دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
تلاقيط
|
07:20 PM March, 08 2017 سودانيز اون لاين عليش الريدة- مكتبتى رابط مختصر تلاقيط ...
1. كائنات معاصرة
مثلما يحدث في كل ليلة مابين الثامنة والتاسعة, دخل هشام وعمر إلي مقهى أدروب , وكما هي عادته كان هشام يطلق موجات صاخبة ومتسارعة من ألفاظ السلام الممزوج بالمزاح والضحكات , التي بالكاد أتاحت لأدروب أن يرد علي تحية عمر المقتضبة , وما إن استقر بهما المقام علي مقعديهما المفضلين, حتي بدأت المقهى تسقي ضمن ماتسقي من مشروبات , ذلك السحر الآسر, المنبعث من حضور ( سلطان الفهم ) , كما يحلو لأدروب أن يلقب الأستاذ هشام .. كان أدروب والرواد ينتظرون تلك الساعة الذهبية من كل ليلة, للاستمتاع بأحاديث هشام العذبة, ولمحاته الرشيقة , الدالة علي ثقافته ومعرفته ،وكان هشام بدوره لايبذل جهدا لإخفاء اهتمامه بآدروب والرواد , متعمقا فى بسط التفقد للجوانب التي لايتفقدها إلا الأصدقاء المخلصون, وكان أدروب وهو إمام الولهى بذلك السحر الآسر, يتحسر كثيرا علي عدم مواتية ظروف المقهى لتأسيس عريشة صغيرة منمقة, تحكر علي الزبائن الأكثر أهمية وعلي رأسهم بطبيعة الحال ,الأستاذ هشام .. فأدروب كان يؤمن بأن هشام أعلي شأنا بكثير من أن يكون من ضمن رواد مقهاه, الذين كان تواضعهم من تواضع المقهى نفسه .. وعلي النقيض من هشام, كان عمر منعدم الفرص تماما, في أن ينال شيئا من إعجاب أدروب, وعمر دائم الصمت ,ينتظر بصبر واستكانة أن يوضع أمامه كوب الشاي الممزوج باللبن , وبمجرد أن يبدأ في مهمة إفراغه من محتواه, وتنشأ مع ذلك عملية التزامن المثالي , لسيطرة هشام علي حواس المقهى ، يبدأ عمرفي مهمة أكثر فردية .. بين كل رشفة وأخري, يحدق بعينيه في اللاشئ , متمهلا في الانعتاق المدرج من أغلال اليقظة والتراب, ثم سرعان ما يسرج خيول الخواطر الجامحة, وينهمك في الركض غير المروض ,علي المديات الهلامية, بين شواسع الظلمات الحالكة, وبين مسامات الضياء الشحيحة, وفى ثنايا البسط والارتفاع, تدفع عضلة اللسان الرتيبة, مع المساهمة المقدرة من الشفاه, بجرعات السائل الحار إلي بداية الدرب المقدس .. والعقل يمزق عن جسده زينة الحضور الثقيلة , وينطلق خفيفا في الفضاءآت الرحيبة, يسترق السمع للأصوات الرخيمة.. والنفس تشرئب علي أخمص الرجاءآت الطيبة, مستبسلة للارتفاع درجة عن أوحال المعقول, تتقافز بالبصر من فوق جدار البؤس المسلح ، تسوق نظرات التعب للاتجاهات التي تطل منها انعكاسات الشفق الملثم . ومع آخر رشفة, يعود عمر لارتداء سراويل الإدراك ،وبغير أدنى مبالاة بمشاركة القوم الاحتفاء بالإنس في مقهى أدروب ،وتوا بايماءة ما , أوبنظرة ما , يوصل لهشام إن زمن العودة قدحان،وقبل أن يخرجا يودع هشام أدروب بجملته المعتادة : لواحتجت لأي شئ, مرعلينا في المحافظة.. ثم ماهي إلا دقائق , حتي يصلا إلي الإستراحة المخصصة لموظفي المحافظة حيث يسكنا . كان أدروب يتعجب كثيرا, من الصداقة التي تجمع بين الرجلين رغم طباعهما المتباينة ، وهو نفس الشعور الذي يشاركه فيه زملاء هشام وعمر في المحافظة ،لكن برأي قد يبدو مغايرا ، وأيضا كان لكل من هشام وعمر علي حدة , رأي مغاير عن كنه العلاقة التي تربطهما ، لكن في مجمل الأحوال, كان الإثنان يشتركان الغرفة نفسها, والمكتب نفسه, ومشوارا يوميا واحدا علي الأقل - من المنظور غير الرسمي - وهو بالطبع إلي مقهي أدروب . وفي أحد النهارات الحميمة, دخل أدروب فجاة الي هشام وعمر في المكتب , جفل هشام بعض الشئ , لكنه سرعان ما استجمع غرائزه المبعثرة , وهب واقفا لتحية أدروب ,أما عمر فرد عليه باختصار, ثم عاد للانشغال بالأوراق التي أمامه. قال أدروب :والله ياأستاذ هشام أنت دائما توصيني بأن أمر عليك إذا ظهرت لي مشكلة :خير ياأدروب ماذا حدث لك ؟ : قبل قليل حضر إلي المقهى موظفون من المحافظة وصرفوا لي أوامر بإزالة كشك المقهى خلال أسبوع . : آآه .. لقد كونت لجنة لإزالة المحال العشوائية بالسوق, ولن يسمحوا بإعفاء أحد : أنا لا أريد اعفاء, لكن أريد إمهال لفترة شهر, حتي استطيع تجهيز محل جديد :والله يا أدروب أنا لست متأكد إن كانت هناك فرص لإمهال أصحاب المحلات العشوائية لكن سأسأل وأفيدك :أنا أعرف بعض أصحاب المحلات الذين حصلوا علي فترة إمهال, لكن كانت لديهم معارف ببعض الموظفين طرفكم ,وأنا لا أعرف أحدا غيرك. : طيب ياأدروب مر علي غدا صباحا . : ألايمكن أن أمر آخر اليوم , لأن اللجنة أعطتني مهلة إسبوع واحد فقط : لايوجد مانع, مر علي آخر اليوم وعندما عاد أدروب آخر اليوم, طلب منه هشام بعض البيانات , ثم دون طلب باسمه وقال له : الآن حالا سأرفع الطلب للسيد مدير إدارة الأسواق , وأحصل لك علي تصريح الإمهال :شكرا ياأستاذ, أنا كنت متاكد أنك ستساعدنى : العفو ياأدروب أنت رجل عزيزعلينا انصرف أدروب وهو واثق أن أمره قد قضي , وزادت التأكيدات التي كان يتلقاها من هشام في كل ليلة , من شعوره بالإطمئنان .. وبعد أيام حضر أعضاء اللجنة مرة أخري لأدروب ليراقبوا تنفيذ التوجيهات , وأخبرهم هو بما دار بينه وبين الأستاذ هشام, لكنهم أخطروه بعدم صدور أي قرار يؤجل فترة الإزالة, وماإن انصرف عنه أعضاء اللجنة, حتي اتجه مهرولا نحو المحافظة, وقابل هشام الذي طمأنه بأن القرار سيصدر قبل آخر الأسبوع, ومازحه قائلا: اطمئن يادروب ووفر مجهودك وركز فقط في تجهيز الشاي المخصوص , واترك لنا باقي المسائل. وهكذا قضي أدروب بقية الأسبوع فى انتظار قرار الإمهال, وكان يشعر براحة كبيرة في الساعة الذهبية حيث يحضر هشام ، ورغم أن هشام لم يجزم له بأن الأمر قد قضي , لكن بطريقة أو بأخرى,كان يغرس في قلبه المتأرجح أوتاد الثبات واليقين.. وقبل انقضاء اليوم الأخير بساعات , حضر إليه أعضاء اللجنة, وعاجله أحدهم باستياء :طالما أنك لم تقم بإزالة الكشك بنفسك طيلة هذه الفترة, فإننا غدا صباحا, سنجري اللازم ولن نتحمل مسئولية أي خسائر تنجم عن ذلك . كان وقع الكلام شديد جدا علي أدروب ،مما جعله ينطلق مباشرة إلي المحافظة, تاركا خلفه أعضاء اللجنة, والمقهي يعج بالزبائن . وعند وصوله إلي المكتب لم يكن هشام موجودا, وعندما غرقت نظراته في المقعد الفارغ , بدأت تقرع علي رأسه همسات الإلهام الأليمة , كان العقل السكور يحاول الاتكاء علي خيوط الانتباه.. كان أدروب فى طريقه ليدفع الثمن الأزلى للتجارب,لكن ماضره لو احتفظ بصديقه دون أن يجربه, أما كان من الأفضل له, أن يكتفي بتلك الراحة الحبيبة التي يتحفه بها صديقه في كل ليلة .. إن التجارب ضنينة بأن تثبت أحدا علي حاله, إنها مناجلنا لحصد الألم.. الذي كان محصولا وافرا في ذلك اليوم.. جاهد الصوت المبحوح , ليعتسف الطريق عبر الغصة التي بسطت سلطانها علي التجاويف :السلام عليكم ياأستاذ عمر :وعليكم السلام : أسأل عن الأستاذ هشام صمت عمر للحظات ثم قال: انصرف باكرا اليوم, قال إنه يشعر ببعض الصداع. جاست خلال الخواطر صورة الآلة المزهوة, وهي تتلذذ باغتصاب حرمات المقهي .. وهم أدروب بالإنصراف يائسا.. لكن, لأن أصدق ظنون البشر دون ريب , تلك التى تصدر عن نصف الوعي أو أقل ، من تحت همزات العقل الباطن, ذلك المسرب الضئيل إلي إشراقات الأنوار البهية, والمنفذ الشحيح علي فيض الطاقات الرحيبة.. ومن سطوة خمر اليأس الجسور,خاطب أدروب عمر وهو ينظر فى عينيه مباشرة : أنت تعرف الموضوع منذ البداية, ولم يتبق لي وقت غيرساعات ،وهذا المقهي أطعم به من الأفواه مايعلم بها الله ، فأرجو أن تساعدني. إن الشعور بالدهشة نادرا مايعتري عمر, لكن في هذا اللقاء الاستثنائي , كان عليه بذل مجهود مقدر لإخفاء ذلك الشعور.. ظل لثواني يتأرجح بحواف قدميه علي شعرة الحياد المشدودة بين الاستجابة للدعاوى الإنسانية القديمة المغرية علي التقدم في دروب المواساة المشرقة, وبين الإنزواء في قلاع الظلام المبنية بطين الالتزامات العميقة للخيبات والخذلان.. قطع حبل تفكيره قائلا : انتظرني بالخارج قليلا خرج أدروب وهو يفتح أبواب قلبه علي سعتها ليشجع الأمل المتلصص,ليكمل دخوله.. تحرك عمر إلي طاولة هشام ومن درج يعلمه جيدا, أخرج طلب الإمهال الخاص بأدروب, وذهب مباشرة للسيد مديرإدارة الأسواق,و لم تطل غيبته أكثر من عشر دقائق ، حتى عاد وهو يحمل التصريح المطلوب .. ودفعه إلي أدروب قائلا: أبرزه غدا لإعضاء اللجنة عندما يأتوا إليك. إنه لشئ عظيم, ذاك الذي أعصى علي أدروب الكلام, حتي كلمة شكرا الذلول , صارت مثل الصمغ علي لسانه, لقد كان يكابد بجهد جبار, خروج الدمع من عينيه.. لكنه دون أن يشعر, رفع يديه إلي رأسه وأنزلهما, مرتين أوثلاث, ثم اندفع خارجا.. وهكذا اضطرت جوارح أخرى لأداء مهمة إظهار الشكران , وغطت علي جبن اللسان الفاضح, رغم أنه عادة الموظف الذي يتصدى لأداء تلك التكاليف الروتينية . عندما أتى مساء اليقين متعززا،توجه الثنائي المعتق صوب المقهى .. كانت من وراء الأفق تمور أنفاس الطبيعة.. لملمت الشمس الكريمة ,التي تستحي من النظر إلي فظاعات الناس في الليالى, أغراضها علي عجل ، ثم قفزت علي الهودج الموشح بخيوط الذهب الأحمرالصدئ,ويممت شطر المغرب .. وحضرت النجوم التي غلبها الفضول بأسرع مااستطاعت ,لتسمع نفس الرواية القديمة, لكن من أفواه جديدة .. وامتطى القدر الذي ليس من طبعه الملل, صهوة التربص حاملا في يده الأصباغ ذاتها, شاخصا ببصره دون ارتداد منتظرا الإشارة, ليبدأ للمرة التي لاتحصى في رسم نفس اللوحة الكئيبة . لم يخطر عمر هشام باللقاء الذي جمعه بأدروب , لذلك لم يتهيأ هشام للفظاظة الظاهرة التي لقاها من أدروب , وبالمقابل حول أدروب كل مشاعر الحفاوة والاحترام إلي عمر , ولاحظ رواد المقهي أن هناك شيئا غريبا يحدث في تلك الليلة, التي يبدو أنها أصيبت بالأعراض الجانببة لمصل الحقيقة. حاول هشام أن يكسب مربعا للإمام , فقال لأدروب : غدا في الصباح الباكر سنحصل علي التصريح, لاتحمل هما. كان أدروب يلف حمم الغيظ بشئ من مناشف الأدب القديم, لكن جملة هشام الأخيرة كانت بمثابة النفخة التي أرغمت البالون علي تخطي حد المرونة, فانفجر بتشف ظاهر :يجزيك خير ياأستاذ لقد حصلت علي التصريح ! قال هشام بفزع : متي حصلت عليه؟ وكيف ؟ :حضرت إلي المكتب اليوم ووجدت الأستاذ عمر وأجرى اللازم في عشر دقائق ألم يخبرك بذلك. نظر هشام إلي عمر نظرة مهيضة , ثم أطرق برأسه , واختبر لأول مرة, من عديد الليالي, فضيلة الصمت في مقهى أدروب. في طريق العودة للاستراحة تمهل عمر قليلا ثم قال : اعتقد أنه من الأفضل أن نبحث عن مقهى آخر لنتناول فيه الشاي. . ألجمت المفاجأة هشام قليلا ، ثم تهللت أساريره وقال بامتنان: أعرف واحدا جيدا.. بسط الهدوء العميق بعد ذلك استبداده ، عدا قعقعة الحذائين علي عصب الطريق المتليف .. لم يكن هشام مطمئنا تماما إلي فرضية أن عمر اقترح هذا الأمر مراعاة لعلاقتهما, بينما كان عمر يفكر في أن الحفاوة لاتنجب غير الإلفة ،والإلفة طفلة مدللة لاترضى إلا بإن تلهو بما بهظ من دمى التبعات , ولايستطيع هوالايفاء بتلك التكاليف , إن كل مايطمع له من هؤلاء العالمين , أن يتيحوا له فرصة عادلة يترك فيها لشأنه .. تمتم فى نفسه : يبدو أنني في الواقع طماع جدا عندما أطلب أمرا لايكلف أحدا شيئا ! وهكذا, بعد أن مهر البطلان اتفاقية الهروب من مقهى أدروب, عادت من جديد العلاقة التي تجمعهما , للتقدم بسلاسة , ناظرة بشماتة للمتربصين.
تمت
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
2. المذهب المنصوري..
المذهب المنصوري في الواقع لقد دهمني التوتر إلى مدى , عندما دخلت لأول مرة, قبل أيام إلى غرفة النزيل عثمان منصور.. لم تكن هيئته التي بدا عليها الخمول التام ,هي الحالة التي خمنت أن أجدها بعد ما تلقيت تلك الاتصالات الملحة لكي أحضر إلى دار المسنين التي أعمل مستشارا لديها , وفي طريقي للدار كنت أقلب كثيرا من الاحتمالات التي قد يكون أحدها هو سبب استدعائي ،و بناء على خبرتي الطويلة مع هذه الكنوز المدفونة في تلافيق هذا الدار ، فقد كنت آمل أن يكون سبب الاستدعاء هو إحدى حالات الامتناع الطفولي عن الطعام,أورفض صميم لتناول الجرعات الطبية المقررة ، أو حتى نوبة هياج وهستريا .. لكن النزيل عثمان منصور قد وترني نوعا ما.. وفور دخولي إلى غرفته عاجلني الطبيب المناوب بالملف الخاص به ، وتصفحته متلهفا ، لكن لم يكن به شئ يشفي غليل تلك اللهفة ، فنظرت إلى الطبيب متسائلا, فقال: كان يسير بصورة جيدة ، لكن منذ يومين ظهرت عليه أعراض اكتئاب حاد ومع مرور الوقت رفض الكلام نهائيا ، ولا أظن أنه نام أكثر من ثلاث ساعات طيلة هذين اليومين ,و لديه قطعة من صحيفة بها صورة زفاف, ينظر إليها بين حين وآخر ويتواصل معها ، وخلاف ذلك لا شئ يذكر . : كيف يتواصل مع تلك الصورة ؟ : يهمس ويبتسم . : هل لديه أقارب معروفين؟ : لا .. لقد حضر بنفسه إلى الدار ، ولم يسجل في بياناته أي أقارب . سادت بعد ذلك بيننا فترة قصيرة من الصمت ، فاستأذن الطبيب وخرج .. وتقدمت أنا بهدوء وجلست على المقعد الملاصق لسرير الشيخ المسجي بلا حراك ، بدا عمره في حوالى السبعين ، كان جسده مثل القماش الذي انمحق لونه ، وبهتت عيناه مثل الجمرة التى سقطت على تخوم الطين ، مستسلما للاستلقاء على ظهره دون حراك, تاركا للأنابيب المبعثرة حول جسده, مهمة القيام بكافة دوراته الحيوية .. لقد حشرت حياته كلها داخل حدود سريره فقط, ومع ذلك زهد في أن يشغل منه حيزا كبيرا. كنت في تلك اللحظات, كالمذيع الذي يضع المكياج الأخير قبل الظهور على الهواء ، أحاول حشد سحائب التركيز, لألطف الجو ببداية موفقة معه .. واخترت بعد حين, أن ابدأ بطريقة مباشرة, فقدمت له محاضرة طويلة عن مضار صمته, واستسلامه لحالة الكآبة التي تعتريه ، لكن اتضح أن الطرق المباشرة لم تكن تجدعنده استلطافا يذكر,فهو لم يكلف نفسه حتى بأن يحول نظره إلى اتجاهي بينما كنت اتكلم ، ولم تظهر عليه كذلك أي علامة تدل على ارتياحه من ذهاب الضجيج الذي أقحمته فيه ، بعد أن تبين له أني انتهيت من محاضرتي الطويلة ، وظل كما ألفيته عندما دخلت, شاخصا ببصره إلى الأعلى دون كلل ، كأنما كان يتحسّب من أن يسقط عليه السقف على حين غفلة منه.. لذلك وجدت لنفسي مبررا عندما دهمني التوتر,في لحظة دخولي إلى غرفته للمرة الأولى. وخلال أيام جربت معه كآفة الطرق التي اكتسبتها بخبرتي الطويلة ، لكن ظل هذا الشيخ وفيا للغاية للصداقة التي جمعته بهذا الاكتئاب ..ورويدا رويدا, تدهورت مؤشراته الحيوية, وبدأ يسير بخطى متسارعة نحو الموت, وشقّ علىّ أن يموت على حاله تلك ، لكني ماوفرت جهدا لمساعدته .. لذلك استسلمت في النهاية للأمر الواقع, وتهيأت للمرة التي لا تحصى, لمواجهة تلك المنحة الأليمة, التي وهبني إياها تخصصي: أن أجلس بالقرب من جسد بالي, منتظرا للأجل الذي تستطيع فيه الروح المنهكة أن تسمو إلى النقطة التي منها بدأت.. كنت دائما من الرواد المدوامين على تلك المسارح ، أسند ظهري باحترام على أحد المقاعد الأمامية, وأشاهد بعين الرهبة أداء الملائكة المكلفة بإنجاز تلك المهمة المقدسة.. وبدأت أدون مسودة تقرير الوفاة الخاص به, مترقبا اللحظة التى يسدل فيها الستار حتى أكمل ذلك التقرير ... لكن عثمان منصور كانت لديه بعض المفأجآت الصغيرة .. ففي صباح هذا اليوم فقط, أسمعنى صوته الأجوف للمرة الأولى,قال مباشرة : احضر لي ورقة وقلم . كان كلامه صادما من اتجاهات عدة, لكني تمالكت نفسي, وفكرت في أنه ربما كانت لديه وصية يريد تدوينها ، ونفذت طلبه متعجلا ثم نظرت إلى عينيه مباشرة فقال : اكتب : مدرسة المستقبل الأساسية بنات الخاصة.. غرب المستشفى الحكومي شارع 19 ، الأستاذة علياء سامي .. وعندما انتهيت من الكتابة قال : احضر لي هذه الأستاذة .. وعندما جلست أنا والأستاذة بعد ذلك بالقرب من هذا الشيخ , روى لنا بآخر مداد صوته الأجوف قصة عجيبة : أنت يا أستاذة لا تعرفيني إلا منذ ثلاثة أشهر ، فذلك هو تاريخ عملي غفيرا في مدرستكم ، لكني أعرفك منذ وقت طويل جدا ، لكن اسمحي لي أولا أن أحدثك قليلا عن حياتي قبل أن أعرفك ، كنت أعمل في التجارة وكانت لدى زوجة وطفلة صغيرة ، وليس لدي أقارب ، لذلك كانت حياتي تقتصر على أسرتي الصغيرة وعملي ، وفي أحد الأيام ماتت زوجتي وابنتي جراء حادث مروري ، فأظلمت الدنيا في عيني جدا ، لكنى دفنت أحزاني في العمل المتواصل ، فصرت بعد حين من التجار الميسورين ، وذات مرة كنت مسافرا لإ تمام صفقة كبيرة, لذلك كنت أحمل معي مبلغا كبيرا من المال ، أحرسه بالمسدس الذي كان لا يفارقني .. وتعرضت في سفري ذلك لمحاولة نهب من عصابة تتكون من أربعة أفراد ، لكنهم كانوا غير مسلحين بالسلاح الناري ، وحاولت جاهدا أن أرعبهم بالمسدس لكي ينصرفوا ، إلا أنهم كانوا مصرين على أخذ المال ، وعندما أصبحوا في موقع خطورة عليّ, اضطررت لإطلاق النار, فمات إثنان وأصيب إثنان, وسلمت نفسي للشرطة ، ومررت بعد ذلك بسلسلة طويلة من الجلسات القضائية, وقبل أن تنتهي تلك الجلسات نبأني المحامي الذي أوكلته بالدفاع عني ، بأن الحكم غالبا سيكون السجن الطويل ، فقمت بواسطته بتحويل معظم أملاكي إلى سيولة نقدية, ثم اشتريت بها ذهبا وأودعته في أحد البنوك .. وبعد فترة نطق القاضي بحكمه : السجن لمدة خمسة عشر عاما .. فبدأت رحلتي مع الألم الكثيف ، ووجدت نفسي محشورا في زمرة عتاة المجرمين ، وتلقيت من العنف والهوان ما تعجز عن تحمله حتى البهائم , كنت دائما في زخم المطحنة المستمرة في الهدير ، لقد سحقت سحقا بين تحرشات المساجين, وبين قسوة الجنود واستفزازاتهم, وتجرعت المرارات حتى تقرحت أمعائي ، ولم تكن هنالك بالمقابل أي نسمة للتخفيف علي ، فلم أجد الصحبة التي تعزيني, ولم يزرني أحد طوال فترة السجن .. كنت وحيدا تماما,هشا وضعيفا مثل الشمعة التي تفتتت خيوطها ، وكنت لا أنام ،وإذا نمت طافت في كوابيسي خيالات زوجتي وابنتي ، كنت أراهما تنهمر الدماء من جسديهما,و يهتك أذني أنين آلامهما المضخم مثل أبواق القطارات ، فأهب من نومي فزعا ، وأبحث عن جرعة ماء لأطفي بها لهيب جزعي فلا أجدها ، فانكفئ على جانبي الآخر وأبكي في صمت.. نعم.. لقد بكيت حتى عجزت عيناي عن إخراج الدمع .. وبعد مضي عامين انهددت تماما ، وبدأت اشتهي الموت كما يشتهي الفطيم اللبن ، كانت روحي متحفزة مثل الراكض بالزان, تتهيأ لقفزة الخلاص فوق الحواجز العتية ... لكن فجأة حدث شئ غير الموازين ، وضخ في عروقى دماء الأمل و العنفوان, فقد أتيحت لى الفرصة الكريمة للتعرف عليك ، فتغيرت, مثلما تتغير أشواك الصحراء عندما تهطل عليها صدف الغيث .. وقفزت روحي قفزة الخلاص لكن فوق الحواجز التي هي على الاتجاه المعاكس.. عندما وصل عثمان منصور إلى هذه النقطة من قصته تروي قليلا ثم نظر نحوي وهمّ بقول شئ, لكن غلبته نوبة من السعال المفاجئ ، كنت وأنا أتابع قصته, تعصف بى الأعاصير البرزخية, وتتساقط على رأسي تباعا كل تلك الشرارات التي يولدها احتكاك الطلاسم بالتفاصيل التي هي في فك الحيز المفرغ من المنطق والتعوّد , كان أمامي يرقد شيخا يحتضر, ويتحدث كما تتحدث أشجار التبلدي المعمرة ، وبقربه أستاذة في مدرسة للبنات, رسم على وجهها بخطوط التنافس المحموم, بين لفحة الحزن وبين خواء الدهشة , وهناك أصوات تطرق على عقلي باستمرار صائحة: استقيظ وتشبث بشئ, قبل أن تقذف بك المركب المتطاوحة, في أفواه الأمواج العرمة.. وعندما تغلّب على نوبة سعاله وخاطبني ، تذكرت جلسات التنويم المغنطيسي الكثيرة التي حضرتها, وطافت بخيالي لحظات الهلام الأولية, التي يحاول فيها العقل إنشاء جسر العنكبوت, بين شاطيئ الظلمات والإدراك. قال : لو سمحت يادكتور افتح هذا الدرج الذي بقربك تجد فيه علبة صغيرة ، افتحها واعطي الورقة التي بداخلها للأستاذة . ورغم أني كنت في النقطة الأقرب إلى التوجس منها إلى الرغبة, إلا أني كنت أيضا, مثل الذي كبا به حظه التعيس في سطوة ساحرهندى عتيق ، لذلك نفذت الأوامر مثل تلك التي تعطى للرجل الآلي .. وحالما نظرت الأستاذة للورقة التي أعطيتها لها أصبحت ملامحها كالراكب الناجي لتوه من حادث مروري, وانزلقت الورقة من يدها متمايعة، وانساقت نظراتي تتبعها في تمروحها بين نداء الجاذبية النافذ وبين مقاومة الهواء الخجلى ، حتى إذا استقرت على الأرض امتدت يدي لتلتقطها ، وقبل أن أرفع رأسي, نقر على أذني صوت النحيب الأليم .. وأمسكت بالورقة كما يمسك خبير المتفجرات بالقنبلة المزروعة ، وأخذت اتأملها ، كانت عبارة عن قصاصة متغضنة من صحيفة قديمة ، بها صورة فوتغرافية لعروسين في زفافهما ، كتب تحتها : تتقدم أسرة مدرسة المستقبل الأساسية بنات الخاصة بالتهنئة القلبية الحارة للأستاذة / علياء سامي بمناسبة عقد قرانها على الأستاذ / طلال خضر مع أمنياتنا الصادقة بحياة أسرية سعيدة . وغرقت فى قطرة من قطرات الدموع المنهمرة من عينيّ الأستاذة, و تعبق الجو بروائح كابوسي القديم : ذلك الحذاء الحديدي الثقيل المثبت على قدميّ ,الذي أرفعه وألطمه لطما علي سطح المغنطيس الممرد , لكي أتمكن من أن أخطو خطوة بعد أخرى, ومخلوق ما، مرعب جدا, لاهثايجرى خلفي ، وعندما أشعر بأنفاسه الملتهبة تخرق ظهري, واشتم رائحتها فتنقلب لها أمعائي, ويمد مخالبه ليقطع بها عنقي, عندها فقط استيقظ من نومي مذعورا .. لكني اليوم وفي حضرة الشيخ عثمان منصور ، باءت كل محاولاتي المستميتة للاستيقاظ بالفشل الذريع .. واستمر في نسج حبال صوته الأجوف: لم تكن لدي فرص كبيرة للاطلاع على الصحف ، لذلك عندما عثرت صدفة على تلك الصحيفة الممزقة ، دسستها في طيات ثيابي جيدا وعندما انفردت في زنزانتي ، بدأت اتصفحها ، وفور ما وقعت عيني عليك اعتراني شعور بهيج جدا ,لا أدري بالضبط لماذا اهتممت بك ، ربما لأن ابنتي كانت ستكون في مثل سنك لو عاشت, أو ربما لأني عجزت عن الدفاع عن الصورة الفوتغرافية الوحيدة التي كانت معي لزوجتي وابنتي ، فقد مزقها سجين متنمر بعد أن لاحظ أني أديم النظر فيها, لقد تقدم نحوي ومزقها بكل بساطة ، وذهلت, لأنه لم يكن بيني وبينه أي عداء سابق يبرر تصرفه هذا, لكن مثلما عجزت عن أدافع عن زوجتي وابنتي الممزقتين ، عجزت كذلك عن انتقم لهما ، فقد سمحت للسجين بالانصراف بعد أن مزقهما وهو يتبختر مقهقها .. وقصصت صورة زفافك بحرص وحفظتها, وأصبحت مع الزمن سلوتي الوحيدة .. وتشابكت بيننا علاقات رائعة من المتانة والغنى ، إن الكلام الكثير الذى بحت لي به, كان جنة من جنان العزاء والتعاطف ، وكان الحنان الذي رشفته من عينيك هو الطعام الذي تقويت به لأحيا ..لقد مسحت عني دموعي ، وآنست لي وحدتي ، وغمرتيني بفيضك الخلاق..ثم علمتيني المقاومة.. وانفتحت أبواب قلبي لدفقات الأنوار الجسورة ، وتلمس عقلي آفاق البطولة, وروى الأمل الحي شواسع أرضي البور .. وفي ذات يوم بينما كنت أتحدث إليك متلصصا ، باغتني ذلك السجين المتنمر, وحاول أن يأخذك من يدي ، وحدثت أشياء خارج الإدراك,و فارت دماء فوق سعة العروق.. وأنا حتى الآن لا أدري ماذا حدث بالضبط في ذلك اليوم ، لكنهم خبروني بعدها, أنهم لم يستطيعوا إنقاذ ذلك السجين من الموت تحت قبضتي, إلا بعد أن انكبوا على جميعا ، حرس ومساجين, وأوسعوني ضربا حتى أغمى علي .. وبعد ما فقت من اغماءتي, لم يكن يهمني شئ بعد أن اطمأنيت على أنك لم تتمزقي في تلك المعركة الضارية . وكانت تلك المعركة هي قفزة الخلاص التي قفزتها,لكن في الاتجاه المعاكس, فتغيرت بعد ذلك رتبتي في السجن .. لكني لم استغل خوفهم مني لأحقق به أي مكتسبات, غير أن أحظي بالاحترام الكافي الذي يجعلهم يكفوا عني مضايقتى,وقد فعلوا .. واستمرت بي الحياة معك شفافة, حتى خرجت من السجن بعد أن مضيت معك ثلاثة عشر عاما كاملة .. وأول شئ فعلته بعد خروجي من السجن, هوالبحث عن مدرسة المستقبل , حتى عثرت عليها, ورابطت حولها حتى رأيتك للمرة الأولى ، لقد تغيرت قليلا ، لكني عرفتك بسهولة ..وضج قلبي العجوز بالضحك حتى تخدرت أطرافي .. وكنت قد صممت على أمر ، لم يكلفني تنفيذه الكثير ،فقط بضعة الآف من الجنيهات لذلك الغفير ، حتى يرضى بأن يترك لي عمله ، وبعد أن أكملت اجراءات تعييني مع إدارتكم, أتيحت لي فرص واسعة لتحقيق آمالى العظيمة.. وأنت تعلمين ما حدث بعد ذلك .. قطع عثمان منصور حديثه ونظر إلى قائلا : أرجوك يادكتور افتح الدرج الأخير ، تجد فيه علبة كبيرة افتحها وأخرج ما فيها . وعند ما فعلت, بهر عينيّ ألق المعدن النبيل ، كانت فى تلك العلبة ثلاث سبائك من الذهب ختم على كل واحدة منها : الوزن ( 1) كلجم .. واستمر الشيخ الجليل في كلامه : لقد حضرت إلى هذه الدار لأموت ، كنت أعلم أني احتضر, لذلك لم أصرف الكثير من المال.. أرجوك يادكتور ضع سبيكتين فى حقيبة الأستاذة ، وأما السبيكة الثالثة فاعطها إلى إدارة الدار ، هذه وصيتي .... وحاولت الأستاذة أن تعترض على إدخالى الذهب إلى حقيبتها فقال عثمان منصور : لقد كنت كريمة جدا معي طوال ثلاثة عشر عاما ، فلا تبخلي على في آخر دقائق من عمري.. ونظرت إليها مشجعا ، فأسلمتني حقيبتها, فنفذت الجزء الأول من وصية الشيخ ,وانحنت الأستاذة عليه وقبلته على جبهته , ولما رفعت رأسها, تركت دموعها تجري على وجهه, ثم حملت حقيبتها واندفعت خارجة .. كان حذاؤها يطقطق على البلاط, كما تفعل العلكة في فم الصبية المشاغبة .. واسترخيت أنا في جلستي ومددت ساقيّ, ورقد على حجري كالقط الولوف, كيلو جرام من الذهب النقي ، ورحت أتأمل في وجه رجل أفنى آخر ثلاثة عشر عاما من عمره مختبئا في جزيرة نائة من التخيلات,يتوسل فيها إلى صورة فوتغرافية.. وهنالك على الأرضية تحت السرير, لمحت ورقة قد سقطت مهملة, كانت عبارة عن قصاصة متغضنة من صحيفة قديمة.. ثم شعرت فجأة بأن المسرح قد امتلأ بالملائكة المكلفة بإنجاز تلك المهمة المقدسة ، فجمعت علىّ ساقيّ من جديد ,وانكسرت عيناي من ضياء الرهبة المجيدة.. وبعد حين, تناولت مسودة تقري الوفاة الذي كنت قد جهزته سابقا, وبقلمي الأزرق السائل شطبت بعض الفقرات وأضفت أخرى .
تمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
3. النظريات الجابرية..
