بها قبل خمسة أشهر خلت، ألا تذكرين يا ليليان؟ كانت فانيسا غائبة تلك المرة، أمّا يوم الأربعاء المقبل فربما سيكون مناسباً". كنا أنا وفانيسا وأليكسا وليليان وماكسيميليان على المركب. كلنا هناك، الشخص الوحيد الغائب بحسب الخطة هو صديق قديم لليليان. كانت الرياح - تلك المرة- تجرى بما تشتهي السفن. كانت الرياح عادية السرعة تسير في الضد من تيار النهر، وكان النهر يتهادى وكأنه يحبو بينما كانت أليكسا وماكسيميليان يأخذان مبادرة طوعية بدفة قيادة المركب في مسار الرياح المنسابة في دفقات سلسة. بينما كانت ليليان تقوم بتصوير الطيور التي تحلق حول المركب كانت فانيسا تجلس في المنتصف تضع الخضار الطازج على أعواد الشواء وفق طريقتها الخاصة مع تتبيلة مبتكرة اخترعتها بنفسها تطغى عليها نكهة الروزماري. كنت في تلك اللحظة أتأمل مداخن البيوت الملتصقة بحافتي النهر ثم البعيدة وحتى حدود الأفق قبل أن يعتريني شعور ما بالمسئولية التضامنية فأمسكت أحد الأعواد: "دعيني أساعدك فانيسا"، "ليس الآن، التجهيز يحتاج دربة محددة، تستطيع أن تشعل الموقد إن أردت، فقط كن حذراً"، "ساشعل النار بروية، لا تقلقي عزيزتي". كان ماكسيميليان أيضاً نباتياً، بل لم يكن يقل صرامة عن شريكته أليكسا، كل من على القارب نباتيون، أنا أيضاً أصبحت نباتياً ولو إلى حين! ماكسيميليان واسع الاطلاع في مجال عمله البيئي كما أنه لطيف العبارة لكنه شديد الإيمان بعقيدته. لا يكرس جل وقته لعمله في حماية البيئة فحسب بل يبشر الكل بعقيدته الراسخة في بيئة طبيعية نقية وإلا: "الحياة على الكرة الأرضية معرضة للتشوه ومهددة بالفناء بسبب التلوث البيئي". كان ماكسميليان يكبر أليكسا بسبع سنوات، وكانا قد ظلا يعيشان معاً منذ ثلاث سنوات، يعضد رابطهما الاحترام المتبادل والرؤى المشتركة في عقيدة البيئة النقية. منظمة حماية البيئة ببلدة سيلبي ذات أفق واسع يبدأ بمشروع محلي طموح يسعى إلى خفض استخدام الطاقة الأحفورية الضارة بنسبة تسعين بالمئة عبر ابتكار وسائل ناجعة للطاقة النقية المتجددة. جاء في إحدى إصدارات المنظمة أن في خلال خمسة عشر عاماً ستصير جميع المنازل الخاصة والعامة بسيلبي وما جاورها وكذلك جميع وسائل النقل العام والمصانع، ستصير كلها تعمل بالطاقة النقية المتجددة. منظمة حماية البيئة في سيلبي عضو في الاتحاد العام للبيئيين في بريطانيا العظمى، حيث ينسق الاتحاد العام نشاطاته مع بقية رصفائه في دول الاتحاد الأوروبي وعلى مستوى العالم. كانت القشة الذهبية في جفن عين فانيسا اليسرى تحمر مع ضوء الشمس الساطعة بينما هي لا تكترث بالبشارة البيئية لماكسيميليان، فقد كانت على علم مسبق وقناعة لا تقل عنه، كانت منهمكة في الدورة الأولى من شواء الخضار ما جعل أنفاس النهر لوهلة تتراجع أمام الدخان المتصاعد بنكهة الروزماري. ظلت المركب الشراعية تسير بتوءدة تاركة من خلفها أثراً باهتاً على سطح النهر سرعان ما يندمل على طيف من الأسماك الصغيرة المشاغبة فيعود النهر إلى سيرته الأولى يبث أنفاسه في الآفاق منطوياً على أعماقه السحرية. صاحت فانيسا: "هلموا، هذه هي الدورة ألأولى من الشواء، أتمنى أن تجدونه كما تشتهون"، تدرجت أليكسا ناحية ماكسيميليان: "خذ طبقك، ودعني أقود المركب"، ترك الدفة لأليكسا وأخذ قطعة باذنجان: "إن فانيسا بارعة في تتبيل الخضار"، ثم صاح: "رائع فانيسا". عندما كنا نعبر تحت جسر سوينغ ناولتني ليليان طبقها في استعجال "لحظة" ثم شرعت من جديد في تجهيز كاميرتها ووجهتها في استعجال ناحية أسراب من الطيور كانت تربض هادئة في الضفة الشرقية من النهر قبل أن تبدأ تتطاير في تكاسل الواحدة تلو الأخرى كلما اقتربنا منها. وعندما أكملت أسراب الطيور انتشارها في الفضاء جاءت ليليان بغتة ممسكة بكتف فانيسا بينما كنت أنا أجلس ملاصقاً لها على الحافة اليمنى، فقد المركب توازنه لبرهة من الوقت فكدت أسقط في الماء لولا انتباهي المسبق لحركة ليليان وتوقعي للأمر قبل حدوثه، وعندما استوى المركب من جديد لفتت ليليان انتباهنا: "انظروا، من هنا، أرى منزلنا، ألا ترينه يا فانيسا؟ إنه هناك، تلك الناحية". كانت ليليان تشير بيدها إلى الناحية الشمالية الشرقية: "سأحاول تصوير المشهد من هنا، ربما لا أستطيع، رائع". وفي تلك الأثناء تذكرت البروفسير إسكوت ميناري وهو يحاجني في نظريتي الكونية عند لقائنا الأول : "مجرد سياحة ذهنية ربما كانت ممتعة لكن لا شيء يمكن إثباته علمياً، إنه خيال جامح فحسب"، ثم يضحك ويواصل ملاطفاً بصدق: "في الحقيقة ليس نظريتك أنت فحسب بل جل النظريات الفيزيائية الكبيرة التي يعتنقها الناس - وأنا منهم- لا يمكن التحقق منها علمياً، أعني طبعاً تجريبياً، تلك هي مشكلة الفيزياء في الحاضر والماضي". "تلك ليست مشكلة الفيزياء فحسب يا بروف ميناري بل هي مشكلة كل العلوم بما هي نتاج الملاحظة الذهنية المجردة كما التجربة التراكمية المحسوبة وفق وقائع القوانين الفيزيائية السائدة. وذلك لأن الخط الفاصل بين الفيزياء والميتافيزيقا، بل قل العلم التجريبي في إطلاقه شبه معدوم، والأدهى لا شيء في الأفق يشير إلى حل قريب لهذه المعضلة". البروفسير إسكوت ميناري يتعاطف بوضوح مع نظرية (الأوتار الفائقة) بما هي منظومة أفكار فيزيائية متجاوزة النسبية منطلقة من فيزياء الكم غير أنه لا يملك يقين قسيس. أهم ما يميز نظرية الأوتار الفائقة هو القناعة بوجود جزيئات عديمة الكتلة تستطيع أن تنطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء ربما مليارات المرات. هنا فقط تسقط النظرية النسبية وتسقط نظريات فيزياء الكم ويسقط المزيد: تسقط نظرية النشوء والارتقاء، تلك النظرية الباهتة التي لم يَعْلُ شأنها إلا لأنها تقدم نقداً ذهنياً مريحاً للأساطير العتيقة ليس أكثر من ذلك. غير أن نظرية الأوتار الفائقة لا تقدم عندي الحل المثالي: "أنا عندي فهم مختلف للمسألة، هو (الأكوان المتقاطعة)، نظرية الأوتار الفائقة بائنة الخطل، دعني أفصح لك يا بروف ميناري عن المبادئ الأساسية لنظريتي في الأكوان المتقاطعة". عاد المركب الشراعي من جديد إلى نقطة الانطلاق الأولى، بينما كنت مستغرقاً في اجترار حواري مع البروفسير إسكوت ميناري قبل عدة أيام خلت، فوجدت فانيسا تشدني من يدي: "بيبان، مالي أراك شارد الذهن، لقد عدنا"، "آسف فانيسا، فقط كنت أعيش بعض التصورات الذهنية".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
شرق وغرب يقومان في معزل رمزي شبه تام عن بعضهما بعضاً لكنهما يتشاكسان ويتصادمان ويتقاتلان ويتحاربان يفتكان ببعضهما بعضاً من حين إلى آخر ثم يتصالحان لحين من الدهر ثم يبدآن صدام الحضارات كَرَّةً جديدة أعنف فأعنف! شرقي وغربها. شرقي أنا وغرب سيلفيا. الشرق الذي يستعيض بالخيال عن الخطة، والغرب الذي ينفي الخيال إلى الخطة. أنا لم أشهد في الراهن اختلافا جذرياً بين الشرق والغرب إلا في شيئين فقط، لكنهما جوهريان، توأمان، هما: الخطة و(البراجماتية). ما دون ذلك تمايزات عادية تمليها (طبيعة الزمكان). للغرب الراهن في مجمله خطة، وللشرق الراهن في مجمله (لا خطة)، وللغرب الراهن في مجمله براجماتية، وللشرق الراهن في مجمله عشوائية. وتلك هي القضية!. الفصل 13 من رواية سيلفيا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
وقائع خاصة جداً"مجموعة قصصية منوعة ومن أمكنة وأزمنة مختلفة"الرجل الغريب الميت وجد أبي ذات مرة جثة رجل غريب طافية على شاطئ النيل قبالة منزلنا من الناحية اليسرى. كانت الجثة واهنة ومتحللة وهناك ثقوب في البطن وفي الظهر، والأفدح من ذلك أن الأنف والشفتين كانتا مفقودتين تماماً بفعل ما يبدو وكأنه اعتداء أسماك أو كائنات نيلية صغيرة على جسد الغريق، مما جعل الناس الذين تدافعوا من القرى المجاورة إلى حيث الجثة يتفحصون جسد الغريق بأعينهم المذعورة كثيراً خشية أن يكون ذلك الغريق أحداً منهم أو شخصاً ما يعرفونه فلا يستطيعون الوثوق من شيء. تحلق الرجال بجلابيبهم البيضاء حول الجثة من كل ناحية وصوب ومن خلفهم النسوة يبكين الميت في ذعر بَيِّنٍ دون أن يتأكدن من هويته، وكان الأطفال يتسللون في تلقائية من بين المناكب المتدافعة إلى حيث مكان جثة الرجل الغريب الميت. كان مشهداً مهولاً من الفوضى والرعب!