النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2016, 04:56 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه

    03:56 PM March, 04 2016

    سودانيز اون لاين
    عبد الوهاب السناري-نيروبي
    مكتبتى
    رابط مختصر

    النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه (1)

    لا تناقض بين نصوص القرآن الكريم

    إستشهد رواد التفسير بالعديد من الأحاديث الصحيحة لإثبات النسخ في القرآن الكريم والسنة. وعلى الرغم من إتفاقهم على مبدأ النسخ، إلا أنهم إختلفوا حول النصوص الناسخة والمنسوخة وأيضاً حول مبدأ نسخ القرآن الكريم للسنة أو العكس. بيد أن منهج تفسير القرآن الكريم بروايات الحديث الذي إعتمده رواد التفسير يتسم بتناقض روايات الحديث مع بعضها البعض وأيضاً مع نصوص صريحة، وهو ما سنحاول بيانه فيما يخص نصوص النسخ في هذا البحث. وبالمقابل فإن نصوص الحقائق القرآنية تتميز بأنها قطيعة الدلالة، ولذا فإنها لا تخضع لقانون النسخ لأنها تتطرق إلى حقائق ثابتة لا تتغير بمرور الزمن. وعليه، فأنها لا تحتمل أكثر من تفسير أوحد وقطعي في دلالته. كما أنها لا يمكن أن تناقض بعضها البعض بأية حال من الأحوال، وإلا فإن ذلك يطعن في قدسية القرآن الكريم. وإن وُجِد مثل هذا التناقض بينها، فلابد من أن يُعزَى إلى خطأ في تفسيرنا لهذه النصوص.

    وعلى الرغم من أن العديد من المفسرين المعاصرين نفوا مبدأ نسخ نصوص قرآنية لنصوص أخرى منه، إلا أن الغالبية منهم تعتمد منهج التفسير بالرأي الذي يفتقر إلى منهجية ذات معالم واضحة تمكن المفسر من الوصول إلى تفاسير للنصوص ذات الصلة بموضوع البحث تتميز بقطعية دلالتها وعدم تناقضها مع بعضها البعض. وذلك على عكس منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه، والذي يتميز بإتخاذه للقرآن الكريم مرجعيةً له في تفسير نصوصه. ويستند هذا المنهج على الإيمان المطلق بقدسية وقطعية دلالة نصوصه وبعلو مرجعيته فوق كل مرجعية أخرى. ولا تقتصر هذه القدسية فقط على معانيه، بل وتشمل أيضاً سياق الآيات وصياغها والإيماءات والإشارات الأخري المتضمنة فيها، من علوم اللغة كالنحو والبيان والصرف والبلاغة وغيرها. ويتخذ هذا المنهج من الموضوع وليس النص كوحدة للتفسير، حيث تفسر فيه جميع النصوص ذات الصلة بموضوع البحث تفسيراً توفيقياً لا تعارض فيه.

    يبدأ تطبيق هذا المنهج بجمع جميع النصوص ذات الصلة بموضوع البحث في سياق النصوص المتسلسلة وذات الصلة بها، لتستخرج منها التعابير الدالة (الدلائل أو الإيماءات أو الإشارات القرآنية) التي إقترنت بموضوع البحث. ثم تستخرج بعد ذلك المفردات الدالة (المفردات الرئيسة ذات الصلة بالموضوع موضع البحث) من هذه التعابير الدالة. وأخيراً يتم البحث في ورود هذه المفردات الدالة وجزورها في القرآن الكريم ليستخرج المعنى القرآني منها. ويعتبر هذا البحث مثالاً حياً لتطبيق هذا المنهج التفسيري.

    ورد في القرآن الكريم ما يفيد صراحةً أن الآيات تُنسخ وتُنسى وتُبدل وتُمحى وتُثبت:

    مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106): سورة البقرة (2).

    يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39): سورة الرعد (13).

    وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101): سورة النحل (16).