النظريات الجابرية كان الإحباط يدك خواطر الدكتور جابروهو يقود سيارته فى طريق عودته للمنزل .. كان يحاول باستياء وحسرة,استرجاع كلمات الخطبة الشوهاء, التي ألقاها قبل قليل في مبنى الوزارة , عوضا عن تلك الخطبة الحاسمة, التي كان قد كتبها قبل وقت طويل, وظل يرددها حتى حفظها بصورة كافية ليلقيها في حفل التكريم الذي عقد له اليوم بمناسبة انتهاء خدمته بسبب بلوغه سن التقاعد.. غمغم : كان يجب أن أتجاوز كل الاعتبارات, واقرأها من الورقة بدلا عن تلك الارتجالية .. لكنه كان يدرك جيدا أنه, لم يكن يستطيع تجاوز تلك الاعتبارات , لأنه إن فعل فسيعطي أعداءه الذين ضاقت بهم مقاعد ذلك الحفل، الشعور الأخير براحة الضمير تجاه الأحقاد التي ظلوا يطرحونها عليه طوال فترة عمله, فلم يحدث أن وقف أحد من الذين وصلوا إلى مثل درجته الوظيفية الرفيعة هذه,فى حفل التكريم التقليدية ,التي أقيمت له, ليدلي بكلمته من نص مكتوب .. كان العرف يقضي بأن تقتصر الكلمة المرتجلة والموجزة على إظهار التشكرات والأمنيات الطيبة.. لكن جابر كان ينوى فى هذا اليوم,أن يقول أشياء أهم بكثيرمن التشكرات والأمنيات الطيبة .. على أن شعور الدكتور جابر بالإحباط كان وقفا على فشله في تلك الخطبة فقط, أما فيما يخص حياته المهنية الطويلة والمليئة بالإنجازات, والتي ختمت أخيرا , فهذا أمر آخر , حري أن تنبعث عنه مشاعر مغايرة تماما.. لقد قضى معظم خدمته في شعبة التخطيط والإنماء التابعة لرئاسة الوزارة, وأكثر ما ميزه في فترة خدمته ,علاوة على الجدية الصارمة في شئون العمل, والتصميم المستمر على الاستماتة في الإخلاص لمبادئه و الدفاع عنها , كان ذلك التطلع الدوؤب لإتجاهات التنظير والتجديد, وقد منحه ذلك التطلع, كعادة بيئات العمل الحكومي الراكدة, الكثير من الأعداء والقليل من الأصدقاء , لكن رغم قلة أصدقائه فقد كان لهم الأثر الكبير, في دعمه عندما يتعرض للهجمات الشرسة من أعداء النجاح, خاصة عندما كان يصر على تطبيق ذلك التنظير على واقع الوزارة .. وكان الدكتور جابر شيمته التواضع الجم في كل نشاطه الدوؤب ذاك , إذ كثيرا ما كان يرد على أصدقائه, عندما يظهرون له ابتسامات الثناء المعجبة بإمكانياته العالية في التنظير, بأنه يمارس فقط متطلبات الشعبة التي يخدم فيها لا غير .. وفي المنزل كانت تنتظره احتفالية أخرى , خطط لها لتصبح دعابة طريفة , لو أخذت بحس قليل من الفكاهة .. لكن جابر كالعادة لم تكن على قائمة اهتماماته , أن يظهر بمظهر من يمتلك هذا الحس, مهما كان قليلا, خاصة عندما تنتهك هذه الفكاهة, حرمات المثل العليا, التي هى قضيته الكبرى فى هذه الحياة : كان صديقه الأقرب , الدكتور عثمان, الذي بلغ سن المعاش قبل عامين , في زيارة أسرية له , وعندما دخل جابر إلى منزله ,كان عثمان وزوجته يتبادلان الحديث مع زوجة جابر , وبعد أن ألقى عليهم التحية, أخبر عثمان جابرا, بأنه أحضر له هدية تذكارية بمناسبة تقاعده , وأشار إلى صندوق كبير في ركن البهو , وطلب منه أن يتقدم معه لفتحه .. وعندما شرعا في ذلك , تبين لجابر أن الهدية كانت عبارة عن الكرسي الهزاز , الرمز الأشهر لكل الصفات, التي ظل يقاتل طوال عمله في الوزارة لإزالتها .. ودعم عثمان من قلة حظوظ تلك الهدية, في أن تصبح مزحة رشيقة, بأن قال في لهجة مسرحية ومطوحا بيده : :مرحبا بك عضوا جديدا في نادي العطالى . وقعت هذه الصدمة على ذاكرة جابر, مثلما تقع خبطة اليد, التي يمارسها بعض الناس مع أجهزتهم الإكترونية المتلكئة في العمل, فقد التقطت فجأة تلك الخطبة التي كانت تعصر خلاياها عصرا لاستدعائها في حفل التكريم دون جدوى , فتلاها جابر على عثمان فورا ودون تلعثم, وزاد عليها من إظهار آرائه الشخصية عن عثمان ونمط حياته .. مما جعل الأمر يبدو وكأن علاقة السنين التي بين الرجلين, على وشك التلاشي بسبب تباين موقفيهما الحاد حول مزحة بسيطة.. لكن أنقذ الأمر وجود المرأتين الحكيمتين, فقد أصرت زوجة جابر, على أن تحتفظ بالهدية لنفسها, بعد أن طلب جابر من عثمان أن يأخذها معه , وبدورها امتصت زوجة عثمان, قليلا من غضب الرجلين, ثم انسحبت وزوجها في هدوء. وانهمك جابر في بداية حياته المعاشية في نشاط متواصل, لوضع الخطط التي تكفل له الاستفادة القصوى من الوقت , فقام أولا بتجديد مكتبته , ثم اشترك في بعض الدوريات الأكاديمية الداخلية والخارجية,ثم قام بوضع رؤوس مواضيع محددة لبعض العناوين التي نوى أن يدخل بها عالم التأليف الأكاديمي .. كان في كل صباح, وفي نفس زمنه المعتاد يخرج متأنقا من المنزل, ولا يعود إلا في آخر النهار , محملا بأمهات الكتب والمراجع المعتقة , كانت تبدو عليه شيم المثابرة والتفاؤل, ولم يتخل عن نشاطه الذي عرف به .. ولكن مثلما يغوص أصحاب النشاط الزائد في مستنقعات الرمال المتحركة أسرع من غيرهم من العالقين فيها ,غاص جابر سريعا في رمال الزمن الوفيرة.. وكان يفت من عزمه , حنينه الشغوف للحياة التي على الجانب الآخر من المحيط, حياة المساحات المليئة بالمراسم, والبروتوكولات ,والفعاليات.. وتعجب كيف أنه فى السابق ,كان في أحيان كثيرة لا يجد الزمن الذي يتناول فيه طعامه.. وبدأ رويدا رويدا, يسلم نفسه لرتابة الذهنية, التي أعياها عدم التمايز فى اختلاف التوقيتات .. واتكأ أخيرا على عصاة الفتور والتبلد, وصار التلفاز جليسه المفضل والمستديم, ووزع باقي وقته على المسجد, والواجبات الاجتماعية المتقطعة.. وكثيرا مالام نفسه على موقفه الجامد, الذي قابل به مزحة صديقه عثمان , ورفضه الذي تصعب الرجعة عنه, لذلك الكرسي الهزاز .. إذ لايبدو أنه حقق مكاسب ,تحجر عليه التمتع بتلك الراحة المحفزة على التأمل , التي يولدها ذلك التأرجح البندولى للأمام والخلف..إن العالم كان سيكون أجمل لو قبل هو تلك الهدية.
إذن كيف تهيأت الظروف لجابر كى يخرج من نادي العطالى بعد استسلامه المشين ذاك؟ وكيف استطاع أن يعيد الزخم لحياته مجددا, باكتشافه لتلك النظرية البديعة ؟ يبدو أن الأمر له علاقة بقدرة الدماغ على التقاط بث القرائن الدالة مهما كان ذلك البث ضعيفا..أو ربما يكون جابر قد تعرض لسطوة غماز الخبرة الحاد الذي يمتلكه في مجال التنظير.. على أى حال , بدأ الأمر عفويا في المسجد , عندما لاحظ جابر الاختلاف الواضح في هياكل أقدام المصلين : أشكال الأصابع , طريقة التعرجات, الميلانات , الانسيابية والسماكة , وخلاف ذلك من الصفات.. ثم أدمن التمعن في تلك الأقدام..حتى اكتسب القدرة على تمييز الناس الذين يعرفهم من النظر في أقدامهم فقط , من غير أن يرى وجوههم .. فكان دائم الإطراق إلى أرض المسجد, وإذا خاطبه أحدهم وهو في حاله تلك,فإنه يردعليه باسمه الصحيح,دون أن يرفع رأسه لينظر إلى وجهه ثم بدأ يقارن بين أشكال الأقدام وبين طبائع أصحابها.. وسيطرت عليه الفكرة لدرجة أنه كان إذا تعرف على شخص لأول مرة,فإنه ينظر مباشرة إلى قدميه, ليحدد الطباع المحتملة لذلك الشخص.. ثم لاحت له من الغيوم التي ملأت طقس عقله, بروق النظرية الجديدة.. وعلقت تلك البروق بخاطره , كما يعلق البلاستيك المتطاير بسور السلك الشائك.. فصارت شغله في اليقظة وهلاويسه في المنام.. فبدأ في التدوين الموثق بالتصوير.. وكان قد قطع شوطا بعيدا عندما حدث شئ في الأسرة ,هناك شاب سيتقدم لخطبة ابنته الوحيدة هالة..قال لزوجته عندما أخبرته بذلك: هل أعرفه ؟ : لا ..إنه زميلها في العمل . فكر قليلا..و قليلا,وقليلا..ثم قال بحماس : ليأتي لزيارتنا مع أهله. وعندما حضر الخطيب مع أبيه وأمه ذات مساء, شعر جابر بخيبة أمل كبيرة , لأن الوالدة كانت هي فقط التى ترتدي حذاء كاشفا .. وبينما كانت زوجة جابر تبذل مجهودا مقدرا, لتظهر اهتمامها بالضيوف .. كان جابر بدوره منهمكا دون جدوى, في محاولات متكررة ومنهكة , لقراءة النتؤات التي تسمح بها أقدام الخطيب وأبيه من داخل الحذائين السميكين, وعندما يئس من ذلك ركز على قدمي الوالدة مغمغا : هذا ليس أصل الهدف , لكن لا بأس من الاستئناس به , لكن يبدو أن الوالدة قد لاحظت نظرات جابر المتكررة على قدميها ,إذ سارعت متوجسة بسحبهما إلى الداخل . ولأن جابرا لم يعرف شيئا عن أخلاق الضيوف وطباعهم, لم تنزلق من فمه كلمة واحدة, تطمئنهم بأن أمرهم يسير في الاتجاه المطلوب ..وتحلحل جمود المجلس عندما أذن المؤذن لصلاة العشاء , إذ قفز جابر فجأة وهو يبتسم ابتسامته الأولى في ذلك المساء, وقال لوالد الخطيب : سأحضر لكما الأحذية حتى نتوضأ ونصلي في المسجد .. حاول الوالد الاعتذار,وفضل أن ينصرفوا, وينتظروا الرد عليهم في الأيام المقبلة، , لكن جابر عض على هذه الفرصة وأبي أن يفلتها, حتى تدخلت زوجته كالعادة .. وهكذا انتهت الزيارة, دون أن تحقق شيئا لكل الأطراف .. وبعد خروجهم سألت جابرا زوجته: ما رأيك ؟ وكم كانت دهشتها كبيرة عندما رد عليها وهو خارج إلى المسجد : لم اتأكد بعد .. لكن لولا تدخلك لكنت حسمت الأمر . قضى جابر بعد ذلك إسبوعا كاملا من المغامرات والمناورات والمداورات , حتى استطاع أن يصل إلى رأى جازم لا رجعة فيه بأن هذا الشاب لا يصلح زوجا لابنته .. وصدمت هالة من هذا القرار, فأخذت عطلتها السنوية التي كانت توفرها للزواج والتزمت غرفتها.. ولأ نهم لم يخطروا الخطيب برأيهم بعد, حاولت زوجة جابر للمرة الأخيرة معرفة الأسباب التي بنى عليها رأيه فقال لها : كما قلت لك من قبل هذا الشاب أناني وانتهازي ,وهناك مؤشرات قوية لإصابته بالوسواس القهري : قد سمعت منك هذا الكلام سابقا لكني أود أن تخبرنى كيف عرفت ذلك . :لدي مصادري الخاصة . ودار نقاش طويل حول تلك المصادر, ولما نفذ صبر جابر قال لها : حسنا,مادمت مصرة.. انتظري في مكانك وسأعود إليك بالدليل.. وعاد بعد قليل وهو يحمل مظروفا منتفخا, ومده لها قائلا في تشفى :افتحي هذا المظروف. وزاد النبض في قلب الأم المسكينة.. وأشفقت مما قد يوجد بداخل المظروف , ومدى علاقة الشاب أو ابنتها به .. لكن كانت دهشتها كبيرة جدا , عندما رأت الصور التي تكدس بها المظروف , كانت صورا بأحجام مختلفة , وبأوضاع مختلفة ,لكنها تصور شيئا واحدا فقط,الكثير من الأقدام البشرية الحافية .. وبصعوبة قالت لزوجها : ماهذه الصور ؟ قال بلذة المنتصر : إنها صور أقدام خطيب ابنتك. أحست بمغص حاد في معدتها , لكنها تشجعت وردت عليه : لا أفهم شيئا ؟ : لاحظي الانسيابية الحادة في مقدمة الأصبع الكبير والتي تشبه رأس الضفدع القفاز , ولاحظي أيضا الانفراجة الواسعة نسبيا بين الأصبع الكبير والأصبع الذي يليه, والتي تقارب الرقم (7),ثم انظرى إلى الأصبع الأصغر,إنه كامل الانكفاء, مثل الدودة التي قلبت على جانبها . : وماذا يعني هذا؟ : إنها دلالات( متلازمة الأنانية والانتهازية), وهناك احتمالات كبيرة للوسواس القهري. : وكيف عرفت ذلك ؟ وأعاد هذا السؤال جابرا إلى الجانب الآخر من المحيط, إلى حيث المساحات المليئة بالمراسم ,والبروتوكولات, والفعاليات .. فقال ولمعة التصميم تصطلي في عينيه : لقد اكتشفت نظرية ستكون فتحا في علم السلوك البشري . وبعد أن انتهى من شرح أطوار نظريته.. قالت الزوجة بصوت مبحوح لكنه مازال حكيما: هذا مجهود مقدر ياعزيزي لكن نتائجه احتمالية . : لا مجال للخطأ إطلاقا , أُأكد لك ذلك.. إن خطيب ابنتك نجح في جمع دلالات واسعة الطيف, ومن النادر جدا أن توجد عند شخص واحد, هذه أول حالة أصادفها . ولأول مرة في حياتها الزوجية, استعصت عليها حكمتها المعتادة ,فقالت :هل تحولت إلى مصور محترف للأقدام الحافية فى آخرعمرك؟ :اسخري كما تشائين , لكن اعلمي أن السخرية هي الباب الكبير الذي مر عبره كل عظماء العالم . : كيف تجني على ابنتك الوحيدة من أجل هذه الهلاويس ؟ : ستكون خيانة للأمانة العلمية, إن لم أطبق ما أدعو إليه على نفسى و أسرتي .. ثم أنه من حسن حظ هالة أني اكتشفت هذه النظرية قبل زواجها من ذلك الشاب الانتهازي . قالت والحزن يفطر قلبها:حسنا,طالما أنك مصر على نظريتك .. أحني رأسك وانظر إلى قدميك, ثم خبرني طباعك .. وكانت هذه العبارة, بمثابة المطرقة العبوس التى يحسم بها القاضي نافد الصبر, الغوغاء في صالة المحكمة . فقد تصلب جابر في مكانه, وانعقد لسانه ولم يقو على الحركة, ولولا عيناه اللتان كانتا ترفان,و العرق الذي تدحرج على جبهته , لكان جابر تمثالا نموزجيا من الصلصال. ولما يئست زوجته من رده عليها, قامت واتجهت مترنحة إلى غرفتها........ وفى عينيها بدت بحار الدموع التي طال حبسها .
تمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
4. أحاديث الرجل العجوز
أحاديث الرجل العجوز
اليوم تلقيت طعنة نجلاء , لم تكن ضربة تحت الحزام ,ولم تكن التفافة من خلـــف الظهر, ولم تكن حتى محاولة لضخ الأذى من بعيد , وإنما كانت طعنة نجلاء مجردة ، وفى أم عيني.. ولكن لأن الحديث دائماً ذو شجون ، ولأن الأفعال و التصرفات البشرية ملتصقة ببعضها البعض كالنمل في دروبه ، كان لابد لي أن اعترف بأن هذه الطعنة النجــــــــلاء التي تلقيتها اليوم ، مرتبطة دون ريب بما حدث قبل أيام فى دهاليز الشركة التي أديرها, وبما تبع ذلك من الحيثيات التى أخرجت قرار مجلس إدارة الشركة الأخير بتعيين نائب لى فى الشركــــــــــــة .. وكان المنصب قد خلا بعد تعرض نائبي السابق الأستاذ خليل لانتكاسة خطيرة في مرضه المزمن الذى يعاني منه ، ووضعت هذه الانتكاسة حداً لرفض الأستاذ خليل المتواصل لكــــــــــل المقترحات التى قدمت له سابقا من مجلس الإدارة بالإعفاء المجزي للغاية عن العمل تقديراً لظروفـــــه الصحية وللخدمة الطويلة المتفانية التى بذلها للشركة، فلم يجد بدا فى النهاية من الاستجابـــة لتلك المقترحات عندما تدهورت صحته جداً ولزم سرير المستشفى..لذا فقد وجب علي قبل أيام أن استعين بكل خبراتي المهنية وقدراتي القيادية ، واضعاً مصلحة الشركة فى المقام الأول ، لكــى أرشح موظفاً آخر وأقدمه لمجلس الإدارة حتى يتم تعيينه خلفا للأستاذ خليل.. وكان الجميــــــع يعلم بأن التنافس محصور بين موظفين إثنين فقط ، حسب اللوائح المعمول بها فى الشركة ، هما الأستاذ حمزة والأستاد طارق ,لذلك كان لزاماً عليَ أن أخوض فى نار التفاضل لاختار أحدهمـــــــا ليرفَع, ويبقى الآخر فى منصبه .. ولأنى كنت أعلم أن مجلس الإدارة لن يعارض الترشيـــــــح الذى سأتقدم به كما جرت العادة ،لذلك وضعت الأمر فى محط مسئوليتي المهنية المباشرة ، والتزاي الأخلاقي تجاه المثل التى اؤمن بها .. لكن الرجلين لم يسهلا لى المهمة أبدا,ً وإنما كانـــــــــــت مؤهلاتهما المتباينة والمؤثرة, بمثابة الوقود الذى زاد من تأجيج نار التفاضل تلك..وحــدث فى النهاية ما كنت أخشاه من سوء الفهم والتقدير للتعيين الذى تم لاحقاً ، إذ آلت الأمــــور إلى أن تلقيت اليوم تلك الطعنة النجلاء المجردة,وفى أم عيني. كان الأستاد حمزة منذ تعيينه فى الشركة ، مثالاً حياً للنزاهة والكفاءة .. لقد استطاع بطريقة تثير الإعجاب ، أن يحتفظ بسجله ناصع البيــــاض على الدوام ,ساعدته فى ذلك, الإمكانيات الذهنية العالية التى يتمتع بها ، والقدرة الواسعة على اتخــــــــــــــاذ القرارات الأدنى إلى الصواب, وخاصة فى المواقف الضبابية , علاوة على قابليته اللافتـــــــة لمعاملة مرؤوسيه بطريقة تجمع بين التودد والحسم ، لقد كان يبادل مرؤوسيه مشاعـــر الاحترام الجم ، لكنه لا يتأخر فى إظهار سيف الحسم من غمده عندما يتطلب الأمر ذلك , لذلك كان معشوق القاعدة الوظيفية الدنيا والوسطى فى الشركة, لقد كان حمزة علــــى الدوام يرتدي ذلك المنظار الذى يتيح له المشاهدة فى المديات التى هى خارج حَيِز أبصار البشر ، وإن مواقفه التى تثبت ذلك لكثيرة لكني أذكر بوضوح واحدا ً مازال عالقاً بخاطري رغم طول الفترة ، ربما لأنه بدا وكأنه انغمس بجانب منه, فى مستنقع الإحتكاكات الشخصية، ذلك المستنقع الذى يجب أن يدفن إذا ظهر فى ساحات البذل والإنتاج.. لكنى لم اعتبر ذلك الموقف كما اعتبره حمزة.. وقد حدث ذلك منذ وقت طويل على أي حال , ولــــم يعد شيئاً مهماً، ولا اعتقد أنى فكرت فيه عندما أردت ترشيح أحد الرجلين لمنصب نائــــــب المدير .. وحدث ذلك الموقف عندما طرحت شركة ضخمة تعمل فى مجال الإنشاءات ، عطاء لاستيراد معدات بناء حديثة لصالحها ، كان عطاء ضخماً ، وأرباحه المتوقعة كبيرة جداً،لدرجة أنها كانت ستغير نمطاً كثيراً من طرق عملنا إذا رسى علينا.. وبناء علــــى ذلك دعي لاجتماع موسع لمجلس الإدارة وطاقم المدير, ولأن نائب المدير كان فى راحة طبية كالعــادة ، ولأن الأستاذ طارق كان فى مأمورية من مأموريات الشركة الخارجية ، فكرت أن آخذ معــــــي حمزة لحضور ذلك الاجتماع , كانت محاولة منى لخلق لفتة رشيقة لا أكثر من ذلك ، فلم تكــن هناك ضرورة قوية لحضور نائب المدير لذلك الاجتماع والاجتماعات المشابهة ، لكني دائما مـا شجعت خلق أجواء الإلفة بين مجلس الإدارة وبين السلك الوظيفى داخل الشركة, لذلك كنــت أنا وحمزة أول الحاضرين لذلك الاجتماع العجيب, ودار الحديث فى مجمله حـــــــــول ضرورة عدم تفويت فرصة هذا العطاء ، وأجمع كل من حضر على أن الأربــــــــاح المتوقعة من هذه الصفقة إن تمت ، ستكون قفزة كبيرة للشركة .. وانبريت أنا بعد أن غمرتنــــــي فورة الحماس, واقترحت تشكيل لجنة خاصة لمتابعة العطاء ، بشقيه الداخلي والخارجـي ، تكون برئاستى حتى تعطى قوة دفع أكبر.. وأعجب أعضاء مجلس الإدارة بهذا الاقتراح ووافقــوا عليه , لكن الشخص الوحيد الذى لم يفتح فمه فى ذلك الاجتماع كان حمزة ، لقد ظل صامـــتاً طوال الوقت ، حتى أنى ندمت على إحضاره معي , وعندما أوشك الاجتماع على أن يتخــــذ قراره النهائى وينفض ، طلب حمزة فرصة الكلام ، وعندما سمح له بذلك, قال كلاماً عـــــن شكوكه فى جدية العطاء ، وذكر أن تلك الشركة دائماً ماكانت تستورد معداتها بنفسها من الخـــــــارج ،وحاول إثارة قلقنا من تلك الفقرة فى العطاء ، والتى تنص على أن المبلغ سيتم دفعــــــــــه للشركة التى رسى عليها العطاء على قسطين ،الأول بقيمة ربع المبلغ بعد وصول المعـــــــــدات للميناء ، والثانى بباقى المبلغ بعد شهر من تسليم المعدات للشركة الطارحة للعطاء فى مقرها ، كان حمزة يرى أن هناك شيئا غير طبيعي فى الأمر ، وطلب أن نتمهل قليلاً ، حتى نجمــــــــع معلومات أكثر دقة عن تلك الشركة.. وبالطبع كان كلامه هذا تغريداً خارج السرب ,فعقبـــــــت عليه بإسلوب مرن ، لكنه أبى أن يتنازل عن رأيه ورد على كلامي .. كان يمكنه أن يصمــت بعد أن أخلى مسئوليته بإظهاره لرأيه ، وكان يمكنه أن يفتح آفاقه قليلاً للنسمات المحفزة علــى مراعاة احترامه لرئيسه المباشر ، خاصة فى اجتماعات مختلطة مثل ذلك الاجتماع ,لكنــــه تصرف بنفس ذهنيته العقيمة المعروفة عنه ، فقد كان على الدوام ، موهوبا بتلك القدرة السخيفـــة على التمسك الوسواسي بالدفاع عن آرائه ومعتقداته , إنه فى الواقع يفتقر للحكمة التى تفاضل بين تقديم المجاملة عندما تكون أقرب إلى الوجوب ، وبين تأخير دفع الضرر عندما يكون أقرب إلى التوهم, فكثيراً ما كانت آرائه التى يصر على عدم التنازل عنها ويستميت فى محاولة إمرارها ، حـول قضايا لا تتناسب مع عنف ذلك الإصرار .. نعم .. لقد كان حمزة دائماً ما يهدم جبال كبيرة للدفاع عن حصاة صغيرة .. وفى النهاية تحول ذلك الاجتماع الطموح ، الذى أوشك علــــــى الإنتهاء الودي ، إلى ساحة حرب ضروس بينى وبين حمزة .. وكنت فى البداية أحاول تلقيـــم مدافعي بذخائر المنطق ، والاستعانة بالخبرات المهنية فى مجادلته، لكنى سئمت النقاش عندمـــا طال ، فنهيته بعبارات قاسية وحاسمة ,الشىء الذى أثر على حمزة فيما بعـــــد, وجعله ينغمس فى ذلك المستنقع الذى يجب أن يدفن إذا ظهر فى ساحات البذل والإنتـــــاج .. لكن القصة لم تنته عند هذا الحد ,فقد كانت الظروف التى حدثت بعد ذلك كريمة جداً مـــــــع حمزة ، إذ أتاحت له فرصة واسعة للاحتفال بإصالة رأيه فى ذلك الاجتماع ، ومسحت عنـه كثير من الغبن الذى كان يشعر به لفترة طويلة ،فقد اتضح لنا فيما بعد ، أن الحصاة الصغــــــيرة التى رآها حمزة فى ذلك العطاء ، كانت نواة لجبل كبير, لكن كان الوقت قد مضى لأن نستطيع فعل شئ ، فبعد أن سلمنا الشركة المعدات فى مقرها ومرت فترة الشهر ، لم تلتزم هى بالشرط القاضي بتسليمنا باقي المبلغ ، وعلمنا لاحقاً أنها كانت تعاني من تعسر شديد وعجز حاد فى السيولة ، فلجأت إلى هذا العطاء كحيلة لتوفير المعدات ولكسب الوقت ، حتــــــى تستطيع الوفاء بالتزاماتها العقارية تجاه مؤسسات أخرى، وكانت تخطط لأن تستلم جزء مـــــــن مستحقاتها على تلك المؤسسات خلال فترة الشهر التى وردت فى العطاء ،حتى تدفع لنا.. لكنها أخفقت فى تنفيذ جزء كبير من الجدول الزمني المترتب عليها حسب تعاقدها مع تلك المؤسســـــات، مما حدا بتلك المؤسسات إلى أن توقف إمرار باقي مستحقات تلك الشركة.. وفى النهاية قادنا ذلك العطاء الطموح إلى دهاليز المحاكم ,وتحول الربح المنتظر إلى خسارة جسيمة ، وكان يمكن تـجنب كل ذلك ، لو استجبنا لصياح حمزة فى ذلك الاجتماع.. لكن ما كل السمك يستطيع أن يتبيـــــــن شوكة المعدن عندما تندس فى الطعم. أما الرجل الثانى : الأستاذ طارق ، فقد كان كتلة من التهذيب تتحرك على ساقين ، إنه الموظــــف الوحيد الذى استطاع أن يحافظ على نظرة الرضا التى لقاها من رؤوسائه المباشرين والأعلـــى طيلة فترة خدمته،وهو أيضاً الموظف الوحيد الذي نشأت بينى و بينه علاقات أسرية متينــــــة ,وكان كلما ابتعثته الشركة فى مأمورية خارجية عاد محملا بالهدايا والتحف لأفراد أسرتى ، ولــم تنفع محاولاتي المتكررة لحثه على ترك تلك العادة التى قد يساء فهمها ، فهو أبداً ما تركهــــا ، لقد قال لى مرة أنه يعرف أن ضميره سيعذبه جدا,ً إذا أحضر إلى أطفاله وزوجته تذكارات مــــن الدول التى يسافر إليها ، ولم يحضر مثلها أو أحسن منها إلى أطفالى وزوجتى, وتأثرت جدا بكلامه ذاك لأنه تزيَن بمسحة الصدق النبيل ، وعندما يئست من كبحه عن تلك العـــادة التى قد يساء فهمها ، أمرت قسم الشئون المالية بزيادة مخصصاته فى كل مرة يبتعث فيها إلـــى الخارج ، حتى لا يضطر ذلك الرجل النبيل إلى تحمًل نفقات تلك الهدايا التى كان يمطرنا بهــــا .. قد يكون رصيد طارق من حب مرؤوسيه قليل وهو يعلم ذلك ، لكنه لم يكن يهتم بالأمــــر ، خاصة فى المواقف التى تتطلب منه التضحية بالمكاسب التى يوفرها ذلك الحب ، مقابل تحصـيل الظروف التى تمليها ضرورة تهيئة البيئة المثالية لرؤوسائه، حتى يسهل عليهم دفع عجلة العــمل للأمام :( إن الموظفين ياسيدى يحطوني مما أعتبره أنا فخر لي ) وخرجت منه هذه العبارة أيضاً كنسق أخواتها مهذبة وقوية ومؤثــرة ، حتى أنى اقتبست منها فى إحدى اجتماعات مجلس الإدارة.. ومن مواقفه العديدة التى انطبــــــــع عليها ، أذكر موقفاً كان طريفاً من وجهة نظرى ، لكن الموظفين رأوه خلاف ذلك , وحدث ذلك الموقف قبل فترة ، عندما قررنا فى الشركة عمل احتفال ترفيهي يقتصر على أفــــــــــــراد الشركة وبعض الضيوف الذين تربطنا بهم أواصر العمل ,وعيًنت طارق للإشراف علــــــــى إعداد برنامج ذلك الحفل وتنفيذه ,وقد حدًد هو أن يكون الاحتفال فى مقر الشركة ، وأن يبــــدأ البرنامج فى الساعة السابعة مساءً وينتهى فى الساعة العاشرة .. وفى اليوم المحدد قـــــــدت عربتى بنفسي وتحركت من المنزل قبل زمن كافي ، لأني اعلم أن طارق لن يسمح بأن يبـــــــــدأ البرنامج إن لم استقر أنا فى المقعد المخصص لي .. لكن عندما صرت فى منتصف الجســـر الذى أعبره كل يوم فى طريقي من وإلى الشركة ، وقع حادث فى مخرج ذلك الجسر وتعطلــــت الحركة تماماً ، ولم يكن هناك بالطبع إمكانية للمناورة للخروج من هذا المأزق ..وعندمــــــا ظهرت لي بوادر تأخري عن زمن بداية البرنامج ، اتصلت بطارق وشرحت له الأمر ، وطلبت منه أن يعتذر للضيوف عن تأخري ، وأمرته ببداية البرنامج فى الزمن المحدد ، كان طارق يرد علىً بالكلام المهذب المعهود عنه , وطال تأخري فى ذلك الجسر ، لأنى عندما وصلت لمقر الشركة كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء .. ولدهشتى الشديدة وجدت أن طارق لم يبدأ البرنامج بعد , وعندما أنّبته على ذلك ، قال لى :ياسيدى نحن والبرنامج لا نسوى شيئاً، المهم أنك وصلت لنا سالماً . وانتهى البرنامج بعد منتصف الليل ، ولم تستطع لباقـــــة الموظفين المعتادة أن تمسح المشاعر التى ارتسمت على وجوههم فى تلك الليلة ، هذا خلاف تأخرهم فى الحضور للعمل فى صباح اليوم التالي , لكنى بالجملة وجدت الأمر طريفاً . وعندما كنت قبل أيام أخوض فى نار التفاضل بين الرجلين ، كانت حظوظ حمزة تبدو أكبر فى الفوز بالمنصب، خاصة وأنه قد تعيًن فى الشركة قبل طارق بنحو ثلاثة أشهر، لكننا لا ننظـــــــر للأسبقية الزمنية كما تنظر لها اللوائح الحكومية ، وإنما نستأنس بها وحسب..لكن على أي حــــــال,كان حمزة يبدو أقرب كثيراً من الفوز بالمنصب لأن نقاطه أكثر بكثير من طارق ، لكن طارق يمـــلك نقطة جبارة لا توجد عند حمزة ،وهى القابلية العظمى للذوبان فى روح الفريق ،وكانت هذه النقطة تحديدا بمثابة استخدام الجوكر في منافسات(تلى ماتش)..لأن القدرة على الذوبان في روح الفريق هي ما تحتاجه الشركات أكثر من أى شىء آخر ، إن الجو سيكون مهيأ أكثر لمديــــر الشركة للعمل والإبداع بوجود طارق ,وستتعثر الأمور للغاية بوجود حمزة فى المنصــــــب رغم إمكانياته الكبيرة,لذلك فإن مصلحة الشركة قد تقتضى بعض القسوة. وأذكر أنى كنت قبل زمن طويل فى جلسة ودية مع رجل عجوز وحكيم ، كان مديراً سابقا لهذه الشركة ،وتطور به العمل فيما بعد إلى أن صار من الأفذاذ والمحنكين فى مجال عمل الشركات فـــــــى البلاد... قال لى :( إن الموظف عندما يتقمص الروح التى هى أقرب للمثالية ، يكون دائماً مثيـــراً للمتاعب ، ثم ينطبع فى أذهان الناس رويداً رويداً بالصورة المطابقة للقلق والإزعاج ,إلـــــى أن يصير فى النهاية مصدراً عميقاً للخوف..ولا أحد يحب أن يكون تحت وطأة الشعور المستمـــــر بالخوف.. ياعزيزي مثلما الغول هو فزاعة الأطفال ,فإن الموظف المثالى هو فزاعة المدراء ). و ضحكت كثيراً فى ذلك اليوم..و لكن لأن أحاديث الرجل العجوز تبقى دائماً أحاديث الرجـل العجوز, لذلك لم اعتبرها نصيحة أو محاولة لإهداء خبرة ما لي . لكنى قبل أيام أسفت جداً لأن حمزة لم يستطع أن يقنعنى لأتصوره بطريقة حاسمة, أنه الأجدر بالفوز رغم تعاطفى الكبيرمعه ,ورغم احترامى العميق لكفاءته..دائماً كانت مواهب طارق هـــــــــي الأرجح فى نظري ..لذلك اتخذت قراري, ورفعت اسم طارق لمجلس الإدارة الذي وافق عليه بالإجماع ودون تردد.. وظهر القرار ممهوراً بالختم الرسمى للشركة مع آخر ساعات العمل بالأمـس . لكن حمزة أبى أن يخيب ظني فيه ولو لمرة واحدة فقط ، لقد أظهر من جديد تلك القدرة السخيفــــة على التمسك الوسواسى بالدفاع عن أرائه ومعتقداته ، وتقدم باستقالته لى اليوم ، كتب فيها خمــــس كلمات فقط ( أرجو إعفائى حتى لا يقل عطائى ) . نعم.. لقد طعننى حمزة طعنة نجــــــــــلاء مجردة وفى أم عيني ..و ليس هذا فحسب وإنما كتب استقالته وأرسلها لى مع الساعي .. لــم يحضر إليّ فى المكتب ، وإنما أرسلها مع الساعي ، لذلك بعد ما قرأتها كل ما فعلته هو أن كتبـت فى أسفلها أوافق ثم رفعتها لمجلس الإدارة.. ومجلس الإدارة سيوافق عليها بالطبع كمـــــــا جرت العادة . لكني فى النهاية ورغم هذه الطعنة النجلاء ، استطعت أن أتبين من الشعور الذي راودنـــي, بعد أن رفعت الاستقالة إلى مجلس الإدارة ، أن أحاديث الرجل العجوز, قد لا تبقى دائماً أحاديـــث الرجل العجوز .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
5. الوتد