لقد وصل الخبر في لمح البصر إلى كل مكان في البلدة وإلى البلدات المجاورة وربما أبعد من ذلك بكثير. كان الخبر يزحف ناحية الصعيد، (الجنوب) ناحية تيار الماء الذي جاء بالجثة إلى هنا، إلى حيث منزلنا بجزيرة أم أرضة. ظن كل الناس بل جزموا أن الغريق قادم من الصعيد، إنه الاحتمال الذي يشبه وقائع الطبيعة ليس إلا، فليس من المستبعد أن يكون الغريق ذهب إلى الصعيد بمركب شراعي وعاد محمولاً على تيار الماء ناحية أهله في السافل، (الشمال) بعد أن تسببت كارثة ما في غرقه. فربما انتحر، فلا أحد يستطيع أن يجزم بشيء ما أي كان! قفل الناس راجعين من حيث أتوا في سرعة البرق يتفقدون ذويهم ويعلنون خبر الجثة التي جاء بها أبي إلى منزلنا ووضعها على طاولة خشبية كبيرة في صحن الدار بعد أن غطاها بعمامته البيضاء في انتظار ما تُسْفِرُ عنه الأنباء. وبعد يوم كامل من البحث في كل أرجاء القرى المجاورة تبين جلياً أن الغريق ليس من هنا. ليس من البلدة ولا البلدات المجاورة. إنه رجل غريب. في حوالي الأربعين من عمره. فالأمر الوحيد الذي استطاعه أبي هو تقدير عمر الغريق من تمام أسنانه وتناسقها وبياضها. كان من المستحيل تحديد أية هوية محتملة للرجل الغريب الميت. لا أحد يستطيع تخمين قبيلته أو عِرْقِهِ؛ وذلك لأن أهم محددات الهوية العرقية مفقودة وهما الأنف والشفتان. كما أنه لا أحد يستطيع أن يتعرف على دين الرجل أو أخلاقه؛ فذاك أمْرٌ غير مستطاع. والأدهى من ذلك كله قيل أن أحد الرجال الموتورين شك في أن الرجل الميت ربما كان من رهط الأعداء القبليين، فقالها علانية في وقاحة تضاد أي وقار محتمل في مثل تلك اللحظات العصيبة: "هذه السحنة من سحنات قاتلي أبناء عمومتنا في الصعيد". فانقسم القوم تجاه شكه يعلنون موافقتهم أو رفضهم بغير كلمات، فكل ما حدث أن صدرت همهمات كثيرة متشابكة يصعب تحديد مصدرها أو معناها على وجه الدقة. ليس ذاك فحسب، لقد جالت في رؤوس القوم الكثير من الخواطر "ربما كان كافراً أو نصرانياً، هناك شعائر مختلفة تجب في حقه"، أو "ربما كان مجرماً لصاً أو قاتلاً محترفا" أو "ربما اتَّهَمَنا أهلُه بقتله وطلبوا الثأر". كانت الظنون والشكوك والهواجس تزحم المكان. ولكن بين الفينة والأخرى تتجلى مسافة زمنية صغيرة شاغرة تشع عندها حالة من الصمت الظاهري في لباس الخشوع، حالة هدوء يكذبها صخب الدواخل ولجاجة الضمائر. إنه هدوء مفروض قسراً بواسطة سلطان الموت الجبار!على أي حال كل تلك الظنون والتخمينات ليست عبطاً أو بلا معنى، فعلى أساسها سيتحدد عملياً أين سَيُقْبَرُ الرجل الغريب الميت وكيف ومتى؟. كانت المقابر مقسمة على أساس قبلي صارم وديني غير قابلين للجدل. إذ لا توجد مقابر خاصة بالأغراب أو الموتى مجهولي الهوية. كانت تلك هي أول حالة تواجه الناس في البلدة. ودار جدال ساخن بين رجال البلدة عن "مكان دفن جثة الرجل الغريب!".. كان جُلُّهُ جدالاً عقيماً وبلا جدوى: "أن يدفن جسد الرجل الغريب مثله وأهل البلد، فيغسل ويكفن وفق النظام المتبع في العادة، (خيار غير ممكن). أن تُرْجَعَ الجثة إلى مكانها الذي أتت منه خلسة فيحملها تيار الماء إلى شأنها، (خيار غير متفق عليه). أن تُبَلغَ السلطات الرسمية -الحكومية- ويترك لها حق التصرف في الجثة، (خيار غير محتمل)؛ فالحكومة لا تكترث بالأحياء فما بالك بالموتى!". لقد عطب خيال القوم!.أخيراً حسم أبي الأمر؛ فقد كان رجلاً حكيماً ويتمتع بخواص نادرة. أمَرَ الجميع بالذهاب وتَرْكِ الجثة له وحده "تلك هي لقيتي التي لقيت، وأنا سأتبنى هذا الرجل الغريب وأعتبره جزءاً لا يتجزأ من أهلي وأسرتي وليس له علاقة بكم ولا بمقابركم". فانفض القوم بعد بعض لأي جديد. وعند منتصف تلك الليلة وعلى ضوء القمر الخافت الحزين كفن أبي الجثة وصلى عليها وحده سراً، فقط كانت هناك امرأة واحدة تبكي بغير دموع ولا صوت تقف بجانبه تعاونه في مهمته الحتمية، تلك المرأة هي أمي، ثم دفن أبي جثة الرجل الغريب في العراء على بُعْدِ مائتي متر شرقي بيتنا، وصنع فوق القبر كتلة من (الجالوص) وغرز في يمين القبر ويساره عصا صغيرة من أعواد السنط. وظل أبي لسنوات عديدة لاحقة ومن حين إلى آخر يذهب إلى قبر الرجل الغريب الميت ويقف أمامه رافعاً يديه إلى السماء راجياً له الرحمة ومتمنياً لروحه السلام. كان يفعل ذلك بصورة دؤوبة حتى رحل والدي إلى العالم الآخر. وظللنا أنا وأمي نفعل مثله كلما تحين الفرص وربما حتى نرحل مثلما رحل كلٌّ من (الرجل الغريب وأبي). كما شرع كثير من الغرباء يزورون القبر بغرض السلام على روح الرجل الغريب. يبدو أن الرجل الغريب الميت ظل يفرض نفسه على الواقع كلما مر الوقت بفضل إعلانه الدؤوب عن قبره وعن وجوده في القبر! لقد قبله في لحظة بعينها كل الذين رفضوه في البدء كأحدهم، ولو أسكنوه في قبره وحيداً في وحشته الأبدية، وكأنهم الآن يُكَفِّرُونَ عن خطيئة ما، ثم رويداً رويداً أصبح الرجل الغريب الميت جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات البشرية المجاورة الحية والميتة، وجزءاً لا يتجزأ من وقائع الطبيعة العادية واليومية بل وجزءاً أصيلاً من ألغازها العديدة!.* قصة واقعية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
نظرة في بورجوازا من الداحل:"وقبل نشوب الحرب بست ساعات، بينما كانت تملأني هواجس الترقب : شهدت رجلاً يُطَافُ به فى سوق المدينة مُقَاداً بحبل غليظ من عنقه وخلفه ثلاثة رجال يصيحون: هذا الرجل، مهمدو باليلو، سارق وقد نُفِّذَ الحكم عليه ولعنه كورا .لا يوجد قانون مكتوب فى بورجوازا، القضاء يقوم حسب العرف وسوابق السلف: القاتل يقتل- يزج به فى جب الثعابين، ويقال إن في ذلك الجب الواقع على مقربة من الطرف الغربي ثلاثة آلآف ثعبان من نوع الكوبرا. والزاني والزانية يترك لصاحب العدل الحكم فى مصيرهما، وله أن يقتل أحدهما أو كليهما؛ وربما عفا عنهما، وفى الغالب يقع القتل بجز الرأس من الرقبة أو بالرجم، بغرض غسل العار ورد الشرف للعائلة والأقرباء. أمَّا السارق، فإن كان من أهل المدينة، يُطَاُف به فى سوق المدينة نهار يوم بأكمله، ليعرف الجميع أنه سرق، ويدفع ضعف ما سرق فإن لم يكن معه شيء فعائلته أو عشيرته تدفع عنه، فيرد المقدار المسروق الى صاحبه، والنصف يذهب إلى خزانة كورا. وأمَّا الغريب إذا سرق يقتل، وإذا زنى يقتل ، وإذا قتل يقتل .كما يبدو لأول وهلة فإن معظم الناس فى المدينة يؤمنون بشعائر كورا، ويدينون بالولاء لأحفاده واعتبارهم كائنات مقدسة، وإن خامر عقيدتهم هذه مؤثرات أخرى عندها جذورها فى صراع الماضي، استمرارية الحياة الحاضرة وحاجة الإنسان لأن يطعم نفسه ويقيها الآلام الجسدية ذات المصادر العديدة والهواجس الشريرة لمن حالفه أو خالفه.وبرغم التماسك البادي فى ظاهر عقيدة أهل بورجوازا فإن المدينة مقسمة تلقائياً حول المركز الى أربعة اقسام: الطرف الغربي، الشرقي، الشمالي، الجنوبي، وفى المركز سوق المدينة وقصر الإله كورا. أهل الطرف الشمالي يدينون بالولاء المطلق لكورا، ولا تكاد تشوب قناعتهم هذه أية رواسب من صراع الماضي أو بدع الحاضر. ويقال: إن كورا الأول كان أصلاً من أهل الطرف الشمالي، من هناك أنطق الى مقام الألوهية، بعد أن تمكن من التغلب على آلهة بروجوازا الأنثى آنذاك، المسماة: دونازا - واهبة الحياة -، فحكم عليها بالنفي وحبسها فى غار (دولاك) -السري- الذى لا يمكن لأحد الوصول إليه أبداً، وحكم على بناتها الخمس بسلطة المقتدر أن يصبحن خدماً له إلى الأبد، وجعل المرأة لا تحبل إلا إذا مسها الرجل، وكان الاعتقاد الأسطوري السائد قبل ذلك أن أي امرأة تحبل، وتلد أنثى أو ذكر، بهبة ومشيئة الآلهة دونازا. ويقال إن ابنة دونازا البكر و اسمها جوازا، قفزت إلى السماء احتجاجاً على حبسها وعلى ما وقع على أمها، فصارت نجماً معروفاً في السماء يطل كل مساء. ويقال إن كلمة بورجوازا -اسم المدينة- يعني نور جوازا، فكلمة بور في اللغة البورجوازية القديمة تشير إلى النور أو الضياء. وأما بنات دونازا الأخريات فأنجبن أطراف بورجوازا الأربع.فى الطرف الجنوبي كان ولاء الناس للآلهة دونازا قائماً بشكل مطلق، حتى بعد أسطورة نهايتها، وما يزال الكثير من الناس في هذه اللحظة يقيمون شعائر دونازا سراً، وهم على قناعة بوجود روحها قوة أعظم من أي قوة فى الوجود، ترفرف فوق رؤوسهم وتمنحهم للحياة معنى. يقدسون الأنثى منهم ويبيحون لها الزواج بأكثر من رجل، ويذهب الميراث عبر خط الأم ويحمل الأبناء أسماء أمهاتهم. إذا ما اغتصب رجل امرأة فى أي مكان آخر فى بورجوازا ما عدا الطرف الجنوبي فإنه يحق لولي المرأة المغتصبة، اغتصاب ثلاثة من نساء المغتصب ولا فرق إن كن نسوته شقيقاته أو عماته. وهذه هى أحد الأحكام المعروفة التى يقف ضدها أتباع دونازا في العلن، إذ أنهم -بالإضافة إلى غرامة مالية كبيرة- على العكس يقضون باغتصاب الشخص المغتصب نفسه، بواسطة رجل معروف اسمه دوباب من أسرة تتوارث المهنة، وهو موظف متفرغ يتقاضى راتباً من المال العام؛ على أداء هذا الواجب المقدس. وفى حالة الزنا يقضي اتباع دونازا بغرامة مالية على المرأة. ويقع توبيخ على الرجل وتقوم بشعائر التوبيخ امرأة معروفة بالحكمة، تستمر هذه الشعائر ثلاثة أيام يلبس الزاني خلالها ثياب بيضاء رمز الشؤم والخيانة.