    ويُبرزُ تفسير النصوص السالفة على أساس نسخ نصوص قرآنية لنصوص أخرى منه وجود تناقضٍ بينها وبين النص التالي، والذي ورد فيه أن الرسول (ص) لا يبدل القرآن الكريم من تلقاء نفسه:

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15): سورة يونس (10).

    لكن رواد التفسير فسروا النص الأخير على أساس أنه لا يمكن للرسول (ص) أن يبدل نصوص القرآن الكريم إلا بإذن من المولى عز وجل، لأنه الأوحد الذي يمكنه تبديل آيات القرآن الكريم. بيد أن النصوص التالية تثبت بما يدع مجالاً للشك أن كلمات الله، والتي يتكون منها القرآن الكريم والآيات القرآنية، لا يمكن أن تُبدل، من قبل المولى عز وجل أو من قبل أي إنسان آخر: "وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ"، "لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ"، "لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ":

    وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34): سورة الأنعام (6).

    وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115): سورة الأنعام (6).

    لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64): سورة يونس (10).

    وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27): سورة الكهف (18).

    وهذا بالضرورة يعني أنه، جل شأنه، لا يبدل قط الكلمات التي يتألف منها القرآن الكريم، فما بالك عن الآيات التي تتألف من هذه الكلمات؟ فلا يعقل أن يناقض جل وعلا نفسه بنفسه ليقر مرةً أنه يبدل آيات القرآن الكريم بآيات ويقر مرةً أخرى بأنه لا يبدل حتى الكلمات التي تتألف منها هذه الآيات. بالتأكيد فإن التناقض ليس في نصوص القرآن الكريم بل في فهم المفسرين له. فكيف يمكننا إزالة هذا التناقض التفسيري بتطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه؟

    للإطلاع على جميع المقالات:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/alnaskh-walmnswkh

    للتعرف أكثر على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/mnhj-tfsyr-alqran-balbhth-fyh

    للإطلاع على بقية بحوثي عن خلق الإنسان في القرآن الكريم:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/

    https://www.facebook.com/groups/mankindinquran/https://www.facebook.com/groups/mankindinquran/

    https://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabhttps://www.facebook.com/sinnaryabdelwahab

    http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/

                  

03-08-2016, 07:19 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكر (Re: عبد الوهاب السناري)

    النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه (2)

    المعنى القرآني للنسخ

    تتمثل الخطوة التالية عند تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه في إستخراج المعنى القرآني للمفردات القرآنية الدالة التي وردت فيها: "آيَةٍ، نَنسَخْ، نُنسِهَا بَدَّلْنَا، يَمْحُو، َيُثْبِتُ، "أَو". وردت: "آية" ومشتقاتها في القرآن الكريم بمعنين رئيسيين، أولها العلامة أو الأمارة والذي أُشتق منه معنى آيات الله وعبره أو عجائبه أو معجزاته. كما أن: "آيَةٍ" وردت فيه أيضاً بمعنى الجمل أو الوحدات المنفصلة من القرآن الكريم أو الكتب السماوية الأخرى. لكن لم يلتفت المفسرون إلى أن: "آيَةٍ" وردت فيه ليس فقط للدلالة على النص القرآني، بل أيضاً على نصوص التوراة والإنجيل، كما هو الحال في النصوص التالية:

    نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4): سورة آل عمران (3).

    وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199): سورة آل عمران (3).

    إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44): سورة المائدة (5).

    لذا لابد لنا من الأخذ في الإعتبار أن المعنى القرآني للآية لا يدل فقط على الجمل أو الوحدات المنفصلة من القرآن الكريم، بل أيضاً على الوحدات المنفصلة من الكتب السماوية الأخرى. فهل في ذلك دلالة أن النسخ يدل على إبدال أحكام وردت في بعض آيات القرآن الكريم محل أحكام وردت في بعض آيات الكتب السابقة؟