الوتد لم يكن أحمد الطيان نائما , وإنما كان يتظاهر بالنوم , ورغم تظاهره ذاك, فإن لسانه كان يتمتم بالخدمة الشريفة التي بنيت عليها عضلته .. وبعدما يئست زوجته فاطمة من المحاولات المهذبة والخجولة, لحثه على الاستيقاظ من بعيد, تحركت إليه مباشرة وهزت كتفه , ولما بدت منه علامات التيقظ , قالت وهي على وشك البكاء : لقد ساءت حالة عبدالله جدا نهض أحمد من فراشه ,ولأن كهرباء الدفع المقدم كانت قد قطعت عن البيت منذ أكثر من يومين , كان الظلام يغطي كل شئ , فتناول مصباحها وأضاءه على الصبي الصغير , فلاح له الجسد المتخشب ,الذي تفوح حرارته العالية حتى قبيل جسه.. كانت العينان تتسعان على محيط الوجه السليب , وكادت أن تجف من حولهما المياه, وعلت أصوات الحشرجة المتكررة ,حآثة الصدر الذى يعلو ويهبط مثل مكابس عربة السباق, على بذل مجهود أكبر, حتى يستطيع تحصيل المزيد من جرعات الهواء , علها توسع تلك القنوات الضيقة و تطرد ذلك الشح الأليم . لكن أحمد لم يصب بعدوى الجزع التي لوثت جراثيمها الجو, ونادى على ابنه فى هدوء: عبد الله.. يا عبد الله . لكن عبد الله لم يرد . قالت فاطمة : لا بد أن نذهب به إلى المستشفى . :كم الساعةالآن : تعدت الثانية عشر :انتظري.سأذهب إلي مشوارقريب وآتي, ثم نذهب إلى المستشفى. وعندما صار في الشارع لطمته موجة الهواء البور فلف على نفسه عباءة الخلوة المؤقتة, كانت النجوم تلمع في السماء,مثل الثقوب على اللوح الأسود, وسرعان ما نشر للخواطر أشرعة الوله المتسلطن على غرفة الدماء الزكية , وتفتتت ذرات روحه الطيارة, وسبحت في فضاءآت الحنين الظمأى للأنس والسكينة..ثم غمغم: كل خلق على قدرتك يسير, وكل صنع منك هو عجيب, لكني أعجب كيف تخلق خلقا يقدر على أن ينظر لشئ سواك !وهل يوجد شئ سواك ؟ فقط أنت وما خلقت..أنت وما قلت له كن فكان..يانور البهاء الذي أضاءت له عواتي الظلمات ,كيف لأحد أن ينفك من سطوة جمالك لحظة, ليلتفت إلى كسرة خبز, أوجرعة ماء, أو كسوة جسد, أولبنة طين؟ ارحم السعي الذي لم يوجه إليك, وتجاوز عن العقل الذى لم يذق لذة التفكر فيك, والطف بالقلب الذى غفل عن متعة طلبك, واعفوعن الصف الذي وقف على غير بابك, وهيئ لي أن أديم الطرق , ومن يديم الطرق يفتح له..وهل يرد من يطرق على بابك.. ياذا الرحمة التي أضاءت لها قيعان البحار,وأينعت بها الصحارى القفار,أشكو إليك العمر القليل,والوقت الخذول والعيال المشاغيل..ولولا ذلك لوددت أن أكون حبة قمح تسحق في مطاحن ابتلاءآتك,لكني أعمى عن نعمك وهلوع عند النوازل, فعافيتك أوسع لي,عافيتك أوسع لي.. ياذا العلم الذي منه تعرف الرياح كيف تسوق السحاب الثقال,وتعرف الأشجار متى تساقط أوراقها,وتعرف الوحوش كيف تأخذ بأسباب رزقها,أعوذ بقدرتك التي خلقت الوجود من حرفين,أن يبدولي يوم ألقاك ما لم أكن احتسب منك.. وقطع أحمد تأملاته عندما وصل إلى نهاية مشواره القريب,فطرق على منزل عباس التاجر الميسور, وبعد دقائق فتح الباب,وأطل عباس بوجه بادية عليه علامات الانزعاج,فبادر أحمد : السلام عليكم يا عباس : مرحبا أحمد كيف حالك : الحمدلله.. آسف لأني حضرت في وقت كهذا , لكن ابني متوعك جدا ,وأريد أن أذهب به إلى المستشفى , وأود أن اقترض منك خمسين جنيها , وسأردها لك قريبا إن شاء الله . : ماذا؟ خمسون جنيها؟ في هذا الوقت؟ لا اعتقد أني سأجدها لك : حسنا جزاك الله خيرا , واعتذر لك مرة أخرى.. السلام عليكم . وتحرك أحمدعائدا إلى داره.. وعندما أوصد عباس باب منزله تلقته زوجته منزعجة وسألته: من كان بالباب ؟ : أنه أحمد المعتوه : ماذا يريد؟ : يريد أن يقترض مني خمسين جنيها , تصوري يأتيني بعد منتصف الليل ليطلب قرضا ؟ أنه رجل معتوه حقا. كانت فاطمة تكاد تجن من القلق على ابنها الوحيد ,وإذا صدق كلام الطبيب هذه المرة فإنها لن تنجب غيره.. لكن ترى إلى أين ذهب أحمد , كانت تعلم أن المنزل منعدم المال حاليا , لابد أن زوجها يحاول أن يجد مالا من اتجاه ما , لكنه تأخر.. وأمعنت النظر في وجه ابنها , وسرحت بخيا لها تتذكر حملها العجيب به , كان عمرها كبيرا عندما تزوجت من أحمد, وبعد الزواج بمدة قصيرة شعرت بالآم الحمل , فذهبا إلى الطبيب الذي أخبرهما أن الألآم التي تشعر بها لا علاقة لها بالحمل ,لأنها تعاني من عيب خلقي ,ولا يمكن أن تحمل على الإطلاق, وكانت صدمتها قوية جدا عندما سمعت ذلك الكلام, لكن أحمد لم يبدو عليه التأثر, واستسلمت بعد ذلك للحزن, كانت تبكي عندما تكون وحدها في المنزل ,وتجفف دموعها عندما يأتي زوجها.. وفي ذات ليلة حدث شئ غير الأمور، كانت مستلقية على فراشها ,وزوجها يصلي على مقربة منها, ثم بعد حين نهض من صلاته وتحرك في اتجاهها, كان يمشي على أطراف أصابعه كاللص المحاذر, وارتبكت, لكنها تظاهرت بالنوم ,و أخذ زوجها الكوب الملئ بالماء الموجود بقربها, ثم دلق الماء التى بداخله وملأه بماء جديدة , كان يكرر الهمهمة ثم يتفل فيه , وبعد أن انتهى, وضع الكوب في مكانه , وذهب لمواصلة صلاته ,وسحبت هي الكوب بهدوء , وأفرغته مهلوعة في جوفها, ولم تترك قطرة واحدة .. وبعد شهر من تلك الليلة العجيبة , أحست بألآم جديدة, فذهبا لمقابلة نفس طبيبها الأول , وفي تلك المقابلة نفذ المال الذي كان مع أحمد, لأن الطبيب المنزعج كان يأمرهم في كل مرة بإعادة الفحص والصورالطبية, وعندما تأكدت له الحالة أخذ يتمتم: غير معقول .. هذه معجزة, أنت حامل.. لكني أحذرك حملك هذا غير طبيعي , وقد تفقديه في أي لحظة ,واحتمالات حملك مرة أخرى مازالت منعدمة ..وزرفت أضعاف الدموع التى زرفتها فى مقابلتها الأولى لذلك الطبيب .. لكن أحمد كالعادة لم يبدو عليه التأثر,كان ينظر للطبيب كما ينظر الفيل للذبابة التى تطن من بعيد..ومنذ ذلك اليوم, عرفت أن زوجها لايفرحه الفرح ولايحزنه الحزن. و كانت حياتهما صعبة جدا, إن زوجها يعيشهم بالأعمال اليومية غير المستقرة التي يؤديها بجسده النحيل , لذلك كانت حياتهما صعبة جدا , لكنها لم تكن تبالي كثيرا بالحرمان المستديم , إلا بعد أن أطل عبد الله عليها, كان يبكي أكثر النهار عندما كان رضيعا, لأن صدرها كان يجف بسبب الجوع لكنها صبرت .. نعم.. صبرت كثيرا, ومرت حياتهما دون مشاكل, إن أحمد مثل الشبح , هو أقرب إلى عالم الأموات منه إلى عالم الأحياء, لذلك مرت حياتهما دون مشاكل, لكنها تعرف أنه لو أراد لوسع عليهم, لكنه لم يفعل ,أبدا لم يفعل, لقد سمعته مرات كثيرة يدعو لأناس بعينهم , وقد تبدل حالهم عاجلا بعد دعائه لهم , لكنه يصر على ألا يفعل لنفسه, وفي ذات يوم سألته : هل الله يكره لنا أن نكون أغنياء؟ ورد عليها بكلام كثير وحزين , هو عادة قليل الكلام,لكنه على سؤالها ذلك، رد بكلام كثيروحزين,قال لها أشياء عجيبة عن حديث كعب بن عجرة ,عن وجهي العملة الأزليين: حب النبي عليه الصلاة والسلام, والفقر...وقال لها : إن الدنيا بالنسبة للآخرة, مثل الحرف الأول من العبارة الطويلة التي تتكون من 28حرف ,ونحن يافاطمة نسعى, ونتعاطى,ونأمل, ونريد أن نفهم كل العبارة الطويلة, بمعرفتنا لجزء يسيرمن الحرف الأول فقط.. وهذا لن يتأتى لنا أبدا.. والله أخبر كل الناس بما ينفعهم, فهموا أم لم يفهموا.. لكن يافاطمة ماكل الأرض تنتفع من الغيث.. وأنا لا أحب إلا ما أحب حبيبي عليه الصلاة والسلام, وهو كان يحب أن يعيش مسكينا ويموت مسكينا ويبعث مع المساكين . لقد أحبت كلامه الطويل الحزين ذاك , وحاولت فى أوقات أخرى أن تطرح الأسئلة التي تتوقع أن تنجب مثل ذلك الكلام الطويل, لكنه ما عاد لذلك, كما أنه ماعاد ليتفل في كوب الماء الذي كانت لا تنسى أن تضعه بقربها في كل ليلة ..لكنها مازالت تأسف على المرة الوحيدة ,التي كاد أن يحدث بينهما شئ يعكر الصفو, وكانت هي السبب في ذلك: كان لدى جارتها صبي صغير أصيب في عينه وذهب به أبوه إلى أكثر من طبيب , لكن حالته لم تتحسن , بل ازدادت سوءا, لذلك أحضرت فاطمة جارتها تلك ومعها ابنها إلى أحمدالطيان,وطلبت منه أن يرقى الصبي , وقد فعل زوجها ما طلبته منه. لكن بعد ذهاب جارتها وابنها , قال لفاطمة : سنرحل عن هذا الحي ,وأرجو ألا تكرري مثل فعلتك هذه مرة أخرى.. كانت هذه من المرات القلائل التى رأته متكدرا فيها, لكنها وعت الدرس جيدا .. نعم وعته جيدا , وبعد أن رحلوا إلى الحي الذي يسكنون فيه الآن , مارست تبعا لسلوك زوجها, الكثير من الزهد عن الاختلاط بأهله , ومع مرور الوقت صار أحمد مثار سخرية أهل الحي, كانوا يلقبونه بالمعتوه, كانوا يستهزئون به, لكنها كانت تعلم أن القطرات التي تتطاير من بحار حكمته لتفيض عن أوسع مواعينهم , وتعلمت أن تتعامى عن غمزات النساء عندما يرينها , و أن تحبس دموعها عندما يتعرض لها صبيان الحي المشاغبين, إن زوجها يستحق أن يصبر لأجله , وإن ابنها يحتاج لأن يصبر لأجله. وسمعت فاطمة فجأة طرقات زوجها على الباب, فهبت مندفعة وفتحت له وسألها: كيف حاله الآن ؟ : لا يوجد تغيير : سنذهب إلى المستشفى في الصباح الباكر إن شاء الله , ثقي بالله يافاطمة, ولا تفتحي أبواب قلبك للجزع , فإنه أسوأ من جند العدو عندما يدك حصون المدينة, إن الله بلطفه سيترك لك ابنك, لأنه قال وقوله الحق( بشئ من,و بنقص من) ... وابنك كل وليس بعض, لذا اطمئني وثقي بالله . وتركها فاغرة فمها , وذهب ليتجهز لأوراده, وتكومت هي على فراشها تحدق في الصبي, الذي استطاع أن ينام أخيرا. وبعد قليل من الوقت غرق البيت في الظلام الدامس مجددا. إنه بيت مظلم جدا, فقير جدا, وبئيس جدا.. لكنه ربما بدا لأهل السماء,مثلما يبدو لنا القمر ليلة النصف,وضئ جدا, كريم جدا, غنى جدا, وتصل بركته إلى حيث انتهى نوره .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
Quote: إنه بيت مظلم جدا, فقير جدا, وبئيس جدا.. لكنه ربما بدا لأهل السماء,مثلما يبدو لنا القمر ليلة النصف,وضئ جدا, كريم جدا, غنى جدا, وتصل بركته إلى حيث انتهى نوره . |
يا سلام يا عليش في وقتها تماما أمس عايز اعلّق و اسلّم إلّا شغلتني الكورة, سبحان الله يمكن التأخير كان لقراءة الوتد و الخلاصة الحكيمة اعلاه تحياتي و اشواقي, عساك بخير و عافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: محمد البشرى الخضر)
|
يا سلام عليك يا عليش قرأت القصة الأولى فقط ووجدت ذاكرتي قلبت رأسا على عقب .. ذكرتني كاتب عربي يمتلك نفس الأسلوب .. ووجدته الكاتب المصري الراحل محمد عبد الحليم عبد الله رحمه الله . توفي شابا في الخمسينات من عمره ( نصلح لحالنا هههههه) هو صاحب شجرة اللبلاب ولقيطة والبيت الصامت وبعد الغروب وغيرها من الروايات التي معظمها تحولت لأفلام ومسلسلات . تخيل عنده رواية توفى قبل أن يكملها فسماها الناشر رواية لم تتم .. لم يستطع أحد أن يضع لها نهاية تركوها كما هي مبتورة .لأنه لا احد يستطيع أن يتوقع نهاياته. وأقصد بالتميز أنه قصصه محاورها سهلة وسلسة لا يميل للأكشن والأحداث الجسام لكن أحداث ومشاعر يومية بسيطة يحللها بعمق فترى لها أبعادا أخر لم تخطر على بالك ..وفي ذات الوقت لا يوجد بها ملل لا أكشن ولا عنف .. يعني مثلا قصة أدروب هذه ممكن واحد يتوقع أنه تجي الجرافات وتبدأ التكسير ويتصدى لها بصدره وصديقه الذي يثق به يقف موقفا بطوليا من نوع يا أنا يا هو .و و و و الخ .. حتى عمر البطل الحقيقي الذي أنقذ المقهى من التكسير لم يرد الأمر أن يستمر أكثر من ذلك ولا يريد هذه البطولة وهذا لوحده قمة البطولة ..
أقرأ الباقي واعود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: محمد البشرى الخضر)
|
مرحب ياهندسة.. القصص دي كتبتها زمان في كتاب وطبعتو ونشرتو عبر دار مصرية،ولحدي الآن ماجاتني منهم هللة... وزعلة بس اقروها إنتو مجان..
* تلاقيط دي مكتبتي،وما ح أنزّل في غيرا... إنت قايل براك العندك مكتبة؟ الأشواق معكوسة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
مرحب يادردريري ومشكور على المرور.. سعيد بكلامك الودود،وبالتأثير الذي تركته فيك القصة.. حسب وجهة نظري عمر مابطل،أو قد يكون بطل مشوه..وكذلك هشام مشوه وزائف.. البطل الحقيقي هو أدروب،لأنه يتصرف مثل مايتصرف الناس الطبيعيين.. تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: محمد البشرى الخضر)
|
يا سلااام هذا قبس من الابداع لا مثيل له .. التحية لك الاستاذ عليش على هذه الحكايا المحبوكة بصورة جميلة والتي اهاجت علينا عبق من الماضي التليد ... واصل في هذا الابداع استاذي ونحن لك من المنصتين ...
تحياتي : ياسر العيلفون .....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
7. مع الجاحظ..
أورد في كتابه البيان والتبيين
أبو الحسن قال :خطب سعيد بن العاص عائشة ابنة عثمان على أخيه،فقالت :لا أتزوجه..قال :ولم؟ قالت :هو أحمق..له برذونان أشهبان،فيحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحد.
قال أبو الحسن :قالت خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب للمهلب :إذا انصرفت من الجمعة فأحب أن تمر بأهلي؟ قال لها :إن أخاك أحمق..قالت :فإني أحب أن تفعل..فجاء وأخوها جالس وعنده جماعة فلم يوسع له،فجلس المهلب ناحيةً ثم أقبل عليه فقال له :مافعل ابن عمك فلان؟ قال :حاضر،فقال :أرسل إليه..ففعل،فلما نظر إليه غير مرفوع المجلس قال :ياأحمق ،المهلب جالس ناحية وأنت جالس في صدر المجلس؟ وواثبه...فتركه المهلب وانصرف..فقالت له خيرة: أمررت بأهلي؟ قال :نعم،وتركت أخاك الأحمق يُضرب.
قال وكتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب : (اخطب علي عبد الملك بن الحجاج امرأة جميلة من بعيد،مليحة من قريب،شريفة في قومها،ذليلة في نفسها،أمة لبعلها) . فكتب إليه : (قد أصبتها لولا عظم ثدييها ) فكتب إليه الحجاج: (لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها). قال المرار بن منقذ العدوي: صلتة الخد طويل جيدها ضخمة الثدي ولما ينكسر وقال علي رضي الله عنه : (لا، حتى تدفئ الضجيع،وتروي الرضيع)
قال أبو إسحاق :قيل لإعرابي :ما اسم المرق عندكم؟ قال :السخين...قيل:فإذا برد؟ قال: لاندعه حتى يبرد.
صالح بن سليمان قال :مات لابن مقرّن غلام،فحفر لهم أعرابي قبره بدرهمين،وذلك في بعض الطواعين،فلما أعطوه الدرهمين قال:دعوهما حتى يجتمع لي عندكم ثمن ثوب.
قال أبو الحسن: جاء رجل إلى رجل من الوجوه فقال:أنا جارك وقد مات أخي فلان فمر لي بكفن..قال:لاوالله ماعندي اليوم شئ،ولكن تعهدنا وتعود بعد أيام فسيكون الذي تحب..قال:أصلحك الله،فنُملّحه إلى أن يتيسر عندكم شئ؟
قال صالح بن عبد القدوس: وإن عناءً أن تفهم جاهلا ويحسب جهلا أنه منك أفهم متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وآخر يهدم
وقال بشر بن المعتمر: وإذا الغبي رأيته مستغنيا أعيا الطبيب وحيلة المحتال
قال أبو الحسن: كان عندنا بالبصرة قاصٌ أعمى ليس يحفظ من الدنيا إلاّ حديث جرجيس،فلما بكى واحد من النظارة قال القاص :أنتم بأي شئ تبكون؟ إنما البلاء علينا معاشر العلماء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
مهاجم صريح
قال :ونفخت فيه من روحي.. لكن لم يقل أين كانت تلك الروح تتسكع،وكيف تقضي يومها،وهل هي اعتبرت تلك النفخة امتياز،أم بلاء؟
(ممنوع التدخين) ..لافتة كتبت بخط مصنوع،نعم هو خط أنيق لكن تلك الأناقة لن تنفي عنه سوء الصنعة والتكلف..وضعت تلك اللافتة اللعينة على كل زاوية يمكن أن تصطدم بها عينك،أثناء سعيها المعهود في عدم الثبات على هدف.. على أي حال،من يفكر في التدخين الآن؟ لكن بخة واحدة صغيرة كانت ستفي بالغرض وتلطف الروح قليلا.. المطعم يُشعر بالفخر،لقد كنت موفقا جدا في اختياره،دائما ماعجزت عن تحمل الابتذال،الناس تأتي إلى هنا للتفاكر حول الحب،هذا شئ مفهوم..لكن الحب بدأ في أصله بخطيئة،والخطيئة تتوجب الستر،تتطلب ضرورة التخفي واتقاء الأعين..والناس هنا تتفاكر حول الحب بنفس طريقة غداء العمل التي يمارسها رجال الأعمال،وهذا شئ بديع.. ذات مرة كنت في مطعم آخر،ومنذ البداية شعرت أن الأمور ليست جيدة،لكن بعد أن دخلت رفضت العودة،وفي أثناء سعيي المعهود على عدم الثبات على هدف ـــ وتلك حركة تعلمتها من جلساتي مع (سلوى) ـــ اصطدمت بفتاة تهجم على عشيقها وتلتهمه تقبيلا..كانت لحظات مريعة،الابتذال يفقدني رشدي ويشعرني بالغثيان،أمقت هؤلاء الرعاع الذين يتصرفون وكأن لاأحد غيرهم في هذا الكوكب..نحن جميعنا ،بنفس الدرجة،سكان أصليون في هذه الأرض،يجب أن تكون هناك مراعاة وعدم تغول على الحقوق الخاصة والعامة..يجب أن تكون هناك خطوط عريضة تحوي جميع الأذواق والمفاهيم..القاعدة بسيطة جدا :إن خرجت من دارك فأنت لست حرا...لكن هؤلاء الرعاع الساقطون لايدركون تلك المعاني السامية...حتى في عالم الحيوان الأمر مشابه لهذا،دائما الحيوانات الكريمة مجبولة على الحساسية والمراعاة،والرعاع من الحيوانات،هي فقط التي تمارس الحب جهارا نهارا..ياسلام على الطيور ـــ عدا ود أبرق وحرمه طبعا ـــ هي بديعة جدا في الالتزام بالطقوس،في إحدى المرات قررت إكمال مشاهدة زوج من الحمام حتى النهاية،كنت أعلم أن تلك النهاية لن تأتي سريعا،وأن الأمر سيطول،لكني مع ذلك واصلت الشوط..كان الذكر يداوم على الرقص، ويمارس بصبر وبراعة تلك الحركات العنترية الجميلة،والأنثى تتظاهر بعدم الاهتمام ــ أنا واثق من أنها كانت تتظاهر ــ وتواصل في التقاط الحب،لكن الذكر كان مصرا على التقاط الحب..وأنا بدوري مصرعلى إكمال الشوط..كان هناك عش صغيرقريب ،داوم الذكر بعد كل رقصة على الدخول فيه،كان يمكث لزمن محدد،ثم يعاود الكرة.. وأخيرا بعد محاولات عديدة،مضنية وبديعة،استهلكت حوالى خمسين دقيقة،قررت الحمامة الأنثى أن الوقت قد حان لللحاق بالذكر ودخول العش.. ياللروعة،هكذا يجب أن يتم الأمر،هذه هي مدرستي الملهمة..على الذكرالجدية،والتظاهر باللامبالاة من الأنثى،ثم التخفي من الإثنين. لقد تأخرت سلوى كثيرا،نعم هي عادة ماتحضر متأخرة،لكن هذه المرة تأخرت أكثر من المعتاد.. اللحظات التي قبل الخروج للموعد،تلك اللحظات المقدسة عند كل فتاة،ليست هي مقدسة عند سلوى،أعني ان سلوى لاتتزين للمواعيد مثلما تفعل بقية الفتيات،وعليه فتأخرها عن الموعد ليس مبررا على الإطلاق،ثم إنه تأخر مستديم..حدث ذات مرة أن تعمدت أنا التأخر،تأخرت جدا،أكثر من ساعة،كنت أود أن ألقنها درسا،أردت أن أذيقها طعم كأسها،وعندما حضرت أخيرا،كنت متوجسا من ألاّ تتقبل هي الأمر بطريقة مناسبة،كنت خائفا من ردة فعلها،لأني أعلم أنها مجنونة للغاية ولايمكن التنبوء بخطوتها التالية،لكن ولدهشتي الشديدة،وجدتها تجالس ـــ ببساطة متناهية ـــ شابا آخرا..وشعرت فورا ببركان يغلي في صدري.. لكن قبل أن اسألها صاحت في وجهي :المرة الجاية لواتاخرت علىّ بتلقى معانا المأذون.. هذه الفتاة مجنونة،مافي ذلك شك،لكن ترى أين عثرت على هذا الشاب.. بعد أن انتهت المسألة،بعد أيام عديدة،سألتها عن ذلك الشاب ردت :دا كمسنجي الموقف بتاع الركشات.. فجأة..سحبت المقعد وجلست :إتأخرت عليك؟ :يعني ماكتير.. :طلبت حاجة؟ :لا لسة،تشربي شنو؟ وأشرت للجرسون.. :برتكان :وأنا منقة.. وبعد أن ذهب الجرسون ،سألت:أها الجديد شنو؟لسة قعد تمشي الشغل؟ وقبل أن أرد.. واصلت:أمبارح قريت حاجة مؤثرة جدا.. :شنو دي؟ :إنت عارف إنو كوكب الزهرة دا كان مرة.. :قريتيهو وين الكلام المهبب دا؟ :اتكلم باحترام،دي قصص دينية..كانت مرة فارسية،وأغوت ليها ملكين،ووروها الباسويرد البتدخل بيها السما ،ولما طارت ،ربنا سختا وبقاها كوكب،تخيل أغوت ليها ملكين مرّة واحدة،ونحن سيد المطعم المصلع دا غالبنا نغويهو..أوع ياباشا يكون عندك مشكلة كمان مع فن الإغواء ،شايفاك أي حاجة بدّخل فيها الغيرة،زي ناس الجزيرة في موسم الطماطم.. أنقذني من الرد على هذه الفوضى،أن حضر الجرسون وهو يحمل العصير.. :دقيقة قبل ماتشتت،النشوفو خالي سكر زي ماقلنا ليك وللا جبتو لينا عسل.. ارتشفت رشفة ،ثم صاحت في وجهه:دا شنو يامدير،ماقلنا ليك خالي سكر ياخ.. رد بأدب :لا يا أستاذة أنتي ماقلتي خالي سكر.. :إنت بتتهمني بالكذب؟ :لا أنا ماقلت كدا.. :طيب بتفتكر إنو أنا فاضية يعني لدرجة إني أتمازح معاك؟ :لا ماكدا.. ولم تمهله :يللا شيل دا وجيب واحد خالي سكر.. وبعدما انصرف،قلت :دا شنو ياسلوى البتعملي فيهو دا؟ إنتي ماقلتي دايرة عصير خالي سكر.. :خليهو يتأدب،يستاهل.. :مالو عمل شنو لكن؟ :ماعارفة..نرجع لموضوعنا،عملت شنو لحياة؟ :حياة منو؟ :حياة جارتنا الولدا مقدم للشركة بتاعتكم،كلمتك قبل كدا بخصوصا ياخي،إنت نسيت وللا شنو؟ :أبدا ماكلمتيني بحاجة زي دي.. :إنت كمان بتتهمني بالكذب؟ :ياسلوى؟ :أمبارح قريت حكاية الزهرة دي ونمت طوالي،قمت حلمت بأني زهرة ،كوكب يعني آآآآ؟ مازهرة شكل وردة..أها وأنا في تجوالي السرمدي في مساراتي الحتمية ،كنت براقب فيك كل يوم راكب الترحيل ماشي الشغل.. كانت هناك بقعة داكنة على القميص الذي ترتديه،فقاطعتها:دا شنو الفي قميصك دا؟ وبعد أن رأتها قالت:الود الحيوان دا ببالغ عديل كدا.. :الحاصل شنو؟ :دا قميص عادل أخوي،والفيهو دا حبر مانضف كويس في الغسيل.. :وليه تلبسي قميص أخوك؟ :أنا أصلو قعد أكوي رزق اليوم باليوم،أها الليلة المكوة شالت البلوزة،قمت طوالي شلت قميص عادل..لونو جايي مع الإسكيرتي مش؟ :سلوى؟ :نعم.. :أنا دار أنشقّ عديل كدا.. :ليه أكلت سلطة أسود وللا شنو؟ :مامن الأكل.. :من شنو؟ :من الحب.. :بتحب سلطة الأسود؟.. : ياسلوى..ياسلوى.. :نعم.. :إنتي ماملاحظة إنو نحن قعد نتكلم في أي حاجة إلاّ الحب.. :بتبالغ ،بتبالغ،بتبالغ.. :كيف ببالغ؟ :مشكلتك ياها الكلام الرخيص دا بس؟،أحبطتني جدا ياخ..أها أنا بسألك شفاهة،هل عندك مقياس تقيس بيهو الفرح،النشوة،الحالات الجنونية الفوق الاحتمال،إحساس إنك تكون مشوش وفي نفس الوكت مستكين ،هل عندك المقياس دا؟ :دا كلام شنو دا يابت الناس.. وهنا التفتت لمائدة قريبة،كان فيها زوج بديع من الحمام.. صاحت للفتاة برفق:يا أخت لو سمحتي،حمارك دا ماشي معاك كويس،وللا فهمو تقيل زي حماري دا.. نظر إلينا زوج الحمام بدهشة شديدة،وخاصة الذكر،وعندما التقت أعيننا لم أملك غير أن أرفع كفي،وأصيح بالطريقة الأمريكاني: هااي... مع أن السياق كان يقتضي النهيق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
9. نظارة جدو
صحي الرئيس جايي هنا الليلة ؟ هذه هي المرة السابعة تقريبا التي أسمع فيها أناس يتهامسون بهذا السؤال.. ورغم الرتابة والتبلد المجللان لهذا المسرح،إلاّ أنه لايمكنني أن ألوم شخصا هنا على شعوره الفج بالدهشة أو التعجب، فالقصة من بدايتها كتبت بمداد اللامعقولية،الحظ والمصادفات المواتية كان لها دور كبيرا فيما جرى.. ماجرى،ماجرى..وماهو الذي جرى؟الأصح من الذي جرى؟ أنا لم أجر،لكن للأسف هي التي جريت،نكصت وباعت... لايمكن أبدا أن أسمح لنفسي أن تشعر بالندم،وهذا ليس انصياعا للحكمة التي تقطع بعدم الفائدة من الشعوربالندم..فعلى أي حال،دائما ما اعتقدت أن هذه حكمة ليست بحكيمة،ماله الندم؟ ماالعيب الذي فيه؟ ليس به بأس على الإطلاق،بل بالعكس،هو صديق صدوق،يربت على كتفك،ويؤانس في المصائب، ويحفز على تجنب موالاة الأخطاء...لكني هنا لسبب آخر لن أسمح للندم بمتسع، لأني صدقا قد عشت معها حياة حقيقية،بعيدة جدا عن الزيف،لقد أمضيت معها ستة أشهر مفعمة بالحبور والحب..ستة أشهر كانت هي حياتي الفعلية على هذه الدنيا..لن أندم على الإطلاق،لقد عشت الشغف والوجد والتفهم والمراعاة،وكل تلك الأحاسيس الوضيئة التي تقتحمك برضاك أو بدونه،وترتب قناعاتك من جديد،تمسك بك من ذراعك وعاليا تحلق بك في سماوات ليس فقط لاعهد لك بها ،وإنما لم تتصور أبدا احتمالية وجودها.. المسرح في هذه الليلة التاريخية أتم استعداده كما يقولون بهاءا وألقا،بعد دقائق معدودة سيحضر السيد رئيس الجمهورية خصيصا للاستماع للمطربة ذات الصوت الأبنوسي ـــ وهو لقبها الرسمي ـــ رشا حامد..وهي نفسها الفتاة التي تصادف أن أحببتها من دون جميع فتيات المعمورة..حبيبتي السابقة..مهبط وعيي،مركبتي الخاصة للترحال عبر الزمن،دلوي الذي تسلقت به أعالي الجب،ثم هي ذاتها في النهاية التي سومتني سوء العذاب..تركتني في قمة المنحنى،بعد أن رأيت البصيص،على الشرفة التي لايترك فيها المحب حبيبه..نعم أنا سقطت،لكني لم أمت..مازلت حيا.. سأقاوم،سأتجاوز..لابد من الكفاح المضني،الاستسلام عواقبه وخيمة جدا.. اعتقد أنهم يقولون عن الرجل الذي طلّق زوجته طليق،والذي ماتت زوجته أرمل،فماذا عن الذي فقد حبيبته؟ لاشئ..لايوجد اسم..أنا أتعذب هنا وهم بخلوا عليّ حتى باسم،وصف،لقب،كنية.. هناك فجوات مريعة في اللغة المعاصرة..ربما كانوا بالسابق يطلقون على من فقد حبيبته أطين..نعم،أطين على وزن أرمل..لكن رشا لم تمت..هي على قيد الحياة والدليل أنها ستغني بعد قليل،ستصدح بصوتها الأبنوسي البديع...ستسعد كثيرا من الناس،لكن أنا لن تزيدني إلاّ عذابا..ترى هل أرمل من الرمل؟ إن كانت أرمل من الرمل،فأطين من الطين..وأنا في هذه المواسم الكالحة أطين من الطين،بالغ الطيونة..تهانيّ لنفسي لقد أضفت لتوي كلمة جديدة للمعجم المعاصر،من يدري ربما سأذهب لتسجيلها في الملكية الفكرية.. ترى كم هو تعداد الفتيات في هذا القطر؟ في هذا الزمن الذي صار فيه الناس يتحابون إلكترونيا ، في هذا الزمن الذي صار فيه حتى تلميذ المدرسة الابتدائية يحظى بحبيبته الخاصة،ها أنا ذا أتعثر في تجربتي الأولى والوحيدة.. لقد منيت بهزيمة قاسية ومريرة،المسألة كلها في ترك الحذر، إن القلب عندما يعشق يفقد أهم ميزاته :الإرادة...العاشق برادة من حديد والمعشوق مغنطيس.. ليس أمرّ من أن تُخدع إلاّ أن تخدع من من تحب..
:ألو.. :وييين ياعمدتنا الجعان :إزيك ياعصومة المحرومة :وين إنت؟ :قريييب منك :طيب سرّع عشان أنا طالع بعدّا.. دقائق وكنت مع صديق عمري عصام في الشركة التي يعمل بها،وجدتهم مجتمعين يتمازحون، وهذا أمر غريب،في معظم زياراتي السابقة،كان بالكاد يجد زمنا ليحادثني فيه..وأنا أكرر لنفسي للمرة الألف،ثمة صدف وتواطؤات كونية كبرى حرثت وبذرت وسقت وحتمت الشجرة التي كانت.. بحكم ترددي عليه كنت أعرف جميع الموظفين،فسلمت عفويا وشرعت في الجلوس..لكن عصام قال :سلم على زميلتنا رشا حامد،ما أظن إتقابلتو قبل كدا.. والتفت حيث أشار،كانت هناك فتاة تجلس على مبعدة،هي في المجلس وليست فيه،فصافحتها محييا.. الإنسان يحمل الكهرباء في جسمه،هذه حقيقة بايولوجية لاجدال فيها..طيب..هل نحن وصلنا مرحلة أن نعرف بالضبط ماهي الأدوار التي تقوم بها هذه الكهرباء..كثيرا ماصافحت فتيات غريبات ومألوفات،لكن الأمر ليس في المصافحة في حد ذاتها،وإنما المحك كله في الكهرباء.. يامن تبحثون عن الكهارب في السدود،هل قابلتم رشا حامد؟ لا أدري كم مكثت بعدها،وأيضا لاأدري ماهي الأحاديث التي رويت،كنت منشغلا بشئ واحد، بضرورة ألاّ أنظر تجاهها،لم أحضر إلى هنا لأتسبب بحرج لشخص،كما لاأريد ان أظهر بمظهر الجلف الهلوع،لكن وياللغرابة لم أفكر أبدا في أن انسحب من المجلس..رغم الضراوة مكثت حتى النهاية، لكني بالمقابل أبليت حسنا،لقد كنت جلدا للغاية ومتفانيا.. فجأة شعرت بعصام يضرب على كتفي :يلاّ ياعماد،إنت ماسامعني وللا شنو؟ فقلت فزعا :نمشي؟ وسمعت بعض الضحكات المكتومة،لكن لم أفهمها في حينها.. بعد أن خرجنا لم ألحظ أن عصام كان غاضبا،فسألت بعفوية :زميلتكم دي طولت هنا؟ رد بشراسة:ياخ كرهتنا أفريقيا وبقيت رقبتنا زي السمسمة.. قلت مندهشا:مالك في شنو؟ وواصل ساخطا:وعقدت البنية لمن حنينا عليها.. :ياحيوان ماتوريني الحاصل شنو .. :الحاصل إنك ياأستاذ مارفعت عينك من البنية إطلاقا،لدرجة إني خفتك تقوم تاكلا عديل كدا..لا والمشكلة شنو كمان،بتتأمل فيها وإنت سرحان،طيب وكت أصلك إنت سرحان ماتقبل على الحيطة يادجانقو. شعرت بانزعاج شديد،لكني قلت مناورا:ياخي تخ.. :يتختخ راسك ياأشتر..هو قالوا ليك بعملوها كدا،إنت كان ماعارف ماتسأل..كان بنوريك. :عصام بالله خلي الهظار.. :ماشفت البنات ضحكن عليك كيف لما قمنا..ياخي أنا أكورليك لمن حلقي انقرش،وإنت ماجايب خبر،غايتو دي الليلة فضيحة بجلاجل،إنت عارف أنا بكرة ما ح أمشي الشغل،ح أطلب إجازة عديل كدا،في ناس هناك بكونوا راجين متين الواطة تصبح..ياللشماتة. عمك تربس للمشويات..محل بسيط ومتواضع،عبارة عن عريشة واسعة،مقسمة لجزئين ،والمشويات هنا ليست لحوم بيضاء أو حمراء ،وإنما فقط (قنقر)..قناديل الذرة الشامية،عيش الريف كما يطلق عليه محليا...في هذا المحل سلخنا أنا وعصام أمسيات عديدة ، في الجزء المخصص للعزاب بطبيعة الحال...الأدب والانسجام والتفاهم بين الزبائن هي التي قسمت العريشة لقسمين،لم يكن لعم تربس أي دخل بذلك الأمر،بدأ الأمر عفويا،و مع الزمن صار عرفا،ثم حقا أصيلا..الجزء الشرقي مخصص للعزاب،الجزء الغربي للعوائل،والعوائل هنا في معظمهم عشاق،لكن كثيرٌ من هؤلاء العشاق تزوجوا من هذه العريشة..وبالمقابل كانت هناك حالات عديدة من الفشل،وهؤلاء الفاشلون ـــ أعني الذكور منهم ـــ لايبارحون العريشة في معظم الأحوال،ولكن ينبغي عليهم طبعا أن يأتوننا في الجزء الشرقي،ويتم انضمامهم بواسطة طقوس محددة وصارمة،أما أولئك الذين يحالفهم الحظ وينتقلون من الشرق للغرب،فلا يأبه بهم أحد هناك..عندما أحضرت رشا إلى العريشة في المرة الأولى،خطر ببالي أن استقبال عصام السئ لعلاقتي برشا،ربما يكون بسبب أني تركته في الجزء الشرقي وحيدا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
من الجمال أُتينا،الجمال أبدا مطلوب،القبح أبدا مرفوض..لكني لم أتمن لها قبح الصوت،كنت فقط أود لو كان صوتها عاديا..مثل بقية الفتيات،بقية خلق الله..ورغم ذلك لا أنكر حفاوتي واستمتاعي بهذا الجمال..عثمان جاكو ،مكتشف المواهب وصديق العائلة،يعتقد أنه هو من اكتشف المطربة رشا،وهذا الاعتقاد ليس صحيحا أبدا،ثم أن عثمان جاكو في نفسه عاطل عن المواهب نهائيا، ليس لديه ولا دانق من موهبة،اللهم إلاّ طريقته المقززة في الزهو،تلك الطريقة التي تصرعك في كل مرة تحاول أن تكمل له مشاهدة حتى النهاية...حضرت له عدد من اللقاءات التلفزيونية،رشا وذكرى رشا،هي التي دفعتني لمشاهدة عثمان جاكو،كانت جميع لقاءاته التلفزيونية الأخيرة، مخصصة للحديث عن رشا،فجأة أصبحت رشا ثروة قومية،الكل يتحدث عن رشا،الناس تصيح في الطرقات،يجب أن يحافظ عليها،يجب أن يُبعد عنها المتطفلون،ومن هم المتطفلون هنا؟ أنا بطبيعة الحال...غير أني عجزت عن إكمال مشاهدة عثمان جاكو للنهاية،حتى ولو في لقاء واحد..هذا الشخص مريع جدا،يذكرني بنكتة كنا نقولها في الصبا :قالوا في حرامي قبضوهوا،قاموا قالوا ليهو جزاك واحد من إتنين،يا إما تاكل شوال بصل،وللا نديك 500 صوت..الحرامي خاف من الصيطان،قام قال آكل شوال البصل،وبقا ياكل وياكل لمن وصل نص الشوال،غلبوا ياكل ولا بصلة واحدة...بعداك قاليهم أدوني 500صوط... في حضرة عثمان جاكو التهمت أنا نصف جوال بصل،وأقيم عليّ حد الزنا خمسة أضعاف، ومع ذلك لم استطع مشاهدته حتى النهاية..