ولا يشارك أتباع دونازا فى شعائر كورا إلا مكرهين وكثيراً ما تعرضوا للأذى عبر قرون من الزمان وتمسك البعض بعقيدتهم حتى آخر هذه الأيام، فعفا عنهم كورا المقتول، وحث أتباعه على الاعتراف بعقيدة دونازا، لكن ابنه ماندا الذى خلفه مؤخراً على مركز ألوهية بورجوازا، نقض هذا العهد فى يوم تنصيبه. وكان أتباع دونازا قد توسطوا لوقف الحرب، وعندما اشتعلت رفضوا الانحياز إلى أي من أطرافها، ورفضوا المشاركة قبل ذلك فى بناء السور الفاصل. لكن الحرب عندما وقعت لم تزر أحداً وشأنه.وفرقة فى الطرف الشرقي تتسلل مساء كل اثنين، ليركع أفرادها أمام النافورة يطلبون منها الانبجاس مرة ثانية. ويشيعون منذ أمد بعيد وسط سكان المدينة أن إله النافورة غضب فى غابر الأزمان من لا مبالاة أهل بورجوازا بالخير وكفرهم بنعمة الماء الذى أسبغها عليهم، فكف الخير وغار الماء. وهذا الفرقة لا تعيش أي صراع -حقيقي- مع أتباع كورا، فقد كان أعضاؤها بطريقة أو بأخرى يوالون كورا. ويقال إن إله النافورة حالف كورا الأول أيام حربه مع دونازا في غابر الأزمان.أشاع أهل الطرف الغربي، أن كورا الإله نفسه، هو السبب فى الوباء الذي أصابهم، وجاءوا بحجة محاولة كورا استخدام سم الثعابين لعلاج الجذام، فقالوا إن كورا ضل، كونه اعتقد في شيء حسبه فاعلاً دون الشعائر المقدسة، وبذلك يكون قد حاد عن جادة طريق أسلافه القويم، إضافة إلى أن كورا قد عفا عن أتباع دونازا الآلهة التى لعنها كورا الأول وحبسها إلى الأبد، فكيف يجيء حفيده ليطلقها! إنها جريرة الكفر! وكانت تلك أهم دعاواهم لتعبئة الناس وإشعال الحرب، ومن ثم قتل كورا، وتنصيب ابنه ماندا في محله، فالألوهية فى نسل كورا إلى الأبد.قاوم بالفعل أبناء الطرف الغربي قرار عزلهم بالقوة و مازالوا يقاومونه. وأشهروا رماحهم وسيوفهم وأعلنوا خروجهم عن طاعة كورا. وفي غضون ثلاثة أيام قتلوا كورا وجل مخلصيه: قتلوا الرجل الذى أراد مصلحة المدينة كلها، فتكوا بجسد الإله ، فانتشرت الفوضى فى بورجوازا، عم الشر و الجذام، وعكف أناس كثيرون يستغيثون، مخلصين وخائفين: - " كورا أنت فاعل الخير وجالب الشر فادرأ بخيرك شرك عنا. كورا أنقذنا من الجذام و البرص. كورا كورا كورا".تناثرت آلاف الجثث مبعثرة على الطرقات، كانت رائحة الدم الطازج تدغدغ مشاعر الذعر فى صدر كل حي تسنى له البقاء ليتنفس غبار المعارك . نَصَّبَ أبناء الطرف الغربى ماندا ابن الإله الشهيد كورا إلهاً للمدينة فى جولة من الانتصار. حزموه من قدميه ويديه ، وأصعدوه التل الصغير ورددوا شعائر كورا المقدسة . خطب الإله ماندا آمراً بتحطيم السور الفاصل بوحي روح السلف المقدس. فدمروا السور حتى آخره، وأشعلوا فوق حطامه ناراً، وهتفوا: - "ماندا ، ماندا، ماندا".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
تعالت الأصوات والصيحات والضحكات من جديد مددت رأسي عبر النافذة، كان كلٌّ من دانيس وجانيت يلعبان الكرة معاً في المسافة الصغيرة القائمة بين البيت ونهر الأووز وتقف بجانبهما فانيسا في ثوب رهيف تضع على رأسها طاقية دانيس البلاستيكية الحمراء، كان مشهدها فكهاً وشهياً. وما أن رأتني، أشارت إليَّ بيدها وكذلك فعل دانيس بشكل تلقائي، ثم صاحت تأمرني "أنزل، تعال!".وعندما هبطت إلى الأرض ووقفت بجانب فانيسا وجانيت ودانيس أحملق ناحية النهر كادت تتلبسني من جديد لوثة الأووز، لكن وقفت فانيسا حيالها ملتصقة بي: "أما زلت تشعر بالانتماء للأووز؟". نظرت إليها ملياً، رأيتها هذه المرة كما لم أرها من قبل، كانت فانيسا أجمل وأرق وأعذب مما خطر لي أول وهلة. وقفت من أمامي تؤول إلى صدري وعيناها مليئتان بالإشراق ونهر الأووز من خلفها يبث أنفاسه في الآفاق، وكان هناك شيء عنيف يسري في أوصالي وكأنه تيار الأووز: "أنا لا أشعر بالانتماء للأووز فحسب بل لك أنتِ أشد، يا فانيسا!".--- الفصل السابع من رواية فانيسا "أنفاس نهر الأووز"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: osama idris)
|
اخيرآ حسم أبي الأمر. كان رجلآ حكيماً ويتمتع بخواص نادرة. أمر الجميع بالذهاب وترك الجثة له وحده "تلك هي لقيتي التي لقيت، أنا أتبنى هذا الرجل الغريب وأعتبره جزءاً لا يتجزأ من أهلي وأسرتي وليس له علاقة بكم ولا بمقابركم". فأنفض القوم بعد بعض لأي جديد. وعند منتصف تلك الليلة وعلى ضوء القمر الخافت الحزين كفن أبي الجثة وصلى عليها وحده سراً، فقط كانت هناك إمرأة واحدة تبكي بغير دموع ولا صوت تقف بجانبه تعاونه في مهمته الحتمية، تلك المرأة هي أمي، ثم دفن أبي جثة الرجل الغريب في العراء بالقرب من بيتنا حوالي مائتي متر شرقي الدار وصنع فوق القبر كتلة من الجالوص وغرز يمين القبر ويساره عصا صغيرة من أعواد السنط .وظل أبي لسنوات عديدة لاحقة ومن حين إلى آخر يذهب إلى قبر الرجل الغريب الميت يقف أمامه يرفع يديه إلى السماء راجيآ له الرحمة ومتمنيآ لروحه السلام. كان يفعل ذلك بصورة دؤوبة حتى رحل بدوره إلى العالم الآخر.وظللنا أنا وأمي بدورنا نفعل مثله كلما تحين الفرص وربما حتى نرحل مثلما رحلا "الرجل الغريب الميت وأبي". كما شرع كثير من الناس الآخرين يجيئون إلى القبر بغرض التحية على روح الرجل الغريب الميت. يبدو أن الرجل الغريب الميت ظل يفرض نفسه على الواقع المعاش كلما مر الوقت. لقد قبله الآن كل الناس الذين رفضوه في البدء كأحدهم، ولو أسكنوه في قبره وحيداً في وحشته الأبدية، وكأنهم الآن يكفرون عن خطيئة ما! . ثم رويداً رويداً أصبح "الرجل الغريب الميت" جزءاً لا يتجزأ من وقائع الطبيعة العادية واليومية كما جزءاً أصيلاً من ألغازها العديدة من قصة الرجل الغريب الميت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
كتب صاحبنا السلفي محمد جلال عبد الله له التحية Quote: Na3ood الشيخ أبو جديري .. انت بقيت ماسك الجناح الإعلامي لمحمد جمال (بتاع سيلفيا) وللا شنو؟ الراجل الطيب ده وين؟ كان بيننا وبينه مناقشات ومناكفات وقد تدخل عمر دفع الله لصالحه في منافسة غير شريفة هههههههه
|
أيوة أنا شخصي الضعيف الممثل الإعلامي للأديب الكبير آية الله العظمى في الأدب محمد جمال وأما الفنان عمر دفع الله فهو مفرغ ومتفرغ لمهام أخرى هذه الأيام بجانب وزارة الدفاع والأمن الوطني!. ولو داير تدخل الحوار الأدبي "الوعي" معانا عندنا ليك وظائف سلفية وسيلفاوية شاغرة :).
تحيات يا صديق وخليك قريب غداً تشرق الشمس!. نحن لسا عندنا فيك أمل وانت أهل له!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
مقطع جديد من رواية "رجل من بورجواواز":
لم يستطع مادى الإجابة الوافية على أكثر الأسئلة بداهةً في الأحوال الطبيعية : من أين جاء هو أصلاً!. -"يبدو أنك في الأصل من الصين أو إندونيسيا ؟" خمن دافريز. - أجاب مادي: - " لا لا لا ، أنا من بورجوازا". - "بورجوازا؟" ردد مستر دافريز الكلمة وظهر وكأنه يفكر بلا جدوى ثم أقر بعدم إدراكه بموقع بورجوازا من الخريطة. -"فى إفريقيا ". أجاب مادي. تساءل مستر دافريز بحذر هذه المرة: -" أين تقع بورجوازا فى إفريقيا؟". و قبل أن يجيب مادي علي السؤال استشعر مستر دافريز شيئاً جعله يعتذر: - "في الحقيقة أنا لا أعرف الكثير عن إفريقيا فمعذرة على مثل هذا السؤال، كان عليَّ أن أكون أكثر معرفة وأطلع نفسي ولو مرة واحدة على خرائط إفريقيا فاعرف أين تكون بورجوازا". غير أن مادي كرر عبارة: -"مدينة في إفريقيا" مرتين أجابه على السؤال ولم يزد. وبدا مادي لوهلة وكأنه يفكر فى أمر ما جلل، كأنه يريد أن يدافع عن عجزه فيقول: "نعم، أنا لا أستطع وصف بورجوازا علي الخريطة، لكنني أستشعرها في كل خلية من جسدي. أحملها في لون بشرتي، في ملامح وجهي، وفي تعابير غضبي و حزني، في طبيعة خوفي وقلقي. تركت سكنتها لكنها ما تزال تسكنني. و كأن الهرب منها عبثاً وهذياناً لا حقيقة. وكأن خروجي من بابها يعني دخولها من بابي". *** عند الساعة العاشرة من صباح السبت، كانت الابنة "آنا دافريز" تتصل هاتفياً: - "أنا والأولاد سنصل إلى مطار أمستردام عند الساعة السادسة من مساء اليوم بتوقيت أمستردام بدلاً من الساعة الرابعة والنصف، وستكون بصحبتنا وفق الخطة الآنسة سو، وهي مساعدتى فى تربية الأولاد". أكد مستر دافريز أنه سيكون فى استقبالهم بالمطار وذكر لها أن أحدهم سيكون برفقته وشرح لها بصعوبة: - "إنه مادي، أحد معارفي، شاب فى مقتبل العمر، جذوره في بورجوازا، ويمكنك أن تعتبريه صديقاً جديداً للأسرة" . وضع مستر دافريز سماعة الهاتف وجذب نفساً عميقاً وظهر أن رعدة خفيفة قد أصابته من جراء لهفة ألمت به. وبدا بشكل واضح أكثر من ذي قبل أنه رجل عجوز لكنه كان سعيداً علي أي حال. والتفت وهو فى حالته تلك إلى مادي الذى كان يجلس قبالة التلفاز يتابع نشرة أخبار الطقس لذلك اليوم، وحدثه قائلاً: - "ستصل الطائرة عند السادسة بدلاً من الرابعة والنصف!". أصلح مادي من وضع ساقيه المستريحين علي الأريكة وهدأ من روع صديقه: - "هذا لا يختلف كثيراً أليس كذلك؟".
