حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية#

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 02:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2014, 09:09 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية#


    وقف المثقف العربي الكبير عزمي بشارة بين علامتي الاستفهام والتعجب في جملة المشروع الأدبي للشاعر اللبناني سعيد عقل، إذ اعترضت الجمهرة المثقفة على قرار الدولة اللبنانية وضع صورته على طابعة بريد تخليدا لذكرى رحيله لأنه شاعر موغل في العنصرية التي انحطت به إلى درك سحيق من الابتذال والتجاوز والتحقير الإنساني. فقال عزمي بشارة إن سعيد عقل هو إنسان صغير ولكنه أنتج أدبا كبيرا.
    ولعل الباحث المتأمل في إنتاج الدكتور حيدر إبراهيم الثقافي والفكري يجده ينطلق من موجدة تتعدى الفكري إلى الشخصي في مقارعة الخصوم، خاصة في تبخيس مناوئيه والإيغال الفاجر في الخصومة وأبلسة الآخر، في مفارقة واضحة لمنهجه العقلاني الذي أختاره شعارا لمشروعه الفكري الذي يتطلب منه النظر الموضوعي في الظاهرة موضع الدراسة، والتجرد من نزعة الحكم المسبق وشبهة الانحياز العاطفي وذلك توصلا للحقيقة التي ينشدها وليس اشباعا لنزعة التشفي الفكري وهو يبارز بحد السيف ويصول برجل الخيل. عندما كتبت مقاربتي السابقة بعنوان "ديمقراطية حيدر إبراهيم:منظراتي ساكت"، والتي استملحها البعض واستهجنها آخرون، كنت أقف في منطقة وسطى بين تمظهرات الإعجاب بغزارة الإنتاج الفكري وتنوعه وبين المنهج النقدى الذى يشكو من علة الانحياز العاطفي والمواطأة الفكرية والأحكام المسبقة لا التسبيب المنطقي، لا سيما وأن له كرها غريزيا تجاه بعض الشخصيات والظواهر ذات النزعة الإسلامية لأنه يغلب عليه موقف المغاضب لا الدارس. وقد استنكفت تلك العلة في منهج حيدر لأنني أراه مشغولا ببناء القوة الناعمة في المجتمع السوداني من خلال محاربة الثقافة الشفاهية والتعمق في التنظير ومراجعة المسلمات التاريخية. وفقا لهذه القاعدة أنبرى الدكتور حيدر إبراهيم مهاجما ومنتقدا قرار مؤسسة بن رشد للفكر الحر منح جائزتها لهذا العام للشيخ راشد الغنوشي كما بسط ذلك في مقال بعنوان "الغنوشي. . مفكر إسلامي أم سياسي حركي حديث؟". سرد فيه ما أسماه التسبيب المنطقي لرفض منح الجائزة للشيخ الغنوشي وتعرض لمسيرة تطوره السياسي والفكري ووقف مليا عند محطات تأثره بالتجربة السودانية وبفكر الدكتور حسن الترابي. واتهم الغنوشي بأنه كان يعول على تجربة الحركة في السودان حتي تكون "مختبرا أو حقل تجارب لأول تجربة لدولة إسلامية سنية معاصرة،باعتباره "الحلقة الضعيفة"- حسب نموذج روسيا عام1917م". وهذا زعم عريض وادعاء كبير لم يسنده بدليل أو قول شاهد أو تحليل راجح، بل أصدر حكما فضفاضا للتشفي الفكري دون هدى أو كتاب منير.
    انتقد الدكتور حيدر مقالي الذي نشرته صحيفة السوداني الأسبوع قبل الماضي بعنوان "أفول دولة الترابي وبروز عصر الغنوشي". وزعم أنني أجريت مقارنة غير دقيقة بين الترابي والغنوشي أفسدتها حسب قوله "الأيدلوجيا وعين الرضاء". وانتقد قولي إن الترابي رغم تصنيفه الجغرافي بأنه مشرقي جهة ولكنه مغاربي فكرا لانحيازه للنظر العقلي ولتأثره بمنهج ابن خلدون وابن رشد. واتهمني حيدر بهذا الوصف الذي رجحت فيه مغاربية فكر الترابي على مشارقية الجغرافيا لانتصاره للعقل بأنه تكريس لعبادة هذه الأيقونة والعجل المقدس وقال: "بعد كل الذي جره الترابي ب"عقله" الفاوستي على السودان؟فالترابي ليس مغاربيا ولا مشارقيا بل سودانيا قحا ومن الجزيرة بلاد القباب والأولياء، وابن قاض شرعي".
    وهل لمجرد أن الترابي من الجزيرة حيث القباب والتصوف وأنه ابن قاض شرعي ينسف عنه أي صفة فكرية أو نزعة انتصار للعقل؟. وحسب تصنيف الجابري فإن الترابي ينسب للاتجاه العرفاني لمشرقيته أكثر منه عقلانيا وهذا ما يتسق مع وصف حيدر بأنه ينحدر من الجزيرة أرض القباب والأولياء. يجمع المنصفون والناقدون لمشروع الدكتور حسن الترابي على أصالة إنتاجه الفكري وتجديده الفقهي رغم ما ينكرونه عليه من غريب الرأي حسب زعمهم، ولكن يختلفون على مجمل كسبه السياسي وذلك ما أشار اليه أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون جون اسبزيتو بأن الترابي صاحب فكر نظري سامق كان يمكن أن يتميز به في قيادة التيار الإسلامي العالمي الحديث ولكنه كان أكثر نزوعا وميلا للبرامج السياسية والتطبيقية المباشرة. ويدافع الترابي عن هذا الرأي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منظرا أو مفكرا ومبلغا رسالة ربه بالأقوال فقط بل كان قائدا سياسيا ومصلحا اجتماعيا وقائدا دينيا لذا فهو لا يفصل بين الديني والسياسي، ولم يرض بدور المرشد والموجه والمنظر كما فعل الخميني لأن يعتبر أن الجمع بين النظر والتطبيق والفكر والسياسة هو نهج نبوي كما أن التجربة تغذي الفكر وتثريه وتطوره وليس التأمل والقراءة فحسب. وعزا بعض خصومه ذلك لتطلعه إلى السلطة. وقريب قول حيدر بأن الترابي ليس مشرقيا ولا مغربيا بل سودانيا قحا إلى قوله الأسبق في أن مشاكل السودان هي (الترابي والملاريا) في اطار تبكيته على التجربة الإسلامية في السودان. واستنكر حيدر على مقالي أن الترابي يؤمن بأن الثورة يمكن أن تصنع الديمقراطية كما حدث في الثورة الفرنسية حيث جاءت الديمقراطية نتاجا للثورة الفرنسية وليس العكس. وذلك مقابل رؤية الغنوشي الذي يؤمن بالتدرج الوئيد في ترسيخ الديمقراطية. ولا أدري مصدر إنكار حيدر إبراهيم لهذا القول الذي يصح بالتجربة التاريخية والنظر المجرد ولكن فشل هذا النموذج في التجربة السودانية لا يعني سقوطه من إطار النظرية. وقال إنني أمضي بعناد تركي محير لأقر أنه رغم إخفاق تجربة الترابي في السودان إلا أن ذات مدرسته التجديدية هي التي تقود النجاح في تونس الآن. وأكد حيدر أن سبب بروز عصر الغنوشي لا يعود إلى تميز تجربته الخاصة ولكنها بسبب تطور التجربة التونسية وهي مقارنة كما قال بين تونس بورقيبة وسودان الأزهري. ومجد تجربة بورقيبة الذي وصفه بالمستبد العادل الذي رسخ الانفتاح والتحديث في تونس وكذلك اللغة الفرنسية التي ربطت النخبة التونسية بفرنسا.