:في زول قبل كدا قاليك صوتك حلو؟.. :كتييير.. :يامغرورة.. ضحكت وقالت :لا أبدا..الموضوع ماكدا.. :طيب الموضوع كيف؟ :يعني تقدر تقول عائلتنا فنية،حبوبتي الله يرحما كانت بتغني وجدي كان عازف وإتلاقو وإتزوجو .. قلت مقاطعا:حبوبتك وجدك ديل جابو أمك وللا أبوك؟ :أبوي..أهل أمي ماعندهم علاقة بالغنا...يلاّ الناس بقولوا أنا ورثت صوت حبوبة..جدي لسة صحتو كويسة ربنا يحفظو،كل مرة يقولي تعالي غني لي،ومنو عرفت الإيقاع وبقية الألآت الموسيقية يعني كدا على خفيف،لكن تقدر تقول علي مطربة هاوية،يعني ماعندك مشكلة يافردة في عرسك بنغني ليك مجان.. كان من المتصور أن ابتسم لهذه الدعابة،لكني عوضا عن ذلك شعرت بانقباض مما سمعت منها..عملي كمندوب مبيعات متمرس،منحني هبة عجيبة،احتكاكي الدائم بالزبائن،أسواقي المحتملة،فرص ماوراء الأفق،كل ذلك منحني هبة التوقع شبه الدقيق،بأقل هامش للخطأ،كنت أحدد مسارات الربح والخسارة،وسيطرت عليّ هذه الهبة،حتى صرت استخدمها في حياتي العامة،بعيدا عن العمل، هناك في لب الحياة الاجتماعية الصرفة،وعرفت أن الكون كله منبني على حسابات الربح والخسارة.. يارشا ثمة خطر عظيم يلوح من وراء الأفق..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
:يللا غني لينا حاجة.. :هنا دي؟ :أيوا ،مالا هنا دي؟ماقدر المقام وللا شنو؟ :أها طيب،دار تسمع شنو؟ :أي حاجة من ذوقك.. :أغني ليك لي بيومة؟ :بيومة بتاعة فنيلتك؟ قالت منزعجة :وإت مالك ومال فنيلتي كمان؟ وضحكت كما لم أضحك من قبل..هذه الفتاة خام، عجينة رماها حظها العاثر في طريقي،ترى ماذا سأصنع منها،تورتة؟جاتوه؟ الجاتوه جميل،لكن من يأكله؟ الصفوة من الناس،أبناء النعمة،سكان القصور العالية ..لا..لايمكن هذا أبدا..سأصنع منها خبزا أسمرا..للجياع ..لعامة الناس ،الكادحين فجرا،المعفرين برائحة التراب أبدا..ثم الموسدين على القبور دون تحقيق الآمال.. لكن كيف سنتفاهم ونحن في هذا الوضع؟ هناك احتمالين فقط،إما أن أسمو إليها،أو تهبط هي إليّ..الاحتمال الأول مرفوض عمليا،كيف سأسمو وأنا اعمل مندوب مبيعات؟جُعل رزقي تحت ظل لساني..إن سموت أفلست..ثم أن السمو أصعب من الهبوط..يمكن أن تستغرق عملية السمو زمنا طويلا،لكن الهبوط لن يتعدى أياما..إذن لامفر من الاحتمال الثاني،وهي بطبيعة الحال لن تهبط من تلقاء نفسها،سأعينها أنا..سيكون هبوطا ناعما.. (الغول خطف فاطمة السمحة،وبعد أربعين يوم فاطمة السمحة بقت سعلوة)..هذا هو التراث الذي نشأنا عليه،دائما الغول يخطف،لم يحدث أن خطفت سعلوة رجلا..مع أن هذا ممكن الحدوث.. وهذا ليس تراثنا نحن وحدنا،وإنما يكاد يكون عالميا..قامت كثير من الأفلام العالمية على هذه الفكرة البسيطة،وحققت نجاحا لافتا..لايمكن لأثنين أن يلتقيا طالما هما في وسطين مختلفين..لابد من توحيد الوسط.. :بتضحك كدا مالك؟ :آسف..آسف..لكني تعرفي لازم سريع جدا نبقيك سعلوة .. :نعم؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
هاتفي على كفي،ليس في الجيب،طيلة الثلاثة الأشهر الأخيرة كان هاتفي على كفي،تحسبا لأن تتصل هي أو ترسل رسالة..ثلاثة أشهر وأنا انتظر ذلك الاتصال دون جدوى،وبالمقابل اتصلت بها بمعدل عشرين مرة في اليوم،وأرسلت لها من الرسائل،ما يمكن أن تعيد العلاقات بين دولتين متعاديتين..لكن دائما هاتفها مغلق.. بالأمس،فقط بالأمس، مسحت رقمها من الهاتف،كبريائي الجريحة قالت :هذه خطوة متأخرة جدا..لكن ياأيتها الكبرياء كيف سمحت بالحب من البداية.. مسحت رقمها ومازال هاتفي على كفي،ومافائدة مسح الرقم من ذاكرة الهاتف إن كان الرقم محفور في ذاكرتي أنا.. هاهي الأسرة السعيدة قد حضرت،الجد والأب والأم،يحف بهم الانتهازيون من جميع الجوانب،هناك أناس يأكلون عيشهم من مثل هذه الإمور..رشا موهوبة جدا،أنا أعرف هذا جيدا،لكن السرعة القياسية التي طارت بها لم تكن مرجعيتها من الموهبة فقط،عثمان جاكو سيجني الملايين من صوت رشا الأبنوسي،أحيانا ضميري يؤنبني بسبب تحاملي على جاكو، عملي في السوق يحضني دائما على التسامح مع الكسّيبة،لماذا هناك دائما ثمة ضجر من هؤلاء القوم،أعني الناس الذين يلتفون حول النجوم والمشاهير ورجال السلطة؟ أنا اعتقد أنهم يمارسون أدوارا حيوية،الحديث عن الانتهاز بإطلاقه لايستقيم،هذه مثالية حمقاء،جميع الناس ينتهز بعضهم بعضا،حتى الرضيع الذي لايعرف في الدنيا شيئا ينتهز أمه..لكن عثمان جاكو بالذات مريييع جدا..ليتها رشا صادفت مسوقا غيره،ثم كيف لشخص عاطل عن الموهبة أن يجني قوته من اكتشاف المواهب؟
:حافظة حاجة للجاغريو؟ :دا إيطالي وللا شنو؟ هذه الفتاة مصرة على أن تفقع مرارتي ضحكا.. :لا،دا من ناس الحقيبة.. :أنا كنت قايلاهو من ناس الأوبرا :إنتي عارفة بيناتنا فجوة ثقافية كبيرة جدا.. :أغني ليك لهاشم مرغني :لاحولااا ...مالك عليّ يابت الناس؟ ضحكت وقالت :مابتحبو؟ :ماعندي معاهو مشكلة،لكن لما أتشوكش بعداك بسمعو،هسّ دار اسمع الدنيا منى وأحلام..ياسلام..الدنيا منى وأحلام.. :لو شوكشتك بتسمع هاشم مرغني؟ :لا :بتسمع منو؟ :ما بسمع حاجة،بمشي كبري شمبات :كبري شمبات؟ :وإنتي قايلة الكبري دا عملوهوا عشان تقطع بيهو العربات،أبدا، دا عملوهو للمشوكشين.. :تنتحر يعني؟ :جمبلغ،بلغ،بلغ.. :أمشي ياكذاب،في زول شغال بياع بنتحر.. كانت بريئة،مثل الشاش الطبي الذي تضمد به الجروح،معقمة،طاهرة،محصورة الخيال..لكني أخطأت وصنعت منها سعلوة،فتعلمت الجموح،أصبحت مثل الطفل الذي يعرف أن النار ستؤذيه،لكنه مصر على لمسها...استحلت المعزة،فأرادت المزيد،ومع مرور الأيام،تعطشت جدا لاختباري،أرادت أن تعرف عمليا،لأي مدى أنا أحبها.. لم تعرف أن أساس الحب هو:لاتختبر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
ألم مابعد النظرة الأولى مبرح جدا،لولا أن عصام أكثر من الصياح لكررت الزيارة في اليوم التالي مباشرة،ترى هل فعلا تصرفت أنا بخراقة أم أنه نظر للأمر بحساسية مفرطة؟ ها أنذا أمكث إسبوعا كاملا،إسبوعا طوييلا طوييلا.. لم أنم أكثر من عشر ساعات طيلة الأسبوع،عصام أحمق،بدين وأحمق،الطريقة التي يدير بها إموره تذكرني بناظر محطة القطار،لكن للأمانة ناظر المحطة يمارس الصرامة لكي لاتصطدم القطارات ببعضها،إن اصطدمت ستكون الخسارات جسيمة،فمابال عصومة المحرومة،لماذا لايدع القطارات تصطدم؟ إنها فكرة لذيذة أن نصطدم أنا ورشا..ههههه...ستكون المكاسب جسيمة...لا لا..جسيمة تستخدم للخسارات،المكاسب يقال عنها عظيمة...نعم ستكون عظيمة جدا،أعظم من الصفقة التي عقدتها مع مصنع البلاستيك..الكهرباء خبرتني بأن هذه الفتاة تنتظرني،الفولتات قالت أن القلب خاوي،عما قليل سيصبح عصام خارج الزمكان...الزمكان كما يقول انشتاين،طيلة عمرنا نعرف أن الزمن شئ والمكان شئ آخر،هذا الرجل جعلهما شيئا واحدا،لكن الحلاج سبقك ياانشتاين،الحلاج جعل كل شئ شيئا واحدا،أما بالنسبة لي أنا ،العبد الفقير لربه،مندوب مبيعات شركة شالوت العملاقة،لاأريد من هذا الكون إلاّ شيئا واحدا،أن نكون أنا ورشا شيئا واحدا...وبعدها شيلوا باقي عمري شيلوا شبابي شيلوا عينيّ...لكن إن هم أخذوا باقي عمري،كيف سأعيش مع رشا؟ :ألو :في الشركة؟ :أيوا :أنا قريب منك :مرحبيك.. لم يكونوا مجتمعين هذه المرة،بداية غير مبشرة،عصام ليس في مكتبه،طبعا سيكون مع السيد المدير،سأنتظر قليلا ثم ابدأ المناورات.. :إزيك ياعماد ...لهجته فاترة ،هذا الشاب مثل الجمل لايغفر بسهولة.. :مرحب حبابك حبابك شيخ العرب :هههه،والله الليلة لاتحلك شيخ عرب و لاشرتاي..بقيت تكسر التلج كمان ،يارخيص.. :ياآآ الله،إنت يازول جاي تلطشنا من الصباح وللا فهمك شنو يعني؟ :هههه،الجا للتاني منو يا ورل؟ :كدي خلينا في المهم،أنا الليلة جايي اتكلم معالك بصراحة متناهية،بصفتك صديق عمري البدين،لازم أطلعك على التطورات في الجبهة أول بأول.. :فاتت ...عشان ماتضيع زمني ساكت :نعم؟ :رشا فاااتت،شتتت،إتخارجت. :كيف يعني مافاهم؟ :يعني كانت شغالة معانا ترينق بدون مرتب،وفترتا انتهت،شالت شهادتا وفاتت..أي سؤال تاني؟ أبدا لم يكن هناك سؤال،وهل ترك ناظر المحطة القاسي من سبيل لسؤال..مددت ساقي في وضع مستقيم،وطفقت أنظر إلى مقدمة الحذائين،كانا مثل صاروخين على وشك الإنطلاق.. :مشكلتك جيت متأخر... رفعت كفي في وجهه وقلت :إششششش.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
:طيب اسمع دي،ومباشرة بدأت عشة صغيرة...عشة صغيرة نفرشا ليك برموش عينينا
كلنا نعرف كيف يخرج منا الصوت،نعرف تلك الدهاليزالقبيحة والغضاريف الكئيبة والمواد المخاطية المقززة،نعم هذا معلوم،لكن غير المعلوم هو،كيف لهذه الأشياء القبيحة أن تنتج هذا الجمال،هذا الإيحاء الذي عندما تسمعه يجعلك تتلفت لترى الملائكة،معاني مصلصلة تحثك على الرقي،عذوبة متناهية في حدود المدى لكن ليس بالأُذن،وإنما هناك في الدواخل،الأعماق التي لانعرف عنها شيئا..خبرنا الأرض،عرفنا باطنها،حفرنا وأخرجنا الكنوز،لكن عجزنا عن معرفة أعماقنا الخاصة..ماذا يحدث بالداخل؟المحثات..المحثات.. هناك فجوات في المعنى،المعقل،المسلم..بقدر فجوات اللغة..فجوات، فجوات في كل شئ،الكون عبارة عن فجوات...لكني بالمقابل وبفهمي الخاص،اعتقد أن الأعضاء الداخلية قُبّحت وجعلت منفرة، لسبب واحد،لكي لا يستساغ القتل وبقر الأحشاء..الحياة مأمورة بالاستمرار..الاستمرار لا ينتظر من لم يفهم.
مابتغرينا قصور من نور ولا بهمنا حرير مضفور
عندما قالت آآآه أووو تحسست منديلي وعندما أكملت الأغنية قالت مبتهجة :رايك شنو.. لم استطع الرد،فقط أشرت بيدي أن مهلا..وانسحبت ومنديلي على وجهي..ليس من اللائق أن أذرف الدمع أمامها ...هذا سيعد ضعفا بالغا...لكني ونظرا لما جرى بعد ذلك،اعتقد أنها رأت دمعي،عرفت أن لها سلطان،فأرادت استخدامه... والآن في هذا المسرح،أنا استميت لكبح الشعور بالندم،أبذل جهدا لكي أتصور أن الأمر طبيعي ويحدث في أرقى العوائل... المسرح اسمه :قصر النور. تواطؤات...تواطؤات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: جمال ود القوز)
|
مشكور ياقوزو...
نحن تاني أدب بس...لانقاش لاجدال لا خصومة...
في غنية بتقول :عرس بس..لا(شنو كدا ماعارف) ..لاخطوبة...عرس بس..
كالعادة بنكتب رزق اليوم باليوم...قوزو ياصبور هههه...
عاجزين عن الشكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
سلامات يا عليش المبدع
ما زلت أبحث عن نظارة جدو !
عماد لم يعرف رشا كما عرفتها !!
كانت على وشك فقدان عقلها بسبب التغييرات في حياتها .
هي أبتعدت لكي تحافظ على الحب كأجمل ذكرى في حياتها قبل أن
يتحول الى كراهية .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
شكرا عليش على هذه السرديات الجميلة .. اريتك دايما مغيوظ عشان نقرا ملح هههه... درديري دا اظنو بطل زعل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: محمد على طه الملك)
|
مرحب كتير بمولانا الملك..
وأكتر من كتير بالأخت نعمات..
يانعمات المؤلف لأنو خبيث بقوم يستخدم إسلوب البطل يحكي بنفسه (تخيلي ماعارف الإسلوب دا بسموهو ا شنو).. لكن لو في شفافية في القصة،كان مفروض يكون في راوي مستقل عشان ندي رشا فرصة تحكي..لكن الشفافية بتخلي القصة زي أورنيك 15 مالي.. التعتيم متعمد،دا لزوم التشويق... بعدين إنتو دايرينا بضبانتا؟ ماتجتهدوا شوية ههه ...لازم تكون في فجوات...الكون عبارة عن فجوات يانعمات هههه
.:نظارة جدو هي تشبيه رشا لموتر عماد الفيسبا .. ودا عشانك إنتي بس ماتوري زول هههه بقيتي لي زي ود البشرى هههه
شكرا جزيلا لنجوم البورد أن سطعت في سماء البوست... تلج أبو لستك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
وأنا في صمتي المنهزم،شعرت بعصام بدأ في الترخرخ،بدت منه علامات التعاطف،أحضر كوبا من ماء ووضعه أمامي على الطاولة...أخيرا فهم المسألة من اتجاهها الصحيح..لكن أخشى أن الأوان قد فات.. :طيب ،عنوانا مش قاعد في شيئون العاملين؟ :لا أبدا..هي أصلا جات بواسطة المدير،مافي زول كان بتكلم معاها في الشغل خلافو..عرفنا إنو صاحب أبوها...عشان كدا ماعندها أي حاجة معانا،لاملف لاوثيقة ولاأي حاجة.. :طيب ماعندها صاحبة من الزميلات؟ :واحدة بس اسمها سامية.. قلت بإشراق:جميل ،يلا نمشي لسامية عشان نشيل تلفونا منها.. :سامية ماخدا إجازة،أمها عندها مشكلة في العيون، سافرت معاها الهند عشان تعمل عملية هناك،دايرة ليها شهر عشان تجي.. :كمان؟ بعدّا مافضلينا إلا السيد المدير.. :أنا دار اسألك ياعماد، بس معليش يعني،إنت البت دي بتعرف عنها حاجة؟ ووجدت نفسي أقول :البعرفو عنّا أبوها مابعرفو وتركته فاغرا لفاهه...لكني حسوت من الماء...كنت عطشا جدا.. :الليلة جانا زول في البيت،شغال في المجال الفني.. :أها؟ :يعني،طرح علينا حكاية الغنا دي،ناس البيت وافقوا لكن أنا مترددة.. صمت ،لم أرد عليها ،دائما مافضلت التزام الصمت في مثل هذه المواقف،مواقف الخسارات شبه الأكيدة. :مارديت عليّ يعني؟ :والله يارشا أنا مابقدر أفرض عليك حاجة،دا مستقبلك إنتي الشخصي،بعدين يعني مافي حاجة رسمية بيناتنا تسمح بأنو يكون عندي كلمة في الحتة دي..
في فترة الثلاثة أشهر الأخيرة،عندما أجلس وحدي،وأحاول استرجاع الشريط من أوله لمعرفة أسباب ماحدث،دائما مايتوقف بحثي في هذا الجزء من الشريط ،لدي شبه جزم بأن هذا الرد القبيح هو مصدر كل هذه البلاوي..كانت تريد مني أن أترجاها،أن أفرض أنانيتي عليها،أن أسعى للاستحواذ...لكن الكبرياء اللعينة،لديها حساباتها الخاصة أيضا.. غير أن الشريط يتوقف برهة،ثم يعاود التكرار،عشرا ت الاحتمالات،تتولد منها مئات الافتراضات،تفضي بدورها لألاف الوساوس..وهكذا دواليك..حتى أوشك دماغي أن يصاب بالجنون،تماما مثل نظرية إغراق الموقع الإلكتروني بالرسائل حتى يصاب بالفايروس..لقد أصبت بفايروس،سيطر على دماغي وأوصلني حتى كبري شمبات،لكني لم أقفز...كانت ملهمة جدا عندما قالت :في بياع بنتحر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
لن استطيع أن انتظر حتى تحضر سامية من الهند...شهر كامل،ثلاثون يوما،وأنا الذي تجرعت التباريح من إسبوع واحد،كيف سأتحمل أربعة أخرى...ثم قد تحدث تطورات في هذا الشهر،من يدري ربما تقدم لخطبتها شخص ما...من جديد أحمل عصام مسئولية ماحدث، لولا عنفه البالغ في ذلك اليوم لكان الأمر مضى بسلاسة...ردة فعله كانت عنيفة ومريبة... شاهدت قبل فترة برنامج عن البدايات،البدايات أم البدائيات؟ لا أذكر، لكن ما أذكره هو أن بدائي ضد متطور،أو ضد متحضر،لكن بادئ ضد مكتمل،البدايات تقول،الأنسان الذكر صياد،الإنسان الأنثى طريدة ، الصيادون يتنافسون على الطرائد،هذا التنافس مازال موجود فينا،لكن تطورنا جعلنا نخجل منه،نحاول المداراة،التحضر يرفض هذه السلوكيات الحيوانية المشينة،لكن بالمقابل مازالت هناك نزعات كامنة،موجودة في العقل الباطن،شفرات بالغة الضعف،مثل (كوم الجمر) الذي دُلقت عليه الماء،غالبا لن ينطفئ بالكامل،هذه النزعات الكامنة،لايوجد لها تفسير ـــ في عالم اليوم المتحضر ـــ إلاّ تلك السلوكيات المشينة،سلوكيات البداية...لابد أن عصام ـــ وضميري لايؤنبني في هذا الاعتقاد ـــ تضايق من أن يأتي ذكر من الخارج ليخطف أنثى من الزمرة.. .عندما كنا في فترة الصبا ،كانت لدينا مثل هذه الحماقات ،(بنات الحي) ممنوعات عن شبان الأحياء الأخرى،حتى إن تصادف أن كان هناك شاب صديق،الصداقة لن تطول هذه السماوات أبدا،سماوات فرض الحماية ،الإحساس المتوهم بأن هناك أنثى تنتظر منك النجدة، لطالما كانت الأنثى موهوبة جدا في تدمير روابط الصداقات الذكورية..متعمدة أو مرغمة..هذا هو دورها المفروض. لو كان عصام مرن بعض الشئ،لو أبدى قليلا من روح التعاون،لتحصل على هاتف سامية في الهند، لكن هذا الصديق،خلاف كوب الماء الذي قدمه لي لم ألمس منه أي تعاطف، إذن لابد من الاعتماد على النفس،سأذهب للمدير،سأناور قليلا،لدي بعض الأسس التي قد تجعل الطريق معبدا..نعم لابد من مقابلة السيد المدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
:بكرة ح تكون أول بروفة.. : بالله؟ ربنا يوفق .. :ناس البيت ح يكونوا معاي،دايراك برضو تجي تحضر.. قلت فزعا:أجي كيف وناس البيت قاعدين،يعني ح تقولي ليهم شنو؟ :هم عارفين،أنا وريتم أي حاجة.. ياللهول،هذه الفتاة عجيبة جدا.. :كيف يعني ؟قلتي ليهم شنو؟ :قلت ليهم اتعرفت بشاب وبعد تنتهي مرحلة التعارف ح يجي يخطبني منكم.. عندما يكون زمام المبادرة بيد الفتيات تصبح الإمور غير عقلانية إطلاقا..هذا المسار ركيك ولن يوصل لغاية سليمة..لابد من التروي في مثل هذه الحالات.. :البروفة الساعة كم؟ :5مساء.. :ياالله معليش ،معليش يارشا،إنتي عارفة عندي ارتباط مهم في الزمن دا... وكانت تلك كذبتي الأولى والأخيرة،لم تتح لي فرصة أخرى لأكذب عليها،عثمان جاكو حرمني ذلك الشرف... :ياخييي.. رأيت شفق الخيبة يرسم حمرته على الخدود الندية،رأيت العيون تتعفر بمرحلة ماقبل الدموع،رأيت رعشة الكف الصغير الأنيق.. انهزمت،نكصت،وليت الدبر:لكن بحاول بجي،أقوليك اعتبريني معاكم... لا أدري هل هي فرحت فعلا،أم تظاهرت بالفرح،لكني أدري أن الجو قد تكهرب،وبرزت جدران الشك والهواجس..ترى هل كانت موجودة فعلا ومُعمية أم وجدت لتوها...اتقوا قلب المرأة فإن به رادار..
