كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: أبناء الأبيض في خورطقت الذين وقعت عليهم د� (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)
|
كنا نفطر بسندويتشات بائسة نشتريها على حسابنا من كنتين " علي بابكر" جلوسا على الأرض في البرندة أو تحت الأشجار مثل الأغنام والكلاب الضالة.. لا أحد يهتم إن كنا قد وجدنا شيئا نقتاته أم لا. كان يوم السبت يوم صيام إجباري في كثير من الأحيان وذلك إما لأن الكنتين لم يفتح أو لأن الشاب المكلف بإعداد " قدرة " الفول لم يحضر من الأبيض إلا معنا في مشوار الصباح بعد أن يكون قد أمضى ليلة الخميس والجمعة في الأبيض ودخل السينما وواصل سهرته بها. لم تكترث إدارة المدرسة لمأساتنا ولم تراع ضعفنا وقلة حيلتنا ولم يهمها كثيرا أن مستوانا الدراسي أصبح أقل بكثير عن مستوى رفاقنا المقيمين بالداخلية ( ثلاثة فقط من دفعتي تمكنوا وبصعوبة من الوصول للجامعة ) الشيء الوحيد الذي كان يهمهم هو مشاركتنا في التدريب العسكري " المسمي بالكديت " فكانوا يسمحون لنا بتناول طعام الغداء يوم الإثنين من كل أسبوع مع زملائنا أولاد الداخلية، لأننا بعد ذلك نذهب فورا للطابور العسكري، وللعلم كان الكديت هذا قاصرا على أبناء الثالثة والرابعة الذين هم في أشد الحاجة للوقت للدراسة والتحصيل. النتيجة كانت أننا لم نعرف زملاءنا في المدرسة عن كثب، بل ولم نعرف بعضنا البعض في الأبيض وهي مدينة كبيرة حتى بمقاييس ذلك الزمان إلا معرفة طفيفة. حرمنا من الجمعية الأدبية ومن النهضة المسرحية والموسيقية التي عرفتها خورطقت قبل غيرها من المدارس، حيث أول فرقة موسيقية نحاسية في كل السودان أنشئت في خورطقت عام 1957، كذلك لم نمارس الرياضة إلا على طريقة فردية وكنا عندما نشارك في مباريات كرة القدم للداخليات نمنى بأكبر الهزائم لأن فريقنا لا يلتقي أفراده إلا على الميدان وقبل دقائق من كل مباراة دون تدريب أو خطة فنخرج و شباكنا مليئة بالإصابات تلاحقنا ضحكات الآخرين وسخريتهم.. ولم نشارك زملاءنا كثيرا في نشاطهم السياسي.. أقصد لم نكن أصحاب قرار لأننا نأتي المدرسة صباحا لنجدهم قد قرروا ليلا الإضراب عن الدراسة ونضطر إما لمجاملتهم والإنضمام إليهم أو إلى التمرد، كما فعلت أنا مرة، فنتهم بالتخاذل.