    استغرب أن يتفق الدكتور حيدر معي على مبدأ أفول دولة الترابي وبروز عصر الغنوشي، ويخالفني لمجرد المقارنة بين أسباب النجاح والاخفاق وفقا لتكوينهما الثقافي وتجربتهما السياسية وكسبهما الفكري وأنا أدرك تماما أن السودان ليس تونس. فهذا الأفول والبروز لهما أسباب موضوعية ولكن ليس من بينها سودانية الترابي وتونسية الغنوشي ولكن ربما خصوصية التجربة، فقد كان الترابي في وقت مضى حتى منتصف الثمانينيات هو الناطق الرسمي باسم حركة الحداثة الإسلامية في العالم حيث كانت تحج اليه الحشود وتسعى إليه المنابر ولم يستنكر أحد سودانيته وهو يتزعم هذا التيار العالمي قبل عقود من ظهور الغنوشي. وتشمل خصوصية التجربة ليس كما قال حيدر في المقارنة بين تونس بورقيبة وسودان الأزهري ولكن طبيعة تكوين الدولة السودانية التي ما تزال تواجه حربا شعواء دفعت بتدخل الجيش في السياسة، والحالة التونسية لا تواجه تحديا أمنيا فهي لم تشهد تمردا مسلحا ضد الدولة أو حربا تاريخية لمدة عقود في أحد أقاليمها. إن نجاح تجربة الغنوشي تعود في جزء منها إلى تجربة تطوره الذاتي من حركة نخبوية وصفوية محدودة إلى حركة جماهيرية منفتحة ومرنة تسعى لتوطين الديمقراطية في الفكر الإسلامي قولا وفعلا وليس وسيلة للوصول إلى السلطة. كان يتلخص انتقاد صادق جلال العظم لتجربة أردوغان الإسلامية في تركيا أنه لم يجرب تسليم السلطة والانتقال إلى مقعد المعارضة طوعا بعد أن فاز بها عن طريق صناديق الاقتراع. ولكن الغنوشي أجاب على سؤال العظم حيث أسكت المتشككين في أن الإسلاميين يريدون الديمقراطية للوصول إلى السلطة ولن يرضوا بالتنازل عن الحكم والانتقال إلى كرسي المعارضة حسب الانتخابات ولعبة الديمقراطية حيث انتقل إلى مقعد المعارضة داخل البرلمان التونسي بسلاسة ويسر، بل تنازل عن السلطة وهو صاحب الأغلبية.
    ونختلف مع حيدر في وصفه أن الفرق بينهما أخلاقيا وسلوكيا وليس فكريا وثقافيا لأن الغنوشي إنساني ويستحي وأن الترابي غليظ الكبد ومغرور ويبطش بشعبه. وحيدر لا يستطيع أن ينكر حسب ما يتوفر إليه من شواهد وأدلة أن الغنوشي هو جزء من مدرسة الترابي في إعلاء شأن العقل والنظر المتجدد في الأقضية والفقه. ولا شك أن فشل تجربة الترابي السياسية لأسبابها الذاتية والموضوعية هي خير عظة وبرهان للغنوشي تدفعه للتمسك بمنهج التوافق لا المغالبة وإعلاء الوطن على الشريعة وتونس على النهضة. وقد بلغ الغنوشي شأوا في الجرأة الفكرية قال إنه لا يرى تعارضا بين العلمانية والدين وهو قول لو جهر به الترابي لنصبت له مشانق الفكر في أسواق الخرطوم، ولأصدرت بحقه فتاوي التكفير كما حاول جعفر شيخ إدريس في وقت مضي من قبل في منتصف عقد التسعين أن يتهم الترابي وهو في قمة سلطته وصولجانه أنه يريد أن يقدم الإسلام في ثياب علمانية.
    يقع حيدر في تناقض فكري واضح فهو يرى أن الغنوشي فشل ضربة لازب ومن ثم يؤكد أنه ليس الأحق للفوز بالجائزة حتى بين الإسلامين ، ومن ثم يعود ليؤكد أنه نجح وبدأ عصره في البروز ليس بسبب ميزاته الشخصية أو تطور حركته ونضجها ولكن بسسب المشروع التحديثي الذي طبقه بورقيبة في تونس، ومن ثم يعود ليناقض نفسه مجددا فيقول إن الغنوشي نجح لأنه إنساني ويستحي ويحترم شعبه ويحب الجمال كما قال إنه يحب القرنقل ويحب كل جميل. يكفي للطعن في كل استشهادات حيدر أنه أغفل أن يأتي بقول أو اقتباس واحد من كتاب الغنوشي الأشهر "الحريات العامة في العمل الإسلامي" الذي يعتبر نقطة تحول فكرية كبرى في مسيرته لأنه لا يريد أن ينسب له نقطة مضيئة، كما تجاهل كل إسهامه النظري والسياسي خلال فترة المنفى في لندن. هذا التناقض الذي وقع فيه حيدر وهو يقضي حينا بفشل الغنوشي ويحكم حينا آخر بنجاحه يعود حسب تقديري لغلبة نزعة المناكفة الفكرية لا الدراسة الموضوعية والتعجل لتجريم تجربة الإسلاميين وأبلسة الترابي ، وهو قد ألف في ذلك الكتب وصنف التصانيف. ما لم يتخلص حيدر من إلقاء أقوال المناكفة على عواهنها في مقام البحث الجاد مثل قوله الكاريكاتيري إن الترابي والملاريا هما مشكلة السودان وأن الترابي ليس مشرقيا أو مغربيا بل هو سوداني قح من الجزيرة،لأن تجربة الترابي السياسية والفكرية يمكن تمحيصها وانتقادها بالبحث الجاد والدراسة الموضوعية وليس بالهتافيات.
    من حق الدكتور حيدر إبراهيم بالطبع أن ينتقد قرار مؤسسة بن رشد في منح جائزتها السنوية للفكر الحر للشيخ راشد الغنوشي ويمكنه أن يعدد الأسباب السياسية والفكرية لتبرير رأيه، كما يمكنه أن يواصل نقده لتجربة الإسلاميين في السودان وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي وقد فعل ذلك مرارا. لكن يصعب القبول باتهامه الغليظ الذي ساقه بتكريس عبادة العجل المقدس ( الترابي) لمجرد فتح أبواب النظر للمقارنة بينه وبين تجربة الغنوشي في تونس.
    مازلت عند رأيي الذي بذلته في مقالي السابق "ديمقراطية حيدر إبراهيم: منظراتي ساكت"، أن الدكتور حيدر إبراهيم لا تعوزه الأدوات ولا المعرفة ولا العزم ولا الصدق، بل يتميز بغزارة الإنتاج وتدفق الفكر، ولكن يفتقد وجدان الباحث المحايد لصعوبة التخلص من ميراث الكره الغريزي لكل ما هو إسلامي، كما تعلو عنده نزعة الناشطية السياسية أكثر من التدبر وإثبات النظر العقلي للوقائع وهو كما قلت عنه سابقا "تغدو كتاباته لنقد الإسلاميين كأنها مزيج بين الجهد الفكري والناشطية السياسية التي تسعى لهدم الظاهرة لا دراستها وتفكيكها وتشريحها وتحليلها. لذا لم تجد حظها من القبول والرواج وسط التيار الإصلاحي للإسلاميين أو حتى الناقمين على التجربة جملة وتفصيلا. ولا شك أن أي تجربة للنقد الفكري تعجز عن مد يدها للكتلة المنبتة من الظاهرة موضع الدراسة تحتاج إلى مزيد من التدقيق والمراجعة".
    إذا تغلب الدكتور حيدر على جزء من هذه المثالب وهو في غالبها نفسي أكثر من كونها مكتسبة يمكنه أن يحلق بفكره في فضاءات أوسع ومقامات أعلى من جائزة ابن رشد، لأنه يملك الإنتاج الفكري والجدية والمثابرة على البحث ولكنه يفتقد الحياد اللازم لدراسة الظاهرة بموضوعية علمية لا بتحيز أيدلوجي. وحتى ينتصر نموذج حيدر إبراهيم الذي نتطلع اليه للاستنارة والعقل والمعرفة يريد من ينقذه من نفسه حتى يستقيم ميسم بحثه ونقده المبدع على جادة الحقيقة لا التحيز حتى نظفر بحيدر ابراهيم السوداني القح المتأمل في تجربة الأزهري لا حيدر ابراهيم التونسي القادم من التراث التحديثي لبورقيبة.