في يوم البروفة الأولى تعرفت على الأسرة،أسرة راقية ومتحضرة،الجد بالذات أعطاني إشارات بأننا سنكون صديقين حميمين،الأب تصرف معي ببرود..لكن الأم من أن رأتني أشارت بأصبعها السبابة: أعمل حسابك فاهم.. دمها خفيف جدا،لكن ليست لها براءة رشا..ومن مثل رشا؟ وتعرفت على عثمان جاكو...في عالم الذكور،عالم الأقطاب المتشابهة ،لاتوجد هناك كهرباء في التصافح،لذلك صافحته محايدا،شكله المريع أيضا لم يهمني،لست من الذين يقيمون الناس بناء على أشكالهم،لكن طريقته في التحدث،فحوى أحاديثه،طريقة ضحكهه،محاولته المستميتة البلهاء ليصنع لنفسه نفوذ،هذه هي الأشياء التي صرعته في نظري،عثمان جاكو كان بامتياز متطفلا ،متطفلا عليّ أنا ،على زمرتي...يريد أن يخطف مني أنثاي. جلست وحيدا في المؤخرة،اخترت مقعدا نائيا وجلست،عثمان جاكو كان يري أن الأغاني الوطنية وأغاني الحماسة لها أهمية قصوى للمطرب،قال لابد من الحصول على الرضا الحكومي،ستنفتح لنا أبواب الإعلام المرئي والمقرؤ..وهذا ماحدث بالضبط لاحقا...لقد أثبت أنه مسوقا ماهرا،الحديث عن الانتهازية بالمطلق محض حماقة..جميع الناس ينتهز بعضهم بعضا.. :يلا يارشا باعتبارا دي أول بروفة،نحن ح نديك فرصة تختاري الغنية الأولى براك،ناس الموسيقى جاهزين لأي غنية،بعدالغنية الأولى دي تاني ماعندك حق اختيار أي حاجة..آآآ؟ دي بس عشان تودعي بيها حياتك السابقة،إنتي بعدّا مقبلة على مرحلة جديدة خالص في حياتك..إتفقنا؟ :أيوا.. :جميل،يللا تختاري غنية شنو. نظرت نحوي،التقت أعيننا .. قالت :عشة صغيرة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
عملي المصاحب ـــ وليس عملي ـــ هو ما أعول عليه لفتح طريق ما مع مدير عصام،ذاك الرجل الذي يملك الخيط المتاح الوحيد للوصول إلى رشا...قبل ثلاث سنوات،كنت مندوب مبيعات عادي من ضمن إسطول مناديب شركة شالوت للمواد الغذائية،استيقظ فجرا وأمتطي دراجتي البخارية ماركة (فيسبا) وأتوجه لمخازن الشركة،وهناك أجد سائق الشاحنة المبردة في انتظاري،معبأة وجاهزة للإنطلاق،ثم نبدأ جولتنا اليومية التي تنتهي بعد الظهر بقليل،كانت المكاسب جيدة،مرتب ثابت ونسبة من أرباح المبيعات...لكن خلال الثلاث سنوات الأخيرة تضاعفت المكاسب بصورة مضطردة،فقد تعرفت على (ماطر ) وهو أكبر وسيط موجود بالسوق،في الحقيقة لم اتعرف عليه بل هو الذي تعرف عليّ،لا أدري من أعطاه رقمي ولم اسأله عندما اتصل بي :ألو :سلام عليكم ،معاي عماد طه؟ :نعم أنا عماد طه :ياخي معاك ماطر حسن ،نحن مابنتعارف،أنا شغال وسيط في السوق،عرفت من بعض الأخوان إنك شغال مندوب لشركة شالوت،الكلام دا صحي؟ :نعم.. :جميل،يللا دار نفتح معاك صفحة بتاعة تعاون لو ماعندك مانع؟ :كيف يعني مافاهم؟ :دار نستفيد من زبائنك ،عندنا طلبيات تسويق لبضائع من مصانع وشركات صغيرة وتجار مستقلين،نحن ح نوريك الموجود شنو ودايرنك تعرضو على زبائنك،وعشان مانسبب ليك حرج مع شركتك ح نتجنب الحاجات الشغالة فيها...وبعداك عندك نسبة 5% من الأرباح..رايك شنو؟ لم أفكر كثيرا،مباشرة قلت :5 شوية داير10%... تساومنا قليلا،ثم صفت النسبة على7%... ودارت عجلة الربح،كانت مواسم جيدة،ثم تعرفت بعدها على أنشطة ماطر الأخرى،وعبره تعرفت على وسائط آخرين،ومع الزمن أصبحت أعمل في كل شئ تقريبا،مواد غذائية،مواد بناء،أعلاف،أثاثات،عملة..إلخ. أصبحت ثريا جدا،لكن حافظت على وضعي السابق،مازلت أمتطي موتر الفيسبا وأرتاد نفس المطاعم،لكن بالمقابل حولت مالي لإصول محترمة...وتشابكت علاقتي مع كثير من أهل المال.. أصبحت لدي خبرة كافية عن كيف يدار المال في هذا البلد،وهذه الخبرة هي بالضبط التي سأستغلها عند لقائي بمدير عصام..سأناور وأموه،ثم أدلف للسؤال الحاسم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
حرصت أكثر من رشا على أن أحضر لمشاهدة البروفة الثانية،نما في صدري غل لابأس به تجاه عثمان جاكو،لم يكن تفكيري هو أن أحضر لحماية رشا،لا..كان تفكيري أن أحضر كي ألحق الأذى بهذا الرجل،أصبحت شهوتي في النيل منه أكبر من حرصي على سلامة رشا،لكن يبدو أن الأحمق كان يبادلني الشعور،أو ربما أدرك بغريزة الانتهازي أن وجودي يشكل خطرا عليه...فما إن بدأت رشا بالغناء حتى أحضر مقعده وجلس بقربي... :معليش ياأستاذ أنا المرة الفاتت ماتعرفت عليك كويس..إنت عندك صلة رحم مع الجماعة ديل؟ :أيوا.. :بتبقاليهم شنو؟ : أنا ود عم رشا.. :عمها دا منو ماعرفتو؟ :عمها قابيل :قابيل دا برضو ماعرفتو :قابيل الكتل هابيل... فغر فاه لفترة ينظر إليّ،ثم قال بصرامة مفتعلة: إنت بتستعبط علي وللا شنو؟ :لا..لكن إنت بتستعبط علي.. صمت ولم يقل بعدها شيئا،لكن نظراته قالت كل شئ..أصبحت المعركة مكشوفة،لامجال بعد الآن لمحاولة التمويه،لابد من توجيه الضربات الموجعة سريعا،الزمن عامل حاسم جدا...كانت لديّ خطط تجاه هذا الأخرق،كنت سأهشم عظامه،لكنه تصرف بمكر بالغ،سبقني بخطوة واحدة،خطوة واحدة فقط لكنها حاسمة جدا.. كانت رشا كعادتها تغني بحبور بصوتها الأبنوسي...أعضاء الفرقة الموسيقية يتمايلون طربا وهم يعزفون...وهناك في المقدمة جلس الجد لوحده يشاهد حفيدته المدللة،غاب الوالدان اليوم، في المؤخرة كنا أنا وجاكو نتفرس مثل ذئبين على وشك الأنقضاض على بعضهما.. هذا المشهد برمته كان آخر عهدي برشا...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
لم أعرج على عصام في مكتبه ،ذهبت مباشرة للسكرتيرة وطلبت مقابلة المدير..رفضت إدخالي في البداية بحجة عدم تحديد موعد مسبق،استخدمت حيلي الخاصة فاقتنعت بأن تخطره ثم تخبرني برده..غابت وحضرت ،قالت :تفضل... في الواقع شركتنا لها سمعة ممتازة في السوق..(مندوب شركة شالوت) بطاقة صالحة للعبور الفوري... كنت أظن أن المهمة ستكون سهلة،لكن الرجل بدا حريص جدا،ليس من النوع الذي يحب بسط الكلام...أو ربما أكون قد حضرت في توقيت سئ..من البداية أظهر رغبته لمعرفة سبب الزيارة بالضبط،وهذا مستحيل طبعا.. :نحن طبعا ياريس عندنا منتجات متنوعة جدا،وكمان أسواقنا الحمدلله مفتوحة ،فدار أشوف لو في طريقة ،أي طريقة عشان نتعاون معاكم..أنا مفوض من جماعتنا هناك.. :عندك اقتراحات محددة؟ :بصراحة أنا مامجهز حاجة لكن ممكن ندردش شوية ونصل لخطة وأتمنى ما آخد من زمنك كتير... :ياريت يا أستاذ لوفي طريقة أنا زمني مزحوم جدا،لكن ح أكتب ليك مذكرة لي ناس المبيعات والمشتروات حقيننا ، أمشي أقعد معاهم ،شوفوا البتصلوا ليهو شنو وأعرضوا عليّ.. :أيوا ياريس لكن.. لم يدعن أكمل كلامي،تناول ورقة ،كتب عليها ثم مدها لي... لم يكن هناك من سبيل غير أن آخذ منه الورقة،وبمجرد أن استلمتها منه،فتح أحد الملفات التي أمامه وأخذ يقلب فيها..وقفت لبرهة أتامله،ماذا يحدث لو أخطرته بسبب الزيارة الحقيقي،كل الاحتمالات السيئة المتوقعة،لن تكون أسوأ من أن انصرف من أمامه خالي الوفاض..حزمت أمري وقررت الحديث،لكن قبل أن افتح فمي دخلت السكرتيرة..قالت :مخلّصنا بتاع سواكن وصل.. رد متلهفا :دخلي سريع.. خرجت من المكتب مغتاظا جدا منها،حضرت في توقيت حساس،ماذا عليها لو تأخرت دقيقة واحدة فقط...لكن بعد ثلاثة أيام فقط من ذلك اليوم،قدمت لي هذه الآنسة الفضلى خدمة جليلة،فقد صادفتها في أحد (المولات)..ومن كان برفقتها:رشا حامد شخصيا. في البهو الموصل للباب وجدت عصام أمامي،بدت منه علامات الإنزعاج الشديد عندما رآني، أدخلني لمكتبه وهو يسأل :الوداك للمدير شنو؟ :مشيت ليهو لي شغل.. :عماد إنت كدا بتسبب لي حرج ،أرجوك بطل الحركات الصبيانية دي.. :كيف بسبب ليك حرج مافاهم؟ :كيف مافاهم ؟الشركة دي كلها عارفاك صاحبي.. :خلاص قوليهم الزول دا ماصاحبي وماعندي بيهو علاقة.. :أكضب يعني؟ :لا الجاب الكضب شنو هسّ؟ :يعني إنت فعلا بقيت ماعندك بي علاقة؟ :نعم :يعني ياعماد بعد السنين دي كلها بتتخلا عني عشان بت مابتعرف عنها حاجة؟ :كدي أقعد براحة وفكر،شوف منو الإتخلا عن التاني.. مددت له مذكرة السيد المدير:دي أجدعا في السلة.. انصرفت والغضب يحجب عني الرؤية،منذ أن صافحت رشا والكون تعمه الفوضى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
كيف هو الموقف الآن بالضبط؟ لابد من عمل جرد دقيق للإمورحتى نستطيع بصورة معقولة تقدير الماكسب والخسارات المحتملة...فقدت ورقة المدير وأيضا ورقة عصام (رغم أنه لم تكن له ورقة أصلا)..لم يتبق كثير شئ،غير الأمل الذي يلوح من سامية لا أملك شيئا..حسنا، لنفرض أن سامية حضرت من الهند،هي أمامي الآن،كيف سأقنعها أن تلمني برشا؟...نعم ،الفرصة ضيقة للغاية،لكن مازال هناك أمل..خبرتي في عالم السوق،أكسبتني قناعة ألاّ استهين بعامل الصدف،الحظ،المؤثرات غير المتعمدة،لدي تشبيهي الخاص في هذا الأمر:هناك مباراة قائمة أبدا بين فريقي النجاح والفشل،الإنسان ميدان،كل فريق لديه مدربه الخاص الذي يحمل في جعبته خططه المحكمة التي من شأنها حسم المباراة،لكن هناك شئ ليس بيد أي من المدربين،وهو الظروف التي تنفذ فيها تلك الخطط ...الذي يحدث عادة،أن جهة ما خارجية، لها سلطة أعلى من سلطة أي من المدربين،تدفع بمؤثرات حاسمة أثناء سير المباراة،تلك المؤثرات لا يحكمها منطق ولا يحدها توقع، خارجة عن السيطرة تماما،وغالبا هي ماترجح الكفة. أمضيت ثلاثة أيام قلقات جدا،كانت تتناوشني الأعاصير من جميع الجهات،مايزال لدي دافع كبير للوصول لرشا،لكني أحيانا أفكر في هل أنا حقا أفعل الشئ السليم؟ ربما أكون اتصرف بطريقة صبيانية كما قال صديق عمري الذي فقدته،تصميمي المتطرف غير منطقي أبدا في هذه المسألة،لكني من جديد أعيد كرة التفكير،أقنع نفسي بأن حدي هو،ماينبغي عليّ هو،واجبي هو،أن أصل لرشا وأطرح عليها الأمر،هنا تنتهي مهمتي،هنا فقط مستقر كل قلق،الذي يحدث بعد هو من شأنها هي،ولا أملك غير أن أسلم به،عدا ذلك أي نكوص عن محاولة الوصول إليها مرفوض تماما...هذه هي المسألة بالضبط...نعم،اعتقد أن هذا منطقي جدا. بدا أن مدرب فريق الفشل مسيطر على المباراة تماما،خططه أكثر ذكاء ،لاعبيه أكثر مهارة، فريق النجاح شبه مستسلم،لكن قبل نهاية اليوم الثالث تدخلت تلك الجهة الخارجية،حدثت صدفة العمر كله،حسمت المباراة بأجمعها في دقيقتين فقط..في (مول بيتي) قابلت رشا حامد وجها لوجه ،غير أن هذه ليست هي الصدفة المعنية،الصدفة هي أن كان برفقتها عبير سكرتيرة المدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
مول بيتي زبون قديم جدا،أعرف أقسامه المختلفة شبرا شبرا،أحيانا نغشاه فقط أنا وأيوب السائق لنحتسي عصير التبلدي من الكافتريا الصغيرة الملحقة به،لكن في ذلك اليوم كانت لنا معه بعض المعاملات، معاملات بسيطة لن تتعدى دقائق..طلبت من أيوب أن يبحث عن موقف ساهل وينتظرني بالشاحنة، لاوقت اليوم للتبلدي،البرنامج ضاغط جدا..فتحت الباب ،أخرجت رجلي اليمنى من الكابينة،قبل أن أخرج اليسرى لمحت رشا حامد متجهة نحو المول،كانت معها فتاة أخرى،تبينت بعد ثواني أنها سكرتيرة السيد المدير..رغم أني قد قابلت رشا قبل مايقارب الإسبوعين،وقابلت السكرتيرة فقط قبل أقل من ثلاثة أيام،إلاّ أني عرفت رشا من أول وهلة،احتاجت مني السكرتيرة لبعض الجهد ... لو أني في مكاني هذا رأيت أسدين متجهين نحو المول لما ذهلت مثل ذهولي هذا...أو بالأحرى لما شعرت بخوفي هذا..من خلال الارتجاف ،تسارع ضربات القلب،ضيق التنفس، ورشحات العرق ،كان أول مافعلت هو أن أرجعت رجلي كما كانت،أغلقت الباب بهدوء شديد وكأنهما ستسمعان الضربة من مكانهما البعيد ذاك ..قال أيوب :مالك رجعت. قلت مبهورا :أصبر النعمل لي خطة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
في عالم السوق الناس دائما محصورة بين حدين إثنين،رجاء الربح والخوف من الخسارة... رجاء وخوف،والخوف بطبعه محفز أقوى من الرجاء..إن أردت بيع شئ لأحد ما،ابدأ أولا بتدمير مخاوفه المحتملة من الخسارة،ابدأ بالسؤال الذهبي:ح تخسر شنو؟...ثم بعد ذلك ادلف لاحتمالات مكاسبه المتوقعة..لكن عدم الخسارة في حد ذاته ربح...أيضا الثقة مهمة جدا في عملية البيع،لابد أن تعرض بضاعتك وأنت واثق منها،الإيحاء بالثقة لا يماثله شئ البتة،الناس في معظمها تتضجر من عملية اتخاذ القرارات،إنه الخوف أيضا لكن بوجه آخر،لذلك عندما يجدونك واثق من نفسك،من عرضك،من بضاعتك،سيسهل عليهم اتخاذ القرار...أما إن لم ينجح هذا كله فلاسبيل غير إحداث الفوضى،فرض التشويش،خلق جو من المناوشات،هذا سيصرف جزءا كبيرا من تركيز المستهلك..لن يعي بنفسه إلاّ وقد اشترى....هكذا نجني الأموال. وهذا بالضبط ما سأفعله اليوم في مول بيتي...الخطة ستكون من ثلاث خطوات فقط،تبديد الخوف من الخسارة،إظهار الثقة في الطرح،ثم إحداث الفوضى...لابد من الفوضى... قبل أن انتهي من تفكيري لمحتمها وهما يخرجان من المول،ياللهول ،لماذا هذه السرعة،فتحت الباب وقفزت من السيارة...مباشرة توجهت نحوهما... :سلام عليكم.. :وعليكم السلام.. :إنتي رشا حامد صاح؟ وإنتي سكرتيرة المدير صاح... لم انتظر إجابة أبدا... :انا اسمي عماد طه،قابلتك يارشا في الشركة قبل إسبوعين،بتذكري؟ كانت تهمني الإجابة جدا.. هزت راسها نفيا.. :وإنتي ياأستاذة قابلتك في مكتبك قبل يومين وطلبت منك مقابلة المدير،بتذكري؟ :لا مابذّكر.. :قلتليك أنا مندوب شركة شالوت وقلتلي مابقدر أدخّلك لأنو.. :أيوا صاح إتذكرتك..أها المطلوب شنو هسّ؟ :باختصار وللا دايرين لف ودوران؟ قالت السكرتيرة متبرمة:باختصار.. :أنا معجب برشا وقصدي شريف.... رشا لم تعد قادرة على الوقوف فأسندت جسدها على الحائط،بدت ملامحها وكأنه أجريت لها عملية شفط كامل للدم...لكن من حسن الحظ أن السكرتيرة كانت ذكية جدا،قالت :طيب يللا هسّ هسّ المطلوب شنو؟ :في كافتريا صغيرة جوة ،داير خمسة دقائق بس من زمنكم ،خمسة دقائق بس ما اكتر من كدا،واحد من إتنين يا إما استمرينا في الموضوع،أو كل واحد راح لحالو... رشا كانت خارج التغطية تماما،لم تفتح فمها ولا بكلمة واحدة... بدت السكرتيرة وكأنها تنتظر مني ذلك الاقتراح :مافي مانع يللا يارشا... دخلت أولا،ثم دلفا من بعدي... مضى الأمر تماما كما خططت،واحد :تدمير مخاوف الخسارة،إثنان:الإيحاء بالثقة...تبقت الفوضى...لابد من الفوضى العارمة... لكن بطبيعة الحال،الفضل في كل ذلك يعود للسكرتيرة... صدف داخل صدف داخل صدف...تواطؤات وتواطؤات مضادة...الإنسان ميدان ،المباراة أبدا قائمة....المدربان على الخط...المؤثرات الخارجية أحيانا تأتي من هنا،وأحيانا من هناك.. صحيح قد تبدوهي عشوائية،قد ترونها كذلك،قد يكون لديكم أسبابكم الخاصة لاعتقاد ذلك،لكن صدقوني :الكون خالي من العشوائية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
بعد أن جلسنا سألت :تشربو شنو؟ قالت السكرتيرة:لا،معليش.. :عندهم عصير تبلدي جميل.. :لا معليش مابنشرب عصائر نحن.. :ليه مابتشربو عصائر.. :عاملين رجيم... :خلاص نجيب ليكم مديدة حلبة.. ضحكت قائلة:لا شكرا ،أحسن ندخل في الموضوع سريع... قلت :أها.. :أها شنو؟ ماتتكلم إنت... جررت نفس عميق،بدوت مثل المحامي الذي يود تلو المرافعة النهائية:أنا شاب عادي زي باقي الشباب،شغال كويس،بتابع الكورة،وبمشي بالأمسيات أضرب القنقر في محل عمك تربس.. عندي صاحبي اسمو عصام شغال معاكم في الشركة،عصام عثمان بتعرفوهو طبعا،قعد اتردد عليه في الشركة،في الفترة الأخيرة طولت شوية ،لكن قبل خمستاشر يوم مريت عليهو،لاقيت رشا هناك...ومن اليوم داك وأنا إموري جايطة... :جايطة كيف يعني مافاهمين؟ :جايطة جدا،خليت كل شئ،تصوري لي خمستاشر يوم ما أكلت قنقر،الشغل ذاتو ماقعد أنجزو كويس،بساهر للصباح..يوم ودوني المستشفى،رقدت تلاتة أيام... كنت أتحدث وأنا أراقب رشا...كان لدي المزيد،لكن السكرتيرة قاطعتني:طيب،طيب،فهمنا... :كمان أقوليك حاجة،لما جيت للمدير قبل يومين،كنت أصلا جاي عشان رشا..عصام قالي مافي زول بعرف عنا حاجة غير المدير وسامية،وسامية سافرت الهند،أها أنا قلت أجي أقابل المدير لو أقدر اطلع بحاجة.. قاطعتني مجددا:طيب طيب كويس...أنا ح أحاول أكون وسيط بينكم...إنت ياأستاذ مابتعرف رشا،شفتها وأعجبت بيها،لكن مابتعرف عنا حاجة،يللا أنا دار اسألك،شنو الصفات البتتمناها تكون في شريكة حياتك؟ :عندي تلاتة حاجات مهمة جدا،التالتة أهم حاجة ،يعني ممكن أقدم تنازلات في الحاجتين الأوائل،لكن التالتة لا... :جميل نحن ماشين كويس...يللا ورينا الحاجات دي.. :أول حاجة العيون تكون عسلية،تاني حاجة الشفايف الفوق تكون قصيرة على خفيف عشان تظهر السنون،الحاجة التالتة والمهمة جدا الرقبة تكون طويلة... نهضت رشا فورا قائلة:أنا ماشة ياعبير... لم أتردد مباشرة التفت إليها:هسّ عليك الله أنا منتظر خمستاشر يوم أسمع فيها صوتك،خمستاشر يوم لا أكلت لا شربت،ويومك التتكلمي تقولي أرح ياعبير...رفعت صوتي بصرامة:أقعدي... وجلست رشا... قالت عبير:أسمع ياأستاذ ماعندك شغلة برشا نهائي،خليك معاي أنا،كدي خلينا من العيون والحاجات دي هسّ،أنا بتكلم عن الصفات الوجدانية،يعني إنت بفهمك دا لو رشا لاقدر الله حصل حادث،وغير شكلها دا ح تجدعا وتمشي مش؟ :والرقبة ح يكون شكلها كيف بعد الحادث ؟ التفت نحو رشا صائحة:يا اخوانا الزول دا حوشوا مني.. لكن رشا لم يكن لديها قدرة بتاتا على أن تحوش أحد... :ركز معاي ركز معاي،أنا دار أساعدك،دار أعرف هل في توافق بيناتكم،وريني الصفات الدايرا في شريكة حياتك،الصفات الوجدانية وبس.. :دايرا تكون زي رشا... :أوب علينا نحن... عندما تفوهت بتلك العبارة التقت أعيننا ،رأتني اكتم ضحكاتي،ففهمت كل شئ،كانت فتاة ذكية... قلت:معليش ياعبير،إسلوبك دا مابوصل لحلل،ليه؟ لأني أصلا داير رشا أوكي؟ مهما كانت صفاتا أنا دايرا،يللا مفروض إنتي توجهي السؤال ليها هي،يعني إنتي عكستي الآية،قولي لرشا الصفات الدايراها شنو في شريك حياتك...عشان بعداك نحدد.. :كلامو منطقي يارشا،لكن قبل مانسأل رشا ،إنت قريت شنو خريج شنو يعني؟ :خريج زراعة.. :طيب حلو أنا بحب الزراعة جدا،البلد دي مستقبلا في الزراعة،لكن ليه مااشتغلت في مجالك؟ :اشتغلت تلاتة يوم بس،مشيتليهم شغلوني في مشروع،مدير المشروع ماخد دكتوراه،قالي ماعندنا ليك مكتب،مكتبك في الغيط مع المزارعين،مشيت الغيط،جزمتي اتملت طين،رجعت للمدير قلتليهو :والله أنا شغل يملا جزمتي طين مابنفع معاي...سلام عليكم.. ضحكت قائلة :قدمت استقالتك؟ :أيوا..المدير قالي خسرتنا ورق ساكت.. ضحكت من جديد وقالت:يللا يارشا الدور عليك،ورينا الصفات الدايراها في شريك حياتك... بعد صعوبة شديدة قالت :يكون جادي.. مباشرة أبرزت وجهي للأمام،واتخذت تعابير الجدية.. ضحكت عبير،رشا قالت فزعة:لا ما للدرجة دي يكون كمان مرح شوية.. وغيرت ملامح وجهي،كنت أود أن ارسم فيها تعابير المرح،لكن يبدو أني قد رسمت تعابير البلاهة..ضحكت عبير...هذا ليس بجديد...ضحكت رشا...ضحك الكون...سمعته بأذني هاتين يقهقه...تنهدت كالمتسلق الذي وصل لتوه قمة الجبل...عرفت أن الأمر قد قضي...الضحك بشارة القبول. لم يعد هناك حاجة للفوضى بعدُ،تحدثت بجدية معقولة،كان معظم الحديث بيني وبين عبير،لكن بنظام إياك أعني ياجارة...تحصلت في النهاية على موعد،بعد غد في نفس الزمن في نفس المول..سنتقابل ثلاثتنا،عبير ستوصل رشا وتتركنا لوحدنا... أنا مدين لعبير جدا... لاحقا بعد أن آلفتني رشا،اعترفت لي أنها قد كذبت عليّ عندما قالت أنها لاتذكرني،ليس هذا فحسب،بل عبير أيضا كذبت،ليس هذا فحسب فحسب،بل أن رشا بعد لقائنا في الشركة،حاولت معرفة شئ عني..كانت مهتمة بي.. إنه سلوك الطرائد... قلت لعبير:داير رقم تلفون.. ردت بحزم:لا تلفون مافي هسّ.. :طيب لو حصلت حاجة،أي حاجة الظروف مامعروفة... :تعاليّ في الشركة.. عندما خرجنا أشرت لتاكسي،ودفعت ثمن المشوار...فكرت في أنه ينبغي عليّ الآن أن أشتري عربة ...لكني بعد هنيهة طردت تلك الفكرة.. ثم طفقت أبحث عن موتري الفيسبا،بحثت وبحثت دون جدوى،لم انتبه إلاّ وأيوب ينقر على (البوري) ...التفت إليه فزعا..قال :بتكوس في شنو؟ :لالا،مافي حاجة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
المأزق الذي في الحب هو أنه إذا تعكّس معك الأمر فسيشرد منك النوم،أما إذا مضى أمرك بصورة جيدة فسيشرد منك النوم أيضا...لاسبيل للنوم في هذه االليلة ،كنت مقتنع تماما بذلك،لذلك توجهت مباشرة نحو عمك تربس،سأبعثر الزمن هناك،أحيانا يستمر المحل في العمل حتى الساعات الأولى من الفجر..فجأة تذكرت عصام،ثم بدأت أفكر في أمره بطريقة مختلفة،في الواقع لقد تصرفت معه بقسوة شديدة،كما أني أبديت أنانية بالغة بأن أردت إسقاط نفس مشاعري عليه،أردته أن ينظر للأمر مثلما أراه أنا وهذا خطأ فادح،لماذا؟ لأن الدافع الذي كان عندي لم يكن عنده..أخرجت هاتفي واتصلت به،جاءني صوته باردا جدا... :ألو.. :سلام عليكم.. :وعليكم السلام.. :معاك عماد.. :عارفك آي.. :طيب لو عارفني ليه بتسلم علي ببرود كدا... :إنت داير شنو ياعماد؟ :دار أعتذر... صمت قليلا، ليس هناك شئ أسرع من الكلام المباشر،حتى الصاروخ جو جو.. :تعتذر عن شنو تحديدا؟ :بعتذر عن الخمستاشر يوم الفاتن ديل كلهن،أنا ياعصام كنت في وضع ماطبيعي.. :مالك إن شاء الله خير؟ :كان عندي الدورة الشهرية.. :هههآآآي...بقيت تحيض كمان؟ :لا ياخ ماتفهمني غلط،كان عندي فوران في هرمون التسترون..كلنا قعد يحصل لينا الكلام دا،بالذات لما القمر يكون مكتمل ،في الأيام البيض يعني.. :لكن لما قلت كلامك داك القمر كان مافي.. :ما إنت قمري ياخ،من أشوفك طوالي التسترون بتاعي برتفع بدون ماأشعر.. :إتكلم كويس ياورل... وأصبح يرقق صوته بطريقة مائعة :ياشيخ العرب،ياشيخ العرب،ياشرتاي،ياسلطان..أحييي أنا يارخيص... :عصام خليك دقيق ياخ،أنا قلت شيخ عرب بس،شرتاي وسلطان جبتهن من وين؟ :اسكت ياورل.. :ياعصام ياخي ماتتخيل الورل دا كائن حساس قدر كيف،إنت ليه مصر تدخلو في مشاكلنا.. :ماهو ياورل مافي حاجة منتهية منك غير تنظيرك الكتير دا.. :طيب خلاص خلاص،أنا عازمك مباراة عن عمك تربس... :لا والله ماعندي طريقة.. :بدفع أنا غالب مغلوب.. :لا والله الليلة ماعندي طريقة خالص،يوم تاني إن شاء الله.. :خلاص سلام عليكم.. :وعليكم السلام... أغلقت الهاتف وتنفست بعمق،أزحت عبئا كبيرا عن كاهلي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
في يوم الموعد كنت هناك قبل نصف ساعة من الزمن،منذ أن فارقتهما والزمن امتطى ظهر سلحفاة،لكن بالذات الثلاثون دقيقة تلك كانت نار..ليس لدي ساعة يد،أعرف الزمن من الهاتف، أخرجته ونظرت فيه حوالى سبع مرات،كل تلك الإخراجات استهلكت ربع ساعة، تبقت ربع ساعة طويييلة،تركت الهاتف على كفي،تماما مثلما أفعل اليوم على هذا المسرح الكئيب،رشا سومتني العذاب،مواتية ومجافية... لم أكن انتظر بالكافتريا،وإنما على مدخل المول،ليس اليوم يوم الكافتريا...وأخيرا لمحتهما قادمتين من بعيد...لقد حققت انتصارا واضحا في لقائي الأول معهما،الإمور تسير كما أريد،أنا المسيطر على هذا الوضع..لكن كل تلك المعطيات لم تمنع عني نفس متلازمة النظرة الأولى عندما كنت داخل الشاحنة...مباشرة بدأت في تمارين التنفس،شهيق،زفير،شهيق، زفير.. رشا بدت فاتنة جدا،هذه اللمسات التجميلية التي بدت على وجهها،إنما كانت من أجلي أنا،خصيصا لي وحدي،لكن يابنية هوني على نفسك،أنت لست في حاجة لهذا.. قالت عبير:ليه قاعد برّا،ماكان تنتظر في الكافتريا...وللا دا استقبال ريئاسي؟.. :والله ياعبير بعد إذنك يعني،انا سايق رشا مشوار.. بهتت،شعرت بضربة الغدر.... :نحن مااتفقنا على كدا لكن... :ياعبير،دايرك تثقي في حاجة،الحاجة دي ضرورية جدا جدا،أنا ماممكن إطلاقا أسبب لرشا أذى..فهمتيني ياعبير،فهمتيني؟ صمتت قليلا ثم قالت :أوكي،مافي مشكلة،أنا ح أدخل المول،عندي حاجات دار أشتريها.. بديك تلفون بعدين يا رشا...بالتوفيق.. تحركنا نحو الخارج،لأول مرة نكن لوحدنا،شعور ممتع لكنه يلقي مزيد من المسئولية.. :حصل ركبتي موتر قبل كدا؟ :لا أبدا.. :أنا عندي موتر،نمشي بيهو وللا نأجر تاكسي.. :لا، نمشي بيهو.. :متأكدة؟ :أيوا... :بعدين مابتقعدي تصرخي؟ صمتت ولم ترد... لا أدري ماكان تصورها الخاص للموتر المتوقع،لكن يبدو أن موتري الفيسبا الصغير لم يرق لها..أشرت إليه قائلا:ياهو دا الموتر.. قالت بإحباط :دا؟ :أيوا.. تمتمت بصوت خافت:يشبه نظارة جدو... سمعتها،سمعتها بوضوح شديد،لكني بصورة عفوية قلت :قلتي شنو؟ :لالا مافي حاجة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
:لازم نعمل بروفة لطريقة القعدة في الموتر،عشان تتعودي عليها.. :كويس... أوضحت لها الأمر نظريا،طبقته هي بعد ذلك عمليا،مرة ومرتين...ثم طفقت أتأمل فيها،كانت تجلس على الموتر مثلما يجلس النور على رأس الشمعة..رغم حيائها البالغ إلا أنها كانت متوثبة، بدت لديها رغبة أكيدة في خوض التجربة،لم تقبل بالركوب على الموتر مجاملة لي،وإنما كانت تلك رغبتها المحضة...ألمت بي موجة من تأثر،ثم بكامل قواي العقلية،بكل ترصدي،تمتمت ببعض الآيات القرانية ونفثت على وجهها،مباشرة على خديها،نفسي الخشن اصطدم مباشرة بخديها الناعمين.. قالت فزعة :دا شنو العملتو دا؟ :دا عشان مايسحروك... لم ترد عليّ، لكني رأيت ردها على وجهها...طيلة لقاءآتنا الأولى كان هذا ديدننا،أنا (أهترش) وهي تصمت ،كان لسانها شحيحا جدا،مثل سحابات الصيف،سيطرت هي جيدا على لسانها،لكن بالمقابل،لم يكن لها أدنى قدرة على السيطرة على ملامح وجهها...كنت ألقي بالكلمة فأرى الرد مباشرة على وجهها...ثم ،رويدا،رويدا،آلفتني،صارت ترد عليّ الكلمة بالكلمة،علمت لسانها الكرم...لكني الآن في هذا المسرح الكئيب،أشد ما أشتاق أشتاق لتلك الأيام الأُول،أيام ماقبل التعود...الوجه لايجامل،لكن اللسان قد يفعل. بدا الموتر معتدل المزاج،صوته رخيم وتنفسه موزون...كنت أقود بحذر شديد،اخترت الشوارع الأقل زحاما،لكن ذلك لم يكن كافيا تماما،فجأة اعترضتني ركشة في مساري ،كانت المسافة قريبة،انعطفت منها بحدة،اختل التوازن،ذعرت رشا فأمسكت بكتفي،شعرت بشئ أخرجني عن كل شئ،لكنها كانت شحيحة جدا،رفعت كفها بمجرد أن عدنا لمسارنا الآمن،ماهر جدا أنا في قيادة الموتر،لذلك فكرت في أن أتعمد إخافتها حتى تتمسك بكتفي من جديد...لكني شعرت أن هذا تصرف تعوزه النزاهة فرفضته...فيما بعد،بعد عديد القاءآت،كان لدي هاجس أن أخفف من سموها قليلا وحاولت ذلك،وكنت أعتقد أني قد نجحت،لكني الآن،وبعد كل ذلك النظر المتكرر للخلف،بعد مراجعة الشريط مرارا وتكرارا،بت اعرف أن رشا سمت بي أكثر من أن هبطت أنا بها...لقد غيرتني أكثر مما فعلت معها...حدث بيننا شئ قريب من نظرية النار والماء...النعومة التي تنتصر على العنف...هناك تفاصيل لاترى في الزحمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
دلفت بها إلى القسم المخصص للعوائل،كانت للمكان رهبته الخاصة،اخترت ركنا قصيا وجلسنا...أحضرت لنا القناديل،أربعة كما طلبتُ... :حصل أكلتي قنقر؟ :أيوا،لمن كنت صغيرة جدو كان بجيبو لي... احتفظت بثلاثة ومددت لها بواحد:يللا هاك دا نصيبك من الغنيمة... قالت بدهشة :إنت بتاكل تلاتة مرة واحدة؟ :هسّ حالتي أنا مقلل احتراما ليك،عارفة مرات بنعمل مباريات في الأكل أنا وعصام،المغلوب هو البدفع،تخيلي آخر مرة غلبتو كم؟ :كم يعني؟ :لا بس تخيلي.. :ماعارفة يعني.. :والله ما أخليك إلاّ تتخيلي... ضحكت قائلة:خلاص كويس،إمممم،أكلت أربعة وهو أكل تلاتة؟ :هسّ دا خيالك مع النسوان؟...غلبتو 13 / 12.... صاحت:أكلت 13 قندول مرة واحدة؟ :آى،ما المغلوب بدفع... ضحكت بعذوبة متناهية...عندما نتحدث عن الأشياء الجانبية،الأشياء التي ليست لها علاقة بعلاقتنا،كانت رشا طلقة اللسان خفيفة الظل ولماحة،لكن أقل إشارة مني عن عذابات الوجد كانت تصيبها بالذهول...لذلك ،تعلمت مع الزمن أن أدفع بالحديث في سكك العموم،كان ذلك يجعلها تتصرف بارتياح...تحدثنا عن كل شئ،لم نترك شيئا،عبر كل تلك الأحاديث المختلفة والمهولة،عن الجامعة،الغناء،العائلة،العمل،الطعام....إلخ..عبر كل تلك الأحاديث،لم اسمع منها ولا حتى شيئا واحدا،سبب لي التفكير في احتمالات أن تكون هناك اختلافات وجدانية مستقبلية بيني وبينها...رأيت فيها التناسب باستمرار،كانت بالنسبة لي ،مثل ملابس الشتاء للشتاء،مثل العدل للقاضي...كنا كما تقول العرب،وافق شن طبقة.. لكن شن اجتهد،بحث،أما أنا كل مافعلته هو أن صافحت...الأمر كله حسم من مجرد مصافحة.. للكهرباء أدوارها الخطرة... في لقائنا الثاني،قبل أن نمتطي الموتر،طلبت منها أن تأتي لمشاهدته من الخلف... :تعالي أقري الكلام دا.. وأشرت للوحة بين المصباحيين الخلفيين،مكتوب عليها بخط جميل :نظارة جدو... دُهشت لكنها سريعا تمالكت نفسها، قالت ضاحكة:دا شنو إنت يومتا ماقلت ماسمعتني... مع الزمن صار الموتر اسمه نظارة جدو،كنا نقول نظارة جدو في الصيانة،نظارة جدو في الغسيل،نظارة جدو،نظارة جدو...ثم رويدا رويدا،تحورت عبارة نظارة جدو من الموتر، أصبحت رمز للعلاقة التي بيننا،صارت نظارة جدو هي الحب خاصتنا...الكدر الخفيف الذي يحدث بين الفينة والفينة،عندما يحدث،كنا نقول نظارة جدو أصابتها خدوش...وعندما تكون معدلات التفاهم مرتفعة كنا نقول نظارة جدو في قمة تجليها..كنا عدستين في نظارة واحدة...نظارة جدو.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
بمجرد أن خرجت من تلك البروفة بدأت البحث عن معلومات عن عثمان جاكو، غلّي تجاهه كان يعميني عن أي شئ آخر،لم أكن أتورع عن أي فرصة لتوجيه ضربة له ،تحت الحزام أم فوقه،انشغلت عن رشا حوالى إسبوع،تلقيت منها اتصالين لكن لم أرد عليها،في المرتين كانت الظروف غير مناسبة للرد عليها،كنت أنوي أن أعود لها لاحقا،لكن كانت تحدث ظروف أخرى في (لاحقا) هذه أيضا...في نهاية الإسبوع اتصلت عليها،لكن هاتفها كان مغلقا،كررت الاتصال بعد يوم،يومين،ثلاثة أيام،لكن دائما هاتفها مغلق...وبدأ القلق يداهمني،أول مافعلته هو أن ذهبت لمنزلها،طرقت الباب لكن لم يفتح لي أحد،وتوجهت من المنزل مباشرة لمكتب عبير...استقبلتني عبير ببرود،لم تخبرني بالسبب الذي يجعل رشا لاتتصل بي...بعد يومين كررت الزيارة لمنزلها، لكن لم يفتح لي أحد أيضا... في هذه الأثناء بدأ نجمها الفني في الصعود،ما أسرع مايشتهر أهل الفن والرياضة،في الوقت الذي كنت أتضور فيه شوقا إليها ،كانت هي تحيي الحفلات الجماهيرية الناجحة،حاولت طبعا مقابلتها في تلك الحفلات،لكن وضح جليا أن جاكو كان مضيق عليها جدا،لا أحد كان يستطيع الإقتراب من رشا،يحيط بها دائما أربعة حراس شخصيين...ترك جاكو اكتشاف المواهب وأصبح مدير أعمال المطربة رشا حامد.. لكن الطامة الكبرى ،الشئ الذي آيسني منها،وأغضبني أشد الغضب،هو جولاتها الخارجية،بدأت بالخليج...عادت...ثم طارت إلى أوروبا.. فطرت أنا بدوري في عوالم أخرى...صارت الصحف الفنية هي مصدري لمعرفة أخبار رشا،حبيبتي السابقة...لكن رغم اتخاذي القرار،رغم أني في كل ليلة أرسم سيناريوهات عديدة عن كيف استمر قدما في حياتي،رغم تصميمي على النسيان والتجاوز،رغم كل ذلك،إلاّ إني مازلت حريص جدا على متابعة أخبارها،أذهب دائما لارتياد حفلاتها ،كما أفعل الآن في هذا المسرح،أجلس وسط الجمهور وأستمع...أجلس أمام التلفاز في البرامج التي تستضيفها..لذا عمليا على الأرض،بدا واضحا لي بصورة جلية أن انسى رشا ذاك أمر ليس مقدورا عليه...المسألة تحتاج لبعض الوقت... لكن أشد ماآلمني هو أني لا أعرف التفاصيل،لا أعرف ماهو نصيبها في الغلة،وماهو نصيب عثمان جاكو..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
الجوع ،الأرق،والانشداه، هذا هو ثالوث الوساوس المفضل،في تلك الليلة الغامضة،كانت الوساوس تأتي من حيث أدري ولاأدري،كانت الفكرة تقوم على سؤال جوهري،هل أنا اتعذب بسبب رشا؟ الاجابة الظاهرة :نعم...لكن الاجابة الباطنة:لا...كان من الممكن أن تكون هناك أي فتاة أخرى في مكانها،الكون ملئ بالفتيات المناسبات،عملية التوافق ثم النكوص ليست حصرا على رشا وحدها...غير هذا ،كان من الممكن أن اتعذب لأي سبب آخر،قضايا مالية،سقطة أخلاقية،ابتزازات من أي جهة،مشاكل عائلية...إلخ.. الكون ملئ بالأدوار،رشا عبارة عن مؤدي فقط...أس هذه المصائب ينطلق من (الأنا) ،الذات،الشخص في عينه...بمعنى آخر،هناك احتياج قاهر للآخرين،لايمكن لأحد أن يستقل عن الآخرين تمام الاستقلال،أن يعيش لوحده دون أي تأثير خارجي...هذه هي الحياة بالضبط،الحاجة للآخرين..طالما كانت هناك حياة،فستسمر الحاجة للآخرين،وهذا ليس عدلا،لا يمكن أن أباشر أموري الخاصة بناء على الآخرين...الحياة في الواقع سجن،لابد من كسر القيد،لابد من الخروج من السجن،لاراحة إلاّ في ذلك...لا راحة إطلاقا..وتوجهت نحو جسر شمبات،لم تكن هناك رغبة آنية ملحة في الانتحار،ذهابي إلى هناك كان مثل ذهاب لص البنوك للبنك قبل عملية السطو،ذهبت للاستكشاف...عندما وصلت لم أكن أدري كم كانت الساعة،لم اهتم بذلك،لكن من حركة السيارات القليلة عرفت أن الليل لم يبق له إلاّ القليل،وقفت في الجانب الجنوبي،كان المفروض أن أقف في الجانب الشمالي،لكني وقفت في الجانب الجنوبي،،حيث الأمواج مقتحمة وليست خارجة،كنت وسط الجسر تماما،مددت رأسي من فوق الحاجز الحديدي،ونظرت للأسفل، كانت الأمواج هادرة،صوتها عميق رخيم،كان هناك مطب أو حاجز ما على مدرج السيارات حذائي،بحلقت في الأمواج ،بحلقت وبحلقت،لم أر شيئا، الظلام كان دامس جدا،لكني سمعت أصوات: تعال،تعاال،تعااال...صوت إطارات السيارات المتباعد على المطب الذي بحذائى، يردد: نُط،نُط،نُط.. سمعت موسيقى وإيقاع: تعال،تعال،نط...تعال،تعال،نط...تعال،تعال،نط... ثم في لجة الظلمة،رأيت وجوها،أشباحا،تعلو وتهبط،مثل البالونات في يد الأطفال...ثم ظهر عثمان جاكو،كان يلبس لباس القتال في زمن العصر الحجري،يحمل سيفا يقطر دما،كان يجر خلفه فتاة من شعرها،الفتاة تصرخ:أنقذني،أنقذني.. كان ذلك كافيا جدا،لم انتظر لأعرف من هي هذه الفتاة،في ثانية واحدة كنت أجلس على حافة الحاجز الحديدي،رجلاي للخارج تجاه النهر الشهواني،يداي أسند بهما جسدي على الحافة،لم يبق غير أن أضغط بهما على كتلة الحديد لأحرر جسدي...لم أكن أريد أن انتحر،بل كنت أريد إنقاذ الفتاة..لكن قبل أن أفعل،بثانية واحدة،ظهر شهاب في المدى،ليس من فوقي،لكن أمامي مباشرة،كان مساره الضوئي طويلا، عريضا ،بطيئا...الناس تفسر الشهب دينيا وفلكيا،وقد تكون هناك تفاسير أخرى،لكن في تلك الليلة كان ذلك الشهاب بالنسبة لي،مثل دلو الماء البارد الذي دلق على النائم فأيقظه دفعة واحدة...كان دلوا ـــ في تفسيري ـــــ أُرسل خصيصا لي...فورا،أرجعت رجلي كما كانا،تماما مثلما فعلت من قبل في الشاحنة أمام مول بيتي. عندما عدت إلى المنزل،بدأت بشائر الفجر في النزول،لم أفكر في النوم،لم أفكر أن استحم،لم أفكر في أي شئ قط...فتحت التلفاز،إنها مواعيد إعادة البرامج...مباشرة ظهر لي عثمان جاكو،كان يتحدث بطريقته المنفرة،رشا كانت معه،رشا كانت رشا..لكن جاكو مازال يتحدث، شعرت بطعم البصل في فمي،بأثر السياط على ظهري،ضغطت على (الريموت) ...جلت ورجعت،تأخرت قليلا،لم أسمع حديثها من أوله... قالت :بهديها لي نظارة جدو.. ضحكت المذيعة قائلة :نظارة جدو وللا جدو؟ :لا..نظارة جدو... كان ملمحها،مثل،مثل...لامثل له... المذيعة قالت:طيب جميل إتفضلي... غنت : في بعدك ياغالي أضناني الألم... وعشت مع الليلي لا حب لانغم...