    لغوياً النسخ له معنيان متضادان، أولهما الرفع والتثبيت، كما هو الحال في نسخ الكتاب. أما المعنى الثاني فهو إبطال الشيء وإقامة آخر مكانه، كإبطال الآية بآية أخرى؛ أو إزالة الشيء دون أن يقوم مقامه شيء آخر، كنسخ الريح للأثر. وإستبعد جل المفسرين معنى الرفع والتثبيت، لأنه إستناداً على هذا المعنى يكون جل القرآن الكريم منسوخاً إستناداً على نسخ نصوص قرآنية لنصوص قرآنية أخرى. ولكن إذا تمثل النسخ في نسخ نصوص من القرآن الكريم لأحكام وردت في آيات تضمنتها كتب أهل الكتاب لاستقام تفسيرنا للنسخ في القرآن الكريم بمعنى الرفع والتثبيت، وذلك أسوةً بجميع النصوص القرآنية الأخرى التي ورد النسخ فيها. فبالإضافة إلى الآية 106 من سورة البقرة ورد الجذر: "نسخ" ومشتقاته في ثلاث آيات أخرى. ففي النصين التاليين ورد النسخ بمعنى الرفع والتثبيت:

    وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154): سورة الأعراف (7).

    وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29): سورة الجاثية (45).

    وفي النص التالي ورد النسخ أيضاً بمعنى الرفع والتثبيت، ولكن رواد التفسير فسروه خطأً بمعنى المحو والإزالة:

    وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ: سورة الحج (22).

    إستند المفسرون في تفسير النص السالف على ما ورد في روايات الحديث من أن الآية 52 من سورة الحج نزلت في الرسول (ص) بعدما قرأ في نادٍ من أندية قريش قوله تعالى:

    أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20): سورة النجم (53).

    ألقى الشيطان على لسانه: "تلك القرانيق العلى منها الشفاعة ترجى"، فلما سمعت قريش بذلك فرحوا به. وبعد ذلك نسخ (محى وأزال) المولى جل شأنه ما ألقى الشيطان على الرسول (ص) من القرآن الكريم. المدهش فعلاً أنهم فعلوا ذلك على الرغم من أن النص لا يشير من قريب أو بعيد إلى القرآن الكريم أو إلى الرسول محمد (ص)، بل إلى الرسل والأنبياء من قبله: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ". ولا أدري كيف خطر ببال هؤلاء المفسرين إتهام الرسول الكريم (ص) بإلقاء الشيطان على لسانه؟ فإن أقر القرآن الكريم أن الشياطين تتنزل على كل أفاك أثيم، فكيف يخطر ببال أي مسلم أنها تنزلت على رسولنا الكريم:

    هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222): سورة الشعراء (26).

    وإذا إعتبرنا أن الشيطان ألقي عليه بعض الأقاويل الباطلة، ألا يخالف ذلك النص التالي من أنه (ص) لا ينطق عن الهوى:

    وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4): سورة النجم (53).

    ألا يناقض ذلك النص التالي الذي يدل أنه (ص) لم يفتري قط على الله تعالى مهما حاول المشركون أن يفتنوه عن الوحي:

    وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75): سورة الإسراء (17).

    فهو لو فعل ذلك لأذاقه المولى جل شأنه ضعف الحياة وضعف الممات: "إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ". ولو أنه فعل ذلك لأخذ منه المولى، جل شأنه، باليمين ثم لقطع منه الوتين.

    وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47): سورة الحاقة (69).

    وكيف يمكن للشيطان أن يلقي على لسانه قولاً وقد أمره المولى، جل شأنه، ألا ينسى ما أقرأه من القرآن الكريم:

    سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى (6): سورة الأعلى (87).

    وكيف يمكن للشيطان أن يلقي على لسانه قولاً وقد أمره المولى، جل شأنه، أن يتبع فقط ما أوحي إليه:

    قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50): سورة الأنعام (6).

    اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106): سورة الأنعام (6).

    وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203): سورة الأعراف (7).

    وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109): سورة يونس (10).

    قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9): سورة الأحقاف (46).

    وكيف يمكن للشيطان أن يلقي على لسانه قولاً وقد أمره المولى، جل شأنه، أن يتلو فقط ما أوحي إليه:

    كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30): سورة الرعد (13).

    اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45): سورة العنكبوت (29).