                  

12-21-2014, 11:06 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: زهير عثمان حمد)

    الغنوشي: مفكر إسلامي أم سياسي حركي حديث؟ (1) .
    د. حيدر إبراهيم علي

    الحلقة الأولى

    أودُّ بعد أن هدأ ضجيج “سبوع” الشيخ(راشد الغنوشي)أن أساهم بمداخلة أو بعض الآراء حول الرجل، وفكره، وحزبه. وحين أخبرني الأخ (حامد فضل الله) بنبأ منح جائزة (ابن رشد) للفكر الحر لعام2014، ابديت اعتراضي واستغرابي ،ولكن حين طالعت أسماء لجنة التحكيم زال استغرابي واستمر احتجاجي وكتبت لحامد رسالة في الموضوع. ولكن للأسف يبدو أن الأخ حامد، اعتبر أن اعتراضي علي منح الجائزة للشيخ (راشد الغنوشي) هو جزء من كراهيتي “الغريزية” للإسلاميين والإسلامويين كما يروجون بخبثهم المعهود، للتقليل من قيمة النقد الذي يوجه لهم ويكتفون بشخصنة الأمور. وأكرر للمرة الألف ليس لديّ حزازات ومواقف شخصية مع أيّ كائن، ومشكلتي وصراعي حول الحقيقة وصدق المواقف. ولقد أفقدني ذلك الكثيرين ولكن لا استطيع ولا انوي التخلي عنه بعد هذا العمر. وإسلامويو السودان أقل مخلوقات الله نصيبا من الصدق واتساق المواقف. ولهذا أكثر من نقدهم واتشكك في قولهم وسلوكهم وأخلاقهم. ولذلك هذا المقال هو بمثابة تقديم أساس منطقي أو تسبيب أو(rationale)،اعتراضي علي منحه جائزة “للفكر الحر”، وكنت لا أمانع لو كانت للجائزة لمواقفه من الديمقراطية السياسية أو التعددية رغم إسلاميته. وفي الحالة التونسية هناك شخصيات عديدة جديرة بجائزة الفكر الحر ومن بين الإسلاميين أنفسهم، منهم زملاء له ومؤسسون ومجددون داخل الحركة الإسلامية، ولكنهم لم يجدوا شهرته رغم انتاجهم الفكري الغزير والمتيز، وبالمناسبة الغنوشي ليس غزير الانتاج الفكري (لا السياسوي) ولا حتي متوسطه. ومن هؤلاء علي سبيل المثال: صلاح الدين الجورشي، وأحميدة النيفر، صاحب كتاب:(الإنسان والقرآن وجها لوجه).بالإضافة لاكاديميين اجتهدوا في الفكر الإسلامي مع نشاط ديمقراطي: عبدالمجيد الشرفي وآمال قرامي.