عندما قالت الليالي،ومدت صوتها الأبنوسي الليااااالي... حولت وجهي نحو الجدران..ثم غرقت في موجة من النحيب...وقبل أن تكمل هي الأغنية،رحت في ثبات عميق...كان الريموت مايزال في يدي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
تحتفل البلاد اليوم بذكرى الاستقلال،لايهم ماصادفته هذه الليلة من عدد سنين مابعد استقلالنا، لايهم لأن ليس هناك فرق البتة...تلك فلسفة عميقة وشجاعة كبرى أن نحتفل في كل عام بذكرى استقلالنا،الحرية أبدا مقدمة على كل شئ آخر...كل احتياج،كل ضرورة...الحرية تقابل الكرامة.. ليس هناك شئ آخر يزاحمها أمام الكرامة..الإعلام جميعه موجه في هذه الليلة نحو قصر النور،رشا ومعها مجموعة من المطربين،سيشدون لنا بعد قليل أغاني الوطن...سيحضر السيد الرئيس...حضر جمع غفير من الناس...لكن واضح جدا،أن الجميع حضر وسيحضر من أجل رشا.. فجأة رن هاتفي،هاتفي مازال على كفي...إنه رقم غريب،رقم رشا أيضا عاد غريبا،لكن هذا ليس هو...ضغطت على وضع صامت،ليس لدي رغبة ي استقبال أي مكالمة الآن،إلاّ مكالمة واحدة وهذه ليست هي...اهتزاز الهاتف والإضاءة المتعاقبة،تذكر بصوت حلب البقرة على الإناء،والرغوة... مجرد أن انتهت فترة تنبيه المكالمة ،عاد الاتصال من جديد،إنه نفس الرقم...أخذت بعض الثواني،ثم حزمت أمري ،فتحت الخط :ألو.. جاءني صوتها ،مثل السيل على الحصي... :عماد ،الحمدلله،الحمدلله..أنا آسفة أنا آسفة..أنا دار أطلع وماقادرة، تعال طلعني... كانت تبكي بخفوت وتتحدث بخفوت... كان لدي عدد من السيناريوهات المعدة سلفا لهذا الموقف،لكن لم أتبع أيا منها... نهضت واقفا...واصلت هي :أنا في مسرح قصر النور... كان عقلي يعمل مثلما يلعب فريق برشلونة ،سرعة متناهية نحو الهدف،لكن منضبطة... :دا تلفونك؟ :لا،حق واحدة زميلتي هنا.. :في زول سامعك هسّ؟ :لا،أنا بعيدة من الناس.. :قالوليكم الرئيس بجي متين؟ :بعد تلت ساعة... :اسمعيني كويس،حمامات النسوان بتعرفيها طبعا؟ :أيوا.. :بعد عشر دقائق أمشي الحمام ،أنا بجيك هناك،عشر دقائق بالضبط.. :حاضر المسرح ملئ بالحرس في هذه الليلة،لكن لدي خطتي الخاصة... أعرف هذا المسرح منذ أن كنت في المرحلة الثانوية...أعرف المداخل والمخارج جيدا.. المنطقة التي حوله لي بها زبائن كثر،أعرفها أيضا جيدا...الخطة واضحة وبسيطة،حاجة نفيسة بائعة البليلة،صيدلية السلامة،محلات طيفور للبس البلدي... لابد من التحرك السريع... طلبت من حاجة نفيسة تجهيز واحد بليلة سفري،قلت لها :كتري الموية،أقوليك أعمليها موية بس..أنا بجيك هسّ.. ثم عرجت على محل طيفور،أشتريت لبسة (على الله) وشال ومركوب...أعرف مقاسات رشا جيدا...أدخلت البضاعة في كيس كبير،ثم داخل قميصي من الأمام،بين القميص واللحم.. أصبحت لدي كرش الآن...ذهبت للصيدلية أشتريت كريم دلك العضلات، وأخذت البليلة ودخلت المسرح..في مكان مظلم ،في أحد الأركان،دلقت البليلة على قميصي من الخارج، كانت ساخنة جدا،ثم من فوقها ضغطت أنبوب المرهم الأبيض،ومسحت كذلك أسفل ذقني...مثل أفلام جيمس بوند صنعت حالة استفراغ...توجهت نحو غرف الممثلين،صادفني الحارس :ممنوع ياأستاذ.. مباشرة مارست تلك الحركات التي توحي بأني سأستفرغ على وجهه.. قلت بصوت ضعيف :الحمام ،الحمام.. رأى البليلة والكريم،أشاح بوجهه تقززا...وسمح لي بالمرور... الممر واحد،بعد خطوات ،تظهر غرف الممثلين يمينا،غرف الممثلات يسارا،انعطفت يسارا،ذهبت مباشرة نحو دورات المياه،باب يُدخل لبهو،تطل عليه ثلاثة أبواب..كانت تلك دورات المياه النسائية الملحقة بقسم الممثلات بمسرح قصر النور...نظرت إلى الهاتف،استغرقت دقيقتين فوق العشر المتفق عليها..لابد أن رشا داخل أحد هذه الأبواب الثلاثة..لكن كيف أخرجها...قد تكون هناك ممثلة أخرى في إحدى الدورات..لابد من الحذر...فكرت قليلا ثم صحت بخفوت:عشة صغيرة.. فورا فُتح أحد الأبواب،واندفعت نحوي اندفاع الطفل لصدر أمه...الشجاعة والجلد الذين بهما كبحتها عن الارتماء في حضني سأفاخر بهما ماحييت... كانت تبكي لكن في خفوت:أنا آسفة..آسفة.. :مافي زمن ، خشي ألبسي الهدوم دي فوق هدومك وأطلعي سريع،لو لقيتيني هنا وللا مالقيتيني،طوالي أطلعي برّا المسرح،فهمتي؟ :أيوا.. :يللا سريع... لايمكن أن انتظرها هنا،قد تأتي ممثلة لاستخدام الدورة..وقد تتطو الإمور.. خرجت ،وسرت على الممر بطيئا جدا،فجأة تذكرت أني لم أغسل وجهي من البليلة،لكن هذا لايهم... عندما رأيت الممر خالي من الناس،كررت عائدا إليها،قبل أن أصلها ظهرت هي قادمة...كانت فاتنة جدا في الزي الرجالي البلدي...المركوب مع لمعة قدميها كان مثل السحابة التي حجبت نصف القمر ..غطت وجهها كله بالشال،لكن بطبيعة الحال تركت عينيها،في موقفي ذاك،رغم الضغط الرهيب تمتمت في سري:الفائدة شنو وعينيك برّا؟. الحراس عادة يسألون من هو داخل ،لكن من يخرج لايأبه به أحد... ثواني معدودة وكنا خارج المسرح..عندما داعبني الهواء النقي،أشفقت على عثمان جاكو... هي كانت تنهنه،أنا لم تكن لدي رغبة في الكلام إطلاقا...ماذا يمكن أن يقال الآن؟...ذهبت بها نحو الموتر...طلبت منها الركوب بصورة صامتة،أشرت فقط نحو الموتر...لكنها قالت :كدي تلفونك.. ظننتها تريد الاتصال بأهلها،قلت :خلي الاتصال بعدين.. :قالت:مادايرة اتصل... أخرجت الهاتف ومددته لها...أضاءته ووجهت الضوء نحو اللا فتة التي من المفترض أن يكون مكتوبا عليها :نظارة جدو... ياللهول،لقد نسيت أمرها تماما..لكن هي لم تنس... ضوء الهاتف أظهر اللافتة ،لكنها تغيرت،لم تكن تلك،كانت واحدة أخرى...كتب عليها بخط جميل أيضا :خداااع...ليس خداع بحرف ألف واحد،وإنما خداااع،بحرف ألف مكتوب ثلاث مرات... من وسط دموعها قالت :كان تمسحا وبس،أو تكتب أي حاجة غير خداع دي... لم يكن لدي قدرة على الكلام،ماذا يمكن أن يقال،هل أقول أن هذا الأمر تم بالأمس فقط،صبرت ثلاثة أشهر كاملة،ثم بالأمس فقط ،مارست طقوس الخلاص المتوهم،مسحت رقمك من الهاتف،مسحت نظارة جدو وكتبت هذه العبارة القبيحة... لا لم أقل ذلك،كل ماقلته هو :يللا الناس ديل بجونا هنا... قفزنا على الموتر،أدرت المحرك،توجهنا ،لا أدري إلى أين...هناك أصوات طبول وألعاب نارية، الليلة تصادف ذكرى الاستقلال، لايهم إن كانت هي الذكرى الأولى أو المائة،فلا فرق البتة..نظرت إلى الأعلى،بدت السماء صافية للغاية،النجوم تلمع ليس من بعيد،وإنما من قريب..على المحلات التجارية رأيت العلم الوطني يخفق،قبل أن أصل الشارع الرئيسي،سمعت صافرات الإنذار،حضر السيد الرئيس..دون أن أشعر،عفويا،ضغطت بيدي على مقبض الوقود...تحركت نظارة جدو بسرعة عالية جدا،كأنها كانت تحس بما يجري..نعم، اسمها نظارة جدو وليس خداااع...أبدا لاينبغي أن يكون اسمها خداااع .. بعد أن كانت رشا تنهنه، دخلت تدريجيا في البكاء الحار..تسلقت البكاء بمعدلات عالية،تماما مثلما تتسلق الطائرات المقاتلة...أنا لم يكن لدي شئ لأقوله،وماذا يمكن أن يقال في مثل هذه المواقف..نظرت للأعلى مرة أخرى،السماء صافية،بحثت عن شهب،لكن لم أر شيئا منها.
تمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
علي النعمة مافاهم التكتح...لكن مشكورة برضو على المؤازرة... أمشي سوليك شكلة النجي أتمها ليك... شاكلي أي زول هنا ومايهمك،بس أختي بكري أبوبكر هههه
مشكورة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
تحياتي عليش الروائع
مشكور على فكرة مساعدتي في الشكلات ، لما أحتاج بقول عووك 😁
بالنسبة ⏫ فقد قصدت رفع البوست بدلا عن فووق و up .
رأيي في القصة سأكتب في المداخلة الجاية ، هذا أذا لم تقطع الكهرباء
بسبب الكتاحة القامت دي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
أولا: ---
كنت أقرأ قصتان في آن واحد .
قصتك و قصة رشوية كما أعرفها . القصتان تداخلتا بصورة
أزعجتني . مع ان قصتك أروع بالتأكيد ، لكني فكرت في كتابة
القصة بنفسي . أثناء وضع الخطوط الرئيسية أدركت ان التشابه
كبير لدرجة ان قوانين الملكية الفكرية تسمي هذا التشابه، للأسف،
بالسرقة الأدبية . فصرفت النظر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
:ناس البيت بدلعوك بياتو اسم؟ :بقولوا لي رشوية.. :لا،لايمكن بتاتا،رشوية دي مابتقسم معانا خالص،إنتي من الليلة رشوشة ببصلة.. :رشوشة ببصلة؟ :وبصلة واحدة كمان...
المقطع دا يادكتورة كان موجود في الراس،لكن ضاع،سقط سهوا...
إنتي عارفة القصة لما تكون قاعدة في الراس وتجي تنزل في الورق، بتكون زي الزول الدار يفرغ دقيق من ماعون لماعون،لازم تكون في نسبة فاقد... لكن مرات بعد بداية عملية التفريغ في الورق بتخش تفاصيل إضافية ما كانت موجودة في الرأس...وكأنو الناس الفي القصة ديل بساهموا في تحديد مصيرم..
*قوانين الملكية الفكرية دي بتطبق بعد الشكوى...مافي زول ح يشتكيك،اكتبي ساكت.. تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
10. الضغط وظن الوصول
مخاطر الغوص انفجار الرئة تبعا لتزايد الضغط تحت الماء كلما اتجهنا لأسفل، يتنفس الغواص تحت الماء كمية من الهواء (أو غاز الغوص)أكثر مما يتنفسه على سطح الأرض، وذلك لكون هواء التنفس تحت الماء مضغوطًا أثناء النزول للأعماق ربما يتضرر الغواص إذا لم يكن ضغط الرئتين وباقي الفراغات الهوائية في الجسم معادلاً لضغط الماء حول بدنه أثناء النزول فى الأعماق وازدياد الضغط. يسمى مثل هذا الضرر بالرضح الضغطي (بالإنجليزية: Barotrauma) أو الكبس. أما إذا بدأ الغواص فى الصعود لأعلى من الأعماق ، فيجب أن يكون الضغط في الرئتين متـناسبًا مع تناقص ضغط الماء كلما اتجهنا لأعلى وإلاّ حدثت حالة خطيرة تسمّى الانصمام الهوائي (بالإنجليزية: Air embolism). فحينما يعلو الغواص باتجاه سطح الماء، فإن الهواء المضغوط في الرئتين يتمدد، وذلك لكون الضغط أقل كلما اتجهنا للسطح. وإذا لم يتمكن من إخراج هواء الزفير سريعا، ربما يتسبب في تمزق الرئتين، فتندفع فقاعات الهواء إلى خارج الرئة بداخل الجسم مسببا إنتفاخ الرئة (بالإنجليزية: Emphysema) أو الاسترواح الصدري (بالإنجليزية: Pneumothorax من الوكيبيديا
(قالوا مصطفي سيد أحمد مشى عمل حفلة في شندي..غنيتو الأولى كانت ح تجي البت الحديقة...التانية واقف براك والهم عصف..التالتة أظنك عرفتي...قبل ماتنتهي التالتة جاهو واحد من الجمهور،قاليهو: أبشر آزول،أبشر...والله غناك دا ماخابرينلوا الحبة،علاّ أبشر سااكت فوق شنبك الكبير دا) نكتة متداولة.
(أنا أتعذب،أنا أتعذب،أنا أتعذب) شالوت في بداية مساره الجديد
الدرجات سبع،السابعة بها ثلاثة فقط..بقية الخلق مابين الأولى والسادسة مبعثرون..التعبثر ليس بمقدار منتظم،قد يكون نصف الخلق متكدسون في الأولى...ثم تدريجيا الهرم يضيق نحو الأسفل ،لكن مايبدو أسفلٌ هو في الحقيقة أعلا..العرش كان على الماء وليس فيه،لهفة الوصول دونها الدرجات ومايظن أنها مخاطر الغوص، فلا يوجد غوص أصلا إنما هو ارتقاء..كرام اللآلئ يشع نورها ويملأ مابين الخافقين،لكن للاستقبال أحوال..الدرجة و حال الرئة تحددان مدى الاكتفاء... كنت ذات مرة في كوخ بعيد،بعيد عن تكدسات الناس،عما فرضته شروط التحضر.. التكدس،الضغط السكاني الكثيف على المساحات الضيقة يتطلب التنظيم،تولد القوانين،تعم السكينة،تبدأ عجلة التحضر في الدوران..لكن في الأرض غير التنافسية، تلك التي ليس لها من قدرة الجذب كثير مجيب،عندما يكون حذاء كل أحد الفضاء الخلاء الفراغ،لن تكون هناك حاجة للتنظيم،ماذا يُفعل بالقانون إلم تكن هناك مظنة لتطبيقه؟ وإلم تنشأ القوانين فلن تبدأ عجلة التحضر في الدوران،أو لن تدور بسيرها الطبيعي،سيحدث تدليس،قفزات على أسس هشة وزائفة...في الدرجات العلا حيث لا شئ أعم من الخلاء،لاتوجد قوانين،وإنما حقائق...لذلك شُده موسى مع الخضر. كنت هناك في ذلك الكوخ،على شارع عام...من كوخي كنت استطيع أن اسمع بوضوح مايدور في ذلك الشارع العام،في الحيز الذي يصادف كوخي ...أحيانا الناس يغنون أثناء سيرهم،على الدواب وعلى الأرجل،منفردون أو جماعات،من كوخي ذاك،على مدى ثلاثة أيام، سمعت أغنية واحدة رُددت عشرات المرات :الداقوي...في الواقع لم أسمع أغنية غيرها أبدا...إما هي،أو أحاديث عادية. المهيجات التي في أغنية الداقوي،هي عينها التي يغنيها مصطفي سيد أحمد في أغانيه،وهي عينها مايغنيه بقية المغنيين على اختلاف مشاربهم... الغايات دائما واحدة لكن يختلف البلاغ.. ورغم أن الغايات واحدة ،إلاّ أن إدراكها ومن ثم التعبير عنها تحدده الدرجة،أهل الدرجة الاولى مثلا لا تتاح لهم مالأهل الدرجة الثانية من حواس..وهكذا دواليك.. العدل أوجب التعامل بناء على وحدة الأحساس،فمثلما أن لكل درجة هبتها الخاصة في قدرة التذوق،كذلك لديها قدرها المحدد في ماتجد من عوائق..التذوق والتقبل على سرج واحد ركبا...ذلك يشبه قوانين الفيزياء التي تحدد المصائر بناء على الوزن والحجم والسرعة،لك وعليك..عذابات أهل الأولى وخزات عند أهل الثانية،وعند السابعة تعتبر طُرف..أغنية الداقوي بالنسبة لسكان الدرجات العلا نشيد للأطفال.. الرغبة الكونية الكبرى هي تغييب العقل،أو تخديره بالعدم...لا أحد فرح بهبة العقل أبدا،لأنها توجب تبعات باهظة..لكن الناس تتماشى..السكر أيضا مدّرج،حسوة كوب دلو..الغالب تكفيه حسوات...الأقلية فقط هي من تحتمل الدلاء..قدر الأقليات السيادة، الرسل سادت البشرية،الجنس الأبيض ساد بقية الأجناس،الأحجار الكريمة سادت المعادن...المحصلة في الحقيقة ليس بالعدد وإنما بالناتج..كيف وليس كم...لكن بالمقابل التكاثر الكمي هو أيضا وسيلة دفاع فعالة ..أهل السابعة لهم سلطان على الجميع،ومن ثم الأدنى فالأدني.. رغبات الكبت الطبقي ليست منصفة،لكل طبقة الحق في التعبير عن إدراكها بالطريقة التي تواتي،هذا واقع موجود ولا أحد يستطيع طمسه...هذه الرغبات الكبتية إنما تنشأ من أعلى نحو الأسفل ،من الأقلية تجاه الأكثرية...وهذا محض ظن..ثم أنه في بعض الأحيان النادرة،يحدث تنازل في تقبل الملهيات،في تذوق السلوى...أهل الدرجة الأعلى قد يبحثون ولايجدون،فينزلون درجة أو أكثر،للحصول على العزاء من الأسفل...وعكس هذا لايحدث أبدا...مثل سيد البيت الذي يأنف زوجته فينام مع العاملة....و مثل نظرية الشطرنج، الفيل يسع حركة الجندي،لكن الجندي لا...الوزير يسع حركة الجندي والفيل...الوزير يستطيع أن يكون جنديا ورخا...أحيانا قد تكون نجاته متوقفة على حركة الجندي البسيطة،رغم إمكانياته التي سادت الرقعة،رغم شهوة البطش التي أخافت القطع، قد تكون حياته متوقفة على حركة الجندي البسيطة ،خطوة واحدة نحو الأمام.
مهداة إلى الثنائي شاكو...شالوت وكوفي... شالوت السيد الأنيق...كوفي الصبي الذي أوشك أن يهلك... طوّلنا...طوّلنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
11. زينب وأحمد
الجو لايبشر بخير،الغيوم تجمعت وغطت السماء،لكن لابد من الخروج...ثلاث سنوات وهو يداوم على هذا المشوار الإسبوعي.. في كل أربعاء أسقني من كأس الهيام رشفة..خرج لتوه من الحمام،وقف أمام المرآة ونظر...ماذا حدث، ماالجديد؟ لاشئ يذكر..علا الشيب وجلل تيجان الربا،ترهلت التضاريس،ذبلت العين،نقص الوزن كثيرا،وعلى الظهر بدا انحناء خفيف ،لكن خلاف ذلك لاشئ يذكر...الإمور مازالت جيدة.. :نتقابل وين ؟ :شفتي في شارع النيل في الجزء المقابل لوزارة ... في كنبة بتاعة أسمنت مقبلة على البحر،أنا بنتظرك فيها.. :الساعة كم؟ :ستة مناسبة؟ بخة ،بختين ،من عطر (فلتاكا)..ثم التوجه نحو الباب...من حسن الحظ أن التهيوء الذكوري للمواعيد مبسط التفاصيل واستهلاكه للزمن معقول... :بالمناسبة ،الريحة العاملا دي حلوة ،اسمها شنو؟ :فلتاكا... :فلتاكا؟ دي فرنسية وللا شنو؟ :لا،استوائية... ومنذ أن قالت زينب أن العطر أعجبها،صار هو عطره المفضل...ثلاثون عاما مرت كما يمر قطيع الأفيال المطمئن.. ترى أين زينب الآن؟ هذا هو سؤال الثلاثين عاما الماضية..أبدا لم يستطع أن ينسى...زوجته الله يرحمها،كانت امرأة فاضلة، احترمها وقدرها جدا،منحته السكينة والأبناء والطبيخ الجيد،ثم مضت لربها...لكن الحب أبى أن يمضي...عندما كانت زوجته على قيد الحياة،لم يكن يذهب لكنبة الأسمنت،تقديره لزوجته منعه من ذلك،لكن منذ أن توفيت ،منذ مايقارب الثلاث سنوات هو يداوم على المشوار،في كل يوم أربعاء،عند السادسة مساء بالضبط يكون هو قد جلس في الكنبة،ثم يصيخ السمع في نشوة بالغة...تماما مثلما كان يفعل مع زنوبة.. المشكلة التي تواجهك عندما تكون في الستينات من عمرك فاقدا لشريك حياتك،هي نفس مشكلة الذي غرق قاربه في وسط النهر،ترى هل أسبح للضفة اليمنى أم اليسرى،لكن قبل الوصول لرأي،ستجد نفسك قد دخلت في ميكانيكا الغرق...قد تغوص بالضبط في نقطتك التي فقدت فيها قاربك ،أو في الأنحاء حولها ..ليس هناك فرق كبير. :يا أحمد نحن لازم نقاوم،ماممكن أبدا نستسلم،لو أصرينا على موقفنا في النهاية هم ح يرضخوا.. أبدا هي شجاعة...لكن الظروف كانت قاهرة جدا،ماحدث محتم...شجاعتها مثار أعجابي،لكن بالمقابل كم ضحكت عليها عندما خافت من الفأر...كان فأرا ضخما نوعا ما،خرج من (الجروف) ومباشرة اتجه نحونا ،بسرعة عالية جدا،رأيته أنا أولا،لكن لم أعره انتباها،هي رأته عندما أصبح على بعد سنتمرات منها...فأر ضخم ،مندفع بسرعة الصاروخ،المسافة تتناقص ولاأحد يعرف ماهي نواياه....فجأة قفزت زنوبة الشجاعة وجلست القرفصاء على الكنبة...كانت قفزة سريعة جدا ورشيقة...نظرت إليها ورأيت الرعب يكاد يمزق الوجه الأديب... :دا شنو ياجبانة،تخافي من فار؟ :هو بالله دا فار؟ كنت مفتكراهو كائن فضائي... :يازنوبة أنا أعمل شنو لكن؟ مشيتليهم ورفضوني،وقالوا لي بالحرف الواحد في زول متكلم فيكي.. صمتت قليلا ثم قالت:لو الموضوع بهمك جد يا أحمد،ماكان بتسألني تعمل شنو... الجو غائم،قد تهطل ،غالبا ستهطل...لكن لابد من المشوار... عندما اقترب من الكنبة ،رأى شخصا يجلس عليها،ليس شخصا بالمعنى المتعارف عليه،وإنما امرأة بالتحديد..ماالعمل؟ نعم هناك متسع للجلوس،نعم المكان عام،مشاع للجميع،أي شخص يأتي إلى هنا يعرف هذا الأمر...لكن أيضا ليس من اللائق أن تقتحم على سيدة مجلسها..فكر أن يبحث عن كنبة أخرى،لكن المشوار برمته يعتمد على هذه الكنبة...حسم أمره ومضى قدما... :السلام عليكم.. :وعليكم السلام... ياللهول،معقول؟ هل يعقل هذا... :زينب؟ :أحمد؟ ثلاثون عاما،حاجز ليس بالسهل،تجربة زواج من كل طرف على حدا،حاجز أكبر من الثلاثين عاما...الحياة التي على الخيال تفرق عن تلك التي على الواقع...لقاء مثل هذا لو حدث في الخيال ــــ وهو يحدث باستمرار ــــ لكانت السماء انطبقت على الأرض...لكن الآن على الواقع،ليس هناك شئ غالب على التلعثم والدهشة... :وين كنتي الفترة الفاتت دي كلها؟ :سافرت مع زوجي أوربا... :وجيتي متين؟ ضحكت ضحكة خفيفة مفتعلة :الإسبوع الفات... قال ببلاهة:حمدلله على السلامة... :الله يسلمك... :وزوجك جا معاك؟ :أنا حاليا ماعندي زوج،أو لي تلايين سنة ماعندي زوج،إطلقنا بعد الزواج بشهرين،وواصلت في أوربا..لقيت شغل هناك وقعدت...وهسّ جيت عشان أموت في البلد.. صمت أحمد ولم يقل شيئا....الطبع غلاّب ،كان كعادته القديمة يصيخ السمع... :وإنت أحوالك شنو؟ :المرة ماتت قبل تلاتة سنوات... :ياسلااام،البركة فيكم... :الله يبارك فيك...خلت لي بتين وولدين...البتين عرسوهن،الولد الكبير برضو عرس،بقينا أنا والصغير قاعدين عزابا في البيت برانا... :ربنا يحفظم إن شاء الله... :آمين،وإنتي عندك ولد وللا حاجة؟ :لا ...ما أنجبت منو... صمتت وصمت... ثم قالت بعد حين:الكنبة لسة قاعدة... ضحك بشئ من العصبية ولم يرد... سألت :قعد تجي هنا كتير؟ بدأ يفكر كيف يجاوب على هذا السؤال...قبل أن يكمل تفكيره بدأت تمطر...قطرات قليلة...لكن السحب تتوعد... قالت :المطر جات،أنا بمشي بعدّا... :أوصلك..طبعا بقى عندي عربية.. ضحكت قائلة :لا لا مافي داعي،بركب تكسي...شكرا ليك نهضت وتوجهت نحو الشارع ...ثواني معدودة وكانت قد اختفت...أما هو فقد فكر في أن هذا يوم مناسب ليأخذ حمام مطر على الكنبة.
تمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
سلام يا عليش
البوست دا خبارو قاعد في الصفحة التالته ؟
تعال الله يرضى عليك اعجن الزمن و قطعو و رتبو ورش عليه
من سحر الصنعة الخابرها يا استاذ و ادهشنا نحن القراء .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
شكرا دكتورة على الاهتمام ورفع البوست...