    وكيف يمكن للشيطان أن يلقي على لسانه قولاً وقد أمره المولى، جل شأنه أن يستمسك فقط بما أوحي إليه:

    فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) : سورة الزخرف (43).

    وأمره أيضاً ألا يعجل بالقرآن الكريم قبل أن يوحى إليه:

    فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114): سورة طه (20).

    ألا يشكك ذلك في قدسية القرآن الكريم خاصةً إذا أقر، جل شأنه، أنه يحفظ الذكر الذي أنزله دون تحريف:

    إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9): سورة الحجر (15).

    وخاصةً أنه أكد أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه:

    لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42): سورة فصلت (41).

    وأن القرآن الكريم كتاب لا ريب فيه:

    الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2): سورة البقرة (2).

    أما المثير حقاً في تفسير الرواد للآية 52 من سورة الحج أنهم فسروا قوله تعالى: "فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ" على أنه تعالى يزيله ويلغيه. ولكن لا يمكن قبول هذا التفسير لأن قوله تعالى: "لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ" يدل على ثبوت ما يلقي الشيطان، وإلا فكيف يكون ما يلقيه الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم؟ فلو زال ما ألقاه الشيطان في أمنية الرسول لزال أيضاً أثره ولما أصبح فتنةً للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. وعليه فلا يمكن تفسير النسخ في هذا النص إلا على أنه يدل على التثبيت، وذلك أسوةً بما ورد في معنى النسخ في الآية 154 من سورة الأعراف وفي الآية 29 من سورة الجاثية.

    بذا يكون النسخ قد ورد بمعنى التثبيت في جميع النصوص الأخرى التي ورد فيها الجذر: "نسخ" ومشتقاته. لكن رواد التفسير إستثنوا الآية 106 من سورة البقرة وقالوا أن: "النسخ" ورد فيها بمعنى الإزالة أو الإلغاء. فلو ورد النسخ في قوله تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا"، بمعنى المحو لكان في ذلك إستثناء لما ورد في القرآن الكريم لابد من وجود تبرير مقنع له.

    أضف إلى ذلك أن تعريف الرواد للنسخ بأنه إبطال الشيء وإقامة آخر مكانه يتعارض مع ورود: "أو" في القرآن الكريم، حيث وردت فيه دوماً للإفادة على المعنى: "نَنسَخْ" ونقيضه أو غيره: "نُنسِهَا"، وليس للدلالة على المعنى ومثيله. فلو صح تعريفهم للنسخ لقال: "ما ننسخ من آية أو نثبتها" أسوةً بما ورد في جميع نصوص القرآن الكريم في ورود: "أو"، بل بما ورد في الآية نفسها للدلالة على المعنى: "نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا" وغيره أو نقيضه:" أَوْ مِثْلِهَا". أما إذا عرف النسخ بمعنى الرفع والتثبيت فإن ذلك المعنى يكون مغايراً لمعنى الإنساء ومتفقاً مع ورود: "أو" في القرآن الكريم. وعليه فلا يحق لنا، إذا اغتدينا بما ورد في القرآن الكريم، تفسير النسخ كما ورد في الآية 106 من سورة البقرة إلا على أساس التثبيت.

                  

03-12-2016, 01:37 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكر (Re: عبد الوهاب السناري)

    النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه (3)

    البحث في سياق نصوص النسخ

    تتمثل الخطوة التالية عند تطبيق منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه في جمع جميع النصوص التي تطرقت للنسخ في سياق النصوص المتسلسلة وذات الصلة بها، للوقوف على الإيماءات والقرائن القرآنية التي إرتبطت بها، ثم تفسيرها تفسيراً متسقاً مع ذلك السياق:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112): سورة البقرة.