    الغنوشي: التكوين والتطور
    لابد من دراسة مكونات شخصية أي مفكر أوسياسي، لأنه لا يظهر فجأة مكتمل التفكير، والنشاط، والرؤية. والغنوشي شخصية قلقة وهذا ما ساعده في البحث عن جديد ومتغير. والقلق نعمة حُرم منها كثير من الإسلاميين لأنهم محافظون ويفضلون ثبات الأشياء. كما أن كثيرا منهم يعمل جاهدا لكبت نعمة القلق، مفضلين إيمان العجائز.

    ولد(الغنوشي)عام1941م في مدينة (الحامة)بالجنوب الشرقي لتونس، وتلقي تعليمه حتي الثانوي هناك ثم انتقل للقاهرة ثم دمشق في مطلع الستينيات. ويؤرخ لنفسه: “وكان جيلنا المشبع بالثقافة العربية الإسلامية، الضحية الكبرى التي تلقت صدمة الاستقلال واكتوت بنرانه، إذ حوصرنا في التعليم والإدارة، فتغربت البلاد وتمشرقنا ولم نجد سبيلا للتمرد علي غربتنا إلا بالهجرة إلي المشرق، إلي بلاد مصر والشام.”(الشيخ راشد الغنوشي سيرة ذاتية بقلمه، صحيفة انوال المغربية 22 يونيو1992).وبالفعل توجه الي مصر والتحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة. ولكن تدهورت العلاقات المصرية-التونسية عقب دعوة (بورقيبة) للاعتراف بإسرائيل، انعكست علي الطلاب التوانسة وحرموا من مواصلة تعليمهم.

    يكتب عالم الاجتماع التونسي(عبدالقادر الزغل) المهتم بتاريخ الحركة الإسلامية، عن هذه الفترة من حياة (الغنوشي) في القاهرة، بأنه كان شديد الإعجاب بالنموذج الألباني المستقل في شيوعيته، يكتب: “أثناء إقامته في القاهرة، كان للغنوشي فضول الاستماع إلي إذاعة ألبانيا الذي كان يذيع بالعربية باتجاه بلدان الشرق الأوسط. بل أنه راسل هذه الاذاعة الداعية إلي إيديولوجية متفردة، هي إيديولوجيا بمثابة المزيج بين ماركسية عالمثالثية ذات منحى دهري و انتظاري مع انتقاد ثابت لسياسة موسكو”. ويقول(الزغل) أن الغنوشي كان ينوي مواصلة دراسته في البانيا. ولقد كاد الزعيم المقبل لحركة الاتجاه الإسلامي أن يتلقي دراسته في جامعة ماركسية لينينية، لولا الصدفة. فقد التقي الغنوشي حين كان يهم بشراء بطاقة سفره من إحدى وكالات السفر، بصديق تونسي كان عائدا من سوريا فنصحه بالتوجه إليها لأنها تحسن معاملة العرب.

    اتجه بالفعل لسوريا وحصل من جامعة دمشق علي دبلوم في الفلسفة والعلوم الاجتماعية. وكانت فترة فوران سياسي، ويقول أنه كان مهيئا جدا للاندماج في التيار العروبي الناصري فانخرط في الاتحاد الاشتراكي. ولكن هزيمة يونيو1967 غيرت من قناعاته العروبية، ويكتب(الزغل)أن الغنوشي أطلق لحيته علي “طريقة فيديل كاسترو” كما كان يقول هو نفسه،ولكن تعاطفه كان مع ثورات العالم الثالث التي لا تبعد كثيرا عن ثقافته الوطنية. (مقال: الاستراتيجيات الجديدة لحركة الاتجاه الإسلامي: مناورة أم تعبير عن الثقافة السياسية التونسية؟ في كتاب ندوة: الدين في المجتمع العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،1990،ص347).
    قصد الغنوشي باريس بعد تخرجه لمواصلة دراسته والتحضير للدكتوراة في الفلسفة الإسلامية. ويسجل أزمة قلقه الروحي، إذ بعد جولات في المدن والأرياف الغربية ،استقر بباريس ويكتب:” وكنت شاهدا خلال اقامتي بها للدراسة العليا علي قساوة الحياة وسرعتها الجنونية وفرديتها وماديتها ونفاقها”. ولم يجد-كما يقول-في ذلك الجحيم من مرفأ للسلام والنجاة من العواصف، غير مسجد في بيت صغير في حي فقير من أحياء العمال. وأنشأ مع عدد من الطلبة المغاربة وطالب باكستاني، نواة للدعوة الإسلامية بمساعدة من جماعة التبليغ. ولكنه ترك الدراسة لأسباب عائلية في نهاية الستينيات، وعاد لتونس.