مشغول شوية الأيام دي،وقد أطيل... تحياتي
*دحين أنا ماطالبك قصة؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
12. سوداني عان شناتو حاج عثمان علم من أعلام حينا،راجل قدامي تب،كريم وجودو أروش،ربنا أداهو بسطة في المال والجسم،لكن شوية كدا أخلاقو ضيقة ونفسو قصير،لكن نفسو القصير دا مامنعو من إنو يكون من شيوخ الحي المحبوبين والمحترمين.. الناس بتتغالط دايما في سر علاقتو مع النجار الحريف السكرجي الإسمو (الجابودي)...والجابودي دا كمان حكايتو حكاية..مافي زول عارفو جا من وين،المعروف إنو مامن الحي، جا صغير مع المعلم المرحوم (كدنكا) ..وكدنكا مات وبعدو الجابودي استلم المحل...كان عمرو تقريبا 17 سنة لما كدنكا مات،لكن من قبل كدنكا يموت كانوا الناس بجوا المحل عشان الجابودي،ولد صغير لكن فنااان...ناسنا ماعندهم تفكير كتير في الحاجات دي،مابقولوا مثلا ليه الجابودي أحرف من كدنكا؟ليه الشافع احرف من المعلم الكبير؟ ..لكن بقولوا دي حاجات من الله،وال الله دار يدي بدي..شوية شوية ،الناس قلبوا المثل بتاع عملية النجار في الخشب ماعملا، بقوا يقولوا عملية الجابودي في الخشب ماعملا.. مشكلة الجابودي الكبيرة إنو بسكر،مدمن خمر لدرجة بعيدة شديد ودا السبب الوحيد البظنو منع الجابودي من إنو يكون شخصية مشهورة ومرطبة..جابودي كان بشيل المقدم البدوهو ليهو للشغل ويمشي يسكر بيهو..لما يسكر ببقا طينة بس ،ماعندو في سكرو شغب ولا كلام كتير،عندو كلمة واحدة بس بكورك بيها كل ربع ساعة: هيع أنا الجابودي...أها ناس الحي بقوا لما الواحد فيهم يتكيف من نفسو بقوم يقلد الجابودي ،بكورك:هيع أنا الجابودي...قالوا مريم بت الدابي لما راجلا بلاّل عرس فيها،ساقت الشفع ومشت بيت أبوها..بلاّل مااشتغل بيها كتير،قال هي دار تمنعني من حقي الشرعي وللا شنو؟ واستمر مع مرتو الجديدة،شهر ومريم قاعدة في بيت أبوها الدابي،شهرين ومريم قاعدة،تلاتة شهور ومريم قاااعدة..في بداية الشهر الرابع بلاّل مشى ليها ،قاليها أرح بيتك،قاتليهو تتطلق الحيزبون دي وتوريني قسيمة الطلاق بعداك انا بمشي معاك...تاني يوم طلق مرتو الجديدة وجابليها القسيمة..مريم كوركت :هيع أنا الجابودي... ناسنا بقولوا الجابودي معاهو جان،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
هههههه عليش كل عام وانت بالف خير قال تلاقيط هههه علي الحلف اي لقطة من لقطاتك توزن الف رطل من الدهب الابيض .. يا اخي انت كتاااااب شكرا جميلا...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
صباح الخير...بتوقيت السودان المستلب...حكمة الله الخرطوم بقت راكبة مع مكة في سرج طول واحد..ليه الناس ديل قدموا الزمن ؟ماكان يأخروا ،مالو توقيت انجمينا دا؟ عيبوا لي...بمناسبة الهوية والاستلاب و طبعا الكلمات الزي دي قعد تعمل لي حساسية مبالغة ،من اسمعا (وأنا أصلا ماقعد أقولا) بتجيني أعراض بتاعة الجيوب الأنفية،لكن دار أقول هوية دي من هو؟ وللا من حاجة تانية؟ لو من هو تبقا هي أصلا مامرجع لأناتي،دي مرجع لأناة هو..يعني هي أصلا في نفسها مستلبة،ودا غالبا بيعني إنو في خدعة في الشغلانة دي من الأول...معقول ياأخونا اكتر من ألف مداخلة في بوست الهوية،وأريتو بعدّا لو وصلنا لي نتيجة...هسع لو زرعنا ألف زهرة مش كان أفضل،احتمال الزهور دي تبقا لينا هوية في المستقبل...النوريكم الشغلانة باختصار:الهوية هي الانتاج وبس...الآوت بوت..لو الزول انتج مابحتاج يفكر في أصلو كتير...لو ما انتج أهو بتنهبو زي الخزعبلات دي...في ناس كمان بقولوا لو مااتحسمت الهوية مافي حاجة ح تبقا،لأنو أي جهد بكون ناشئ من الهوية أصلا..زي ديل أنا بقوليهم داوني بالتي كانت هي الداء...اقفل اضانك وانتج،انتج،انتج، وتاني شوف لو وسوس ليك شيطان في الهوية... المداخلة دي طبعا ماعندها علاقة بالقصة بمناسبة القصة ،المهلة كويسة...قوزو ياصبور هههه
*دهب ياتلبو،مداخلتي كتبتها قبل اقرا مداخلتك الفريدة دي...ماكان تعمليها بوست براها ياعمك،هسع مابقولوا مداخلة تلبو أجمل مافي البوست دا ههه جاييك برواقة،الرد عليك شكلو ح يكون أصعب من كتابة باقي قصة الجابودي،لكن مبدئيا كدا أنا ماعندي مشكلة إطلاقا مع إسماعيل والبينا مادواس، إسماعيل ـــ حسب وجهة نظري ـــ عايش بشخصتين، واحدة معاصرة مثقفة وعندها رؤية،والتانية شايلا ليها راية وبتفتش في جيش محمود ود أحمد... ما أكضب عليك ،انا عاجباني الأولى عجب شديد،ومحيراني التانية حيرة شديدة،دي كل قصتي مع اسماعيل.. كل عام وإنت بخير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: اخلاص عبدالرحمن المشرف)
|
. يا عليش الريدة ... تحياتي ... اكون كذبت عليك لو قلت ليك قريت اي قصة من القصص الفوق ديل على الرغم من متابعة البوست من بدايته والسبب اني ما بحب اقرأ الكلام الكتير عموما ... وقراية الروايات والقصص الطويلة فارقناها من زمنا بدري ... بس رجعت قريت قصة الباجوري بعد ما قريت مداخلة علي دفع الله وردك عليه ... وجاء دهب تلبو وعمل نقلة نوعية للبوست بمداخلته العجيبة ديك ... ومداخلة تلبو على الرغم من طولها النوعي قريتها الى اخر حرف وحسيت فيها بنفس ولا ابا كبر ... ثم ختمت بي ردك على تلبو وتلخيصك فيه لمشكلة السودان في الانتاج (بس ما تكون قاصد الانتاج الادبي ههه) ... المهم حبيت اقول ... شكرا لهذا المنبر الذي (ما انفك) يدهشنا بأقلام تقطر ابداعا ولا نملك حيالها الا نرفع لها العمم والطواقي :) شكرا عليش ... شكرا تلبو ... ومزيد من الابداع ... . . . وعيدكم مبارك يا أحبة ... . . .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: اخلاص عبدالرحمن المشرف)
|
شبكتنا زي الزفت والزمن ممحوق،صعب جدا البوست يظهر بكامل مداخلاته دفعة واحدة... عادة بنخش مداخلة مداخلة،بواسطة أيقونة اقرأ آخر مداخلة...عندي مشوار ومشاوير ضرورية،لكن قلت النشوف البوست لو في زول جديد مرّ... لقيت بت ناس المشرف،أخدت حوالي 7 دقائق عشان اقدر اقرا مداخلتا،لما قريت :اقراها ياقسم اقراها...قلبي قال شح،قلت معقول كابتن ماجد اتلوم مع الزولة دي... أخدت تاني حوالي 10 دقايق عشان اقدر اقرا باقي المداخلات ،عرفت الموضوع،قلت الحمدلله...هسع ماعاف آخد كم دقيقة عشان أقدر أرسل.. يادكتورة،أنا مافنان ــــ معقول تشتميني للدرجة دي ههههه ــــ لكن الناس الشايفا إني فنان بنكون هايمين لينا في وادي سوا.... ياقسم كلامك عن القراية صحيح ،زمان انا كنت سوسة جد،لو وقع في يدي كتاب مابفكو نهائي إلاّ أصل (تمت) ...هسع عندي كتاب الأمير بتاع ميكافيللي الزمان داك، لي كم يوم بعاين ليهو من بعيد لبعيد...إنت قايل الروح دي بنزعوها بي سهم؟ لا ...باالنز... بالنسبة لمداخلة دهب النوعية....ماقلنا ليك يادهب هههه انا ح أضطر أطلب من بكري يحذفا.... أنا مارق،بجي بعدين لو الله أراد سلامي وشكري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
ناسنا بقولوا الجابودي معاهو جان،مش عشان فنان وبس،لكن عشان فيهو حاجة كدا بتخلي الناس مايزعلوا منو،قدر مايدوهوا قروش يمشي يضربا،ومايقدر يتم الشغل في زمنو،دا إذا تماهو أصلا،ويقوم يدّخل طاقية دا في راس دا،ومرات طاقية دا في راس دي...باختصار جايط الشغلانة للآخر،لكن بعدّا الناس بتحبو ومابتتمسك معاهو كتير،وبجيبوا ليهو شغلم،وبعداك يرجوا قسمتم...جابودي لما يكون ماشارب برضو ماقعد يتكلم كتير،مابتسمع منو غير خير خير،مافي مشكلة ،الله يهون...إلخ ماعندو زمن أصلا للكلام،لو ماشغال تلقا بفتش في الشراب...بسبب جابودي أنا مرات بفكر في حاجات غريبة،بقول الشي الطبيعي،الشي العادي عند الناس البنسمع قصصا،إنوالمواهب الضالة عذاب... بمعنى لو في زول ربنا اداهو موهبة معينة،مفروض تلقائيا توصلو لغاية معينة،اها العذاب بحصل لما الظروف الحولو ماتسمح ليهو بالوصول،يعني زي مآسي العباقرة البتساقطوا في منتصف الطريق...ودا بقودني لتفكير تاني،في سؤال ملح هنا،هل الناس الإشتهروا في مواهب محددة في العالم ديل،هل هم فعلا أفضل ناس في مجالاتم؟ غايتو أنا مامتاكد من الكلام دا،لكن المتاكد منو،إنو الله أعلم يكون في نجار في العالم كلو أحرف من جابودي...لكن ماهي الفائدة من موهبة الجابودي للجابودي؟ لاشئ يذكر،حفنات من دراهم لا تكاد توفر المعيشة وحق الشراب،أرتال من تعاطف هي أقرب للشفقة..لديه الموهبة لكن ليست لديه سطوة ونزق الموهبة...عودٌ دون ظل...لكن الظاهر إنو جابودي ماقعد يفكر كتير في الكلام دا،لانو متصالح مع نفسو للآخر ،ولا قعد يفكر يوم بكرة فيهو شنو. الزول الوحيد ـــ بعد حاج خدر مامات ـــ البتكيف ليهو جابودي وينبسط معاهو للآخر هو مازن الولد اليتيم...مازن شافع عمرو 9سنوات ،قبل تلاتة سنة كان مسافر مع والدينو،في الطريق العربية إنقلبت ،مات الوالدين ونجا الشافع،وبقا قاعد مع جدو وحبوبتو في البيت...جابودي دايما عندو جنيه خاتيهو احتياطي في جيبو،مابهبشو أصلو،قدر مايلاقي مازن بمرق الجنيه دا وبديهو ليهو...مع الزمن مازن بقا يتكيف للجابودي،يهظر ويضحك معاهو كانو شافع قدرو...يوم مازن جا سايق كلب صغير ومشا للجابودي،الجابودي شاف الكلب قعد يضحك قاليهو:الليلة جبت ليك أسد كمان؟ :دا ما أسد دا جريو... :أها إسمو منو جريوك دا؟ :كنت دار أسميهو جابودي،لكن جدو قال عيب.. جابودي ضحك لمن دمع...قال لمازن :والله إنت حقار خلاس..لكن مافي مشكلة يافردة،سميهو جابو،كدا تكون ضربت عصفورين بحجر واحد،رضيت على جدك،وسميت كلبك علي،اها رايك شنو؟ :خلاس كويس.. :أقوليك هن تلاتة عصافير،عارف العصفور التالت شنو؟ :لآ :تكون دلعتني،انا يامازن ماحصل زول دلعني. مازن سكت.. جابودي سالو :كلبك دا بسكر؟ رد مازن بانزعاج:لا لا :خلاس قول لجدو جابودي قال الكلب دا أحسن منو.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
يا اخوانا تلبو دا حوشو ا مني هههه والله ياحبة أنا كنت فعلا دار أرد على مداخلتك الاولى،لكن بعدّا غيرت رأيي،ياحلاة لكلك،هسع أقوليك شنو يعني؟
إنت عارف زمان قريت كلام قالو ابن عربي عن الغزالي في معناه يعني (شيخنا بلع الفلسفة وغلبوا يطرشا) ..فاشنو ياابني،طبعا أي زول بكيف وضعو حسب اهتماماتو،لكن لو جاز لي انصحك،ماتتعمق كتير،قدر ما اتعمقت قدر مااتعزلت...في النهاية ،السؤال هو إنت بتطلع عشان شنو؟ الإجابة :عشان تلقا الحلول.. يللا البحصل عادة لما تطلع كتير النقطة البتلقا فيها الحلول دي بتتجاوزا،لأنو مع الزمن بتكون أدمنت الإطلاع ونسيت حوافز الإطلاع...زي شنو أقوليك ، زمان كان عندنا سباق ضاحية،في واحد كان متحمس جدا،جا جاري جري شديد لكن لما وصل الميس غلبو يقيف ههه دي قصة حقيقية.. يادهب ياعزيزي،بليز ،ماتبقا مثقف...ابقا أديب وبس...اقرا شوية وتأمل كتير...إنت عارف تأمل ساعة خير من مائة كتاب.. التثقف بعلمك المشي في الدروب المطروقة،التامل بصنعليك دربك الخاص.. المثقفين يابني بالكيلة والأدباء بالرطل...بعدين بصراحة كدا أنا عندي مع المثقفين ديل غبينة جد جد.. تاكد من حاجة واحدة،لو مابهمني امرك كان قلتليك كلام غير دا.. بالنسبة للخلود ،اطمئن ، العدم مرحلة كانت ولن تعود...من ناحية في خلود في خلود،لكن ممرحل.. بالتوفيق ياابني
*حاجة أخيرة ود البشرى وقسم طبعا بكونو راجيني أرد على كلامك دا عشان يفقعوها ضحكة علي...ياحلاة لكلك،يلقوها عند الغافل يا ابني انا جد فخور بيك زي ماافتخرت بامتثال قبل كدا...دي نقدر نقول عليها مواسم الفخر..كنت دار ارفق أيقونة الصفقة لكن عمك ضعيف تكنولوجيا،وحاجات تانية برضو هههه بالتوفيق بالتوفيق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
الورشة محلها في نص السوق الصغير بتاع الحي،وزمان كانت كبيرة نوعا ما،لكن بعد كدنكا ما مات الورشة كانت كل سنتين تلاتة بتنقص شوية، لحدي ما صفت على اوضة كبيرة فيها البضاعة والشغل وفيها كمان بنوم الجابودي لما يكون ماسكران شديد ، لأنو لما يكون طينة بنوم في أي حتة..المناشير الكهربائية وباقي العدة الكبيرة ديك اتعطلت بعد وفاة كدنكا بكم سنة،جابودي غلبو يصينا أو يشتري واحدة جديدة لأنو طبعا ماكان عندو سيولة موفرة،ولحدي الآن ماقدر يوفر حاجة،اها بقوم يشيل الخشب يوضبو في السوق الكبير ويجيبو يشتغلو في الورشة،النجارين الكبار الفي السوق الكبير،كانوا باستمرار يغروا في جابودي عشان يخلي ورشتو ويجي يشتغل معاهم،لكن جابودي كان برفض رفض جازم،ناس الحي بقولوا الزول دا ولوف وعندو وفاء لكدنكا،لكن أنا شايف إنو عدم الطموح هو البخلي إمور جابودي كلها جايطة،لا،مش عدم الطموح،عدم الطموح دي مرحلة كبيرة بالنسبة لحال جابودي،تقريبا كدا هو زي في مرحلة القنع،كان دايما قنعان من أي حاجة. يوم مازن جا ماشي السوق ومعاهو كلبو جابو،الكلب بقا كبير شوية،قبل مامازن مايحازي الورشة كويس،ظهرت عربية لاندكروزر مسرعة ،كان فيها عساكر شرطة شايلين سلاح..الجو تكهرب شوية في السوق،لكن اتضح إنو ديل (كتالين الكلاب) ...جابو بصورة غريزية قام طوالي جاري، العساكر وقفوا العربية ونزلوا سريع وعشّقوا البنادق ،مازن كان مذهول جدا وغلبوا يتصرف،الكلب لحسن حظو كان مسار جريهو في نفس اتجاه الرمي...تللل...الطلقة الأولى جلّت،لكن جابو غريزيا صرخ ،اليوم داك كان يوم الغرايز بامتياز..جابو بقى على بعد خطوات بسيطة من إنو يختفي من الأنظار،لكن يبدو أن حسن الحظ قد نفد،جات عربية من الاتجاه المعاكس وأجبرت جابو يغير مسارو،اتجه ناحية اليسار،بقى مسارو متعامد مع اتجاه الرمي،ودا بالضبط الكان منتظرنو العساكر...سريع سريع عملوا صف،من اليميييين أضرب،تللل ،الطلقة التانية برضو جلت،عسكري نمرة اتنيييين اضرب،تللل،كانت رمية موفقة لكنها لامست جابو من اعلى الجلد ومضت لحالها،جابو كان بعيش في لحظات صعبة جدا،ماجابو براهو برضو مازن كان بعاني شديد...عسكري نمرة تلاااتة اضرب،تللل،جابو اتعتر وقام، جرى شوية واتعتر تاني ورقد الرقدة الأبدية.. مازن خش في حالة بتاعة هستريا،جرى للبيت وهو يكورك بأعلى صوتو :ماااما،مااما...نسى جدو وحبوبة خالص،كان بكورك ماما وبس.. الناس بعداك اختلفت في باقي القصة اختلاف شديد،لكن الروايات كلها اتفقت في حكاية السيف دا،قالوا جابودي جا شايل سيف وجاري بسرعة عجيبة نحو عربية الشرطة،جابودي كان بكورك بألفاظ بذيئة جدا،ماحصل زول سمعا منو،في ناس قالوا برضو كان مريّل،لكن الحقيقة بالضبط بالضبط مامعروفة أبدا...ناس الشرطة برغم أسلحتم الكتيرة آثروا السلامة،نطوا في العربية وفحطوا..جابودي أصلو ماوقف طوالي جرا ورا العربية..تاني بعداك لمدة 9 يوم جابودي ماظهر كلو كلو،في اليوم العاشر الناس المشوا بدري لصلاة الصبح،لقوا جابودي نايم جنب باب المسجد،كان كالعادة سكران طينة،لكن المرة دي كان مالابس حاجة غير لباسو الداخلي،وكمان مفلق في وشو وفي آثار دم في كتفو الشمال... الناس اختلفت في السيف دا اختلاف شديد،واحدين قالوا كان بلمع بضوء لغاية السماء،واحدين قالوا كان سيف من دهب،واحدين قالوا كان عندو لسانين...كمان الناس اتغالطوا برضو في السيف دا جايي من وين؟ ناس قالوا دا سيف بعانخي، واحدين قالوا دا سيف عبدالله بن أبي السرح، واحدين قالوا سيف سلطان المساليت محمد تاج الدين الإنتصر بيهو على الفرنسيين، واحدين قالوا دا حق عثمان دقنة، وفي ناس كمان قالوا حق دري كاكا زعيمة الكواليب... إلخ... لكن جابودي بعد جا كذّب الروايات دي كلها،نكر تماما إنو عندو سيف من أصلو...في الحقيقة الناس اللقوهو نايم جنب الجامع ماجابوا سيرة السيف دي نهائيا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
. .. ... يا عليشنا صاحبك تلبو دا انداح اندياح من لا يخشى* الفقر ... اندياح زي الاندياح ... وتقول لي شنو وتقول لي منو ... ... .. .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
أ. عليش سلام تالت وأخير
شكرا على النصيحة الغالية والمساررة والفخر وسعيد بالإشادة شديد يعلم الله. وزي ماقلت ليك ماتشتغل بي المشاكسة - غير الموفقة- فكل القصة اني بحب الثرثرة والاندياح - لكن بخشى الفقر يا حاج قسم وشديد كمان- ودي مصيبة كبيرة ؛ عشان كدة حأحاول اختصر في المداخلة دي ؛ عشان ناس قسم الفضيل والسيد ابو حتوت -على قولك - ما يلقوا الفرصة . فيما يخص جدلية الأديب والمثقف الانت أثرتها ؛ انا والله ما عارف بالضبط الدلالة الانت قاصدها لكل واحد فيهن شنو لكن ما مهم فما ضر شاة ابي غثاء انها لا تغثو ؛ زي ما بقولو فأنا قادي في المادتين بعد الملاحق ؛ اي والله مالي حظ لا في الثقافة ولا الأدب سوى عطية المزين القاعد اباصر بيها الدرب في البورد هنا؛لأني كان جيتني من ناحية الأدب فأنا هاوي ساقتني دروب الحياة للمتاهات دي يعني بكلام السوق " الشغلة ماشغلتنا الا الظروف جبرتنا" ومن ناحية الثقافة فداك درباً عطش ونحن سقيانا فاضية أصلا فشنو شكراً على حسن ظنك ومؤازتك؛ وربنا يفتح علي ببلوغ سفح جب الأدب -او الثقافة- . فيما يخص الرقي الانشاف لعمنا قسم الفضيل فك اخر فأصل القصة عدم الشغلة " وقالوا عدم الشغلة بعلم المشاط" والكلام بجيب الكلام مع حبة بهارات وسفسطة الزمن بمش وعطلة نهاية الاسبوع بتودع ودائماً قاعد امارس الشغلة دي لكن في دروب اقل وحلاً -اقصد الفيس بوك طبعاً- لأنو بهناك ماف مشجعين ولا شماتة و ؛ لكن الدرب الحسود البلمك مع كتال ابوك جابنا بهنا المرة دي-شفت شنات الحظ- ولان الاندياح الزي دا مصحوب برفع الحرج زي سكرة الموظفين اخر الأسبوع زمان وصل لحد عدم الهرش من الفقر كما تراءى للأستاذ قسم؛ او لعدم خشية عثمان البشرى بحسب خندريس ساكن ؛ لكن عقدة المجايلة خلت العفوية معلقة بين وقار الاحترام وعيب التنمر ؛ عشان كدة جاءت الإشارات . المهم رفع الكلفة ما مطلق ياعمنا وكل القصة تمضية ظهيرة او كلام بنات عدن بنات يعني بي لغة أهل الشام "حكي بزر" ولو ظهرت عليه بعض علامات الجدية والاصطلاحات . فالفارغة برضو بعض الأحيان يعني برضو بتحتاج لي لولوة الحديث .وداير أقول شنو! ولا خلينا نوقف فارغة كفاية خرمجة. ونرمي سلام كبير نسميه "سلام الخروج" بالجنبة كطلب جاد : اذا المداخلات ديل مزعجات واندياحهن مشاتر لي درجة الطيش- زي ماذكر عمنا قسم الفضيل- فأنا حأسحبهن لأني والله ما اكضب عليك حسيت بالحرج لامن قريت تعقيبك؛. مش من النصيحة- البعتز بيها- ولا الاندياح ولكن من احتمال إزعاجك عبر اغراق بوستك بي تهويمات فيس بوك - كلام ثقافة بحسب وصفك- أو من رفع الكلفة غير المبرر . وحأوقف خرمجة قبل كل شيء طبعا. وفخور بتزكيتك والله والزعل مرفوع أبداً وياني زولك قلبا وليس قالباً و. اخضر
تحياتي تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
يادهب إنت مافهمتني...أنا مابتكلم عن مشاركتك في البوست ،لكن بتكلم عن اتجاه حاسي بيك ـــ والإحساس طبعا لايعول عليه كدليل ــــ ح تمشي فيهو.. الاتجاه دا أنا قاصد بيهو الصفوية أو النخبوية... يعني استايل ناس الجزولي وحسن موسى ...إلخ، ومع احترامي التام ليهم ،لكن ديل حسب شوفي ما حيوصلونا لحل أبدا...ليه؟ لأنهم مفتكرين الحل كلو في الكتاب... طيب الكتاب دا هو شنو يادهب؟ هو باختصار زول عاين في الحياة دي وبعداك كتب،يعني تأمل وكتب... أنا ماعندي مانع من القراية بالعكس مافي شئ ببقا من دون القراية،لكن المسألة إنو الناس ديل كتبوا نظرياتم دي بناء لمعايشتم ناس تانين غير السودانيين... صحيح في حاجات ممكن تعمم،لكن كمان في حاجات خاصة... يللا أنا بفضل الإطلاع البكتمل بالتامل في حالة البلد حقتنا دي وناسا ... يعني مثلا،إنت لما تحكي عن الواقع بتاعك المحلي،بتكون طبيعي وسلس وممتع ،لكن لما تنقشط في البنوية والوجودية والحاجات الكبيرة دي بتجبر الزول ـــ على الأقل انا وقسم هه ـــ إنو يقرا سطرين ويفط سطر... نحن يابني باختصار دايرلنك الميتة أبرمادا شح...موتة حقيقية في الميدان الحقيقي،مش شهقة على صفحة كتاب.. إنت عارف انا ندمان جدا إنو مابديت الكتابة في زي عمرك دا،لكن أنا ظروفي كانت بتختلف،إنت هسع بعتبرك محظوظ... اكتب واقرا،اقرا واكتب...
فيما يخص جدلية الأديب والمثقف الانت أثرتها ؛ انا والله ما عارف بالضبط الدلالة الانت قاصدها لكل واحد فيهن شنو ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأديب بكتب زي ماهو عاوز يكتب...المثقف بكتب زي مابتخيل رغبات الناس ... كلمة (زعل) الكتبتها لي دي بفوتا ليك المرة دي،تاني كان كررتها إلاّ تشوفلك بلدا تاني.. ودي ياصديق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
. .. ... تحياتي يا تلبو ... لو اعدت قراءة مداخلتي الاولى كان عرفتك اني قد اشدت بمداخلتك الاولى وانها كسرت رتابة البوست "ان جاز لي قول ذلك" وكانت بمثابة الحجر الذي حرك سكون بركته ... فحسب ما ارى ان أهم ما يميز هذا المنبر عن الفيس بوك وغيره من المنابر هو هذا التفاعل الكيميائي بين مداخلات الاعضاء وانتقال البوستات الى فضاءات اوسع بسبب تلك المداخلات والتي لولاها "مداخلات الاعضاء" لأصبح صاحب البوست كمن يؤذن في الواق واق ... داير اقول انه لم اقصد شيئا بمداخلتي الاخير تجاهك وحبيت بس "اناكف" اخونا عليش " فنحن ناس بنعيش بالنية السليمة وكل زول دايرين سعادته تشهد الأيام عليمة" ... فأرجو أن لا تتحسس واعتذر عن ما جاء في المداخلة أعلاه ... وارجو ان تواصل "الاندياح" واكرر اعتذاري عن الأثر السلبي الاحدثته المداخلة ولم يكن هذا القصد ابدا ... ولك ول عليش وللجميع كل الود والتقدير ... ... .. . ملاحظة اخيرة اعتقد انه عليش ايضا كان بيمزح لما قال حا يطلب من بكري حذف مداخلاتك وارجو منك عدم سحب مداخلاتك "ان جاز لي ذلك" لأني ما صاحب البوست ... . . .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: قسم الفضيل مضوي محمد)
|
خليهو يتحسس ياقسم،هو لو مابتحسس كان بقى أديب... إنت قايل الفرق بين الأديب والزول الجربندي ( طبعا ماقاصدك إنت ههه) شنو يعني؟ مافي الحساسية دي بس..مافي أي حاجة غيرا تاني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: قسم الفضيل مضوي محمد)
|
أ. عليش حبابك رابعا وصباح الخير يا أ. قسم الفضيل- بتوقيت البوست-
يازول هون عليك بالعكس انا الخفت من انك تتحسس من مداخلتي الاخيرة فقعدت اتكبكب لامن المداخلة نزلت مرتين - ودا بأكدو كلام حاج عليش عننا نحن ناس قريعتي راحت- وحات الله كل الحنك اني كنت عايز اناغمك فيما يخص مداخلتك الاولى والكلام جر والمحطة فاتت فقلت اعمل من مدخلتك التانية سالفة على العموم انا ما قاعد لا اتحسس لكن مرات مرات بتحرج من نزوقي الزايد والشعلقة وعشان القصة ما تبقى زي حكاية العجوز مع الشاي ساكت ولا أقول ليك شي خليني أحكي ليك قصتها ومنها نكون أصبنا عصفورين بحجر - ويمكن تلاتة زي ماقال الزول الطيب الحابودي - العصفور الاول ماعارفه شنو الا التاني عشان ما نخلي حاج عليش يستمر في القراية من غير فطيط ، العجوز قالوا مدمنة شاي بتربط شاهيها في طرف توبها وبتشربه سليقة وبسكر وما حصل خلطته بلبن لي درجة انها بتغلي التفل كان مالقت شاي جديد فقالوا ولدها لامن شاف فعايل السليقة المرة في امو حن عليها وقال ليها كان خليتي يا ايا بديك بقرتين ؛ فوافقت بسرعة وبدأت التنفيذ بشروق الشمس للعصر شالت تربها ودقشت الفريق بتقابض في الناس : يافلان انا ترا خليت الشاي وما سوا لي حاجي ؛ ويافلانة انا ترا خليت الشاي وما سوا لي حاجي ؛ يافلان …. قام واحد من الشباب المسلط قال ليها : إيا فلانة عليك الله البطي تحت اكتر من دا يسوي فوقكي شنو! حاج عليش اقعد عافية وناس حسن موسى والجزولي ديلك شعراً انا ماعندي لي رقبة؛ وواصل في الحكي " الطاعم" بالله لو سمحت .
تحياتي تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Dahab Telbo)
|
بعد موت جابو ،حلتنا اتغيرت ،بقت مازي زمان،سؤال اللحظة الراهنة والجاية،كان :منو النادى الناس ديل عشان يكتلو الكلاب الضالة؟لأنو أصلا ماكانت في كلاب ضالة ظاهرة كدا،ولا حالات سعر ولا اي شي زي دا...الحلة كانت هادئة ومطمئنة تماما... رئيس الحي لما سألوهو قال ماعارف أي حاجة عن الموضوع دا...طيب، لجنة الشباب؟ هزوا راسم وقالو بالإنقليزي :نو... إمام الجامع شيخ عباس؟ برضو قال لا... مهما الناس نكرت،في حاجة واحدة مابقدروا ينكروها،إنو ناس الشرطة مابجوا إلاّ ببلاغ رسمي...براهم كدا مابجوا أصلو..عندهم دورة مكتبية بتحكمن،الدورة دي (الاستارتر ) بتاعا هو البلاغ ... في الأجواء الزي دي الإشاعات دايما بتكتر،والخيال ببقا واسع شديد،تخيلوا،في ناس قالوا دا جابودي براهو الجاب الناس ديل...أنا لما سمعت الكلام دا من (طحنية) اتخلعت خلعة شديدة..وطحنية دا طبعا ناقل الشمارات الأول في الحي... قالي :مستغرب ليه؟ :كيف جابودي يكون ناداهم وهو الطردم أصلا؟ :أها النوريك،جابو دا مات بعد كم طلقة؟ :مابتذكر كويس،طلقتين أو تلاتة.. :كيف مابتذكر ،دي اهم نقطة في الموضوع كلو.. تضايقت منو جدا :إنت دار تصل لي شنو بالضبط ياطحنية؟ :دار أصل لأنو جابودي كان ممكن يتدخل من الطلقة الأولى،لأنو من ناحية سمعا سمعا..جابودي صبر لغاية الطلقة الرابعة،لغاية مامات جابو...جابو كان مطارد بأربعة طلقات،استهلكت أقل حاجة سبع دقايق، وجابودي واقف يتفرج،ليه ماجرّ سيفو من الطلقة الأولى وقام على الناس ديل؟ في الحقيقة أنا بديت اتزعزع شوية :لكن هو قال ماعندو سيف أصلا.. :ياخي إنت زول مسكين ساي. حكاية إنو جابودي هو النادى ناس الشرطة لحدي ماكتلو كلب مازن دي حكاية أبت تتصدق لي كلو كلو..لكن الأنا متاكد منو وشفتو بعيوني ديل،هو إنو جابودي ومازن بقو مازي زمان،جابودي لسع قعد يراقب في الشارع بعاين لي جية مازن،لكن مش عشان يديهو الجنيه زي ماكان بعمل زمان، ،لا،عشان يزوغ من الورشة... حلتنا بقت مازي زمان... شوية شوية،مازن بدا يكبر،وكلما كبر علاقتو بجابودي ماشة هامشية ،وهسع الان،في هذا الزمن،هم غرباء عن بعض تماما... مازن مراهق شفت زي المراهقين الشفوت الإتربوا يتامى...جابودي بقا زي رسمة الطباشير الإنكشحت فيها موية على خفيف كدا..ملامحو باهتة جدا..ونكهتو زي اللحمة القاعدة شهر في التلاجة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
تلبو يا دهب صافي كل سنة و انت طيب
ادين ليكم انت و عليش برفع روحي المعنوية بمقدار النصف تقريبا.
اتمنى ان تواصل حتى تصل المداخلة رقم 100 .
و يا عليش كل عام انتم و ضيوفك الكرام بخير .
اليوميات مريت بالصدفة قدام مكتبة كبيرة .. فكرت اطلب منهم كتاب
للقاص " عليش الريدة " و لكن ما قدرت أتذكر إسم الكتاب.. كان إسمو شنو ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
معليش الخاطرة دي طويلة ، نحاول انزالها تنجيما كن الله هون..
تلاقيط التلاقيط: او حينما يكجن عليش الريدة البنيوية..!!
كتب عليش الريدة:
Quote: يادهب إنت مافهمتني...أنا مابتكلم عن مشاركتك في البوست ،لكن بتكلم عن اتجاه حاسي بيك ـــ والإحساس طبعا لايعول عليه كدليل ــــ ح تمشي فيهو.. الاتجاه دا أنا قاصد بيهو الصفوية أو النخبوية... يعني استايل ناس الجزولي وحسن موسى ...إلخ، ومع احترامي التام ليهم ،لكن ديل حسب شوفي ما حيوصلونا لحل أبدا...ليه؟ لأنهم مفتكرين الحل كلو في الكتاب... طيب الكتاب دا هو شنو يادهب؟ هو باختصار زول عاين في الحياة دي وبعداك كتب،يعني تأمل وكتب... أنا ماعندي مانع من القراية بالعكس مافي شئ ببقا من دون القراية،لكن المسألة إنو الناس ديل كتبوا نظرياتم دي بناء لمعايشتم ناس تانين غير السودانيين... صحيح في حاجات ممكن تعمم،لكن كمان في حاجات خاصة... يللا أنا بفضل الإطلاع البكتمل بالتامل في حالة البلد حقتنا دي وناسا ... يعني مثلا،إنت لما تحكي عن الواقع بتاعك المحلي،بتكون طبيعي وسلس وممتع ،لكن لما تنقشط في البنوية والوجودية والحاجات الكبيرة دي بتجبر الزول ـــ على الأقل انا وقسم هه ـــ إنو يقرا سطرين ويفط سطر... نحن يابني باختصار دايرلنك الميتة أبرمادا شح...موتة حقيقية في الميدان الحقيقي،مش شهقة على صفحة كتاب.. إنت عارف انا ندمان جدا إنو مابديت الكتابة في زي عمرك دا،لكن أنا ظروفي كانت بتختلف،إنت هسع بعتبرك محظوظ...
|
بدءا ،
اظن ان ول ابا دهب تلبو..ظلم ميلان كونديرا ظلما كبيرا..، ولكن نشكره على ذكره هنا ، وهو كما فهمت ، ذكر لمقارنة خطاب عليش الريدة القصصي (الأدبي ، وليس المثقف ، كما يحبذ عليش الريدة)..بخطاب كونديرا..!
ولكن السؤال: كيف نقرأ النص؟..هل نعتمد مقولة البنيوية ، في بعض تجلياتها ، عن موت الكتاب؟..وهي بالطبع مقولة تنطوي على نصف مهمل عند ممارسي الكلام والتثاقف في مجال الناطقين باللغة العربية (والمتفاكرين عبرها) وهي جزئية حياة القارئ كمكمل للشق الأول (موت الكاتب)..؟ بهذه الفكرة ، البنيوية تمنح القارئ سلطة مطلقة تجاه النص ، يتلاعب به كما يشاء ، يحلله يأوله يفسره يدرسه كيفما يشاء..فهل في هذا ظلم للنص وخالق النص (الكاتب)؟..بالطبع ..!
البنيوية ، خصوصا فكرة (موت الكاتب ، حياة القارئ) كانت تتحدث في زمن التواصل فيه كان بين الكاتب و القارئ ، هو الكتاب (النص المنشور عبر النشر الكلاسيكي) ، ولكنها لم تشهد عصر ثورة تكنولوجيا التواصل ، التي اتاحت للكاتب فرصة التفاعل الحي الحر الذي يمنحه فرصة تقديم الإضاءات والشروحات التي تساعد القارئ في تبيان المعاني التي يريد الكاتب قولها..او على الأقل المنطلق الفلسفي والوجودي الذي ينطلق منه الكاتب..!!
قال عليش الريدة عبارة عن الخلود (خلود في خلود) وهي مناهضة ليأس ول ابا دهب تلبو في حديثه عن الخلود..!
العنوان ، لغويا ، نكرة ، ويجري هكذا (تلاقيط) وهي تدشين لفكرة الخلود ، فكل نكرة تعني اللانهائي ، عكس المعرف الذي يعني النهائي او انمحاء الخلود..وهذه الفكرة لا تنطبق على اسم الجلالة (الله) حتى لا ندخل في العك العقائدي والوجودي..!!..وتلك مخاضة لا نريد ان نبتدرها ، على الأقل الآن..!!
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
ولكن كيف نقرأ خطاب (قصص) عليش الريدة هنا؟..هل نقرأها ونحاكمها بالمبادئ الباردة التي خلقت وفق ثقافات مجتمعات اخرى ، ام نقرأها وفق واقعها الذي انتجها وتستهدفه بالقراءة؟..
في اعتقادي ، كتابة عليش الريدة هنا تستهدف نوعين من القراء: القارئ (الحنكوش) الذي لا يرغب في (التأمل) وانما يريد الأشياء جاهزة ، بمعني ان يكتب الكاتب ويفسر ويأول ، ويلتقط مثل هذا القارئ الأمر ، لمجرد المتعة العابرة.. والنوع الثاني القارئ (الخنشور) ، اي القارئ الذي لا ينخدع لسهولة الأشياء وانما يطالب بالتعقيد الذي يجعله في خانة التأمل واثارة الأسئلة..!
محنة عليش الريدة ، انه يفهم جيدا في أي افق او حقل اجتماعي وثقافي يتحرك..فهو يكتب نص للقارئ (الحنكوش) ويكتب نص للقارئ (الخنشور)..واجاد فكرة الموازنة ، وهو يهدف الى اثارة خصلة (التأمل) في القارئ..!
مثلا..
النصوص من (1-5) نصوص تتسم بالتقليدية ، بمعنى أن القارئ (خصوصا الحنكوش) سيجد فيها المعني التقليدي للقصة القصيرة (تسلسل الأحداث الدرامي ، يبدا من نقطة وينتهي عند نقطة معينة)..النص الأول (كائنات معاصرة) يخرج القارئ الحنكوش بمقاربة المعني (الرجال تحت الشوك ، أي الغوث قد يأتي ممن نحقره ونستحقره ، عمر مثلا) ، النص الثاني (المذهب المنصوري) علاقة بين طبيب نفسي ومريضه ، والقارئ الحنكوش يمكن ان يلخصها في فكرة (النهاية السعيدة) ، النص الثالث (النظريات الجابرية) فكرة الإنسان حينما يواجه فكرة التقاعد ، والتي تبدأ بسلوك الرفض او النكران (سيكولوجيا)..النص الرابع (احاديث الرجل العجوز)..والقارئ الحنكوش سيقرأها في اطار تجربة المتقدم في السن الذي نال سلطة رئاسة مجموعة من البشر ويظن ان تجربته وخبرته لا يأتيها الباطل من بين ايديها او كرعيها (فكرة صراع الأجيال) ، النص الخامس (الوتد) ، وسيفهم القارئ الحنكوش (فكرة الفقر وتبعاتها)..!!
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
نفس النصوص ، حينما يقرأها القارئ (الخنشور ، الذي يحب التلتلة والتأمل) ، سيسأل في عنوان النص الأول عن فكرة (معاصرة) ، هل هي في زمن الحداثة ، هل في زمن مابعد الحداثة الذي يتسم بالقلق الإنساني وصناعة الأشياء المزيفة والعنف المجاني (معنوي ومادي/الأنانية عنف معنوي/هشام مثالا)..؟..
النص الثاني (المذهب المنصوري)..لماذا مذهب؟..الحمولات والدلالات المتعلقة بالثقافة الإسلامية ماهو اثرها في كتابة العنوان بهذه الطريقة، المنصوري ، التاريخي العباسي الإسلامى ، ما اثره في الإختيارللعنوان هنا؟ ..هل الصبر يقود الى الجنة؟..فكرة الكفارة عن السيئات؟.. فكرة الصبر مفتاح الفرج؟..فكرة الخير في الإنسان؟..فكرة التوبة والتكفير عن السيئات ؟ (دي ياها البنيوية المكجنها يا عليش..!!)..
النص الثالث (النظريات الجابرية ) القارئ الخنشور سيتساءل: لماذا يكره الإنسان العدم (كره فكرة التقاعد)؟..لماذا يخشى الإنسان النهاية؟..هل الإنسان مستعد للنهاية ومجابتها والتصالح معها؟..هل هناك فكرة صراع البقاء (على الأقل في المشهد الإنساني برمته)؟..
النص الرابع (احاديث الرجل العجوز)..حينما يقرأ القارئ (الخنشور) هذا النص سيتساءل: الى حد يكره الإنسان فكرة التغيير(حمزة نموذج التغيير) ؟..الي أي حد يستطيع الإنسان فعل المؤامرة لإخفاء ضعفه (تفضيل طارق على حمزة)؟..الى أي حد لا يقبل الإنسان الهزيمة (صراع المدير/الرجل العجوز مع حمزة)؟
النص الخامس (الوتد)..حينما يقرأ القارئ الخنشور هذا النص ، لا يتوقف على مظهر المأساة (الفقر) فهي موجودة وبينة وظاهرة ، ولا يتعاطف مع الفقير ويتضامن معه بالدمعة والحسرة على الحال المائل ، انما يسأل: هل الفقر قدر (قسمة ونصيب) ام هو نتيجة طبيعية لغياب العدالة؟..هل الطيان عامل منتج يسهم في دفع ترس دورة الإنتاج بطريقة او باخرى ام مجرد كائن خامل؟..هل مجانية العلاج حق اساسي ام مجرد منحة تخضع لعلاقات الإنتاج والدولة بمواطنها؟..ايهم اجدى للفقير في الحياة: ان يعالج طفله ام تنظر السماء لبيته كقمر مضئ؟..
وهذه هي البنيوية يا عليش..!!
نكتفي بهذا القدر..والقراءة مستمرة لغاية النص الحادي عشر..
تحياتي للجميع ..وعيد الحول ما يغضب زول..كل سنة والجميع بعافية وخير..
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
مرحب نعمات.. المجموعة اسمها أحاديث الرجل العجوز...طبعتها في مصر ،كنت مفلس،قوقلت ولقيت دار نشر تكلفتا رخيصة...رسلتليهم النصوص.. طبعوها ونشروها في مصر...الكلام دا ليهو سنة تقريبا...لحدي الآن ماجاتني منهم هللة...في النهاية احتسبتها...