إدارة المدرسة و كذلك وزارة المعارف التي اتخذت قرار إبعادنا من الداخلية تقاعست كلية عن مسؤوليتها التربوية فأهملتنا وأسقطتنا من حساباتها فأخذت تركز فقط على زملائنا " أولاد الداخلية" وأشك إن كان أي من هؤلاء المعلمين أو المسؤولين قد سأل نفسه ولو مرة لماذا حدث هذا ( وهو الأول من نوعه في كل السودان) وهل خطر أبداً بأذهانهم أنهم كانوا يمارسون بحقنا نوعا من التمييز البغيض يرقى لما يشابه التفرقة العنصرية في بانتستونات جنوب إفريقيا.. فأغلب بيوتنا، التي رحبت بنا بطبيعة الحال والأهل لم يبخلوا علينا بما كان في متناول يدهم على قلته، كانت تفتقر للكهرباء بل وأحيانا للماء الجاري ( دعك عن المجاري) ثم ماذا حقق السيد زيادة أرباب بطردنا من الداخلية، إن كان يفكر وقتها في كسر شوكة الطلاب وإجبارهم على الإنصراف عن السياسة فإنه قد أخطأ الهدف تماما فالإضرابات عن الدراسة لم تتوقف وانتشار ما يسمى " بالأفكار الهدامة" والمقصود بها آنذاك " الشيوعية" قد استمر في مده وربما كان السيد زيادة ضيق الأفق وتصرف بطريقة انفعالية وحمقاء لأنه أراد معاقبة الذين شتموه عندما هتفوا " زيادة أرباب وزير الخراب" كان بمقدوره أن ينتقيهم واحدا واحدا ليحاسبهم بطريقة تأديبية معترف بها ولكن سكوت المربين والموجهين في المدرسة والوزارة عما لحق بنا كان أكثر مرارة وألما. ( عندما جاء إلى لندن حوالي العام 2005 الدكتور فاروق كدودة أستاذ الإقتصاد والقيادي الشيوعي المعروف وكان على رأس الموكب الذي هتف ضد زيادة أرباب، لم أفوت الفرصة لأطلعه على مسودة هذا الجزء من مذكراتي فاسترجع الموقف وقهقه عالياً، وبعد أكثر من عامين عاد فاروق كدودة إلى لندن للعلاج و توفي بها عليه رحمه الله ).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أبناء الأبيض في خورطقت الذين وقعت عليهم د� (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)
|
كان من سوء حظي علاوة على ما سبق ذكره من عذاب وظلم، أن منزلنا ( في فريق القبة غرب قرب سوق ود عكيفة ) يجاور منزل عمنا عوض أبو سائق البص الصغير الذي يغطيه مشمع لا يمنع الهواء أو التراب أو حتى أشعة الشمس، وعليه كنت أنا ومنذ السادسة صباحا أول من يركب على ظهر العربة الكومر لنتجول على أحياء الأبيض المختلفة نلتقط الزملاء من أمام مراكز تجمعاتهم قبل الوقوف مرة أخيرة في السوق أمام دكان " أبو ثلاثة نجوم " وعند العودة يحصل العكس فأكون أنا وفي حوالي الساعة الثالثة والنصف عصرا آخر من ينزل من الكومر لأن العم عوض " يقرّش " الكومر أمام منزله حتى صباح اليوم التالي لأبدأ رحلة عذاب أخرى.. في نهاية العام الثاني أو بداية العام الثالث أتوا ببص جديد وحديث لكنه مع ازدياد أبناء السنة الأولى الجدد والثانية لم يكن به متسع لي ولغيري من أبناء فريق القبة ودعكيفة فاستمرينا في بص عم عوض وأحيانا كومر العم عربان الذي نجلس على حافته تماما ( ليس به كنبات) ممسكين كتبنا بيد و قابضين على الحديد باليد الأخرى خشية السقوط. كثيرا وخاصة في فصل الخريف عندما يفيض الخور وينهار الجسر الصغير أو تغطيه المياه، نصل المدرسة متأخرين لنجد الحصة الأولى قد بدأت أو كادت أن تنتهي والمعلم قد لا يجد الوقت ليشرح لنا نحن الوافدين من الأبيض – بداية الدرس الذي شرحه لزملائنا – وربما تضايق من أسئلتنا أو تخوفنا نحن من إعادته لبداية الدرس الذي فات علينا وهكذا تضيع علينا المعلومة ويتذمر الجميع فيكون الصمت هو الحل. في العام الأول إنتبهت إدارة المدرسة لأبناء السنة الرابعة فأعادتهم بعد أسابيع قليلة للداخلية خوفا على مستوى المدرسة في المنافسة السنوية مع كل من وادي سيدنا وحنتوب والتي تظهر في درجات الشهادة الثانوية العامة في شهر مارس من كل عام أما بعد ذلك فقد أصبحنا نحن أبناء الأبيض نسيا منسيا. من جانبي وعلى المستوى الشخصي، حاولت أن أبقى قريبا من المدرسة فانتقلت إلى حلة الدونكي ( التي تبعد نحو كيلومترين) وسكنت مع أحد معارفنا هو الأخ محمد المكي عثمان الذي كان يعمل مدرسا في المدرسة الأولية الموجودة هناك وساعدني والدي ( وهو المعلم القديم الذي كان يتمزق ألما لحالي لكنه كان وقتها يعمل بعيدا في دارفور ) في شراء دراجة انتقل بها إلى المدرسة ولكن كثرة الرمال والأشواك ( الضريساء أساسا) جعلت من المستحيل إستعمال الدراجة فعدت أدراجي للأبيض.. وقبل ذلك و بتدخل من والدي أقمت فترة ثلاثة أشهر مع الأخوين الكريمين بخاري وسيد الحاج الموظفين الإداريين بالمدرسة ولكن ضيق المكان ( كان معنا زميلان آخران من الطلاب) والإنشغال أحيانا بإعداد طعامنا لم يحقق لنا الإستقرار الدراسي المطلوب. أقول أنه بالرغم من كل ذلك فإن خورطقت كانت تجربة تعليمية وحياتية ثرة.