أجاب مستر دافريز بنعم كبيرة. وكانت الرعدة التى ألمت به قد تحولت فجأة إلى طاقة أرق تهز وجدانه. وظهر مرتبكاً ما دعى مادي لأن يسأله إن كان يريد فنجاناُ آخر من القهوة. تلك القهوة التى قام مادي بإعدادها ذلك الصباح لأول مرة فى بيت صديقة الجديد بينما ساعده مستر دافريز فى إخراج أدواتها من إحدى خزائن المطبخ العتيق. لكن الرجل المسن ذا التجارب كان قادراً على التجلد وقهر الأحزان التى تعض قلبه، لا سيَّما فى ظل عوامل التوقع الجديدة : الابنة والأحفاد . عند الساعة الحادية عشر تقريباً، انقشعت غيمة صغيرة ثقيلة الحركة عن وجه الشمس فصبت على الصديقين فى طريقهما إلى التبضع فيضاً من الإشعاع الذهبى الدافئ، فأسهبا فى الحديث عن الأشياء التى يودان جلبها بمناسبة الحدث السعيد: أنواع مختلفة من الخضار والفاكهة، لحوم وهارنج ، أرغفة، أربع باقات ورد، عدة شموع ملونة، دميتين مختلفتي الحجم وألعاب نارية خاصة بالأطفال. ثلاث زجاجات نبيذ أحمر، صندوق من البيرة سعة أربع وعشرين وحدة، وحلويات. وعندما ابتاعا كل شيء ظناه مناسباً، وأسرفا فى جلب أغراض زائدة، وقف مادي يفكر للحظة. خطر على باله حل لشيء كان يقلق حياله. حك أنفه وكلم صديقه الذي اقترح أن يغشيا بنفس عربة التاكسي شقة مادي. أراد مادي التأكد من أن الأبواب مغلقة بشكل جيد وأن توصيلات الكهرباء والغاز مؤمنة بصورة لائقة. ذلك على حد اعتقاد مادي أمر ضروري، سيؤهله لأداء المهام التى رأى أنها واجب عليه أداءها مع صديقه، ببال مرتاح: توضيب البيت ونظافته، ما عدا غرفة آنا في الطابق العلوي، تجهيز مواد الطبخ، معاودة المرأة المريضة، استقبال الضيوف، وربما المبيت ليوم أخر. و حمل مادي معه رزمة صغيرة من الاوراق -المذكرات- التي خلفها والده، حشرها بتلقائية في الحقيبة التي خصصها لأمتعته الضرورية. وروى أو قرأ منها مباشرة علي مستر دافريز كل ما سنحت الفرصة طوال ذاك اليوم. ما يقارب ستاً و خمسين صفحة من الحجم المعتاد! ارتدى مستر دافريز بدلة بيضاء مشغولة بخطوط رفيعة برتقالية وربطة عنق حمراء. وبرر لصديقه الذى اقترح غيرها بأنها ربما تعجب الأولاد. فظهر بهذه الهيئة مع نفحة النشاط التى هب بها أشبه بأحد مشجعى فريق أياكس عند حصوله على كأس الأندية الأوربية منه إلى رجل محتشم وطاعن فى السن! كان يتبادل الحديث مع مادي بينما ينظر إلى ساعته من حين إلى آخر. ولما كانت الصالة المخصصة للمستقبلين بمطار أمستردام مزدحمة فقد اقترح على مادي أن ينتظرا في الخارج عند زاوية تتيح المعاينة إلى داخل القاعة . ظهر الحفيد الأكبر (يان) هناك فى الداخل، يدور حول أمه على عادة الأطفال، رافعاً فى الهواء حقيبة صغيرة برتقالية من هدايا الخطوط الجوية الملكية الهولندية، للأطفال المسافرين. كانت آنا تقود الطفل الأصغر بيدها اليسرى وتجر حقيبة سوداء متوسطة الحجم ذات عجلات بيدها اليمنى. بينما بدت الآنسة سو خلفها مباشرة تحمل بعض الحقائب الصغيرة ولوحة زيتية من إندونيسيا. كانت الآنسة سو شابة زاهية، فى هيئة مضيفات الطيران أو قل السكرتيرات الجميلات: ذات جسد أسمر لميس، عيون زرقاء واسعة، شعر أسود فاحم يتموج فوق كتفيها، خصر نحيل، كفل مكتنز ومحكم التكور، وعندما نطقت بالتحية كان صوتها سماوياً لدى تجربة مادي العملية والنفسية والجمالية. مر الإبن "يان" بجانب مستر دافريز دون أن يعبأ بندائه. ثم دار إلى الخلف فسقطت حقيبته، عندما هم بالتقاطها أمسكه مستر دافريز من يده وأخبره: - " أنا جدك ". وفي تلك الأثناء كانت آنا على أهبة العناق. قدمت آنا الآنسة سو لمستقبليها على أساس أنها مساعدتها في تربية الأطفال وذكرت أنها أيضاً في مقام صديقتها. وقدم مستر دافريز مادي باعتباره صديق العائلة الجديد. حيت الإبنة آنا مادي بالطريقة المعتادة عند الناس لإبداء الترحاب والاحترام . كانت آنا امرأة براغماتية: شيء ما في عينيها اللامعتين يذكر الملاحظ المحترف بعيون القراصنة العائدين لتوهم بالغنائم من خلف البحار، لكنها تبدو للوهلة الأولى مرحة ومتفهمة . وبعد انقضاء مراسيم الاستقبال، كان مستر دافريز وابنته آنا وحفيداه يان و مارك قد سبقوا مادي والآنسة سو إلى السلم الكهربائى الهابط إلى محطة القطارات الواقعة تحت مباني المطار مباشرة فى باطن الأرض. وكان كلٌّ من الآنسة سو ومادي متلاصقين بطريقة غير متعمدة. كان مادي يشرح لرفيقته شيئاً ليس بالضرورة مهما، بينما صعد يان خمس درجات ومرر ناظريه على وجه مادي بطريقة سريعة ثم ضرب الآنسة سو فى دلال الأطفال بقبضة يده اليمنى فى صميم فخذها الأيسر، فأصدر صدره همهمة حميدة فى ردة فعل تشبه التصرف الناجم عن الشعور الذى يسمونه الغيرة لدى البالغين! ثم جرها من يدها بحيث أصبحت ساقها اليمنى في الفراغ، فتخلخل توازنها الجسمانى شيئاً ما من جرائه، فالتحم ظهرها بمادي، كانت لحظة بريئة حميمة، كالرعد المضيء، وأدى ذلك إلى تداعٍ كلي لجسدها إلى الخلف، بحيث أصبح عنقها فى عنق مادي، وخدها الأيمن فى خده الأيسر، وبعض شعرها الأسود سميك الخصلات استوى فى فتحتي أنفه، وكان شعرها ذا رائحة شرقية من قبيل المسك. يبدو أن الآنسة سو كانت امرأة مثيرة للرغبات والمشاعر في تجربة مادي النفسية والجمالية، مما جعله يهتز في مكانه دون أن يسقط إلى الوراء. كان حدثاً صغيرا لكنه يشبه الرجة العنيفة التى تزلزل لكنها بطريقة أو أخرى تخلق نوعاً من التوازن بفعل تساوي فعلها الدافع والجاذب فى آن معاً. عملت آنا على إخراج والدتها من دار رعاية مرضى السرطان وأخذها إلى البيت فى نفس تلك الليلة -ليلة السبت- : - "ذلك هو الشيء اللائق".
نجحت بسهوله فى إقناع الطبيب المناوب، وكذلك رضخ مستر دافريز: - "إنها أمى وأنا أستطيع رعايتها بالكامل، إن إقامتها فى البيت بقية أيامها أكرم لها ولضيوفها".
وقبل الساعة الثامنة بقليل أعيدت السيدة دافريز إلى البيت وكانت مبتسمة برغم كل شيء وبدت سعيدة برغم المنغصة. أمرت الجميع بلغة مستر دافريز أن لا يأخذوا الأمر مأخذ الحزن. وسألت مجدداً عن أسماء صديقاتها القدامى المأمول حضورهن ظهيرة اليوم التالى، الأحد. أجابها مستر دافريز بأنه يأمل أن يكون كل شيء على ما يرام، أكد لها أنه قد اتصل بالفعل لتوه ليخبرهن بأن السيدة فى بيتها، ما عادت ترقد بالمستشفى وشدَّدَ عليهن بكتابة العنوان بصورة واضحة.
وعند حوالي العاشرة استسلمت السيدة دافريز للنوم على ذراع ابنتها العائدة وفى أذنيها بقايا ضجيج باعث على الحياة، من أثار الأحفاد الصغار. وكانا قد سقطا على الفراش بجانبها فى غرفة النوم الرئيسية وأخذا فى النوم قبلها بقليل، بينما كانت هي تراقبهم بعين حنون .
بعد نوم السيدة دافريز مباشرة طفت على غرفة الجلوس لمسة احتفالية لأكثر من ساعتين. وظل مادي يسعى بين المطبخ، الثلاجة- حيث وضعت زجاجات البيرة- الآنسة سو، وصديقه مستر دافريز. وبين لحظة وأخرى يدندن بصوت منخفض أغنية لبوب مارلي أو لأركيلي. وما أثار فيه مشاعر لا توصف من البهجة قول الآنسة سو شيئاً لطيفاً، بمعنى أنت ذكي، وقولها شيء آخر لم يكن ذا بال فسره مادي أيضاً لصالحه. وكان مادي قد قص علي الآنسة سو حكاية خرافية حفظها من عهد الطفولة فى بورجوازا، وروى أيضا لصديقه وقائع جديدة بشأن رحلته بالباخرة التجارية إلى أمستردام قبل نحو عشر سنوات خلت، كما تحين اللحظة المناسبة فقص حدثاً يخشى الذكور الأسوياء عادة الإفصاح به. وعندما تصادف أن أصبحا في المطبخ لوحدهما لبعض الوقت مرة أخرى، طلب مستر دافريز من مادي شرح بعض الأشياء الغامضة في المذكرات التي كتبها والدة "نصر الدين الولي". كان انفراط ذاكرة مادي ناصع المأساة، ولكنه كوخز الإبر الصينية يؤلم ويداوي. وعند الثانية عشرة والربع، آوى مستر دافريز إلى مرتبة هوائية وضعها على الأرض بجانب سرير السيدة المريضة وأحفاده، فى غرفة النوم الرئيسية. وآوت أيضاً من بعده آنا إلى غرفتها الصغيرة فى الطابق العلوي. تلك الغرفة المحببة التى أنفقت فيها عمراً طويلاً من الطفولة إلى الصبا فالشباب وحتى قبل عدة سنوات قليلة خلت، قبل رحيلها إلي إندونيسيا حيث عاشت حياة أخرى مختلفة الطعم والذاكرة.
وجدت آنا غرفتها بنفس نظام الأشياء. غير أن الألوان أصبحت باهتة وورق الحائط أخذت أركانه فى الاهتراء، فهناك غبار أسود دقيق يغطي تقريباً أسطح جميع الأشياء، وهناك ثلاث أوراق شجر متيبسة حمراء اللون ملتصقة بالحافة الخارجية للنافذة، والدمية الصغيرة المتكئة على القاعدة الداخلية للنافذة عمرها الآن خمسة وعشرون عاماً باهتة الألوان ومضمخة بالغبار. تخلف مادي والآنسة سو فى غرفة الجلوس. جلسا متلاصقين بشكل لا ينحو إلى العادية يتحدثان فى أشياء مختلفة، يتلذذان بفرصة استكشاف عوالم بعضهما بعضاً. كادا يستنزفان اللحظة كلها، تأمل مادي العينين الزرقاوين الواسعتين واستنشق عطراً من قبيل المسك لمرات عديدة، سهواً وعمداً. وتحسست الآنسة سو بنظراتها الدهشة السليطة فى الوجه الدائري مستوفي الشروط كلها، وداهمها شعور لم تقو على صده فلمست بسبابتها الأنف الصغير المناقض للتوقعات.
تجول مادي و الآنسة سو بخطوات هادئة بين المطبخ حيث الثلاجة وغرفة الجلوس حيث الأريكة الوثيرة ولم يأويا إلى الفراش حتى الثالثة صباحاً. كان صعباً عليهما الافتراق كما وجدا أيضاً مستحيلاً خرق كل التقاليد، أو بالأحرى كانت تنقصهما معاً الجرأة كي يرقدا - مثل ما كان مادي أكثر عزماً- رأسين على ذراع واحد ولا فرق أهي ذراع مادي أم الآنسة سو. وأخيراً، وفى ركن من الربع الأخير من الليل تحتم على مادي أن يبقى وحده مرة أخرى، يرقد فوق الأريكة فى غرفة الجلوس فى بيت صديقه مستر دافريز. ولو أنه هذه المرة - ولوهلة- كان معبأً بالأحاسيس الملونة، السعيدة، شيء من الأرق، وقليل من الخوف لكنه علي أي حال فوق ذاك الحد الثابت لدى الإنسان، أي إنسان طبيعي. نظرت آنا من خلال النافذة التى عمدت إلى فتحها على مصرعيها ،كان الليل قد أمسى اقرب إلى السكون المعتاد. الشارع العرضي والشارع الآخر الذى يصب فيه عمودياً كانا فارغين من الأحياء أو الآلات المتحركة. هنا وهناك أضواء صغيرة خافتة. استطاعت آنا أن تسمع من على البعد بعض أزيز الطائرات التي كانت تهم بالهبوط أو تقلع لتوها من مطار أمستردام بالجوار. تأملت آنا الميدان الصغير فى الركن الأيمن للشارع العمودي فجالت بخاطرها ذكريات قديمة محببة، أغمضت عينيها لبرهة فارتسمت فى خلجات وجهها الأحلام. ابتسمت بشهية إذ تذكرت القبلة الأولى الخجولة و ما تلاها بعد شهور ومن ثم ثلاث سنوات من الحب الكامل. فى اللحظة التالية لامت نفسها على توق نفسي وغريزي، لامت نفسها فى ذاتها عليه، مراعاة للتقليد الاجتماعى، فهي امرأة متزوجة، ليس ذلك فحسب، ففى لحظة ما تمنت لو كان بالإمكان لقاء ذاك الشاب الذي أصبح محامياً معروفاً الآن فى مدينة لاهاي، طالما سمعت عنه من على البعد من صديقات مغرمات :"إنه وسيم، مرح، سهل المعشر وأصبح ناجحاً بل متفوقاً ".
نفضت الملاءة وابتسمت بعد ذلك مرة أخرى، عندما وصلت إلى أسماعها وشوشة أصوات خافتة وضحكات صغيرة مبتهجة من تحت، فكرت في أن الآنسة سو ومادي لابد أنهما سعيدان، كان شيئاً جيداً فى تقديرها، فهي على الأقل تحب للآنسة سو أن تكون سعيدة. التفتت الآنسة سو إلى مادي بينما وضعت أول خطواتها على السلم الخشبي الصاعد وتظاهر هو بالعادية لبعض اللحظة. وودعته للمرة الثانية: - "نوماً هانئاً مادي ".