    يلخص (الغنوشي) تجربته بعد العودة من الخارج:”…ولما رجعت إلي تونس، حضرت حلقات الشيخ بن ميلاذ والتقيت بالشيخ عبدالفتاح مورو، ثم انطلقنا في الحركة الإصلاحية، وقد ساعدني عملي في التعليم الثانوي علي الاتصال بالشباب وتوعيتهم، وكان عملنا يتركز علي التوعة العقائدية…نقدم فيها المفاهيم الغربية وتنقد وتقدم البديل الإسلامي”.(نفس المصدر السابق).وجمع الغنوشي مرجعيات متناقضة. تشتمل علي سلفية الشيخ بن ميلاذ مع منظومة اشتراكية ناصرية وبعثية. واهتم بالكتابة وكان ينشر في مجلة(المعرفة) التونسية وجمع كتاباته في مؤلف بعنوان (مقالات) نشرته حركة (الاتجاه الإسلامي) في باريس عام1982.ونشر ما تبقي في كتاب آخر بعنوان: (حبل الله وبيوت العنكبوت)في عام 1986.ودخل في توفيقية فكرية وسياسية صعبة ولكنه شارك منذ نتصف السبعينيات في عضوية “جمعية الدعوة إلي المحافظة علي القرآن الكريم” حتي انعقاد المؤتمر التأسيسي لحركة “الاتجاه الإسلامي”عام1979(نفس عام زيارة الخرطوم)والتي انشق عنها أغلب رموزها وكونوا عام1983 تيار “الإسلاميين التقدميين. وكان من أهم أسباب الخروج، الاحتجاج علي تصاعد سلطة إمام الحركة، وبسبب التصلب الذي اظهره في مواقفه المذهبية. وسوف نفصّل في الخلاف في مقال قادم لأهمية ذلك في تقييم تفكير(الغنوشي).وحوكم عام1981 بالسجن عشر سنوات وأُطلق سراح في1984 واعتقل مرة أخرى عام 1987.

    أظهر (الغنوشي) وحركته إعجابا وتأثرا كبيرين بالشيخ(حسن الترابي)،وكان هذا الميل واضحا بين كثير من الحركيين الإسلاميين العرب الرافضين لنفوذ التنظيم العالمي للإخوان بأغلبيته المصرية. وهنا يبرز سؤال: من أين وكيف اكتسب(الترابي)وتنظيمه هذه المكانة وحظي بهذا الإعجاب؟ ناب (عبدالله النفيسي) عن جميع الإسلاميين، بالرد والتبرير عندما قارن بين بناء (الترابي) للتنظيم مع بناء الإخوان في مصر. فهو لم ينسب للترابي وحزبه أيّ إضافة فكرية أو نظرية، أواجتهاد مميز، بل اكتفي بالمزايا التنظيمية والحركية. ويكتب:” والحقيقة من يتأمل موقف الحركة الإسلامية في السودان ممثلة ب(الجبهة القومية الإسلامية) بزعامة الترابي ويقارنها (الحركة الإسلامية في مصر) ممثلة ب(الاخوان المسلمين) بزعامة أبو النصر لا يملك إلا أن يصل لجملة من المستخلصات:

    1- استطاعت الحركة في السودان أن تبلور تكتيك الانتقال من حركة صفوية حزبية تنظيمية مغلقة في البدايات ، إلي حركة جماهيرية جبهوية مفتوحة. وفي المقابل نجد أن جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر لم تزل تتمسك بالصيغة الصفوية التنظيمية المغلقة.
    2- استطاعت الحركة في السودان عبر صيغتها الجبهوية المرنة أن تستوعب الحالة الإسلامية في القطر وتوظفها لمنهاج الجبهة. بينما جماعة الإخوان في مصر كقوة محجوبة عن الشرعية لم تستطع القيام بذلك.
    3- الخطاب السياسي والاجتماعي للحركة في السودان لا يقف عند حد البث العقائدي أو الديني المحض بل يوظف ذلك في القضية السياسية والاجتماعية.
    4- استطاعت الحركة في السودان أن تؤسس علاقات واسعة مع الخارج.
    5- اكتسبت الحركة السودانية قدرات تفاوضية مرنة.
    6- أسست الجبهة في السودان حركة نسائية منظمة ومستقلة.(كتاب الحركة الإسلامية- رؤية مستقبلية. القاهرة، مكتبة مدبولي،1989:254).
    ينسي (النفيسي) أن هذه الاختلافات ليس نتيجة أصالة إسلاميتها، ولكن بسبب سودانيتها. فقد ساعدت أجواء التسامح والحرية النسبية مقارنة بالدول العربية الأخرى بهذا التطور للإسلاميين السودانيين. وللمفارقة قاموا باجتثاث مظاهر هذا التسامح والحرية فور وصولهم للسلطة عام1989م.
    يكتب(الجورشي)عن انطباعاتهم عن(الترابي)ولا يذهب بعيدا عما سبق: “كما كانت لبعض عناصر المجموعة جلسة مع حسن الترابي عند زيارته لتونس في أواخر السبعينيات، حيث استغربت انتقاده الشديد والساخر أحيانا من حركة الإخوان المسلمين، اضافة لمعالجته المختلفة للكثير من الجوانب الفكرية والتنظيمية والفقهية “.(2010:140).

    كان (الغنوشي) يعوّل كثيرا علي دور (الترابي) والحركة الإسلامية السودانية، ليس بسبب قوتها الذاتية بل بتميز الظروف المحلية التي تعمل ضمنها. ويبدو لي أن الإسلاميين غير السودانيين، تآمروا مع زملائهم السودانيين علي أن يكون السودان “مختبرا” أو “حقل تجارب”، لأول تجربة لدولة إسلامية سنية معاصرة، باعتباره “الحلقة الضعيفة”- حسب نموذج روسيا عام1917م.أو أن يكون “الدولة القاعدة” حسب مشروع القوميين للوحدة وبالذات “نديم البيطار”. ويظهر صواب هذا الاستنتاج في الدعم الإخواني والإسلاموي الهائلين للانقلاب من وفي الخارج، ومن البداية حُشد إعلام من الخارج لتأييد الانقلاب والدفاع عنه(نموذج محمد الهاشمي الحامدي والذي صار مليونيرا وصاحب قناة فضائية وصحيفة بل حزب ومرشح رئاسة من أموال دافع الضرائب السوداني التي صرفها نظام الجبهة علي كتائب الإعلام الإسلاموي، وعلي رأسها صحيفته المستقلة).وقد ختم(الغنوشي)محاضرته في موسم اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في دورة1979-1980 بالقول:”… بالنسبة للحركة الإسلامية في السودان التي نعقد عليها آمالا كبيرة بالنسبة لهذه المنطقة خاصة في أن تكون المضغة التي ينطلق من صلاحها صلاح الجسم كله(…)وإن المجتمع السوداني لا يزال مجتمعا بكرا.أما الحركة الإسلامية في السودان فلها من تجاربها وموقعها بالنسبة لافريقيا وآسيا وتاريخها الجهادي الطويل ووعى أفرادها وقادتها ما يرشحها-إذا أحسنت التعامل مع جيرانها-لأن تكون أول استجابة ناجحة للتحديات الكبرى المطروحة في المنطقة. لقد ابحرت سفينتكم أيها الاخوة فلا يلتفت منكم أحد إلي دنيا يصيبها أو شهوة يشبعها وأمضوا حيث تؤمرون بجهاد متواصل”.(كتاب الحركة الإسلامية والتحديث،1984 ص ص41و42).