    أول ما نلحظه في الآيات السالفة تأكيدها أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين لا يودون أن ينزل الله تعالى الخير، والذي قد تكون فيه إشارة لنزول القرآن الكريم، على الذين آمنوا: "مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ". وتكرر نفس المعنى تقريباً في الآية 109: "وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ"، ولكنه ورد في سياق مختلف حيث أشار إلى أماني كثير من أهل الكتاب أن يردوا المؤمنين عن إيمانهم حسداً منهم. وللتأكيد على أمانيهم تلك قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً أو نصرانياً: "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ"، وهو ما نفاه المولى عز وجل. وقد طمأن، جل شأنه، المؤمنين بالتأكيد على ألوهية القرآن الكريم الذي كان يدرك أهل الكتاب أنه الحق رغم إدعائهم بعدم ألوهيته: "مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ". وطمأنهم أيضاً بالتأكيد لهم أن الجنة ليست قصراً على أهل الكتاب كما كانوا يدعون: "بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".

    أما النص الثاني الذي إستدل به المفسرون على حدوث النسخ فسبقته آيات تؤكد فرح الذين أوتوا الكتاب بما أُنْزِل على الرسول (ص) ونكران الأحزاب لبعضه: "وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ". ونلاحظ أيضاً تأكيد الآيات على ألوهية القرآن الكريم: "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا"، وعلى حث الرسول (ص) على عدم إتباع أهواء الأحزاب: "وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ". ونلحظ كذلك فيها تطمينه، جل شأنه، للرسول (ص) بأن الرسل، وهو أحدهم، لا يأتون بالآيات من عندهم: "وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ". وبعدها ورد التأكيد له على أن الله تعالى (وليس الرسل) هو الذي يمحو ما يشاء من آيات الأحكام التي وردت في كتب أهل الكتاب من القرآن الكريم أو يثبتها فيه: "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ".

    وقد طمأنه، جل شأنه، هنا أيضاً بأن أكد له أن لكل أجل كتاب: "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ". وفي ذلك دلالة جلية على إنتهاء أجل (وقت) الأحكام التي نزلت في كتب أهل الكتاب، والذي يمكن تفسيره على أساس أن وقت (أجل) محو أو تثبيت أي آية وردت في الكتب الأولى (التوراة والإنجيل) يحين في الكتب التي تليه (الإنجيل والقرآن الكريم). ولا يمكن أن يستقيم معنى محو أو تثبيت نصوص قرآنية لنصوص قرآنية أخرى، والذي يدل على أن كلاً من الآيات التي محيت أو ثبتت وردت جميعها مع الآيات التي محتها أو ثبتتها في نفس الكتاب، مع قوله تعالى: "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ". ولعل أقوى دليل على ذلك ما ورد في صدر الآية نفسها: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ". فقد تطرقت هذه الآية إلى ذكر الرسول (ص) والرسل من قبله وإلى التأكيد على نزول الآيات على الرسل. وفي الآية التي تلتها ورد الحديث عن محو وتثبيت الآيات، وهو ما يؤكد علاقة الآيات التي محيت أو ثبتت بالرسول (ص) وببقية الرسل.

    وبالمقابل، فإن وردت الآيات التي تم محوها أو تثبتها بآيات أخرى مع الآيات التي محتها أو ثبتتها في نفس الكتاب (مثلاً القرآن الكريم)، فلا يمكن أن ينطبق عليها قوله تعالى: "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" لأنها جميعاً وردت في نفس الكتاب. بينما يدل النص أن أجل محو الآيات أو تثبيتها يحين في الكتاب الذي يليه، كأن تمحو آيات من الإنجيل آيات من التوراة أو أيات من القرآن الكريم آيات من التوراة أو الإنجيل:

    وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39): سورة الرعد (13).

    أما النص الأخير الذي إستدل به المفسرون على حدوث النسخ فسبقته آيات تحث الرسول (ص) بأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وتؤكد له أن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا وتوكلوا على ربهم: "إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ". وربما كان في هذا القول إشارة إلى ضحض الله تعالى لما وصف به الكفار أو أهل الكتاب الرسول (ص) بأنه يفتري على الله تعالى ويبدل آياته: "قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ". ويمكننا أيضاً ملاحظة تطمينه، جل شأنه، للرسول والمسلمين بأن القرآن الكريم هو الحق من عنده: "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ":

    فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102): سورة النحل (16).