كانت قد قبلته للمرة الأولى وعلق مادي ساعديه فوق كتفيها نصف العاريين لنصف دقيقة تقريباً، لكنه لم يستطع قول أي شيء فى تلك اللحظة، ثم خلع ساعديه وظهر مرتبكاً. فحاولت تهدئة روعه، فقالت بصوتها السماوي : - "حكاية سلحفاة بورجوازا رائعة حقاً".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
رؤى متناقضة حد الفناء!
روى أحدهم قصة غريبة لكنها تحدث!. قصة رجل صادف رهطاً من الجماعة يعرفون مصلحته جيداً أكثر منه ولا يرغبون في ضره بل كل ما يرجونه له هو كل الخير وما هم سوى فاعلي خير به. قيل: ذهبوا به بغتة إلى حقل زراعي في الخلاء البعيد. وهناك أمروه أن يجلس على الأرض ومدوا مسدساً مشحوناً بسبع طلقات نارية ناحية رأسه وسألوه قبل إعدامه رمياً بالرصاص بكل لطف، السؤال الروتيني: ماذا يطلب قبل إعدامه!. فقال دهشة: "قبل كل شيء أود أن أعرف أمراً واحداً فقط، لماذا خدعتموني، وقلتم لي في البدء أنكم تودون مصلحتي بينما أنتم تضمرون لي الشر"!. فدهش أصحاب الخير جداً وردوا عليه بكل يقين: هذه هي مصلحتك الحتمية التي نعرف!. --- من وقائع خاصة جداً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
https://www.facebook.com/Md.Gamaleldinhttps://www.facebook.com/Md.Gamaleldin
الحاجات وصلت بس لسا مافي كل مكان!.
كنت في الماضي عندي إعتقاد خاطي هو أن أصعب شيء في عملية الكتابة هي الكتابة نفسها!. في الحقيقة وعن تجربة أكتشفت أن الصعب هو "الطباعة" والأصعب والأخطر من دا كله هو "النشر" أي وصول الكتاب لكل القراء المفترضين من المحيط إلى الخليج (مش زمان بقولو كدا؟) هسا القراء والكتاب أيضاً في أوروبا وأمريكا وروسيا والواغواغ وفي كل مكان!. المهم برغم التعب والأرق والجهد والإجتهاد الذاتي الذي إستمر لسبع سنوات الواحد سعيد بأن العملية تمت بسلام (عملية الكتابة والطباعة) وأما التوزيع فذاك شأن آخر وهو من المفترض ليس شأن المؤلف لكن أنا تهورت وحزت على عدد 10000 نسخة لأوزعها بنفسي على أصدقائي وهي أقل من عددهم ومن هنا تبداً معركة جديدة عايز فيها وقفة معاي من أصحاب المواقف!.. عندي لستة طويلة عريضة من الأصدقاء كلهم طالبين مني توصيل الحاجة ليهم وهم مشتتين في كل بقاع الأرض.. فما عندي خطة واضحة لكل الحتات.. فعايز أفكار نيرة ومتعاطفة!. وهذا هو هدف هذا البوست. وكل سنة وأنتم بخير والباقي كلو هين ... أدناه معلومات تفصيلية حول الأمر!.
----- أهداف ومبررات وحيرة وتعريف بالكتب الصادرة---- معليش الكلام كتير بس ضروري للحد الأدنى للمعرفة بالشي----- صدرت لي للتو عبر دار أوراق المصرية 4 كتب و 5 أخرى في الطريق تاتي عبر دور نشر اخرى.. كان جهداً مريراً كرست له سبع سنوات من حياتي أضعت فيها الكثير ولم اكسب شي غير كتل ورقية!. أدناه تعريف مختصر لكل كتاب من الكتب الأربعة الصادرة وقبله مناحة على المجموع "9". هناك فوضى ما، إنني أفعل أشياء لا معنى لها!. تسع كتب جديدة!. لا أعرف لماذا أكتب ولمن أكتب؟!. لا دليل ولا هدف!. إنني أفعل أشياء لا معنى لها ولا أستطيع التوقف!. إنتهيت للتو من إصدار أربعة كتب (ثلاث روايات ومجموعة قصصية وهي: 1- فانيسا و2- سيلفيا و3- بورجوازا و4- وقائع خاصة) صادرة عن دار أوراق المصرية.. اليوم وبلا خطة ولا شعور لقيت نفسي أراجع مسودات خمس كتب أخرى جديدة كنت قد سبق وأن سجلت أحداثها الأولية على النت توجد لها جميعاً روابط في مكان ما من حائطي هذا على الفيسبوك، وهي: 1- الإنسان والمجتمع والدولة نحو أفق جديد 2- سايكلوجية الزول السوداني 3- الوجود السوداني في هولندا 4- حكايات من جزيرة أم أرضة .. و 5 - سؤال الهوية!. وعليه يكون المجموع 9 كتب كتبت في سبع سنوات وصدرت هذا العام دفعة واحدة ولهذا لا أتوقع أن يقرأني أحد.. وبالتالي العفو والعافية وطالب رضاكم وبل عونكم في محنتي وبلوتي التي أبتليت بها!. مرة سمعت د. بشري الفاضل يقول "الزول البيكتب كتير ممكن يكون عيان"! .. إذا في زول شايف أخوه عيان فيديه لكزة . المهم: ما أظن في زول في العمر دا ح يقدر يقراني كلي وكلامي الكتير دا لذا أتوقع أننا لن نعرف بعض في هذا العصر كوني أضعت زمني في الكتابة وأضعتكم مني!. ولذا أطلب رضاكم وسماحكم وتسامحكم!. أشعرني وكأنني أرتكب حماقة ما أو قل جريمة!. (((من منشور سابق))).
تعارف وتعريف للأهل والأصدقاء بأعمالي الأدبية الجديدة ال "أربعة أعمال" صدرت عن دار أوراق المصرية الخمسة الأخرى لقدام: 1- فانيسا، أنفاس نهر الأووز Vanessa the whiffs of The River Ouse 2- سيلفيا الهولندية The Dutch Sylvia 3- رجل من بورجوازا A man from Bourgawaza in Amsterdam 4- وقائع خاصة جداً Very special events هناك نبذه مختصرة عن كل عمل من الأعمال الأربعة "أدناه".. هذه الملخصات الشارحة كانت عبارة عن رسالة داخلية وفق طلب الناشر حين تقديم الأعمال للتقييم في المرحلة الأولية، أحببت أن أشركها البعض الذي يهتم منا.. وهي طبعاً تقييم ذاتي وليست رؤية محايدة كتبتها بحكم الضرورة ليس إلا.. وربما عنت شيئاً واحداً مؤكداً غير كونها رؤية ذاتية "خطة الكاتب في الكتابة"!.
1- إضاءة على رواية: "فانيسا، أنفاس نهر الأووز"
فانيسا "رواية، عملت جهدي أن أجعلها في غاية التكثيف في نفس الوقت الذي قد يشعر فيه المتلقي أنها رواية تفاصيل، وفي الحقيقة جئت ببعض التفاصيل الضرورية كما الوصف الذي أقتضته بدوره الضرورات الملحة وما عدا ذلك فإن السرد والحوار في معظم المرات جاءا في لغة مقتصدة. فكرة الرواية الجوهرية مركبة من عدد من الرؤى الإجتماعية والنفسية والفلسفية والفيزيائية مع محاولة جعل المحتوى في قالب نثري وكأنه ينشد المتعة من أجل المتعة!. والفكرة الأساس تقوم على فزلكة فيزيائة من إقتراع البطل/الراوي هي "تعدد الأكوان في سمتات فيزيائية مختلفة جذرياً لكنها في ذات الوقت متقاطعة" متجاوزة بذلك النظرية النسبية كما النظرية الأعلى منها (آخر موضة): نظرية الأوتار الفائقة أو هو ما أدعاه "بيبان" محاجاً البروف إسكوت ميناري. البطل/الراوي عشيق فانيسا تلك الفتاة التي نسجت حولها خيوط القصة هو "بيبان" لا إسم له غير الإسم الذي إخترعته له فانيسا مشتقاٌ من "البيق بانق" كما أنه قادم من منطقة نيلية قبالة الصحراء غير محددة (هذا الأمر معني طبعاً) وهذه المنطقة تستطيع أن تكون حسب الوقائع البيئية المسافة الواقعة شمال الخرطوم وحتى الدلتا المصرية.
الرواية عبارة عن مذكرات "بيبان" الذي غرق في نهر الأووز (النهر السادس في بريطانيا وأعتبره أحد شخصيات الرواية الفاعلة) وغرقت معه فانيسا وأختها وإبن أختها الصغير وأعدت صديقة فانيسا وإبنة البروف إسكوت ميناري "ليليان" المذكرات في شكل كتيب مصور ليوزع على أصدقاء فانيسا ومكتب رابطة البيئة في يوم التأبين وهناك إشارة صريحة في ختام مقدمة ليليان الغليظة (راجع المقدمة المعنية) تخشى أن يتم تسريب الكتيب قبل الأوان وهذا يبدو أنه حدث! ليليان هي الراوي النهائي للقصة. كما قامت ليليان ( رسامة) برسم بورتريهات للغرقى وضعتها في الحلقة الأخيرة من العمل مع خاتمة في شكل "ملاحظة" ومنها يتضح من جديد حسب الخدعة الروائية أن العمل الذي أعدته ليليان سرب قبل أن يمضي وفق خطتها!.
العمل في إيقاع واحد ما عدا حلقة 17 جزئية (صناعة يوم القيامة) فهي معنية مني ل(كسر الروتين كما أنها إضافة جديدة للنسيج الكلي) ثم من بعدها عدت من جديد لذات الإيقاع اللغوي والمعنوي في بقية العمل. هذا طبعاً بإختصار شديد مع علمي المسبق أن القراءة النقدية قد تحتمل فهم ومفاهيم مختلفة وأنا لست بناقد فقط أقدم هذه الرؤية بناءاً على طلبكم.
***
2- إضاءة على رواية سيلفيا
رواية سيلفيا "الهولندية" عبارة عن رسائل كتبها (البطل/الراوي) إلى شخص/أشخاص ما بلا تحديد في مكان غير محدد على وجه الدقة كما يوحي بذلك المشهد الأول رقم صفر. القصة كتبت أول ما كتبت في منبر "سودانيزأونلاين دوت كوم" بشكل مباشر وعفوي وتفاعلي وهذا ما حدد طبيعتها السردية "الإنفعالية/التفاعلية" حتى هذه اللحظة الشيء الذي لا يمكن تغييره إلا بتغيير الخلق كله وهذا غير مستطاع!. سيلفيا من أول أعمالي الروائية كتبتها العام 2011 وجرت أحداث القصة حوالي عشرة سنوات سابقة لتاريخ القص كما توحي به الحكاية.
هناك مشاهد رومانسية كثيفة كما بعض اللمحات الجنسية في العمل لكن الجنس هذه المرة ليس من أجل الجنس بل لكشف العملية من الداخل وربما محاولة أنسنة الجنس!. كما أن هناك حساسية نوعية (جندرية) فالرجل هذه المرة كما المرأة يستطيعان ممارسة الجنس بذات الدفء والحرارة والعنفوان دون أن يكون هناك ذكر "فحل" وأنثى منصاعة مفعول بها!. لذا هناك فصل كامل في الرواية تحت عنوان (العنف الودي). لا يوجد صدام حضارات بل أنسنة الحياة وهناك بالطبع صراع رؤى وصراع هويات لكن لا صدام حضارات. وهناك فصل كامل تحت عنوان (صدام الحضارات) فصل شاعري/فانطازي/رومانسي/هلامي/فكاهي يستهين في خلفيته من صدام الحضارات ويعلي من قيمة الإنسانية ويحاول إعادة صياغة كلمات مثل (عبد وخادمة/أمة) إلى معاني جديدة أكثر إنسانية متجاوزة كل محمولات اللغات والثقافات! (هذا طبعاً مجرد مثال واحد مفرد من الفهم الكلي للفصل المعني). هو الفصل رقم "10".