    بالنسبة لي كانت هذه بدايات المؤامرة الإخوانية العالمية علي السودان، ولذلك تعمدت مواجهة (الغنوشي) مباشرة في ندوة مركز دراسات الوحدة العربية في(الحمامات) بتونس نهاية اكتوبر 2012. وصعق الشيخ وتلاميذه حين قلت له: “أنتم الإسلامويون العرب عنصريون تطالبون بالحرية في تونس ومصر بينما تؤيدون انقلاب عسكري يضطهد شعبه في السودان وكأنهم غير جديرين بالحرية”.

    ****
    قدم الاستاذ(خالد موسي دفع الله)في مقالة بعنوان: “افول دولة الترابي وبداية عصر الغنوشي” (سودانايل6 ديسمبر2014) مقارنة غير دقيقة بين الشخصيتين، أفسدتها الايديولوجيا وعين الرضا، فأصدر عددا من الأحكام المجانية والعشوائية. ففي البداية يستخدم تصنيف (الجابري) ليقول عن (الترابي) أنه مشرقي جغرافيا ومغاربي فكريا، ويستمر في كرمه: “إلا أن منابع فكره (الترابي) أقرب إلي المغاربة لإعلائه العقل وشأن التدبر في الآفاق وتأثره بمنهج ابن خلدون وابن رشد في التفكير”.حقيقة استعجب متي سينتهي الإسلاميون حتي العقلاء منهم إلي التوقف عن عبادة هذه الأيقونة أو العجل المقدس بعد كل الذي جره الترابي ب”عقله” الفاوستي علي السودان؟ فالترابي ليس مغاربيا ولا مشارقيا بل سودانيا قحا ومن الجزيرة بلاد القباب والأولياء، وابن قاضي شرعي.ويكتب: “يؤمن الترابي أن الديمقراطية يمكن أن تحدث نتاجا للثورة كما حدث في فرنسا”. فعلا لقد تجلي هذا الإيمان في هندسة “الإنقاذ” ليأتي لنا المفكر بديمقراطية علي ظهر دبابة تنويعا علي العزف الفرنسي. ويمضي (خالد) مخففا ليقول أن(الترابي) يري “أن الغرب لايريد ولا يقبل ديمقراطية تلد إسلاما”. وهذه معادلة معكوسة تماما، نحن نريد إسلاما يلد ديمقراطية حقيقية وليست أداتية أي وسيلة توصل إلي السلطة سلميا وتختصر في “الصندوء” أو “الصندوق”. إذ لا يمكن استبعاد حريات التعبير والعقيدة والتفكير عن مضمون الديمقراطية كما يفعل الإسلاميون فهمهم.

    يصر (خالد) في عناد تركي محير علي أن يختم مقاله بالقول: ” العبرة أنه رغم فشل تجربة الترابي في السودان إلا أن مدرسته الفكرية والتجديدية هي التي تقود النجاح في تونس الآن. ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار”.اتعليقي فقط هو: اللهم نسألك لطف القضاء.

    الاختلاف بين (الترابي) و(الغنوشي) ليس فكريا ولا سياسيا بل أخلاقيا وسلوكيا. فالغنوشي يستحي ويخجل ولكن الترابي لا يستحي أبدا ومغرور، كما أن الغنوشي يحترم شعبه ويضع له اعتبارا،بينما (الترابي) يتعامل مع شعبه باحتقار ويتعمد إذلاله واهانته كما يتكرر كثيرا في تصريحاته المستفزة. الترابي فظ وغليظ الكبد وجاف، وفي هذه الصدد يمكن سؤال من عرفه عن قرب بالذات التيجاني عبدالقادر،وحسن مكي، والطيب زين العابدين، وارجعوا لقصته مع المرحوم (زين العابدين الركابي) عندما كان رئيس تحرير جريدة (الميثاق) في ستينيات القرن الماضي. بينما(الغنوشي)يمكن وصفه أحيانا باللطف وللفلسفة والتصوف مسحة في سلوكه.سأله مرة الصحفي(قصى صالح الدرويش): هل تحب الياسمين؟ فأجاب: نعم.. والقرنفل وكل ما جميل. (حوار ص190). وقد صدق (يوسف الكويليت) – نقتبس من (خالد): “يمثلان نموذجا للقيادة البراقماتية أو المكيافيلية حسب تعبيره رغم فوارق الثقافة والاقتصاد”.

    هناك سبب موضوعي للأفول وبداية عصر، فقد تميز الغنوشي بسبب اختلاف تطور تونس وليس تطوره الخاص فقط، وهذا أيضا قد يجيب علي سؤال ضمني: لماذا لم ينفرد بالسلطة؟ يكمن السبب في الفرق بين تطور تونس بورقيبية والحزب الاشتراكي الدستور؛ وبين سودان الازهري ولقاء السيدين، وعبود، والنميري، والبشير.كما أن النخبة التونسية تثاقفت مع الفكر الغربي من خلال اللغة الفرنسية، بينما النخبة السودانية اكتفت باكتساب اللغة دون التأثر بالفكر الغربي (لغة عمل وتخصصات فقط). وفي تونس حاول(بورقيبة) القيام بدور المستبد العادل التحديثي أو فرض التحديث، واستطاع بجرأة وبلا تردد التغلب علي مقاومة المحافظين والتقليديين. وفرض نظاما تعليميا حديثا رغم كل ابتزاز مراكز قوى جامع الزيتونة. كما شرّع قوانين مجلة الأحوال الشخصية في مساواة المرأة. وكان يبالغ في توصيل رسالته أحيانا فقد أفطر علي شاشة التلفزيون في رمضان ليعطي العمال رخصة الإفطار لو احسوا بالتعب. اختلف في الكثير مع بورقيبة ولكنه خلق واقعا وتاريخا لتونس لا يستطيع(الغنوشى)ولا غيره أن يلغيه أو يتجاوزه.