    لابد لكل من تأمل في سياق النصوص السالفة أن يستنتج أن نسخ أو إنساء بعض الآيات أو إبدال آيات محل أخرى أو محو بعض الآيات وتثبيت غيرها ذو صلة وطيدة بالخير الذي لا يود الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون أن ينزل على المؤمنين، وبأماني كثير من أهل الكتاب أن يردوا المؤمنين عن إيمانهم حسداً منهم، وبفرح الذين أوتوا الكتاب أو إنكار بعض الأحزاب لبعض القرآن الكريم، وبتأكيد المولى عز وجل على ألوهية القرآن الكريم، وبالرسول (ص) وبالرسل الذين سبقوه، وبالقرآن الكريم والكتب التي سبقته. وعليه فإن المنطق السديد يستوجب علينا البحث في العلاقة بين النسخ في القرآن الكريم وبين جميع الإيماءات والدلالات القرآنية سالفة الذكر، لأنه لا يمكن إقحامها في جميع نصوص النسخ إذا لم تكن لها صلةٌ بها. ويؤكد ذلك على ما سقناه سالفاً من أن الآيات التي تم إنساءها أو إبدالها أو محوها هي في حقيقة الأمر آيات من الكتب التي نزلت على أهل الكتاب، وأنها نسخت أو ثبتت أو أستبدلت بآيات من القرآن الكريم.

    ويمكن للقارئ الكريم أيضاً أن يتحقق دون عناء من أن تفسير النصوص السالفة على أساس أن بعض آيات القرآن الكريم قد تم إنساءها أو محوها أو إبدالها بآيات قرآنية أخرى لا يستقيم مع سياق هذه النصوص. فإن أسلمنا بصحة هذا التفسير فكيف يمكننا تفهم الأسباب وراء كراهية الذين كفروا من أهل الكتاب لنزول الخير على المؤمنين. وكيف يمكننا تفسير سعي أهل الكتاب على رد المؤمنين عن إيمانهم حسداً منهم وسعيهم على ثنيهم عن إيمانهم بالترويج أن الجنة حكر على اليهود والنصارى. وما هو الحق الذي تبين لأهل الكتاب حتى يودوا أن يردوا المؤمنين على إيمانهم؟ فإن تمثل هذا الحق في نسخ آيات قرآنية بآيات قرآنية أخرى ألم يكن حرياً بهم أن يفرحوا بذلك بدلاً من حسدهم للمؤمنين لأن ذلك يثبت ما سعوا لترويجه من تناقض القرآن الكريم وعدم نسبته لله تعالى؟

    ولماذا يتهم أهل الكتاب الرسول (ص) بالإفتراء عندما يبدل، جل شأنه، آيات من القرآن الكريم بآيات أخرى منه؟ أليس حرياً أن يصدر ذلك الإتهام من المؤمنين أنفسهم لأنه يشكك في مصداقية القرآن الكريم وهم يعلمون أنه الحق من عند الله تعالى. أليس في ذلك مدعاة أن يصفه بعضهم بالإفتراء عندما يأتيهم بآيات جديدة ويدعي أنها حلت محل آيات سابقة وهم يعلمون أن القرآن الكريم كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه؟ أليس من المنطق أن تتطرق النصوص السالفة إلى إختلاف المسلمين بين مصدق ومكذب عندما يمس النسخ نصوصاً قرآنية بدلاً عن إختلاف أهل الكتاب حوله وهو الكتاب الذي لا يعنيهم بقدر ما يعني المسلمين؟

    للإطلاع على جميع المقالات:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/alnaskh-walmnswkh

    للتعرف أكثر على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/mnhj-tfsyr-alqran-balbhth-fyh

    للإطلاع على بقية بحوثي عن خلق الإنسان في القرآن الكريم:

    https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/

    https://www.facebook.com/groups/mankindinquran/https://www.facebook.com/groups/mankindinquran/

    https://www.facebook.com/sinnaryabdelwahabhttps://www.facebook.com/sinnaryabdelwahab

    http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/http://abdelwahabsinnary.blogspot.com/