***
3- إضاءة على رواية رجل من بورجوازا
"بورجوازا" مدينة خيالية (متخيلة) وبحسب الوقائع السردية فمن المحتمل أن تكون في المثلث الواقع بين السودان وتشاد ودولة أفريقيا الوسطى. وهي ذات خلفية غير مباشرة بالصراع العدمي في السودان!. ربما صلحت كملمح او قل ملخص معاناة القارة الأفريقية "متاهة العدم والخراب" لا بل أكثر من ذلك تتضمن رؤية مضمرة للكفاح (كما الصراع) البشري في كلياته فوق كوكب الأرض!. https://www.facebook.com/Md.Gamaleldinhttps://www.facebook.com/Md.Gamaleldin تتكون الرواية من خمس مشاهد حادة 1- سيرة حياة "البطل" مادي الولي "تونقا" بما يتضمن مرجعيات والده (نصر الدين الولي) الكفاح والفشل والإصرار على مواصلة الطريق كما النكوص. 2- فلسفة وجودية لعالم أمريكي مختلق يدعى "لاما دانيش" تشكل رؤية خلفية للخلاص شبه المستحيل 3- مذكرات والد بطل الحكاية (فلاش باك) 4- إحداثيات مكان القصة (هولندا) . وبين هذا وذاك كشف للصراع بين أطراف الصراع المحتملة. وهناك مستر يوب ربما جاء ممثلاً (للغرب) فهو موجود هناك (في متاهة العدم والخراب) يشتغل في البيزنس يجمع العناكب السامة لتصديرها للغرب لكنه مرة ثانية هو من أجل المساعدة الإنسانية وخلق فرص للعمل للسكان المحليين أي شيء يشبه الحياة الواقعية بكل تناقضاتها المحتملة 5- نهاية مفتوحة على كل الإحتمالات. هذا طبعاً بإختصار شديد مع علمي المسبق أن القراءة النقدية قد تحتمل فهم ومفاهيم مختلفة وأنا لست بناقد فقط أقدم هذه الرؤية بناءاً على طلبكم.
*** وأخيراً***
4- "وقائع خاصة جداً" مجموعة قصصية" جديدة. العمل مكون من 22 قصة قصيرة وقصيرة جداً تتناول قضايا شتيتة مع سمت سردي شبه متطابق التكنيك وبالرغم مما يتراءى في بعضها من "فانتازيا" فإن عدد منها يقوم على قاعدة من أحداث حقيقية كما هو مبين ذيل تلك القصص المعنية. القصص منوعة المواضيع كما هي منوعة الأمكنة والأزمنة فمثلاُ القصة التي وضعتها في المقدمة حدثت في دبي/الإمارات والبعض الآخر حدث في هولندا والسودان والسعودية وهناك قصص لا تفصح عن مكانها ولا زمانها كما في القصة الأخيرة " الكائن الغريب الغامض أو لطيفة العسل" إلا ما تقول به القرائن المضمرة!. هناك إقتصاد معني (متعمد) في اللغة كما وضوح ينأ عن الكلمات القاموسية أو الغموض المفتعل. أو هو زعمي الخاص وقبله هو الشي الذي عملت له بوعي!.
تحياتي
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
هزيمة الرجل الأبيض العنصري!
في الشهور الأولى من إقامتي بهولندا كوافد من البعيد، حصلت على غرفة صغيرة جميلة في حي فيلاب الملاصق لمدينة آرنهيم في محافظة خيلدارلاند الهولندية. كان ذلك أول منزل لي في دنياي الجديدة حيث من المتوقع أن أستأنف حياة جديدة شديدة الاختلاف عما مضى إذ كنت أعيش في جزيرة أم أرضة شمال جبل أولياء من السودان. وبالفعل، حدث ما توقعته تماماً في مقبل الأيام! حصلت على الغرفة المعنية عبر شاب سمسار أصله من جزر الأنتيل في البحر الكاريبي. بعد أن وقعت العقد أخبرني الشاب الكاريبي من باب التعاطف اللوني والإنساني بمشكلة صغيرة قد تواجهني من أحد الجيران الملاصقين لمحل سكنتي الجديدة: "رجل أبيض عنصري يكره الأجانب والمهاجرين ويتحين كل الفرص لتوريطهم في المشاكل!".
فهناك ثلاثة مستأجرين أجانب من المغرب وتركيا وسورينام هربوا من تلك الغرفة الملعونة كما علمت في المستقبل. ففي حالة حدوث أي خطأ ولو كان صغيراً يتصل الرجل بالشرطة! حتى إذا كان الأمر من قبيل أصوات ما، ولو كانت همساً أو موسيقا ولو (هيدفون) عالي السمت! فكثيراً ما يختلق المشاكل من العدم ولا تغلبه حيلة في ذلك ويفعل المزيد!
لم يكن لدي خيار آخر كما أن غرفتي الجديدة نظيفة، جميلة وتطل على مشاهد طبيعية رائعة وتقع بالقرب من السوق الرئيس ومحطة القطار وكلفة إيجارها معقولة. كان يجب عليَّ أن أتعامل مع الرجل العنصري المزعج منتهى الإزعاج، إنه مخيف! فكرت وقدرت وطرقت باب داره في عملية شديدة الجرأة، ذهبت إلى عش الدبابير مباشرة وفي خاطري دخان ونار! عندما فتح الرجل العنصري الباب صدم بشدة أمام حشرة سوداء كبيرة وافدة من عالم بعيد وغريب ومؤذ جدأً تقف أمامه وجهاً لوجه! كان ينظر ناحيتي في صمته الظاهري في منتهى الذهول والاشمئزاز!
لم أعطه أية فرصة للحديث حتى أكملت ما نويت في نفسي إخباره به في خطة خادعة ماكرة وشديدة البأس: "أنا جارك الجديد، أحببت أن أعرفك على نفسي كي تكون على بينة من أمرك: "أنا تاجر مخدرات سابق، حاصل على الحزام الأسود في الكارتيه، أهوى الرقص على موسيقا الريقي ولعبة كرة القدم. خرجت من السجن للتو بعد سبع سنوات جراء محاولة قتلي لزميلي في المهنة، لقد خانني، أنا لست شريراً لكنه هو إنسان حقير، ولسوء الحظ لم يمت لكنه أصيب بشلل نصفي وعمى كلي!". عند تلك اللحظة وحدها تمتم الرجل: "و، و، و سجنوك سبع سنوات فقط؟!". فأجبته: "نعم، هي عقوبة مخففة نسبة لأنني بعد الشر عليك يا جاري العزيز أنا مختل العقل بعض الشيء!".
أصيب الرجل بالذعر وكانت حدقات عينيه تتسع عندما أخبرته أن لديَّ هدية صغيرة من أجله: "ماذا تحب من الأسلحة؟. لدي مسدس إيطالي الصنع، إن كنت تحب المسدسات الإيطالية سآتيك به الآن، أنا أستخدم الروسية فقط، إنه هدية من صديقتي الإيطالية التي قتلت في صقلية العام الماضي، إنه ذاكرة سيئة بالنسبة لي، هل آتيك به الآن؟!".
ثم لاطفته :"اعتبر ذلك عربون صداقة بيننا كأصحاب جيرة!". وقبل أن يبدي الرجل قبوله أو رفضه للهدية الثمينة واصلت حديثي وفق ما خططت له دون أن أعطيه أية فرصة للكلام: "أنا أحترمك جداً لأنك رجل واضح وصريح مثلي تماماً، نحن نتبادل نفس الأحاسيس والمشاعر تجاه بعضنا بعضاً، وهذا ما يجمعنا، فنحن سنكون جارين ممتازين لأننا نتشارك نفس الفكرة عن بعضنا بعضاً، فأنت تعتبرني حشرة كبيرة ملونة وافدة إلى هذا المكان وأنا اعتبرك حشرة كبيرة بيضاء نتنة الرائحة تعيش كل الوقت في هذا المكان! ولذا لن يكون هناك أبداً خلاف بيننا، إن الحشرات تستطيع التعايش مع بعضها بعضاً، ذلك هو قانون الطبيعة، أليس كذلك؟!".
بعد ثلاثة أيام فقط من ذلك اللقاء الحاسم رحل الرجل العنصري إلى حي آخر ودون أن يستلم هديته تاركاً المكان في كلياته لتاجر المخدرات الشرير، المجرم، المسلح، الوافد، الجديد، الملون!.
* قصة واقعية --- من كتاب "وقائع خاصة جداً"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
*** جائزة للرجل الميت! كانت القصيدة التي كتبها هي الأجمل والأجزل على وجه الإطلاق. لكن تحت دهشته العظيمة أعلنت اللجنة فوز شخص آخر بالجائزة، شخص ميت منذ عدة سنوات خلت. قيل إنهم ذهبوا إلى مقابر البلدة حيث وضعوا الجائزة المعتبرة على قبر ذلك الشخص ومضوا في شأنهم!. أصيب الشاعر بالإحباط الشديد وشرع في طريق داره المتواضعة على حافة البلدة يشعر بالحسرة. وعندما وصل منزله للتو دهش غاية الدهشة إذ وجد زوجته الجميلة التي ماتت قبل عشرة سنوات خلت تعد العشاء بينما هي تضيء الشموع وهي في أبهى ثيابها تحتفي بفوز زوجها بالجائزة التي وجدها بالفعل على المائدة مقدمه له وباسمه!. *** من "وقائع خاصة جداً"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
Md Gamaleldin 45 mins · الشجرة الخفية!.. (مقطع رمزي "فلاشباك" من رواية سيلفيا من الفصل الثالث عشر) عند أحد الأصائل في يوم من أيام الصبا الباكر سألني أبي سؤالاً صغيراً مباغتاً عددته حينذاك من باب الدعابة. قال لي: "هل ترى تلك الشجرة؟". وأشار بيده إلى الناحية الشرقية من صحن الدار. أجبت "لا". في الحقيقة لم يكن هناك شيء في تلك الناحية. لا أرى شيئاً!. لم يسألني بالكلمات. لم ينطق بلسانه ولم أسمعه بأذني. لكنني على كل حال سمعته يسألني فأجبته بقدر ما أعلم فسمع هو إجابتي وصمت حينذاك. ثم قمت من مقامي ذاك مخلفاً أبي على كرسيه في هيئة الملوك العظماء وذهبت إلى شاطئ (الكتيب) الذي أصبح بغير العادة محلي المفضل للنزهة والتأمل والترويح عن النفس منذ وقت قريب. يقبع شاطئ الكتيب نصف كيلومتر شمال الموقع الأثري المسمى (وابور حسب الرسول) من جزيرة أم أرضة مساحته لا تتجاوز المائتي متراً مربعاً. مسافة صغيرة مهجورة ومجهولة من الضفة الشرقية للنهر (النيل). لم تكن مهمة في شيء. ليست مهمة إلا من ناحية كونها منطقة سياحية خطرة. هي الأهم على وجه الإطلاق من تلك الناحية. وهي الأغرب على وجه الأرض؛ فهي البقعة السياحية الوحيدة على مدار الكرة الأرضية التي صُنِعَتْ لسائح واحد فقط هو (أنا) وحدي لا أحد غيري من البشر. في الحقيقة أنا من اكتشفها وصنعها وسماها وسمى أشيائها وكائناتها بأسمائهم. رقعة صغيرة معجونة من الرمل والحصى والمحار والطحالب الرقيقة المتكدسة. لكنها تضج بالحياة وتشكل مستعمرة لأسراب من الطيور وأمم لا حصر لها من الحشرات والنمل والثعابين والأسماك والجراد والعقارب وليس ذاك فحسب بل جماعات منوعة من التماسيح. إنها في الحقيقة عاصمة التماسيح ومركزيتها من منبع النهر إلى مصبه. وأنا هناك وحدي في خضم هذه الفوضى أنسل كشيطان رجيم في واجهة الخطر. وكثيراً ما تأملتني التماسيح متعجبة من هذا الحيوان الجديد الذي يقف على قدمين رقيقتين وكأنه شجرة رفيعة العود واهنة. وعلى كل حال من المحتمل أن لا أحد من تلك الحيوانات المفترسة والأخرى يعدني من جنس البشر لسبب واحد أساسي وهو أن تلك الكائنات ربما لم تر طوال حياتها بشراً غيري من هذه المنطقة إذ لا آدمي عاقل يفكر في التنزه والتجوال في مثل تلك المنطقة المرعبة. ماذا يريد كائن من شاكلتي من هذه البقعة الحرجة؟ ربما بدا السؤال منطقياً! كان السر ببساطة هو شاطئها الرملي الساحر وانفتاحه على أفق الجزيرة الأخرى الصغيرة المقابلة (رفيدة) والتي تبدو من مسافة قريبة متبرجة في حلة من الطحالب الخضراء وأعشاب النهر وهناك الأشجار التي تحيط بحافة النهر كأنثى جميلة خصبة تعانق عشيقها ساعة السحر. إنها من أشد المناطق السياحية جمالاً في العالم لكنها مغلقة وعصية على البشر إذ يلفها الخطر من كل ناحية وصوب، لذاك لم يزرها سائح من قبلي بالرغم من جمالها الأخاذ. لقد هجرها البشر منذ الأزل. أسوح بها أنا وحدي. أنا وحدي مَلِكُهَا وسيدها أتصرف بها وبمخلوقاتها كما أشاء. لا أحد من أفراد أسرتي يعلم بمسرح أعمالي الجديد. وعندما كشف مرة أبي أمري مع منطقة الكتيب المرعبة بعد ردح من الزمن، فعل أمراً ربما لا يتوقعه الكثيرون من فصيلة البشر العاديين. لم ينهني أبي عن الوصول مجدداً إلى مكان الخطر الذي هو بالضرورة مكان متعتي. فقط سعى إلى تعليمي مهارات جديدة في التصدي للمخاطر المحتملة والمقدرة على التعايش مع الوقائع الجديدة. إذ جاء لي برجل كهل اختصاصي ضليع في التعامل مع التماسيح وصيدها ليعلمني أسرار مهنته وبالتالي أكون في مأمن من أشد المخاطر توقعاً وهو الوقوع في فك تمساح. جاء الرجل يعلمني في البدء المبادي النظرية لما يقارب الأسبوع، سبع ساعات يومياً ثم أجرينا التدريبات العملية مدة الأسبوعين التاليين تمكنت خلال تلك الفترة الزمنية من استيعاب الدرس كاملاً بعد أن استطعت لأول مرة في حياتي اصطياد أول تمساح من عمق النهر بيديَّ عاريتين دون أداة كهربائية أو سلاح ناري فقط كنت أحمل عصا وحبلاً متيناً وكماشة وساطوراً حاداً قوي النهايات. لكن ليس ذاك فحسب إذ لا بد للمرء في مثل تلك اللحظات أن يمتلك ما هو أهم: العزم والشجاعة الضروريتين. عند ذلك فقط سيكون الأمر في غاية البساطة والسلاسة. كنت كل مرة أكسب خبرات جديدة وأصبح أكثر حنكة ودربة. وفي العادة ما أقترب من التمساح رويداً رويداً ثم انظره حتى يفتح فمه فأضع العصا من أمامي بشكل طولي فأخلع أسنانه بالكماشة ومن بعدها أضربه على عينيه بقوة وربما أفقأهما بالساطور فيغمى عليه فأقوم بربطه من نصفه بالحبل ثم أجره إلى شاطي النهر وربما أذبحه في ذات اللحظة. ذاك أمر كنت أفعله بشكل روتيني فتهنئني أمي في كل مرة وتزداد بي فخراً. فيسلخ أبي التمساح ويقطع لحمه إلى شرائح صغيرة. فتطبخ أمي لنا اللحم وفق طريقتها المبدعة. ويقوم أبي في وقت لاحق ببيع جلد التمساح للسياح الأجانب بفندق صحارى بالخرطوم. وهذا يحدث في كل مرة من المرات. لقد علمني أبي مهنة جديدة شكلت مصدر رزق جديد للأسرة دون أن تكون تلك خطته المبدئية فيما أظن. بعد سيطرتي على الوحش الأعظم في جزيرة أم أرضة كدت أكون ملك منطقة الكتيب السياحية لا بل ملك النيل بأسره. لكن ليس بعد!. إذ لم يكن مكمن الخطر في التماسيح وحدها. هناك دستة من المخاطر: العقارب والثعابين على البرية، وسمك (البردة) في الماء كما هناك الغيلان والبعاعيت والشياطين التي تسكن عالمها الخرافي لكن عندها مقدرة هائلة ومفزعة في غزونا بشرورها متى شاءت. والسماء من فوقنا هي الأخرى ليست بريئة تماماً، إنها كثيراً ما ترسل إلى الأرض النيازك المخيفة والصواعق القاتلة. لا أستطيع أن أكون ملك شاطئ الكتيب بمجرد سطوتي على التماسيح وحدها بل وجب أن أجد طرقاً أخرى عديدة ومبتكرة للتعامل مع كل تلك الفوضى الحقيقية والمتخيلة. وفي لحظة بعينها ملكت الأسرار كلها في وجه المخاطر كلها ما عدا سراً واحداً هو سر البشر! لكن لحسن الحظ لا بشر عند شاطئ الكتيب! لم يكن أبداً من ضمن تلك المخاطر خبث البشر وشرهم وطمعهم وغيهم. إن أشد الرجال بؤساً وبأساً وجنوناً لا يمكن أن يخطر بخلده المجيء إلى تلك المنطقة المرعبة من الكون إلا إن كان يرغب في الانتحار بطريقة جدية. وحتى لو افترضنا جدلاً أن أحد الرجال فقد عقله كلية بفعل الشياطين وأصيب بعصاب حاد وجاء إلى شاطئ الكتيب أعمى البصر والبصيرة يريد بي شراً مستطيراً فلن يقوى على شيء حيث كلنا (حيوانات شاطئ الكتيب) ليس من طباعنا الهروب إلى البرية عند لحظة الخطر بل النهر والسماء. أنا والتماسيح سننزل إلى حيث الماء بينما تحلق الطيور في الفضاء. ويبقى للرجل المجنون كائنان جديران به وهما الثعابين والعقارب وربما واجه بعض الغيلان إن تصادف مروره في العتمة. عندما فرغت مباشرة من (كورس التماسيح) هكذا أسماه أبي. ذهب بي أبي مرة إلى شاطئ الكتيب عند منتصف ليلة مقمرة وهو يضمر خطة ما! أجلسني على كرسي مصنوع من لحاء الأشجار وألبسني تاجاً من سعف النخيل وعلى واجهته اليسرى زهرة برية. ثم سألني: "أتعرف تاريخ هذا اليوم؟". قلت: "نعم هو الخامس والعشرون من يوليو". "ثم ماذا؟". قلت: "لا أعلم المزيد!". قال لي: "سيكون هذا اليوم يوم تتويجك ملكاً على شاطئ الكتيب وسيكون يوم مهرجان النيل بأسره من كل عام". ثم شرع يمتحن جدارتي. قال: "ماذا لو هاجمك تمساح؟". قلت: "أعرف كيف أتقي شره، وأنت تعلم يا أبتاه أنني أجتزت كورس التماسيح بجدارة". قال: "ماذا لو لسعتك عقرب أو لدغك ثعبان؟". قلت: "أخرج الدم الفاسد من جسدي وأنظف الجرح بنصف بصلة طازجة". قال: "لقد أحسنت"... ثم واصل تحرياته: "ماذا لو داهمك شيطان؟". قلت: "أقرأ التعاويذ وأهيئ نفسي للحدث". "ماذا لو تبدَّى لك الغول؟". قلت: "لا أؤمن بالخرافة". قال: "ماذا لو رأيت البرق وسمعت صوت الصواعق؟". قلت:" أبتعد عن الأشجار وأرقد على الأرض". قال من جديد: "لقد أحسنت يا بني وردد هذا مُجْدٍ جداً". وسألني سؤالاً أخيراً: "ماذا لو فشلت مرة بشكل حاسم جميع خططك في مواجهة الخطر"؟. قلت: "أرضى بقدري لكني أقاوم بإرادتي حتى آخر رمق". شدد مرة أخرى على عبارة: "لقد أحسنت يا بني". و صمت من بعد ذلك صمتاً وقوراً بينما هو يحدق ناحية تيار الماء ثم التفت ناحيتي مجددأ وهو يردد كلمة: (القواعد؟) قلت: "لا أقتل حيواناً إلا مضطراً بما في ذلك العقارب والثعابين.. لا أفقأ بيوض الطيور والأسماك والتماسيح ولا أعتدي على صغارها.. لا أرمي القاذورات في النهر.. لا أقطع الأشجار.. لا أحرق الحشائش إلا حين أزرع ولا أدمر إلا حين أبني". عندها هرع أبي إلى كرسيَّ فرحاً ومبتهجاً يشدني من ذراعي يحثني على النهوض .ففعلت. فثبت التاج على رأسي من جديد ثم أمرني برفع يديَّ فوق هامتي وأنا أنظر ناحية النهر وهو يفعل مثلي ويقول مخاطباً النهر: "هذا مليكك الجديد ويكررها عديد المرات". عندها حدث أمر غريب! انبعثت فجأة أصوات غريبة ناحية أعماق النهر. وهبت بطريقة مباغتة رياح شرقية هزت الأشجار بقوة فتساقطت أوراقها وقفزت الطيور من أعشاشها. وبدأت السماء تمور ببرق ورعد وشعرت بالأرض من تحتنا تتزلزل. فأصبت برعب عظيم. عند ذلك نظر أبي ناحيتي بينما هو يبتسم بشهية وقال لي: "لا تجزع، إنها الطبيعة تبايعك ملكاً للنيل، أنت ابني أنت الملك". وعند عودتنا إلى المنزل رأيت في الناحية الشرقية من صحن الدار شجرة غريبة لم أرها من قبل! شجرة كبيرة الحجم، عظيمة الجذع، ممتدة الفروع وكثيفة الأوراق. فسألت أبي بغير كلمات معبراً له عن دهشتي متمتماً: "ما هذا"؟. فردد أبي: "الآن حصحص الحق!" ثم شرح لي سر الشجرة. إنها توأمي. وُلِدَتْ من ذات رحم أمي في ذات لحظة ولادتي. في الحقيقة هي أنا. أنا هي. يا للهول. أنا أستطيع أن أراني! وبينما أنا أصيح مبتهجاً برؤية ذاتي لأول مرة في التاريخ التفت ناحية أبي فلم أجده في المكان. فقط رأيت شبحاً في السماء البعيدة بجناحين من نور يحلق بعيداً ناحية النجوم.. فتحسست تاجي على رأسي ثم تربعت على العرش. LikeCommentShare
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
الكثير يلهي... إطلالة على أعمال الكاتب الروائي محمد جمال الدين بقلم عبدالله الاحمر
http://sudaneseonline.com/board/7/msg/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D9%84%D9%87%D9%8A...--%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9...8%B1-1452954751.html
على صديقنا الكاتب محمد جمال الدين الذي انتهي من تدشين باقة من رواياته ان ينتظر قليلا او كثيرا لا فرق، حتى تبلغ كتاباته غاية ينشدها او أبعد من ذلك. فقديما كان الكتاب كذلك، إذ واجه روائيون وكتاب كأمثال الطيب الصالح زمنا ممتدا حتى وقف الناس على أعمالهم الادبية واعتبروها فارقة في تاريخ الرواية السودانية والعمل الابداعي العربي على وجه العموم. ذلك كان لأن طريق الكتاب إلى القارئ في زمانهم كان طويلا وشائكا وعسيرا لفقر الوسائل حينها، فينتظر المبدعون حينا من زمان ليتسنى للقراء ان يصلوا لمنتوجهم الفكري في زمن كان الكتاب والروائيون فيه قليل! من حسن طالع اولائك انهم قليل بالطبع، ذلك يزجي لهم مساحات الريادة على ساحة الابداع بقليل منافسة لكن ما يفصل بينهم وبين القارئ – في زمانهم- كان جزرا وبحارا ومحيطات... اما اليوم والحال كما هي، في عصر المعلومات المتدفقة، فإن كاتبا كصديقنا محمد جمال الدين يستطيع بمجرد الفراغ من كتاباته ان يضعها بين يدي المتلقي بضغطة ذر ، ذلك معروف لكن الكتاب والمبدعون كثير، عليه فإن المسافة بين الكاتب والمتلقي على قصرها او انعدمها تماما فهي مكتظة بالكتاب والكتابات الغثة والسمينة، ذلك يلهي المتلقي كثيرا وينظره حتى يتبين ضالته فيحتفي بها، لذلك فعلى كتاب اليوم ايضا ان ينتظروا كثيرا على قصر الطريق بينهم وبين المتلقي، فقديما قيل الكثير يلهي، حتى ينتبه الناس من غفلتهم، كيف لا والأسافير تطل عليهم بآلاف بل عشرات الآلاف من الترجمات والاعمال الابداعية والفكرية والصحافية كل يوم وساعة..