    منطق جائزة (إبن رشد) وحسب اسمها،هي للمؤمنين والمدافعين عن الفكر الحر والحرية عموما في كل أشكالها. وفي ذكر المواقف مع الحرية وحقوق الانسان، يخاطب الأخ (حامد فضل الله) (الغنوشي): “دافعت عن خصومك السياسيين” ولكن لم يدافع عن الشعب السوداني المسلم بل كان يتجول بجواز سفر دبلوماسي،بينما كان النصاري حينها في منظمة العفو الدولية وجمعيات حقوق الإنسان الغربية يدينون “بيوت الاشباح” في الخرطوم. فهذا هو الكيل بمكيالين الذي يدينه الإسلاميون في موقف الغرب تجاه حقوق .ولكن (الغنوشي)اختار المبدأ الجاهلي(أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) فهو مطالب بتأييد أخيه الذي في السلطة ظالما أو مظلوما لكي لايفقد هذه السلطة. كنت أتمني لو اطلع الأخ(حامد)علي هذه المقابلة التي أجريت مع الغنوشي عام1991.فقد كان يرد نفس كلام النظام في تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان.فهو يقول أن عدد المساجين سياسيا في السودان49 سجينا وأن قادة المعارضة خرجوا من السودان بجوازات سفر دبلوماسية وأن(المهدي)ينتقد النظام في خطب الجمعة.وفي سؤال عن رأيه في الانقلابات يقول:” أنا في ظني لأن الصرا ع الحزبي أخذ من الاهمية ما غطي علي المصلحة الوطنية العليا”. وعندما سأله الصحفي هل يبرر الانقلابات ،رد:”أنا لا أبرر الانقلابات العسكرية،ولكن أقول بأن هناك أمرا واقعا، لأن ديمقراطياتنا التي عُرفت كانت هشة”.( حوارات قصي صالح الدرويش. الدار البيضاء، منشورات الفرقان،1993:173 ).

    طلبت من الأخ (حامد) أن يبرز أي مذكرة أو بيان أو إعلان أبدي فيه (الغنوشي) مع معتقل أو معارض غير إسلامي؛ أو أي احتجاج علي إغلاق صحيفة أو منع صحفي عن الكتابة، وقع عليه أو ساعد في ترويجه، ليبرر وصف حامد له بالمدافع عن الحريات. وفي يونيو1977 تم إنشاء الرابطة التونسية لحقوق الانسان وهي الأولي من نوعها في إفريقيا. لم يكن للغنوشي والاتجاه الإسلامي أي دور. وفي نفس العام 21ديسمبر1977 اعتقل الغنوشي ودافعت عنه الرابطة حتي أُطلق سراحه مطلع عام1980،ومع ذلك لم ينشط فيها هو ولا حزبه. فقد كانت مثل هذه المنظمات تعتبر غربية الهوى ويسارية النشاط. وحتي المنظمة العربية لحقوق الانسان التي تكونت في ليماسول بقبرص لم يكن الغنوشي من المبادرين.

    هذه هي مواقف صاحب جائزة الفكر الحر من الحريات عموما، وهو يري الحرية مشروطة بالهوية والتي هي الإسلام في تونس. ويقول: “فالحرية السياسية تفترض ،أو الديمقراطية تفترض مضمونا ثقافيا. فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية في أي بلد إلا بالحديث عن هوية، عن المضمون الثقافي الذي يتحرك في إطاره الجهاز الديمقرايطي”. ومن الواضح أنه يتجه نحو تضييق الحرية وتحديد شروطها حسب رؤيته: “عندم نتحدث عن الحرية بالمعنى السياسي، تنظيم المجتمع، فإن تنظيم المجتمع يقتضي أرضية ثقافية هي الإسلام(…) وبالتالي، فالإسلام هو الذي من حقه أن يحكم، ومن حق الإسلام الذي يملك فيه أغلبية أن يؤطر المجتمع المجتمع،أن يصوغ المجتمع”.( قصى الدرويش، ص34).هذا هو الفرق في فهم الأغلبية، الحزب الفائز بالأغلبية لا يدعي حق تأطير وصياغة المجتمع، هناك سياسات قومية أو وطنية ثابتة نسبيا يتحرك داخلها كل حزب من أقصى اليسار حتي أقصى اليمين أو ما يسمي روح الأمة(ethos)،أي الإجماع الوطني حول رؤية مشتركة لخير الوطن وصالحه.

    يقول له الصحفي أن هناك اختلافات في ثقافة الأغلبية، فهناك مسلمون يندرجون ضمن الاغلبية المسلمة ولكن قد لا يندرجون ضمن الاغلبية المناضلة من أجل الإسلام السياسي الحاكم؟ فيرد:” نحن نعيش في وضع استثنائي، نعيش في مرحلة تحول من مجتمع نخبته محكومة بالغرب ثقافة وسياسة واقتصادا إلي مجتمع علي وعي بشخصيته، إلي مجتمع إرادته مستقلة، سياسيا واقتصاديا”.(ص35)ويشبه المجتمع بفندق “يتساكن” في أناس متنافرين، ولكن تأتي مرحلة يعي فيها هؤلاء المتساكنون “أنهم لم يجتمعوا بمحض صدفة وإنما هم هوية” .وبالتالي من يحكمهم ينبغي أن يحترم هذه الشخصية الثقافية “أما الذين يرفضون الانتماء لهذه الهوية (..) فهم غرباء”. ولا تختلف لغة(الغنوشي) عن أيّ سلفي حين يتحدث عن اللإكار الجديدة المخالفة لرؤيته، فهو يعتبر الشيوعية رافضة للإسلام، أمّا العلمانية فهي “بضاعة أجنبية، بضاعة مسيحية نمت في مرحلة الغزو الفكري”(ص36).ولا شك أن (إبن رشد)قد تقلب في مرقده حين سمع فكر حامل جائزته تجاه الآخر المختلف.