                  

03-13-2016, 08:48 PM

عبد الوهاب السناري
<aعبد الوهاب السناري
تاريخ التسجيل: 11-16-2014
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكر (Re: عبد الوهاب السناري)

    النسخ إستناداً على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه (4)نصوص لم يفطن لها رواد التفسيرلعل القارئ الكريم يتفق الآن معنا أن تفسير نصوص النسخ يستقيم على أساس أن الآيات التي تم إنساءها أو إبدالها أو محوها هي في حقيقة الأمر آيات من الكتب التي نزلت على أهل الكتاب، وأنها نسخت أو ثبتت أو أستبدلت بآيات من القرآن الكريم. وقد ورد في معرض هذه النصوص أن آيات النسخ تتضمن أحكاماً: "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا"، وهو ما أكدت عليه النصوص التالية والتي بينت للرسول (ص) الكيفية التي يحكم بها بين أهل الكتاب إذا حكموه:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51): سورة المائدة (5).فقد أشارت هذه النصوص في بدايتها إلى موقف اليهود عندما حكموا الرسول (ص) بينهم، حيث إتفقوا ألا يأخذوا بالأحكام التي وردت في القرآن الكريم والتي لا تتماشى مع أهوائهم، وأن يستمسكوا فقط بالأحكام التي قالوا أنها وردت في كتبهم: "يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ". بينما أكد القرآن الكريم على تحريفهم لبعض الآيات التي نزلت إليهم: "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ"، وهو ما أكدت عليه أيضاً العديد من النصوص الأخرى.وقد أوضحت الآيات السالفة أن الله تعالى أنزل التوراة ليحكم بها أهلها: "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ". ثم أنزل بعد ذلك الأنجيل مؤيداً للتوراة ليحكم به أهله: "وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ". ومن ثم أنزل، جل شأنه، القرآن الكريم مؤيداً للإنجيل ولكن مهيمناً عليه: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ". وبالضرورة فإن هيمنة القرآن الكريم على الأنجيل تعني أن أحكامه تسود فوق أحكام الأنجيل. كما أن الرسول أمر أن يحكم بين أهل الكتاب بالقرآن الكريم: "فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ"، "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ". كما أن المولى عز وجل حذره من أن يفتنوه عن بعض ما أنزل إليه من القرآن الكريم: "وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ". فإن أقرت هذه النصوص بهيمنة القرآن الكريم على التوراة والأنجيل، وإن أمر الله تعالى الرسول (ص) أن يحكم بين أهل الكتاب بالقرآن الكريم، وإن حذره من فتنة أهل الكتاب له عن بعض ما أنزل إليه من آيات الأحكام القرآنية ومن إتباع نصوصهم المحرفة، ألا يدل ذلك على تبديل آيات الأحكام التي نزلت في التوراة والإنجيل بآيات الأحكام التي نزلت في القرآن الكريم؟ولعل عدم مقدرة المفسرين حتى يومنا هذا على إزالة التناقضات التفسيرية التي تعج بها كتبهم مرده في المقام إلى ضعف مناهجهم التفسيرية. فنصوص القرآن الكريم تتصف باقتضابها وعدم خوضها في التفاصيل. كما أنها لم ترد في المصحف الشريف متسلسلة تاريخياً أو منسجمة موضوعياً. أضف إلى ذلك أن العديد من النصوص التي تتناول موضوعاً رئيساً بعينه قد تتضمن أيضاً العديد من المواضيع الفرعية ذات الصلة بالموضوع الرئيس. ويحتم كل هذا إتخاذ الموضوع القرآني كوُحدةٍ للتفسير بدلاً عن النص، مما يستدعي جمع جميع النصوص ذات الصلة بموضوع البحث لتدرس مجتمعةً في سياق النصوص التي وردت قبلها أو بعدها. كما يحتم ذلك أيضاً دراسة المواضيع الفرعية التي وردت في النص بالتزامن مع الموضوع الرئيس للنص لصلتها اللصيقة به. وإلا فأن ذلك يؤدي إلى تجزئة الموضوع وإلى حدوث تناقض في تفاسير النصوص التي تتناول موضوعاً بعينه.