ولعل مما يستغرب له في صديقنا محمد جمال الدين وفي المتلقي "نحن" هو ان كاتبنا قد اختار لإطلالته سبيل الطباعة الورقية بما يكتنفه من صعوبة ويتكلفه من مال، ما يصعب مهمة الكتاب في الوصول للقارئ في عصر الكتاب الاسفيري بعبئه المادي اليسير او المعدوم، و من عجب ان قارئ العربية اليوم بما يدعيه من جفوة مع الكتاب الورقي التقليدي فهو ايضا لا يميل لمطالعة الكتاب بصورته الجديدة الإلكترونية بشكل راتب، إذ يشتكي الكثيرون، بل الغالبية، من صعوبة القراءة عبر وسائل كالحاسب الآلي ووسائط اخرى اتحامى ذكرها بأسماءها الاعجمية وانا احتسب كتابتي العربية -عند قراءها- خالصة من الزيغ!!
ذلك ايضا من التناقض بمكان لدى القارء العربي يتوجب معه الصبر كثيرا كي يقنع إنساننا بأحد الطريقين، طريق القراءة الحديثة عبر وسائلها الميسرة والمتاحة او عبر الأسلوب القديم بلذته وطلاوته وماديته المتمثلة في فرطقة الأوراق ورائحتها وصريرها وحضورها الصريح بين يدي قارئ يستطيع ان يدعي صادقا انه يملك كتابا، او انه اشترى كتابا سعى إليه في مكتبة يلتمس حثيثا، ذلك يعرفه العارفون، وذلك سبب اخر يستوجب الانتظار.
اخونا الكاتب محمد جمال الدين من حيث قضايا الهوية والانتماء يميل لسودانية تعتد بموروث القبيلة بمعنى الاعتراف بوجود الشئ من باب الواقعية، والمتحري لمشاركاته المختلفة يلتمس ذلك بل استطيع ان ازعم اكثر من ذلك كونه يتقفى اثر الواقعية السحرية القديمة في كتاباته، فهو لذلك لا يخفي إنتماءه العروبي في كثير من منتوجه العفوي عبر الاسافير ولا يعتد به كدالة فارقة تستحيل لدى الاخرين، لكن وعيه الاكيد بالذات السودانية المركبة يقفه عند الافريقية كثيرا، الافريقية التي تتداخل مع العروبة و تتشاكل وتكتسب انماطا عديدة مع حضور عرقي وثقافي ثالث ليس بإفريقي ولا عربي، يمتزج كل ذلك في انسان السودان، لكن النقد الذي تصوب نحو المثقف السوداني من قبل النخبة التي تدعي صفاء الافريقية في دماءها ومزاجها من بني السودان و متملقيها ممن يستعيذون من جريان الدماء العربية في دمائهم، بالتبرك بنار الافريقية المقدسة لا يرون ان مثقفينا قد انصفوا افريقيا في كتاباتهم وذلك امر يسهل فهمه و تقبله واستيعابه، لكن الذي يؤرق كل ذي ادعاء بعدم اسبقية الحضور الافريقي في منتوج المثقف السوداني قديما يستحضر في ذهنه دوما صعوبة التواصل مع افريقيتنا الفاقدة للهوية اللغوية.
ذلك دوما يضطر المتجشم لوعور تلك المسالك ان يركب الصعب، فيتوسل للافريقية باللغات الانجلوفرنسية، وهو في ذلك لا يزيد الادعاء بغرابة اللغة العربية على المكون الافريقي في السودان إلا غرابة... فمن الأولى ان يقر الناس على اللغة االعربية المألوفة المنكرة على ان يتطاولوا للانجليزية النابية المدعاة في أذن المتلقي السوداني. ذلك امر غريب لكنه يمتحن تجربة كاتبنا المبدع محمد جمال الدين ايضا، و سيحسب من نخب العرب بعيدا عن موضوعه، إذ يتخذ لتناقضاته الفكرية لغة منسجمة مع القديم، شكلا! وعلى ذلك فإن حضور الكاتب والمبدع من عالمنا في محافل العالمية لا يتسنى من خلال الترجمات التي تنتظر كثيرا دورها في صفوف المكتبات العالمية. استفدت هذه الرؤية من حديث لاديبنا العظيم الطيب صالح عندما قال ان كتاب العربية لا يجدون حظهم ومكانتهم من التلقي والاطلاع عند القارئ في بلاد العالم، وان من يكتبون بالانجليزية مثلا يمهدون لانفسهم الطريق يسيرا للتصنيف السريع والاحتفاء، ذلك زعم سديد يتجلى في تجربة الكاتبة السودانية ليلي فؤاد أبي العلا، إذ انظر – يارعاك الله- كيف تسنى لمثلها في مقتبل العمر واستشراف التجربة ان تحظى بجائزة كين العالمة للأدب الافريقي عن قصتها " المتحف" ورشحت اعمالها لجوائز عالمية مرموقة بل وان تعرض بعض اعمالها على اثير الإذاعة البريطانية جنبا إلى جنب مع اعمال كبيرة، امر نغبطها عليه ونهنيها لأجله، ذلك لأنها درست وبرعت في اسكوتلندا واستهلت تجاربها الاولى باللغة الانجليزية ثم أكملت الطريق. يقول الطيب صالح انه ذهب يبحث عن احد كتابات الأديب المصري الكبير " نجيب محفوظ" في لندن بعد فوزه بجائزة نوبل للآدب بعام واحد فسأل المشتغلين في المكتبة عنه فلم يعرفوه، فهاله ذلك ثم ذكرهم بأن محفوظا كان قد فاز بجائزة نوبل للاداب لعام مضى! ذلك ايضا مما لا يجب ان يغفله كاتبنا المجد محمد جمال، وهو رجل مطلع ومتحدث بلغات عالمية عديدة يدرك حساسية ذلك وبالغ اثره، ولا يظنن اننا لا نستدرجه للكتابة باللغات الاجنبية كي نلمزه بالغرائبية مرة اخرى ، فنحن له في كل الاحوال بالمرصاد! فروزينوني- روما، إيطاليا عبدالله الاحمر 16 يناير 2016
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
*** عابر سبيل* رآه القوم مُقْبِلاً عليهم من البعيد. رجلاً غريباً، خالي الوفاض، خفيف الظل ومشرق الروح. كان القوم حينذاك يحملون على أكتافهم كتلاً ثقيلة من الهلام المتيبس. عندما وقف أمامهم حياهم برفق، فدهشوا جداً من مشهد هيئته البهية! فخطب فيهم ناصحاً : " أيها القوم ، إن كنتم لا تستطيعون وضع أحمال الماضي عن كواهلكم فحتماً لن تستطيعوا حمل أثقال الحاضر!" ثم واصل مسيره نحو طريق المستقبل!. --- *من "وقائع خاصة جداً"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
https://www.facebook.com/Md.Gamaleldinhttps://www.facebook.com/Md.Gamaleldin أربع أعمال لي في معرض القاهرة الدولي للكتاب "يوجد مكان وزمان للعرض كما توجد صور ويوجد رابط لموقع دار النشر كما يوجد "أدناه" رابط لنماذج عشوائية ونبذة تعريفية مختصرة لكل عمل من الأعمال الأربعة .. ولو في طريقة أوصلها ليكم لغاية خشم الباب أوصلها :)" أها قصرنا معاكم؟.. (ولو في زول لا قدر الله معذور أو أمي أنا أقراها ليه بالتلفون ولو في زول مفلس معلم الله الكتب على حسابي وكباية شاي بالحليب كمان بس ما يكون الزول طماع ويقول عايز هينيكن) :).
وهذا لمن سأل أو قد يسأل عن أحوال كتبنا "بت الكلب" من الأصدقاء والمهتمين وللمغرضين أيضاً نصيب ونرحب بالأعداء أشد الترحاب "إن وجدو" :).. أين؟: هذه المرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب 27 يناير إلى 10 فبراير 2016 .. جناح رقم "2" دار أوراق.. وعندما تصل الحاجات الخليج بوسائلي أو بوسائل ناشري العزيز "الشاب الرائع هشام" عندها أخبركم وبرضو السودان لسا، هناك شوية مشكلة في الشحن والترحيل نعمل على حلها "أي مقترحات عملية بهذا الخصوص مرحب بها شديد الترحاب". بالنسبة لأوروبا الغربية مافيش مشكلة طبعاً "400 نسخة وصلت هولندا والبقية تأتي" المشكلة عندكم "شرقية" ونقدر ظروفكم كلها ونتفهم ونتمنى أن تنتهي الحروب والنزاعات والتوترات في عالمكم ويعم السلام!. (أي مجتمع يضحي بالحرية ليحقق الأمن، يخسر كليهما؛ الأمن والحرية..[بنيامين فرانكلين).
وهذا ما لزم توضيحه من باب العلم بالشيء والدعاية والإعلان كما إظهار الحب والعطف والحنان!.
هذا رابط لنماذج عشوائية ونبذة تعريفية مختصرة لكل عمل من الأعمال الأربعة بواسطة الشاب الهميم الشيخ أبو جديري "له التحية والشكر الكثير": http://sudaneseonline.com/board/490/msg/%D8%B5%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%...8%AC-1449678489.html
وهذا رابط لدار النشر: https://www.facebook.com/AwraqLlnshrWaltwzy/؟ref=bookmarksandrefid=17and_ft_=top_level_post_id.896237020497249%3Atl_objid.896237020497249%3Athid.160517144069244%3A306061129499414%3A69%3A0%3A1454313599%3A4430958996564343062andhc_location=ufihttps://www.facebook.com/AwraqLlnshrWaltwzy/؟ref=bookmarksandrefid=17and_ft_=top_level_post_id.896237020497249%3Atl_objid.896237020497249%3Athid...3062andhc_location=ufi والسلام Md Gamaleldin added 4 new photos. 3 hrs ·
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
حدث غريب! كاتبتني صديقة (فيسبوكية) في الخاص تحكي لي قصة مدهشة حدثت لها مساء الأمس: (كنت في مساء اليوم الماضي وحدي في الشقة التي أقيم فيها في بلاد أخرى غريبة وبعيدة، ولم يكن في الشقة أحد غيري، أغلقت الباب بالمفتاح والتأمين وأغلقت النوافذ من الداخل بإحكام ثم شغلت جهاز الإنذار. ورقدت على السرير في لباس نومي المعتاد. وعندما فتحت عينيَّ عند صباح اليوم التالي وجدت الباب والنوافذ كما هي مغلقة من الداخل ولا أحد غيري، وجهاز الإنذار يعمل كالعادة بدقة، لكنني يا لهولي وجدتني في فستان جديد، مغتسلة ومصففة شعري ومعطرة بعطر باريسي محبب وأصابع يدي اليسرى مخضبة بالحناء وبها ثلاثة خواتم من الذهب والماس وهناك زمام على أنفي ووشم في صورة فراشة ملونة على كتفي اليسرى لم أعهده في جسدي من قبل كما وجدت على الطاولة هدية مغلفة بورق أزرق اللون ورسالة غرامية رقيقة موقعة تحت دهشتي باسمك تخبرني فيها، أنك لي وحدي وإلى الأبد والهدية كانت صورتك الفوتغرافية!. ---- من "وقائع خاصة"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدور أربعة كتب أدبية لمحمد جمال: صور ونما� (Re: الشيخ أبوجديري)
|
- "بورجوازا؟" ردد مستر دافريز الكلمة وظهر وكأنه يفكر بلا جدوى ثم أقر بعدم إدراكه بموقع بورجوازا من الخريطة. -"فى إفريقيا ". أجاب مادي. تساءل مستر دافريز بحذر هذه المرة:
-" أين تقع بورجوازا فى إفريقيا؟". و قبل أن يجيب مادي علي السؤال استشعر مستر دافريز شيئاً جعله يعتذر: - "في الحقيقة أنا لا أعرف الكثير عن إفريقيا فمعذرة على مثل هذا السؤال، كان عليَّ أن أكون أكثر معرفة وأطلع نفسي ولو مرة واحدة على خرائط إفريقيا فاعرف أين تكون بورجوازا". غير أن مادي كرر عبارة: -"مدينة في إفريقيا" مرتين أجابه على السؤال ولم يزد.
وبدا مادي لوهلة وكأنه يفكر فى أمر ما جلل، كأنه يريد أن يدافع عن عجزه فيقول: "نعم، أنا لا أستطع وصف بورجوازا علي الخريطة، لكنني أستشعرها في كل خلية من جسدي. أحملها في لون بشرتي، في ملامح وجهي، وفي تعابير غضبي و حزني، في طبيعة خوفي وقلقي. تركت سكنتها لكنها ما تزال تسكنني. و كأن الهرب منها عبثاً وهذياناً لا حقيقة. وكأن خروجي من بابها يعني دخولها من بابي".
| |
|
|
|
|
|
|
|