من زملاء " أولاد الخارجية" كما كانوا يسموننا الإخوة البروفسور عبدالجليل محمد عبدالقادر أستاذ الطب في الجامعات السعودية وعثمان السيد فضل السيد نائب مدير جهاز الأمن إبان حكومة نميري وإبراهيم محمد خليل الوكيل سابقا بوزارة الشباب والرياضة و أحمد موسى الخير الضابط سابقا بالقوات المسلحة والإخوة حسن محمد حسن والنور محمد عبدالله والأخ عبدالرحمن عبدالحميد وشقيقه فاروق عبدالحميد والدكتور طبيب محمد حسن بلدو والدكتور طبيب ميرغني السيد مكي وشقيقه إسماعيل والأخ محمد يوسف عامر واللواء شرطة (م) هاشم عطية والمحامي قاسم ذو النون وشقيقه محمد المهدي ذو النون والأخ محمد يوسف جلسبي والأخ محمد أحمد سلامة وشقيقه عابدين سلامة والأخ علي محمد عثمان يس وكيل وزارة العدل سابقا وشقيقه صلاح والأخ المهندس الباقر موسى والسفير والخبير باليونسكو عوض محمد الحسن واللواء الشيخ الريح مدير السجون سابقا والأخ النور محمد حسن سوار الدهب وآخرين يصعب حصرهم). كان زيادة أرباب محاميا أي رجل قانون ومع ذلك لم يراع العدل فينا بقراره الظالم ذلك يوقع على أربعين تلميذا كل العقاب الذي أراده على المدرسة بكاملها وطول هذا الزمان كان ينتابني في بعض الأحيان شعور بأنني قد حملت و قسوت عليه ولكن مؤخرا في العام (2011) بعد أن قرأت مذكرات العميد يوسف بدري وجدت أنني لم أظلمه على الإطلاق فقد كان يدبر لغلق مدارس الأحفاد بكاملها أو مصادرتها لولا تدخل السيد عبدالرحمن المهدي وحمايته لهذه المؤسسة الوطنية الكبرى.. يجدر بالذكر أن السيد زيادة أرباب كان هو الوزير الوحيد الذي انتقل من حكومة السيد عبدالله خليل إلى حكومة إبراهيم عبود العسكرية فور الإطاحة بالديمقراطية الأولى ولعل في ذلك ما يدعو للتأمل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أبناء الأبيض في خورطقت الذين وقعت عليهم د� (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)
|
هذا الرجل، زيادة ارباب، سئ بكل ما تحماه هذه الكلمة البغيضة من معاني و مدلولات حاول فعلا اغلاق الاحفاد الا انه للاسف نجح في تعطيل تاسيس جامعة الاحفاد رغم ما توفر للعميد يوسف بدري من دعم دولي وقتها و لولا استعانة العميد بالسيد عبد الرحمن لتم اغلاق الاحفاد و اكتملت دائرة سؤ الرجل بالطعنة النجلاء التي وجهها للديمقراطية رغم انها كرمته دون استحقاق بمنصب الوزارة
| |
|
|
|
|
|
|
|