أضف إلى ذلك لجؤ العديد من المفسرين إلى منهج التفسير بالرأي لحسم خلافاتهم التفسيرية. فغالباً ما يستدل المفسرون بعلوم اللغة، من معانٍ ونحو وصرف وبلاغة وبيان ونثر وشعر وغيرها، لتأييد هذا الرأي أو لإضعاف ذلك الرأي، على أساس أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم. ولكن لم يميز هؤلاء بين المعنى اللغوي والمعنى القرآني للمفردة القرآنية، والذي قد يكون محصوراً فقط على بعض المعاني اللغوية لتلك المفردة. ولا يتأتى التخلص من هذا الخلط إلا بإتباع منهج تفسيري يقوم على أساس التوفيق بين نصوص القرآن بدلاً عن نسخها لبعضها البعض. كما أن القرآن الكريم هو الشريعة أو القانون الذي يضع الأسس التي تنظم جميع نواحي حياة المسلم من قيم وعبادات ومعاملات. لكن لم يفطن رواد التفسير إلى إستحالة إختزال جميع النصوص التي تحكم أي ناحية من نواحي حياتنا، كالجهاد مثلاً، في نصٍ أوحد بينما تُرمى بقية النصوص في سلة المهملات على أساس أنها منسوخة. فالجهاد تحكمه منظومة متكاملة من النصوص التي تبين لنا من ومتى وكيف نقاتل، ومتى وعمن نعفو. كما أن هنالك نصوص أخرى توضح لنا قواعد القتال، من فرٍ وكرٍ وما يجب علينا فعله في حالة النصر أو الهزيمة. وهناك نصوص أيضاً توضح كيفية معاملة الأسرى وتقسيم الغنائم. فلكي نفهم الأسس التي تحكم الجهاد وجب علينا دراسة جميع النصوص التي وردت بشأنه كمنظومة متجانسة. ولا يمكن حدوث ذلك إلا إذا فسرنا هذه النصوص تفسيراً توفيقياً. إن من ينادي بمبدأ النسخ في القرآن الكريم، أيها القارئ الكريم، كمن يقترح على الدولة إختزال جميع أحكام القانون الجنائي مثلاً في مادة أو مادتين فقط بدعوى نسخهما لجميع المواد الأخرى!وبالمقابل، فقد أثبت هذا البحث مقدرة منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه على تفسير نصوص النسخ تفسيراً لا تتناقض فيه نصوص القرآن الكريم مع بعضها البعض. وتبين لنا من خلال البحث عن المعنى القرآني للنسخ أنه ورد فيه بمعنى الرفع والتثبيت وليس بمعنى إبطال الشيء وإقامة آخر مكانه كما رجح رواد التفسير. وتوصلنا أيضاً من خلال تطبيقه أن النسخ في القرآن الكريم يدل على نسخ وتثبيت القرآن الكريم لبعض الأحكام التي تضمنتها آيات نزلت على أهل الكتاب أو إنساء وإبدال بعض هذه الآيات بآيات قرآنية حلت فيها الأحكام القرآنية محل الأحكام التي وردت في الآيات التي نزلت على أهل الكتاب. فهل آن الأوان أن يحل هذا المنهج التفسيري محل المناهج الأخرى، على الأقل فيما يتعلق بتفسير نصوص الحقائق القرآنية؟للإطلاع على جميع المقالات:https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/alnaskh-walmnswkhللتعرف أكثر على منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه:https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/home/mnhj-tfsyr-alqran-balbhth-fyhللإطلاع على بقية بحوثي عن خلق الإنسان في القرآن الكريم:https://sites.google.com/site/abdelwahabsinnary/https://www.facebook.com/groups/mankindinquran/https://www.facebook.com/groups/mankindinqura...innary.blogspot.com/

    (عدل بواسطة عبد الوهاب السناري on 03-15-2016, 08:18 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de