قوقلي عليش الريدة أو أحاديث الرجل العجوز في السودان مافي الكتاب دا والله أعلم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
أوووو كبرونا ياخ،كل عام وإنت والأسرة بخير.. إنت عارف ياعمك انا مشكلتي شنو مع الكلام الزي دا؟ ماكنت مركز فيهو زمان ولا هسع...ماقعد اقرا نقد نهائي،اللهم إلاّ حاجة عرضية ساكت.. عشان كدا بصراحة الكلام دا بعاين ليهو زي حصة الفيزياء زمان.. لكن كنت مدمن روايات... هسع عندي منك طلب،اكتب لمن تنتهي،وماترجى مني رد على كلامك... بعد تنتهي،بصفتك هنا قارئ وناقد وكاتب في الأساس ، أمسك قصة واحدة بس من المجموعة كنموذج ـــ عدا الوتد ـــ ، وحاول باختصار تتخيل الحاجة الدار أوصلا انا شنو من القصة دي؟ بعداك أنا بجي اوري الحاجة الدار اوصلا فعلا شنو...عشان نشوف مدى التطابق بين وجهة الكاتب والناقد...يعني زي مابقولوا ناسنا زمان :البيان بالعمل... أخد راحتك للآخر مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
بتذكروا قصة جزيرة الكنز،القراصنة العجيبين ديك،ناس سلفر وباقي العقد الفريد داك،ولماذا باقي العقد الفريد داك؟ ليه اتذكرنا سلفر وماتذكرنا باقي العقد الفريد،تخيلوا لحدي الان انا بتذكراسمو بالكامل،جون لونق سلفر،مرات الإسم ذاتو بكون موسيقي عشان يزيد من عملية عدم النسيان للمسمى،في تواطوء ظاهر في الحتة دي..بالمقابل مابتذكر اي قرصان تاني غيرو،اللهم إلاّ الشاب الكان بفن بالسكين داك،اسمو قريي،وقريي ماكان قرصان كان في مجموعة ناس جيم،طيب ليه تذكرت قريي تحديدا،لأنو هو الوحيد تقريبا القرب يكتل سلفر...إذن سلفر هو الأساس في تذكري لقريي..أنا بتكلم عن شنو هنا؟ عن ناس بمروا عليك ومابتقدر تنساهم ابدا،ناس بتصوروا ليك في ذهنك بمعاني قوية جدا،أو احتمال برضو تكون في انتقائية في الحتة دي،احتمال سلفر دا بخصني انا براي،يمكن في ناس نسوا سلفر ،وبتذكروا مثلا القبطان بتاع السفينة،بالذات لما طلعوا منو الرصاصة بدون بنج،كانوا ماسكنوا خمسة تقريبا عشان ما يتحرك أثناء العملية،شفتوهوا لما اتألم نفّض الجماعة كيف؟...القوة دي عندها كاريزما عجيبة جدا..لكن برضو الضعف مرات عندو كاريزما خاصة بيهو...المشكلة الفي الحياة دي،إنو نفس الحاجة البتحصل ،لو دار تشوفا سمحا بتشوفا،ولو دار تشوفا كعبة برضو بتشوفا..الحياة دي تقريبا في عينك وبس. سلفر بذكرني بحاج الخدر...فارس حلتنا ،الشيخ الذي مضى..حاج عثمان طبعا زي ماقلتليكم كريم و راجل قدامي تب...لكن كرمو ناتج من قيم هو بلتزم بيها وبحاول يطبقا،هو شايف إنو الكرم صفة الناس الكويسين،بخجل يعني من إنو يتصف بالبخل،وخجلو دا طبعا صادق جدا،هو مابمثل أبدا،يعني حاج عثمان دا لو مشى بلد مابعرفو فيها زول برضو ح يستمر في صفاتو دي...لكن حاج الخدر،حاجة غير كدا خالص...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
الناس ماعرفت علاقة جابودي بحاج الخدر إلاّ بعد مات،وهي ماعرفتا أصلا،لكن خمنتا وكالعادة طلعت الإشاعات بعداك...عادة لما يموت زول غني وعندو علاقات برّا الحي، قعد يجوا غرباء كتار لفراش العزاء،وبحكوا عن علاقاتم بالمرحوم وصفاتو الطيبة وكيف كان تعاملو أخو اخوان،كنا بنشعر بالفخر في الحالات الزي دي،لكن الحاجات الحصلت في وفاة حاج خدر ماحصلت قبل كدا أبدا،فراش العزاء في حلتنا بكون منصوب تلاتة أيام عادة،فراش خدر استمر عشر أيام،كل يوم بجي وفد من حتة جديدة ،حتات بنعرفا وحتات مابنعرفا،كان الناس ديل بقولوا كلام عجيب جدا عن المرحوم... لكن الأعجب منهم كان جابودي، جابودي رقد في الفراش طيلة العشر ايام،كان ببكي باستمرار،مايقيف إلاّ بعد يجيبوا الأكل،يضرب الأكل ويقوم آخر زول من الصينية،يغسل يدو ،يشرب الشاي بمزاج،ويطلب الجبنة،بعد يشربا مع ختتو للفنجان، تاني يدور بكاء من الأول..شغال كدا العشر أيام كلها...المشكلة إنو في اليوم التالت بقت تجيهو أعراض السكر،طبعا هو أصلو ماشرب أيام العزاء،لكن في اليوم التالت عيونو قلبن حمر،وبقا يكورك كل ربع ساعة بصيحتو المشهورة: هيع،أنا الجابودي... اولاد المرحوم تضايقوا منو شديد،كان بجوا ضيوف مهمين للعزاء،وهم شافوا إنو الجابودي بحرجم مع الناس ديل،عشان كدا طلبوا منو يمشي ،لكنو مااشتغل بيهم الشغلة..في اليوم العاشر بعد رفعو الفراش ،الجابودي طلب من حاج عثمان يوديهو لمرة المرحوم،حاج عثمان طبعا كان صاحب المرحوم صحبة شديدة،لكنو قال للجابودي المرة حابسة مافي داعي تقابلا...لكن جابودي كان بكرر في جملة واحدة بس:دار أقابل الحاجة. حاج عثمان ساقو ومشو للحاجة،قابلتم بتوبا الأبيض،حاج عثمان من بعيد رفع يدينو وقال الفاتحة..قبل ما الحاجة ترفع يدينا كويس،الجابودي جرى عليها،عمتا عمتت عدوك،وبقى يجعّر.. حاج عثمان مشى عليهو جراهو كان بكرر في :استغفر يازول استغفر.. لكن جابودي مااشتغلبيهو الشغلة،مافكاها لغاية ماجو أولادا ضربوهوا،ادوهو علقة نضيفة...وكمان رفعوا صوتم على حاج عثمان صاحب أبوهم.. اها من اليوم داك حاج عثمان استلم الجابودي...لكن اصلو ماسألو عن علاقتو بحاج الخدر إلاّ بعد تلات سنة تقريبا من وفاتو.. جابودي قال :ماعندو بيهو اي علاقة... حاج عثمان صفق بيديهو وقال :نكرت السيف كمان دار تنكر حاج الخدر... حاج عثمان نفسو حار شوية كدا...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
النص السادس (البيت ، الأسد ، واشياء اخرى) يشكل نقطة فاصلة بين مرحلتين: مرحلة النص التقليدي ، والنص الحداثي..!!!! هنا ينتهي دور القارئ (الحكنوش) فلا معايير ثابتة لمحاكمة النص ، هل هو قصة قصيرة تعتمد المعايير التقليدية؟..هل هو مقالة؟..هل هو خواطر متناثرة؟هل هو ثرثرة تخالف المفاهيم التقليدية؟.. النص يبدأ بعبارة (عن) وينتهي بعبارة (دبايوا)..ويصعب خلق علاقة بين الإثنين كما يفهم القارئ الحنكوش..! يبدأ هذا النص بعمليتي تناص ، الأولي مع الوكيبديا (موسوعة رقمية) والثاني مع معجم المعاني (كتاب كلاسيكي متاح لمن يطلبه ورقمي بحسب نشره في الشبكة العنكبوتية لمن يطلبه)..فالقارئ الحنكوش سيفترض ان هذه ثرثرة وتزيد في الكلام ، وان حذف المقدمة لا يؤثر على صيرورة النص..!!..وهذا خطأ بالطبع..!!!!!! القارئ الخنشور..سيقرأ العنوان باعتباره جزء من النص..وحد المساءلة عنده يبدأ هل توفق الكاتب (عليش الريدة) في توظيف التناص بما يخدم فكرة النص الأساسية؟..هل السرد يدعم النصوص الموجودة المقتبسة (وكيبديا /معجم معاني)..؟..فبالنسبة للقارئ الخنشور..لا شئ مجاني ولا ثرثرة في النص او تزيد في استخدام العبارات والمعاني ، وانما هناك علاقات تحتاج دقة التأمل للربط بين مكونات النص..؟..لماذا جلب نصوص قديمة في زمن معاصر؟..
النص السابع (مع الجاحظ)..هذا النص حينما يقرأه القارئ الحنكوش..سيعتمد فكرة ان الكاتب كسول ، وجلب نصوص الأخرين..!! ولكن حينما يقرأه القارئ الخنشور ، سيسأل: ماهي اللحظة الباهرة التي جعلت الكاتب عاجز عن التأليف لدرجة التناص الكامل مع نصوص الأخرين (الجاحظ)؟..ماهي المناسبة التي تجعل كاتب يعيش في الألفية الثالثة (طبعا لا ندرى متى كتب هذا النص بالضبط..ولكنا نعتقد انه في الألف الثالثة أو على الأقل الربع الأخير من الألفية الثانية) يتناص مع نصوص قديمة نسبيا لدرجة ان يضعها برمتها؟..
النص الثامن (مهاجم صريح)..هذا النص لا يستطيع القارئ الحنكوش التواصل معه ، لأنه نص معقد الى حد ما..وفيه تعرجات تعلو وتهبط..ويصعب على القارئ الحنكوش ربط حلقاتها ببعضها البعض..! اما القارئ الخنشور..سيستصحب افكار عديدة ومتنوعة تساعده في التواصل مع هذا النص.. فكرة القدم لعبة شائعة عالميا في زمن ما بعد الحداثة ، ولها قواعدها وتصنيفات من يؤدونها ، ومنها وظيفة تسمى (المهاجم)..!! النص يبدأ بفكرة قرآنية تتحدث عن فكرة الخلق ، ولماذا الخلائق ثنائية (ذكر وانثي)..ثم التعرجات التي تنتاب النفس البشرية..والمعايير الإتفاقية التي يضعها البشر لتحديد وتقويم السلوك البشري والتفكير البشري..فمثلا سلوى في التصنيف البشري هي شخصية (جنينة/مجنونة)..مفارقة للسلوك اليومي العادي..تخطرف..تلبس قميص شقيقها وتخرج تتجول وتأكل الطعام في الأسواق..!! والنص يطرح جدلية الحب..هل هو مادي أم معنوي؟..البطل يراه مادي غريزي من اجل حفظ النوع (الإهتمام بفكرة جوز الحمام ومراقبتها بدقة) ، البطلة ترى الحب مثالي/معنوي/صوفي/حلم (تحلم بان تكون مثل فينوس التي اغوت ملكين ثم مسخها الرب لتكون كوكب..!!)..
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
النص التاسع (نظارة جدو) ، هو نص طويل نسبيا (اقصوصة ، بمعنى انه اطول من القصة القصيرة واقصر من الرواية)..ونظارة جدو هو موتر بطل القصة.. يبدأ هذا النص بعبارة صيغت في شكل تساؤل (صحي الرئيس جاي هنا الليلة)..وفي هذه البداية نوع من الإغواء الذي يثيره امر زيارة هذا الرئيس ، فالقارئ الحنكوش سيعتقد ان الأمر يتعلق بمسألة زيارة الرئيس ، ولكن النص يذهب في مناحي اخرى ومختلفة تماما ، لأنه يتحول من انتظار زيارة شخص مهم وتبعاتها الى قصة حب بين (مندوب مبيعات) و(موظفة لديها هواية الغناء لحد الإحتراف)..وفي النص نجد كثير من الحكم التي تقوم على المقارنة والمفارقة بين الحب زمان وحب الزمن الحديث (الحب الإلكتروني والحب بالموبايل والتلفون..الخ)..بالطبع في نهاية النص تظهر فكرة زيارة الرئيس (موكب الإحتفال بعيد الإستقلال) ثم الشد والجذب بين البطل والبطلة ، والنقاش في عبارة كتبت على الموتر (خداع) ولماذا لم تكتب عبارة (نظارة جدو)..
النص العاشر (الضغط وظن الوصول) ، وهذا نص مستفز ومحفز على التفكير ومحاولة خلق العلاقات بين الأفكار المتناثرة في النص..!! نص صعب قراءته من قبل القارئ الحنكوش ، ولو اصابا حظا في القراءة سيخرج بفكرة ان النص يتحدث عن التذوق الفني للغناء أو استقبال الغناء كرسالة وتدرج التجاوب والتفاعل مع الغناء..بالطبع سيخرج اخر غاضبا عن مقارنة تجربة مصطفى سيد احمد الغنائية باغنية شعبية واحدة وهي اغنية (الداقوي)..!! اما القارئ الخنشور ، فسيجد براح لممارسة لعبة القراءة ومفاتيحها المتنوعة: هذا النص فيه غرابة مدهشة ، فهو خلافا للنصوص العادية فيه اربع عنوانين (الضغط وظن الوصول ، مخاطر الغوص ، انفجار الرئة ، شالوت في بداية مساره الجديد) ، وايضا يبدأ بالتناص مع معلومات من الوكيبيديا ونكتة متداولة..والسؤال: هل لو حذفت هذه المقدمات ، يمكن ان نقرأ النص بسهولة ويسر؟ بالطبع لأ.. المفارقة الطريفة ، ان الإهداء عادة يكون في البداية ، ولكن في هذا النص جاء الإهداء في نهاية النص..!! الوصول فكرة صوفية بحتة ، والضغط (الكبت) قد يؤدي الى الإنفجار..مسرح الأحداث كائن يجلس في كوخه ويتلصص على الشارع عبر الإستماع للأحاديث والأغاني ..فكرة عزلة هذا الكائن ، بالرغم من قربه من الشارع العام الإ انه ليس جزء من هذا الشارع ، يعني مجرد متفرج أو بالأدق مستمع وليس مشارك فاعل.. فكرة الدرجات ، وتحديدا اختيار الرقم سبعة هي فكرة صوفية ، ويعضد ذلك الإشارة الى سيدنا موسى وسيدنا الخضر ، والحجاج بينهما (جدل يا عليش اظرط من ديالكتيك هيجل..!!!!).. فكرة التأمل واضحة للغاية ، أي المراقبة ومحاولة تحليل الأشياء والوقائع ، وارتكاب فكرة القوانين كقواعد منظمة (لأي حاجة كانت في المجتمع)..
النص الحادي عشر (زينب واحمد)..وهو نص واضح للغاية ، ويختلف عن تعقيد النص السابق له..شخصين جمعتهما قصة حب قبل ثلاثين سنة ، كانا يلتقيان في مكان معين ، تغيرت الظروف ، والتقيا في ظروف مشابهة بعد ثلاثين سنة..وهي فكرة شائعة في كثير من المجتمعات ، خصوصا السودانية.. في النص مسألة جلد الذات التي مارسها البطل حينما قرر ان يجلس تحت المطر..!
خاتمة: صحيح نصوص عليش الريدة ، تخلق نوعين من القراء في التفاعل معها ، ولكنها ايضا تمتلئ بسخرية محببة للغاية ، في التشبيهات والمفارقات والعبارات التى تحتوي تكثيف كبير في الدلالة..
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
عليش ..حبابك يا صديقي كتر خيرك على فكرة البيان بالعمل.. القراءة والتفاعل مع النص يا صديقي ليها مناخات ومواسم ، كل مرة تقرأ النص تخرج بفكرة جديدة لم تخطر بالبال سابقا ، وصعب التطابق بين وجهة نظر الكاتب كمنجز للنص والقارئ كمتلقي ومتفاعل مع النص.. لأن الأول حدو نهاية النص..والثاني بيفتش عن اكبر عدد من المعاني التي يمكن استيلادها من النص..
واذا كان لابد ، فاخترت النص العاشر (الضغط وظن الوصول).. مثلا عبارتك التالية:
Quote: المهيجات التي في أغنية الداقوي،هي عينها التي يغنيها مصطفي سيد أحمد في أغانيه،وهي عينها مايغنيه بقية المغنيين على اختلاف مشاربهم... الغايات دائما واحدة لكن يختلف البلاغ.. ورغم أن الغايات واحدة ،إلاّ أن إدراكها ومن ثم التعبير عنها تحدده الدرجة،أهل الدرجة الاولى مثلا لا تتاح لهم مالأهل الدرجة الثانية من حواس..وهكذا دواليك..
|
بالنسبة لي كقارئ: عبارة (المهيجات) اقرأها كتحديد لتاريخ النص ، أي كتب النص ايام الجدل الذي اثاره احدهم بان اغنية (الداقوي) تحوي ايحاءات جنسية واضحة..!
فبالنسبة لي ، هذا المفتاح يدخلني في السؤال عن قيمة الإعلام الموجه في دولة دينية ديكتاتورية ، حيث لا حرية للصحافة والرأي والحق في التعبير..بالتالي يكون عندي قطيع من اهل الصحافة يأتمر بامر الحاكم بامر الله ، يكتب بمزاج الحاكم ويفسر الأشياء بمزاج الحاكم..وكل ذلك بخدعة ان التوجه العام خلق مزاج عام يقف كشرطي مطوعاتي يحاسب الذوق العام ويحاول تشكيله كما يرغب هو..!
الكاتب هنا ، تخلى عن خصلة التمرد والمقاومة ، واصبح تبريري أي يتماشى مع ما يسمى بالذوق العام ، ليدخل في مقارنة بين تجربة الداقوي وغيرها من تجارب غنائية (خصوصا تجربة مصطفى سيد احمد)..ليقول لنا كله غناء في غناء..وبالطبع التبريرية والتحجج بالدرجات لا تقنع احد البتة..!!! كنت اطمع في موقف واضح في النص ينحاز لحرية التعبير في اغنية الداقوي والأ تحاكم بمزاج الإعلام الموجه وهو اعلام دولة شمولية وديكتاتورية ودينية تريد ان تنمط الجميع وفقا لمزاجها..!
وعشان ندخلك يا صديقي في فتنة مع القارئ: اين هي الإيحاءات الجنسية في أي من اغنيات مصطفى سيد احمد؟..بسأل السؤال ده ، لأن الكاتب في النص اداني انطباع (انحيازا لهوجة الإعلام الموجه) انو فعلا غنية الداقوي فيها ايحاءات جنسية وانو الكاتب داير يقول لينا عادي جدا..فاغنيات مصطفى سيد احمد برضك فيها ايحاءات جنسية..!!!!!!
هل شطحت كتير؟؟؟؟؟
ودمت.. كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: Kabar)
|
مرحب أستاذنا.. مجرد أن نعلم أنك تقرأ لنا،نشعر بالسعادة... فمابالك بما استنزفته هنا من وقت..شاكر لك جدا ياعزيزي...
لأني منذ البداية اعتبرت طلبي (البيان بالعمل ) مزحة او لطيفة أو محاولة خلق شئ جديد في عالم النقد ، أو أي شئ من هذه الأشياء الطريفة غير التقليدية،لكل ذلك ساستمر في اللعبة بنزاهة متناهية ... بالنسبة للضغط وظن الوصول... أردت بث هواجسي عن هذا الكائن الذي يسمى الإنسان...في سؤال هنا بسيط لكنو مصيري: ليه نحن مختلفين؟ ليه تلقا طفلين مثلا إتربو في بيت واحد في ظروف واحدة من نفس الأبوين والتأثيرات، وبعدّا اي واحد فيهم قصة لحالا... الإحساس بالأشياء ،الإدراك، ثم التعبير ...عمليات كيمائية معقدة تختلف من شخص لآخر... النص ـــ إن جاز لنا تسميته بذلك ـــ يعترف بالآتي: *هناك درجات للخلق،الناس ليسوا على درجة واحدة من المبدأ.. *صناع الحضارة هم قاطنوا الدرجات العلا... *الألم يتوزع طرديا مع الدرجات... *عليه، ساكنو الدرجات السفلى هم الأوفر حظا...رغم أن الأمر في الواقع يبدو غير ذلك... *الألم الذي توزع تناسبيا مع الدرجات ألزم الجميع بحافز واحد:الهروب من السبب وهو العقل النسبي...
# خلاصة النص في تشبيه التفاعل البشري الموجود بالواقع برقعة الشطرنج ،الوزير الذي قد تتوقف حياته على حركة الجندي...أو البساطة التي نجّت التعقيد...أن تلتهم البعوضة الفيل..او أي هواجس من هذا القبيل. أكرر شكري العميق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
جابودي بعدّاك بقا كل جمعة يجي يتغدا مع حاج عثمان في البيت،في عيد الضحية برضو تلقا معسكر يوم العيد وأيام التشريق كلها،وفي عيد الفطر حاج عثمان بضبح برضو، عيدو ماعيد حلاوة...مع الزمن جابودي أصبح زول بيت تب،لو حاج عثمان في أو مافي تلقا جابودي قعد يضرب،لكنو ماعندي كلام كتير أبد...اضرب واتخارج ،دا شعارو المفضل... علاقة حاج عثمان بجابودي ما أدتو حصانة تذكر،عادي لما يكون عندو شغل في الورشة بياخد نصيبو من التأخير والتسويف زي باقي الناس،مرات الحاج بفوت ويصبر ومرات بضّايق ويجوط في جابودي،لكن جابودي كان قطر وماشي في سكة..الشي الجميل إنهم كانوا فاصلين شغل الورشة من باقي علاقتم ،يعني الحاج يكورك كدا وبعد ينتهي يقوم يسوق جابودي للغداء.. لكن قبل شهر من عيد الضحية الأخير حصلت حاجة غريبة،كانت حاجة تحصل لأول مرة في الحي...الحاج كان عندو عرس واحدة من بناتو في العيد،أها ناس البيت عندهم حافلة بتاعة عدة دار يعملوها هدية للعروس ،الزمن طبعا لسّ بدري،لكن مرة الحاج قالتليهو عشان جابودي مايمقلبنا وديليهو الحاجات من هسّ... الحاج في طريقو للجامع كان بمر بالورشة ،كل مرة يسأل الجابودي عن الحافلة ويوصيهو عليها..الجابودي طبعا برد :خير ،خير.. كالعادة مر الشهر سريع جدا،في اليوم داك لما الحاج مشى للورشة كان العيد فضّل ليهو خمس أيام.. :أها ياجابودي إن شاء الله الحافلة جهزتا زي ماوعدتنا.. :والله لسّ شوية... الحاج لأنو متوقع الاحتمال دا اكتر من الاحتمال التاني عشان كدا ماضّايق... :طيب بكرة بتجهز؟ :والله نشوف... نبرة الجابودي هي المسئولة من التطورات الحصلت بعدّاك،كانت في حاجة ماطبيعية في صوتو .. :كدي هي الحافلة وينا النشوفا وصلت وين... :قاعدة جوّا.. :جوّا وين ماشايفا.. جابودي صمت ولم يرد... الشي الأتضح لاحقا،إنو في زول من برّا الحي كان عندو شغل معلق ليهو شهور،قام جا وبزعلو الشديد داك لقا الحافلة الجميلة دي ورفعا في بوكسيهو ودوّر... الحاج مازال هادئا.. :طيب اسمو منو الزول دا؟ :كمال.. :ساكن وين؟ :ماعارفو والله.. :عندك ليهو رقم تلفون؟ :أبدا... الحاج ماقال ولا كلمة بعدّاك،كان هادي جدا...ولما يكون الزول الإنفعالي هادي في الموقف المفروض ينفعل فيهو،دي بتكون حاجة خطرة جدا..النتايج غالبا بتكون كارثية.. من دربو داك طوالي مشى القسم،فتح بلاغ في الجابودي،ودي كانت سابقة فريدة،أول مرة تحصل في حينا،صحي الناس قعد تفتح بلاغات في بعضها،لكن الجابودي كان بقرة مقدسة...ومنو الفتح البلاغ؟ حاج عثمان اكتر زول رحيم بالجابودي...في الحقيقة في حاجة تانية غريبة،الجابودي في الحافلة دي كان مجتهد اجتهاد شديد جدا،كان ناوي يطلعا تحفة يتكلموا بيها الناس في حينا والأحياء المجاورة،وبرضو ماكان ناوي ياخد عليها قروش،بس حق المواد والترحيل،كان ناوي يقدما هدية للعروس...ومن دون كل شغلو السابق،الحافلة دي هي الدخلتو السجن...حلتنا دي لما تقوم للعجايب بتجي الأولى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
ناس البوليس لما جوا لقوا جابودي فيهو ريحة عرقي،ودا مش لأنو حظو كعب،او تصادف جيتم مع سكر جابودي،أبدا،لو جو في أي يوم تاني كان بلقوا ريحة العرقي... العكسري نهرو :كمان سكران ياجزمة.. ثواني معدودة وكرفسوهوا وجدعوهوا في ضهر العربية زي الخروف ..من اللحظة ديك حاج عثمان بدا يشعر بتأنيب الضمير... القاضي قال:إنت جايبنك عشان حاجة تانية،لكن أولا ناخد حق الشريعة وبعدّاك نشوف مشكلتك شنو... العسكري الجابوهوا عشان ينفذ الحد،قعد يسكر مع جابودي في انداية واحدة،عشان كدا ماقدر يجلدو بصورة مهنية.. جنابو الكبير قال :دخلوا العسكري دا الكركون ونادوا كتال السكارى... كتال السكارى دا عسكري متزمت جدا،بجلد السكارى وكأنو العرقي دا ثروة قومية ومفروض ماتستهلك،في الحقيقة لما يكون كتال السكارى بنفذ في الحكم الناس الحاضرين قعد يتعاطفوا شوية مع السكران،لكن في اليوم داك بالغوا شوية... كانت في تلاتة جلدات من العسكري السابق،لكن جنابو قال أبدوا من الأول... الصوط الاول وقع زي الصاقعة في نهاية الخريف...في حقيقة ناس الحلة عارفنها،جابودي رغم إنو بسكر ليهو دهور،لكنو أبدا ماحصل إنجلد،في اليوم داك كان بخوض في تجربة جديدة لنج.. من الصوط التاني الناس عرفت إنو جابودي ح ينهار قريب جدا،جسمو النحيل بقى يرجف زي جناح الفراشة،لكنو كان مصمم على المقاومة...مع انهمار الصيطان،المحكمة تحولت لمباراة حامية الوطيس،حامية الوطيس جدا لكن في صمت شديد...كانت مباراة بالعيون فقط...أنا ماقلتليكم قبل كدا ،الضعف برضو عندو الكاريزما بتاعتو ... الجمهور في المحكمة انقسم لقسمين بس لاتالت لهما،ودي كانت من اللحظات النادرة الفرضت على الناس القسمة على اتنين،الإمور كانت واضحة جدا...هن احتمالين بس :ياإما إنت مع الجابودي أو مع كتال السكارى.. في حاجة أنا ملاحظة في ناس حلتنا ديل،لما يجوا يحكوا ليك حكاية،بكونوا متأكدين منها تماما،وبحكوا بإثباتات ما تقبل الشك أبدا..لكن الدرب قعد يخش ليهم في الموية،لما يصلوا النقاط المفصلية في حكاويهم،النقاط الممكن تساعدك عشان تأسس صورة واضحة عن القصة الحكوها ليك،تساعدك عشان تستخدم حقك الشرعي والمضمون لاستيعاب كل قصة تسمعا..البحصل دايما إنو الجماعة ديل بكوجنوا النقاط الحساسة في كل قصة ويتموها ليك إشاعات وامنيات وأساطير،ويحاولوا باستماتة يقنعوك بصحتا.. مرات إصرارم دا بخليني افكر إنو فعلا الأساطير دي حقيقية..وبالتالي حكاويهم عبارة عن أساطير الحقيقية..أو حقايق إسطورية.. قالوا :جابودي قبل مايقع غمران مع الصوت قبل الأخير،كان دار يكورك بصيحتو المشهورة هيع أنا الجابودي...لكنو بدلا من دا صاح هيع انا جابو...واحدين قالوا قال هيع أنا حاج الخدر...واحدين كمان زادوها حبة قالوا قال :هيع أنا حاج عثمان...لكن الثابت في الحكاوي دي كلها،إنو ماقال هيع أنا الجابودي...ود بخليني أفكر في إنو الجابودي فشل في إنو يصيح بصيحتو المعهودة في الموقف الوحيد الكان بستحق.. والثابت برضو،الشي الإتفقوا عليه الناس،إنو كتال السكارى أتم نصاب الجلد وأدى الصوت الأخير للجابودي و هوغمران...دا رغم إنو كانت في تلاتة صيطان أخدن الجابودي من العسكري الأول... القاضي بعد تنفيذ حد السكر...أمر بوضعه في الحبس،لحدي ماتنتهي قضيتو مع حاج عثمان أو الخروج بكفالة..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
فجاة ضاقت الأرض على حاج عثمان بما رحبت،كان لما يمشي للجامع في كل صلاة بجي ماري جنب الورشة،كل مرة كان بتمنى إنو يلقا الجابودي طلع بكفالة من أي اتجاه،لكن الورشة في كل مرة بتكون مقفّلة،شوية شوية الناس كشت من الحاج،ايوا بعاملوا عادي زي زمان لكن ببرود ظاهر،مرات يشوف ناس يتونسوا من بعيد ولما يقرب عليهم يقوموا يسكتوا،عاش أيام عصيبة فعلا..مرتو قالتليهو النسوان أكلن لحمي،وقالتليهو كمان، الوداعية قالت لو ماطلعتو جابودي قبل العرس،العروس ح يطلقوها بعد 43 يوم،زي عدد الصيطان الجلدوها لي جابودي... ناس الحلة رغم استياوم من الموضوع ،ورغم إنو في ناس منهم عندهم شغل معلق في الورشة،لكن مافي واحد منهم مشى دفع الكفالة،مش بخل،لكن لأسباب تانية مختلفة،واحدين كانوا علاقتم بالحاج لاتسمح ابدا،وواحدين خافوا من نفوذو،وواحدين فكرو إنو الخروج احتمال يجي بالساحق والماحق على جابودي لأنهم كانوا منتظرين الحاج يعفي ..عشان كدا جابودي قعد خمس أيام في الحبس،وفي نهاية اليوم الخامس،قبل العيد بيومين،الحاج مشى شطب البلاغ.. تقريبا اكتر تلاتة أحداث مهمة في حلتنا في الفترة الأخيرة هي ،موت جابو،وموت حاج خدر،ودخول وخروج جابودي من الحبس...والأحداث التلاتة دي طبعا القاسم المشترك الأكبر بينا هو جابودي..عشان كدا بطريقة تانية مختلفة ،ممكن نعتبر جابودي هو جون لونق سلفر بتاع حلتنا،ودا جانب فيهو إغراء فلسفي عجيب،كيف يمكن لزول نكرة ،فقير،سكرجي،ماعندو ذرة من طموح ولاهدف ولاهوية،كيف تمكن من إنو يملك هذه القدرة المهولة على التأثير على ناس الحي..إمامنا شيخ عباس،يوم قالي، جابودي دا حايط المبكى بتاع الحي...دي كانت عبارة مبهمة لكن فيها شجن عجيب. يوم العيد ،بعد الناس صلت وضبحت،الحاج قال يأخروا الفطور شوية،الأولاد عارفين إنو أبوهم بأخر في الفطور منتظر الجابودي،لكن الجابودي مادار يجي..عادة في كل عيد بعد الصلاة بساعة كدا هو بجي براهو، ماقعد يرسلوا ليهوأبدا،لكن المرة دي أبى الجية..حاج عثمان مادار يوري أولادو إنو منتظرو،وفي نفس الوقت مادار يرسليهو لأنو خايف من الإحراج،كان بتمنى إنو واحد من الأولاد يبادر ويمشي يناديهو،لكن الأولاد كان شايفين الكلام دا كلو طوابير ساكت. في النهاية الحاج طلب من الحاجة تعمل عمود،وأمر واحد من الأولاد يشيل العمود يوديهو للجابودي،الولد مشى وجا راجع بالعمود سريع جدا..الحاج شعر باضطراب شديد،فكر إنو جابودي رفض الفطور.. لكنو بهدوء سأل الولد :مالك جيت راجع سريع كدا؟ :جابودي قال العمود دا كنت منتظرو في السجن،بعد طلعت ماباكل فيهو..وقال ماتفطرو هو جاي يفطر معانا... حاج عثمان قرب يكورك هيع أنا الجابودي،لكن خجلو من أولادو منعو...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
لو اخترت بمحض إرادتك إنك تهبط،دا ماشي فيهو استغراب،ولا هو شي بديع من نوعو،في ناس كتار سبقوك على الغريزة دي،غريزة حب الهبوط،لكن الشي البديع وعجيب،هو إنك تستخدم لهبوطك الرغبوي دا،نفس المواهب المدينك ليها عشان تسمو،دي بتكون انانية وجحود مبالغات منك،دي بتكون زي مابقولوا ناس حلتنا شينة منك شديد...غايتو انا مابقدر اديك نصايح لا شوية لا كتيرة،لكن خمولك المريب دا،المانعك من مجرد التفكير في إنك ترتب ورشتك مصدر رزقك الأساسي وفي نفس الوقت مأواك ،بدي إحساس إنك زول مكمل الخراقة...لكن على أي حال،بنسمع إنو الأرضة جربت الحجر،ورغم إني تقنيا ضد المثل دا،اللهم إلا إذا كان حجر جيري او طباشيري،مع إني ضدو، لكن دا مابمنعني من الانتظار،وترقب الأخبار الحلوة ..
طبعا ياجماعة أنا قبل كدا ،عيبت ليكم ناس حلتنا في حكاية الأساطير والدغمسة في النقاط الحساسة من القصة البحكوها،دحين انا هسع بحكيليكم في واحدة،حاولت اجتهد عشان ما ادغمس،لكن في مشكلة كبيرة بتواجهني الآن،دار اختم قصتي،ودا شي طبيعي ومن حقي ،لكن المشكلة إنو قصة جابودي ما انتهت،فكيف اختم انا رؤيتي الشخصية عنو؟مابقدر أقول (تمت) ...دي بتكون محاولة مني أو ربما استسلام للأسطرة،عشان كدا بقول ،في احتمالات كتيرة ومتسلسلة لنهاية قصة جابودي،الناس الربنا كاتبليهم عمر طويل،ح يعرفوا ياتو احتمال من الاحتمالات دي هو الح يتحقق..
ودعتكم الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: نعمات عماد)
|
لا ما دار أزوغ،بالعكس البوست دا مامر فيهو زول إلاّ و اداهو معنى إضافي ،اللهم إلاّ قسيم (لانو قال ماقرا)... ودعتكم الله يمكن ترمز لعدم نهاية قصة جابودي، لكن فعلا ليها معنى تاني،عندي سفرية بتاخد زمن طويل شوية،قايمين جماعة،راجي منهم سلك بس... ح أغيب ،لكن إن الله مد في الآجال بجي... (كان باين) دي ،فيها حاجة عجيبة ،كنت دار اغالطك لكن إتذكرت إنتو مابتتغالطو هههه احترامي الفائق
*بعدين الأيام دي في قضايا آكشنية أهم من الأدب،المنبر يتعرض للاختطاف...دقت ساعة الزحف ،زنقة زنقة هههه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تلاقيط (Re: عليش الريدة)
|
سلامات يا عليش
تسافر و ترجع بالسلامة.
و الله أفتكرتك عايز تلحق عبد العزيز عثمان الروائي الكبير حفظه الله
أينما كان .
يا إبني المنبر ده من جيت هنا قبل ثلاث سنوات و نصف ، شغال ب"
لو دامت لغيركم لما آلت لكم " يوم عند ديل و بكرة عند ديلاك... دنيا!
المهم انو متابعتك ح تنفعك كتير ، ما بعيد بعد زمن تطلع في احدى
قصصك شخصية تشبه مزيج من فلان و علان و فلتكان.
| |
|
|
|
|
|
|
|