                  

12-22-2014, 06:29 AM

عواطف ادريس اسماعيل
<aعواطف ادريس اسماعيل
تاريخ التسجيل: 08-11-2006
مجموع المشاركات: 8006

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: زهير عثمان حمد)

    لغنوشي: التكوين والتطور
    لابد من دراسة مكونات شخصية أي مفكر أوسياسي، لأنه لا يظهر فجأة مكتمل التفكير، والنشاط، والرؤية. والغنوشي شخصية قلقة وهذا ما ساعده في البحث عن جديد ومتغير. والقلق نعمة حُرم منها كثير من الإسلاميين لأنهم محافظون ويفضلون ثبات الأشياء. كما أن كثيرا منهم يعمل جاهدا لكبت نعمة القلق، مفضلين إيمان العجائز.

    لا فض فوك

    معيش الإقتباس عندي مش شغال
                  

12-22-2014, 07:45 AM

wadalzain
<awadalzain
تاريخ التسجيل: 06-16-2002
مجموع المشاركات: 4701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: عواطف ادريس اسماعيل)

    تحياتى

    أمثال خالد موسى لأن دكتور حيدر إبراهيم يوجعهم نقدا وتحليلا ولذلك يتربصون له ، وامثال خالد موسى لا يفتح الله لهم بكلمة واحدة حول اغلاق سلطة الإنقاذ لمركز الدراسات السودانية في الخرطوم ولا لاسباب اغلاق مكتبة دكتور حيدر إبراهيم ، بل تجدهم يطنطنون بالكلام الساكت اما الأفعال المطابقة لهذا الكلام فهم عير معنيين بها ولذلك ان أمثال خالد موسى هذا هم أبناء شرعيون للحركة الإسلامية وسلطة الإنقاذ يبررون للباطل ويدافعون عن الظلم بتنميق الكلام وتهافت المنطق وبتزويق العبارات محاولين ذر الرماد في العيون من رؤية الحقيقة ولكن هيهات لهم .
                  

12-24-2014, 00:58 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: wadalzain)

    Quote: ولذلك ان أمثال خالد موسى هذا هم أبناء شرعيون للحركة الإسلامية وسلطة الإنقاذ يبررون للباطل ويدافعون عن الظلم بتنميق الكلام وتهافت المنطق وبتزويق العبارات محاولين ذر الرماد في العيون من رؤية الحقيقة ولكن هيهات لهم


    Thank you, Wadalzain... and with no shame he denied that he's a Haraka Islamiaya...!

    mohamed elgadi
                  

12-24-2014, 10:00 AM

عثمان عبدالقادر
<aعثمان عبدالقادر
تاريخ التسجيل: 09-16-2005
مجموع المشاركات: 1296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: Mohamed Elgadi)

    زهير / طيب التحايا

    قد تكون اللغة جيدة ولكنها خاوية على عروشها من الفكر والتامل ، قد يكون صاحبها أديبا ولكنه ليس مفكرا بالقطع ، فمن خلال ماكتب اتضح لي أنه غير ملم بابسط قواعد الفيزياء الاجتماعية حين أنكر قول د.حيدر بان الترابي ابن الجزيرة وقاض شرعي وهو يشير بها
    إلى أن المرحلة التي انطلق منها مرحلة متخلفة لا تؤهله لأكثر مما عرف عنه بالفوضى المفهومية كما قال محمد أركون عن كتابه الأخير والزئبقية التي قالها د. حيدر والميكافيللية التي عرفها الناس جميعا لذلك مقارنته بالمغاربة لا تصح لاختلاف البيئتين ونقاط الانطلاق.
    كما برز عدم نضجه الفكري في تأييد رأي الترابي بأن الثورة تأتي بالديمقراطية متجاهلا كل العناصر التي تقف ضد هذه الرؤية وعلى رأسها مقولة الأستاذ محمود محمد طه ( أفضل وسيلة لتعلم الحرية هي ممارستها ) فالعبد إذا مكث في عبوديته سنة أو ألف عليه أن يبدأ
    من نفس المربع حتى ينطلق ويرتقي بحريته !! كذلك وصفه وقناعته بأن الترابي مجدد ونحن هنا معه فاليأتنا بتجديده كما هو مشهود لابن حزم الأندلسي في الطوق والإمام الشاطبي في الموافقات أوالرسالة الثانية للأستاذ محمود فهل ظن أن ميكافيللية الترابي وتلفيقاته هي
    التجديد !!!!؟ إن المجدد صاحب منهج واضح تغني معرفته عن الفتاوي في كل صغيبرة وكبيرة لأنها تتداعى للسائل تلقائيا عند اطلاعه على المنهج ولكن الترابي ملفق ميكافيللي زئبقي وأوافق د.حيدر أنه والملاريا من أكثر ما ابتلي به أهل السودان .
    والله يازهير ما فاضي ومستعجل ولو كنت كذلك لشرشحت هذا الدعي المؤدلج .

    أبو حمـــــــــــــــــــــــــــد
                  

12-25-2014, 06:31 AM

wadalzain
<awadalzain
تاريخ التسجيل: 06-16-2002
مجموع المشاركات: 4701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيدر ابراهيم والترابي والملاريا مقال لسفير خالد موسي يهاجم فيه بلغة راقية# (Re: عثمان عبدالقادر)

    تحياتى اخى عثمان

    أبناء حركة الترابى كلهم مثل الميت بين يدى غاسله ، واذا عطس الترابى فتجدهم كلهم في انحاء المعمرة يشمتونه ، لم ينفعهم علم ولم تنفعهم سياحتهم بين شعوب الأرض المختلفة ليتعلموا منها الاختلاف وادب الاختلاف
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de